إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"العدوى الإجرامية".. وباء صامت يهدد أمننا الجماعي

*مختص في علم الإجرام لـ"الصباح نيوز": "العدوى الاجرامية" ظاهرة معقدة تتنقل كعدوى غير مرئية

متابعة للجريمة التي اهتزت على وقعها مدينة الشبيكة من ولاية القيروان والتي أثارت صدمة واسعة في صفوف الأهالي مساء الاثنين الفارط، والمتمثلة في تورط خالة في قتل ابن شقيقتها إثر طعنة قاتلة تلقاها على مستوى البطن بواسطة آلة حادة، وكذلك جريمة قتل ابن لوالده في القصرين منذ أيام بسبب تعاطيه للمخدرات وكذلك جرائم اخرى لا تكفي المساحة لاعادة التذكير بها جديد..
وأمام ما نعيشه في كل يوم من "غرائب جرائم القتل" المتكررة والمتسبب فيها أقرب الناس إلينا: آباء، أمهات، أزواج، عمات أو خالات بات هناك سؤال مهم يطرح الا وهو  هل صرنا اليوم أمام "فيروس اجتماعي" ام "عدوى جماعية" للجريمة.

حين يصبح الانحراف وباء ..
في هذا السياق يرى المختص في القانون وعلم الإجرام الاستاذ أسامة الخزامي أن الجريمة في مجتمعاتنا لم تعد مجرد أفعال فردية معزولة، بل تحولت إلى ظاهرة معقدة تتنقل بين الأفراد كعدوى غير مرئية.. وقال :" نحن أمام واقع صادم ذلك ان الجريمة اليوم ليست فقط فعلا، بل بيئة تنتج وتعيد إنتاج المجرمين."
وأضاف محذرا: "ما لم نواجه هذه الحقيقة بشجاعة، فإننا نزرع أجيالا كاملة ترى في العنف أسلوب حياة طبيعي، وفي السجن محطة عابرة".

 من السلوك الفردي إلى النمط الجماعي
في نفس السياق بين الخزامي قائلا: " إن السؤال اليوم لم يعد من ارتكب الجريمة؟ بل كيف يصبح الإنسان مجرما؟
وأضاف:" في علم الإجرام نطلق على هذه الظاهرة العدوى الإجرامية.. وهي انتقال السلوك المنحرف عبر التكرار، التقليد أو التبرير الجماعي.. في الأحياء المهمشة والفضاءات الرقمية المسمومة، يصبح العنف اليومي، المخدرات، وحمل السلاح الأبيض مجرد روتين."
وشدد على أن الأخطر هو المراهق الذي ينشأ في هذا الوسط حيث يفقد مناعته النفسية تدريجيا ويبدأ بالتبرير، ثم يمر إلى المحاكاة، ثم يتحول هو نفسه إلى فاعل إجرامي.

التطبيع مع العنف.. الأمثلة صارخة
وبالتوازي مع ما سلف ذكره نجد مثلا مراهقين يشهرون السيوف في الأعراس، أمام عدسات الهواتف الذكية، وسط تصفيق الحاضرين.. أو فتيات يتباهين على "تيك توك" و"فيسبوك" بتعنيف زميلاتهن والتنمر عليهن لجلب أكثر متابعين ومشاهدات.
كذلك إطلاق النار في الأفراح ببنادق الصيد كرمز للشجاعة والوجاهة.. كل هذه السلوكيات ليست تفاصيل عابرة، من منظور علم الإجرام، لاننا نحن بذلك أمام تطبيع خطير مع العنف الرمزي، حيث السلاح أصبح يقدّم كرمز للفرح لا للخطر والنتيجة طبعا، انهيار تدريجي للمعايير الاجتماعية، وتحوّل أدوات العنف والجريمة إلى رموز مقبولة ثقافيا وعرفيا.
وعن التاثيرات والانعكاسات النفسية، قال الاستاذ الخزامي:" اننا بتلك الممارسات والسلوكات نساهم في صناعة جيل بلا مناعة والتطبيع مع الانحراف يخلق تداعيات نفسية مدمرة وأبرزها (تبلد الإحساس بالذنب، هشاشة الضمير الأخلاقي، البحث عن الاعتراف عبر التهديد والسيطرة وبناء هوية قائمة على العنف والتحدي) والنتيجة بلا شك جيلا يرى في القانون عدوا، وفي السجن وسام رجولة وهذه ليست مبالغة، بل واقعا يوميا يعاينه محدثنا بصفته متخصصًا في هذا المجال".

كما حذر محدثنا من ان التركيز على الردع وحده أثبت قصوره، لأن العدوى الإجرامية في عصرنا لا تعالج بالقضبان، بل بالوقاية المجتمعية. حسب تقديره.
ولاحظ ان "من بين الأسباب الإهمال المؤسسي وغياب التنسيق بين الأسرة، المدرسة، الإعلام، المجتمع المدني والدولة.. ما جعل  الجرائم تتصاعد: قتل، سحل، اغتصاب، فجور علني، ضحايا اختفاء لم تُكشف حقيقتها في بعض الحالات، لا يمكن استبعاد فرضية وجود شبكات منظمة تستغل هشاشة الشباب..".
وعن الحلول المطروحة أكد الخزامي على أهمية ان تكون المواجهة جريئة، فالعدوى الإجرامية ليست مجرد مصطلح أكاديمي، بل وباء صامت يهدد أمننا الجماعي.
 وان الحل يبدأ بالاعتراف بأن الجريمة نتيجة بيئة وثقافة ثم يأتي دور الوقاية المتعددة من ذلك الأسرة لكونها الحاضن الأول للردع النفسي ثم المدرسة ذلك الفضاء لتنمية المناعة الاجتماعية، وكذلك دور الإعلام من خلال الكفّ عن تقديم المجرمين كأبطال أو تبييض وتلميع العنف ثم الدولة من خلال استثمار حقيقي في العدالة الاجتماعية..
 وختم بالقول بأن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه، ليس "من المجرم؟" بل "كيف نصنع المناعة؟".

سعيدة الميساوي

 "العدوى الإجرامية".. وباء صامت يهدد أمننا الجماعي

*مختص في علم الإجرام لـ"الصباح نيوز": "العدوى الاجرامية" ظاهرة معقدة تتنقل كعدوى غير مرئية

متابعة للجريمة التي اهتزت على وقعها مدينة الشبيكة من ولاية القيروان والتي أثارت صدمة واسعة في صفوف الأهالي مساء الاثنين الفارط، والمتمثلة في تورط خالة في قتل ابن شقيقتها إثر طعنة قاتلة تلقاها على مستوى البطن بواسطة آلة حادة، وكذلك جريمة قتل ابن لوالده في القصرين منذ أيام بسبب تعاطيه للمخدرات وكذلك جرائم اخرى لا تكفي المساحة لاعادة التذكير بها جديد..
وأمام ما نعيشه في كل يوم من "غرائب جرائم القتل" المتكررة والمتسبب فيها أقرب الناس إلينا: آباء، أمهات، أزواج، عمات أو خالات بات هناك سؤال مهم يطرح الا وهو  هل صرنا اليوم أمام "فيروس اجتماعي" ام "عدوى جماعية" للجريمة.

حين يصبح الانحراف وباء ..
في هذا السياق يرى المختص في القانون وعلم الإجرام الاستاذ أسامة الخزامي أن الجريمة في مجتمعاتنا لم تعد مجرد أفعال فردية معزولة، بل تحولت إلى ظاهرة معقدة تتنقل بين الأفراد كعدوى غير مرئية.. وقال :" نحن أمام واقع صادم ذلك ان الجريمة اليوم ليست فقط فعلا، بل بيئة تنتج وتعيد إنتاج المجرمين."
وأضاف محذرا: "ما لم نواجه هذه الحقيقة بشجاعة، فإننا نزرع أجيالا كاملة ترى في العنف أسلوب حياة طبيعي، وفي السجن محطة عابرة".

 من السلوك الفردي إلى النمط الجماعي
في نفس السياق بين الخزامي قائلا: " إن السؤال اليوم لم يعد من ارتكب الجريمة؟ بل كيف يصبح الإنسان مجرما؟
وأضاف:" في علم الإجرام نطلق على هذه الظاهرة العدوى الإجرامية.. وهي انتقال السلوك المنحرف عبر التكرار، التقليد أو التبرير الجماعي.. في الأحياء المهمشة والفضاءات الرقمية المسمومة، يصبح العنف اليومي، المخدرات، وحمل السلاح الأبيض مجرد روتين."
وشدد على أن الأخطر هو المراهق الذي ينشأ في هذا الوسط حيث يفقد مناعته النفسية تدريجيا ويبدأ بالتبرير، ثم يمر إلى المحاكاة، ثم يتحول هو نفسه إلى فاعل إجرامي.

التطبيع مع العنف.. الأمثلة صارخة
وبالتوازي مع ما سلف ذكره نجد مثلا مراهقين يشهرون السيوف في الأعراس، أمام عدسات الهواتف الذكية، وسط تصفيق الحاضرين.. أو فتيات يتباهين على "تيك توك" و"فيسبوك" بتعنيف زميلاتهن والتنمر عليهن لجلب أكثر متابعين ومشاهدات.
كذلك إطلاق النار في الأفراح ببنادق الصيد كرمز للشجاعة والوجاهة.. كل هذه السلوكيات ليست تفاصيل عابرة، من منظور علم الإجرام، لاننا نحن بذلك أمام تطبيع خطير مع العنف الرمزي، حيث السلاح أصبح يقدّم كرمز للفرح لا للخطر والنتيجة طبعا، انهيار تدريجي للمعايير الاجتماعية، وتحوّل أدوات العنف والجريمة إلى رموز مقبولة ثقافيا وعرفيا.
وعن التاثيرات والانعكاسات النفسية، قال الاستاذ الخزامي:" اننا بتلك الممارسات والسلوكات نساهم في صناعة جيل بلا مناعة والتطبيع مع الانحراف يخلق تداعيات نفسية مدمرة وأبرزها (تبلد الإحساس بالذنب، هشاشة الضمير الأخلاقي، البحث عن الاعتراف عبر التهديد والسيطرة وبناء هوية قائمة على العنف والتحدي) والنتيجة بلا شك جيلا يرى في القانون عدوا، وفي السجن وسام رجولة وهذه ليست مبالغة، بل واقعا يوميا يعاينه محدثنا بصفته متخصصًا في هذا المجال".

كما حذر محدثنا من ان التركيز على الردع وحده أثبت قصوره، لأن العدوى الإجرامية في عصرنا لا تعالج بالقضبان، بل بالوقاية المجتمعية. حسب تقديره.
ولاحظ ان "من بين الأسباب الإهمال المؤسسي وغياب التنسيق بين الأسرة، المدرسة، الإعلام، المجتمع المدني والدولة.. ما جعل  الجرائم تتصاعد: قتل، سحل، اغتصاب، فجور علني، ضحايا اختفاء لم تُكشف حقيقتها في بعض الحالات، لا يمكن استبعاد فرضية وجود شبكات منظمة تستغل هشاشة الشباب..".
وعن الحلول المطروحة أكد الخزامي على أهمية ان تكون المواجهة جريئة، فالعدوى الإجرامية ليست مجرد مصطلح أكاديمي، بل وباء صامت يهدد أمننا الجماعي.
 وان الحل يبدأ بالاعتراف بأن الجريمة نتيجة بيئة وثقافة ثم يأتي دور الوقاية المتعددة من ذلك الأسرة لكونها الحاضن الأول للردع النفسي ثم المدرسة ذلك الفضاء لتنمية المناعة الاجتماعية، وكذلك دور الإعلام من خلال الكفّ عن تقديم المجرمين كأبطال أو تبييض وتلميع العنف ثم الدولة من خلال استثمار حقيقي في العدالة الاجتماعية..
 وختم بالقول بأن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه، ليس "من المجرم؟" بل "كيف نصنع المناعة؟".

سعيدة الميساوي