من المعلوم أنّ المياه ثروة متجدّدة وهي عصب الحياة للبشر والحيوان والشّجر.لكن هذا التجدّد أصبح يتم ببطء شديد في كل دول العالم تقريبا بحكم التغيّرات المناخية والاحتباس الحراري الذي قلّص نزول الأمطار.
وستشمل التغيّرات المستقبلية في توزيع هطول الأمطار في العالم أكثر من ثلثي اليابسة، مما يؤثر على حياة أكثر من 3 مليارات شخص على الأقل بسبب زيادة تساقط الأمطار أو الجفاف.
وأظهرت نتائج دراسة جديدة، نشرت على موقع “ذا كونفرسيشن”،المختص أن العديد من البلدان ستواجه ظروفا أكثر جفافا في المستقبل، وكشفت أن البلدان الخمسة التي ستكون الأكثر تضررا نتيجة تراجع تساقط الأمطار تنتمي لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وهي اليونان وإسبانيا وفلسطين والبرتغال والمغرب، وتونس.
وبالتالي فخطر الجفاف والعطش أصبح مطروحا في جلّ الملتقيات والمنتديات الدولية فضلا على أنه التحدي الأول الذي تواجهه الحكومات . فالمياه هي المحرّك الأول للتنمية المستديمة، وهي ضرورية كذلك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان.
أزمة عالمية
وفق آخر التقارير الأممية الصادرة في 2019 يموت حوالي300ألف طفل دون سن الخامسة كل عام بسبب أمراض الإسهال وسوء الصرف الصحي أو سوء النظافة أو مياه الشرب غير الآمنة.
وحاليا يواجه 3,6 مليارات شخص صعوبة في الحصول على مياه كافية لمدة شهر على الأقل في السنة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 5 مليارات شخص بحلول عام 2050، ما لم يتمّ اتخاذ إجراءات عاجلة يوصي بها الخبراء و تحتاج الى مجهودات دولية موحّدة والى خطط حكومية ومشاريع تهدف الى الحفاظ على المائدة المائية وتأمين المياه منها:
- سياسة ما يسمّى بالتكيّف والتخفيف وهما آليتان متكاملتان
فالتكيّف يشمل مجموعة من الخيارات الطبيعية والتقنيات والتكنولوجيات والتدابير الاجتماعية والمؤسسية الرامية إلى تخفيف الأضرار، والاستفادة من النتائج الإيجابية القليلة لتغير المناخ. ومن المفترض أن يعود التكيّف بنتائج إيجابية سريعة للغاية، ولا سيما على الصعيد الوطني.
أمّا التخفيف فيشمل التدخلات البشرية الضرورية للتقليص من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. ويشمل التخفيف مناطق جغرافية شاسعة في الدول الأكثر تصديرا لهذه الانبعاثات. وهي مجهودات تصطدم بالسياسي والصناعي والاقتصادي وبالتالي فانّ ظهور نتائجها قد يحتاج الى عقود .
تونس والمياه
يتراوح متوسط هطول الأمطار السنوي من أقل من 100 مليمتر في السنة في الجنوب إلى 1500 ملم/ السنة في الشمال الغربي. ويبلغ إجمالي موارد المياه السطحية 2,700 مليون متر مكعب.
وبالتالي فنظريّا تونس لا يمكن أن تكون معرضة للعطش ولا شيء يبرر الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب خاصة في الصيف والسبب في ذلك يعود الى موقعها الجغرافي ومناخها المتوسطي المعتدل وكميات الأمطار المسجلة سنويا وخاصة نسبة السكان. حيث لم تشهد تونس خلال تاريخها موجة جفاف تجاوزت السنتين مثلما هو في الحال في عديد الدول المعرضة للعطش.
والمائدة المائية لبلادنا والمخزون فيها لم يبلغا يوما مستوى الخطر برغم استنزافه الكبير من طرف شركات تعليب المياه .
حيث يقدر إجمالي الاحتياطيات القابلة للاستغلال بحوالي 2,100 منها 1,486 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة، والتي تمثل حوالي 69,6% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة، و650 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة الضعيفة، والموجودة بشكلٍ أساسي في الجنوب وتمثل 30,4% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة.
أماّ واقعيا فالوضعية كارثية. وتنقسم أزمة المياه في تونس الى أزمتين كلاهما في حاجة لمعالجة سريعة الأولى تشمل الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب .
والثانية تتعلّق بسوء المياه في حدّ ذاتها حيث أن التونسيين يعدّون الأكثر استهلاكا للمياه المعدنية والمعلبة وأكثر من 45 بالمائة لا يستهلكون مياه الحنفيات للشرب وذلك للسبب الذي ذكرنا ويحتلون المرتبة الثانية عالميا وهي مرتبة تدعو الى دقّ نواقيس الخطر . فهذه الشركات التي تكاثرت بشكل كبير (هناك 30 وحدة لتعليب المياه في تونس تتوزع على 13 ولاية بالإضافة الى 20 ألف من الآبار العشوائية) تقوم باستنزاف الطبقة المائية الجوفية. والمفارقة أنها ترتكز في مناطق وجهات تعاني من الانقطاعات المتكررة للمياه و من نقص التزود به. وبالتالي فهي تهديد صريح لحق الأجيال القادمة في الماء ومصادرة لحقهم في الحياة ولابدّ من أن يلعب الديوان التونسي دوره التعديلي حفاظا على هذه الثروة من الاستنزاف .
أمّا الانقطاعات في المياه والتي تكثر خاصة صيفا فلا علاقة لها بمخزون المياه ولا بالثروة المائية انّما الأمر راجع الى اهتراء البنية التحتية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه حيث أن أغلبها لم يتم تجديده منذ عقود وهو ما يظهر خاصة في نوعية الماء وتغيّر لونه هذا بالإضافة الى الأعطاب اليومية والناتجة عن الضغط المضاعف على الشبكة.
الأزمة في أرقام وسبل تطويقها
أزمة المياه في تونس إذن حقيقة قائمة وخطر بصدد التوسع ليمتدّ الى الأجيال القادمة كما قلنا. وهي الحقيقة التي تعكسها بعض الأرقام حيث يحدّد نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس اليوم بأقل من 400 متر مكعب في السنة، أي نصف ما يجب أن يستهلكه الشخص الطبيعي وفق مقياس منظمة الصحة العالمية، والذي يتراوح بين 750 و900 متر مكعب سنوياً.
كما يشكو أكثر من 300 ألف مواطن في تونس من غياب الربط بالماء الصالح للشرب. إضافة إلى مئات المدارس التي لا ترتبط بالماء.
وتتفاوت نسب الربط بالماء بين جهات البلاد، حيث تتراوح النسبة بين 30 و44 في المائة في ولايات الوسط الغربي، وتبلغ 100 في المائة في العاصمة والولايات الساحلية.
ولابدّ بالتالي من تطويق هذه الأزمة قبل استفحالها واستحالة السيطرة عليها وذلك عبر:
• الحدّ من استنزاف شركات المياه المعلبة والمحطات الاستشفائية لمخزون المياه.
• منع حفر الآبار العشوائية أو ما يعرف ب"الصونداج" في المنازل والفضاءات الخاصة .
• إرساء ثقافة مواطنية من خلال برامج التربية والتعليم والتوعية الشعبية الشاملة.( وفي هذا الإطار أطلقت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط حملة تحسيسية وتحذيرية بعنوان"حقّ الطفل في الماء وترشيد استهلاكه" تتضمن ترشيد استهلاك الماء لدى الأطفال عبر ومضات تحسيسية وبالتعاون مع وسائل الإعلام والتصدّي للانقطاعات المتكررة للمياه في فصل الصيف وخاصة في الأرياف وتقبّل الإشعارات بخصوص ذلك والتواصل مع المسؤولين لإيجاد الحلول الوقائية والقيام بالتدخلات العاجلة .
كما تضمنت التتبع القضائي لمن يثبت تهاونه (جمعيات مائية أو أشخاص طبيعيون أو معنيون..) ويكون السبب المباشر في حرمان الأطفال من هذا الحق الطبيعي .
• حلّ ما يعرف بالجمعيات المائية الأهلية وتركيز شركة وطنيّة لتوزيع المياه بالوسط الريفي.
• تشديد العقوبات المرتبطة بانتهاك الثروة المائية .
الماء ثروة تتجدد كما تنضب والتمتع بها حقّ طبيعي ودستوري لكنها أيضا حقّ للأجيال القادمة ومن المهم المحافظة عليها وإثراؤها.
ريم بالخذيري.
رئيسة المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط
من المعلوم أنّ المياه ثروة متجدّدة وهي عصب الحياة للبشر والحيوان والشّجر.لكن هذا التجدّد أصبح يتم ببطء شديد في كل دول العالم تقريبا بحكم التغيّرات المناخية والاحتباس الحراري الذي قلّص نزول الأمطار.
وستشمل التغيّرات المستقبلية في توزيع هطول الأمطار في العالم أكثر من ثلثي اليابسة، مما يؤثر على حياة أكثر من 3 مليارات شخص على الأقل بسبب زيادة تساقط الأمطار أو الجفاف.
وأظهرت نتائج دراسة جديدة، نشرت على موقع “ذا كونفرسيشن”،المختص أن العديد من البلدان ستواجه ظروفا أكثر جفافا في المستقبل، وكشفت أن البلدان الخمسة التي ستكون الأكثر تضررا نتيجة تراجع تساقط الأمطار تنتمي لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وهي اليونان وإسبانيا وفلسطين والبرتغال والمغرب، وتونس.
وبالتالي فخطر الجفاف والعطش أصبح مطروحا في جلّ الملتقيات والمنتديات الدولية فضلا على أنه التحدي الأول الذي تواجهه الحكومات . فالمياه هي المحرّك الأول للتنمية المستديمة، وهي ضرورية كذلك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان.
أزمة عالمية
وفق آخر التقارير الأممية الصادرة في 2019 يموت حوالي300ألف طفل دون سن الخامسة كل عام بسبب أمراض الإسهال وسوء الصرف الصحي أو سوء النظافة أو مياه الشرب غير الآمنة.
وحاليا يواجه 3,6 مليارات شخص صعوبة في الحصول على مياه كافية لمدة شهر على الأقل في السنة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 5 مليارات شخص بحلول عام 2050، ما لم يتمّ اتخاذ إجراءات عاجلة يوصي بها الخبراء و تحتاج الى مجهودات دولية موحّدة والى خطط حكومية ومشاريع تهدف الى الحفاظ على المائدة المائية وتأمين المياه منها:
- سياسة ما يسمّى بالتكيّف والتخفيف وهما آليتان متكاملتان
فالتكيّف يشمل مجموعة من الخيارات الطبيعية والتقنيات والتكنولوجيات والتدابير الاجتماعية والمؤسسية الرامية إلى تخفيف الأضرار، والاستفادة من النتائج الإيجابية القليلة لتغير المناخ. ومن المفترض أن يعود التكيّف بنتائج إيجابية سريعة للغاية، ولا سيما على الصعيد الوطني.
أمّا التخفيف فيشمل التدخلات البشرية الضرورية للتقليص من انبعاث غازات الاحتباس الحراري. ويشمل التخفيف مناطق جغرافية شاسعة في الدول الأكثر تصديرا لهذه الانبعاثات. وهي مجهودات تصطدم بالسياسي والصناعي والاقتصادي وبالتالي فانّ ظهور نتائجها قد يحتاج الى عقود .
تونس والمياه
يتراوح متوسط هطول الأمطار السنوي من أقل من 100 مليمتر في السنة في الجنوب إلى 1500 ملم/ السنة في الشمال الغربي. ويبلغ إجمالي موارد المياه السطحية 2,700 مليون متر مكعب.
وبالتالي فنظريّا تونس لا يمكن أن تكون معرضة للعطش ولا شيء يبرر الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب خاصة في الصيف والسبب في ذلك يعود الى موقعها الجغرافي ومناخها المتوسطي المعتدل وكميات الأمطار المسجلة سنويا وخاصة نسبة السكان. حيث لم تشهد تونس خلال تاريخها موجة جفاف تجاوزت السنتين مثلما هو في الحال في عديد الدول المعرضة للعطش.
والمائدة المائية لبلادنا والمخزون فيها لم يبلغا يوما مستوى الخطر برغم استنزافه الكبير من طرف شركات تعليب المياه .
حيث يقدر إجمالي الاحتياطيات القابلة للاستغلال بحوالي 2,100 منها 1,486 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة، والتي تمثل حوالي 69,6% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة، و650 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة الضعيفة، والموجودة بشكلٍ أساسي في الجنوب وتمثل 30,4% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة.
أماّ واقعيا فالوضعية كارثية. وتنقسم أزمة المياه في تونس الى أزمتين كلاهما في حاجة لمعالجة سريعة الأولى تشمل الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب .
والثانية تتعلّق بسوء المياه في حدّ ذاتها حيث أن التونسيين يعدّون الأكثر استهلاكا للمياه المعدنية والمعلبة وأكثر من 45 بالمائة لا يستهلكون مياه الحنفيات للشرب وذلك للسبب الذي ذكرنا ويحتلون المرتبة الثانية عالميا وهي مرتبة تدعو الى دقّ نواقيس الخطر . فهذه الشركات التي تكاثرت بشكل كبير (هناك 30 وحدة لتعليب المياه في تونس تتوزع على 13 ولاية بالإضافة الى 20 ألف من الآبار العشوائية) تقوم باستنزاف الطبقة المائية الجوفية. والمفارقة أنها ترتكز في مناطق وجهات تعاني من الانقطاعات المتكررة للمياه و من نقص التزود به. وبالتالي فهي تهديد صريح لحق الأجيال القادمة في الماء ومصادرة لحقهم في الحياة ولابدّ من أن يلعب الديوان التونسي دوره التعديلي حفاظا على هذه الثروة من الاستنزاف .
أمّا الانقطاعات في المياه والتي تكثر خاصة صيفا فلا علاقة لها بمخزون المياه ولا بالثروة المائية انّما الأمر راجع الى اهتراء البنية التحتية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه حيث أن أغلبها لم يتم تجديده منذ عقود وهو ما يظهر خاصة في نوعية الماء وتغيّر لونه هذا بالإضافة الى الأعطاب اليومية والناتجة عن الضغط المضاعف على الشبكة.
الأزمة في أرقام وسبل تطويقها
أزمة المياه في تونس إذن حقيقة قائمة وخطر بصدد التوسع ليمتدّ الى الأجيال القادمة كما قلنا. وهي الحقيقة التي تعكسها بعض الأرقام حيث يحدّد نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس اليوم بأقل من 400 متر مكعب في السنة، أي نصف ما يجب أن يستهلكه الشخص الطبيعي وفق مقياس منظمة الصحة العالمية، والذي يتراوح بين 750 و900 متر مكعب سنوياً.
كما يشكو أكثر من 300 ألف مواطن في تونس من غياب الربط بالماء الصالح للشرب. إضافة إلى مئات المدارس التي لا ترتبط بالماء.
وتتفاوت نسب الربط بالماء بين جهات البلاد، حيث تتراوح النسبة بين 30 و44 في المائة في ولايات الوسط الغربي، وتبلغ 100 في المائة في العاصمة والولايات الساحلية.
ولابدّ بالتالي من تطويق هذه الأزمة قبل استفحالها واستحالة السيطرة عليها وذلك عبر:
• الحدّ من استنزاف شركات المياه المعلبة والمحطات الاستشفائية لمخزون المياه.
• منع حفر الآبار العشوائية أو ما يعرف ب"الصونداج" في المنازل والفضاءات الخاصة .
• إرساء ثقافة مواطنية من خلال برامج التربية والتعليم والتوعية الشعبية الشاملة.( وفي هذا الإطار أطلقت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط حملة تحسيسية وتحذيرية بعنوان"حقّ الطفل في الماء وترشيد استهلاكه" تتضمن ترشيد استهلاك الماء لدى الأطفال عبر ومضات تحسيسية وبالتعاون مع وسائل الإعلام والتصدّي للانقطاعات المتكررة للمياه في فصل الصيف وخاصة في الأرياف وتقبّل الإشعارات بخصوص ذلك والتواصل مع المسؤولين لإيجاد الحلول الوقائية والقيام بالتدخلات العاجلة .
كما تضمنت التتبع القضائي لمن يثبت تهاونه (جمعيات مائية أو أشخاص طبيعيون أو معنيون..) ويكون السبب المباشر في حرمان الأطفال من هذا الحق الطبيعي .
• حلّ ما يعرف بالجمعيات المائية الأهلية وتركيز شركة وطنيّة لتوزيع المياه بالوسط الريفي.
• تشديد العقوبات المرتبطة بانتهاك الثروة المائية .
الماء ثروة تتجدد كما تنضب والتمتع بها حقّ طبيعي ودستوري لكنها أيضا حقّ للأجيال القادمة ومن المهم المحافظة عليها وإثراؤها.