متابعة لموضوع تعمد مجموعة من الأطفال نهاية الأسبوع الفارط إشعال النار في أوراق وإلقائها بين الكراسي بعربة مترو، وكذلك حادثة الاعتداء التي استهدفت السبت الفارط إحدى الحافلات حيث تم تهشيم البلور بعد رشقها بالحجارة.. وأمام تكرر هذه الحوادث والوقائع الخطيرة التي بات يرتكبها أطفال في عمر الزهور،.. اتصلت "الصباح نيوز" بمختص في القانون وعلم الإجرام لشرح دوافع هذه الأفعال.
انزلاق خطير..
يصف الأستاذ أسامة الخزامي المختص في القانون وعلم الإجرام واقعة إضرام النار في عربة المترو بـ"الصادمة"، لكنها ليست معزولة، ذلك ان بلادنا تشهد اليوم انزلاقا خطيرا حيث أصبح القصّر يرتكبون جرائم كانت حتى وقت قريب حكرا على الكبار.
ولاحظ الخزامي أن ما يحدث ليس مجرد خروج عن المألوف، بل هو تحول جذري في السلوك الإجرامي. أطفال في عمر الزهور صاروا يمارسون السرقة، العنف، الحرق العمد، بل وحتى القتل، حيث سقطت الحدود التقليدية بين الطفولة والبلوغ، وأصبحنا أمام مشهد جديد: "مجرمون صغار يجوبون الشوارع".
بيئة تصنع الجريمة..
وعن جذور هذه الظاهرة قال محدثنا انه من منظور علم الإجرام، لا يولد الطفل مجرما، بل ينتج داخل بيئة مختلة، مشيرا إلى أن العوامل المفسرة عديدة وخطيرة، منها تفكك الأسرة والعنف المنزلي حيث يتحول البيت من فضاء أمان إلى مصنع غضب.
كذلك الصدمة المبكرة والإهمال العاطفي، وهي عبارة عن جروح نفسية عميقة تدفع الطفل إلى التمرد، أيضا ثقافة العنف في الأحياء الشعبية حيث تشرع القوة وتعتبر الجريمة وسيلة للبقاء.
من بين العوامل أيضا حسب محدثنا نجد التأثير السام للإعلام ومواقع التواصل حيث هناك مقاطع قتل، أسلحة، تحديات خطيرة.. نماذج مغرية لعقول لم تكتمل بعد، وفق تعبيره.
وأضاف ان التسرب المدرسي والفراغ القاتل وغياب المدرسة يُضعف الضبط الاجتماعي، ويترك الطفل فريسة للشارع، فضلا عن الرفقة السيئة والجماعات المنحرفة، حيث تتحول الهوية الفردية إلى انصهار في عقل جماعي إجرامي.
ولاحظ الاستاذ الخزامي انه أمام كل ما سبق ذكره، فإن لهذه العوامل انعكاسات وبالتالي هؤلاء الأطفال يعدون قنابل موقوتة داخل المجتمع.
وقال في ذات السياق " أن انتشار الجريمة في صفوف القصّر لا يهدد الأمن فحسب، بل يزرع بذور التطرف والعنف الممنهج، فالمراهق الذي يبدأ بحرق عربة مترو قد ينتهي به المطاف منخرطا في شبكات إجرامية منظمة، أو في دوائر التطرف العنيف وبالتالي نحن إذن أمام جيل مهدد بالتحول إلى قنابل اجتماعية موقوتة إذا لم يعالج الخلل في جذوره."
صرخة وتحذير..
وشدد الاستاذ الخزامي انه بصفته خبيرا في علم الإجرام، فإن "الجريمة عند الأطفال ليست مجرد نزوة، بل رسالة استغاثة غير مسموعة ذلك ان أطفالنا لا يبحثون عن السجن، بل عن هوية، عن مكان، عن اعتراف في المقابل فان الردع وحده لن يكفي."
الحلول ..
وعن الحلول المقترحة قال محدثنا إنها تكمن في إعادة بناء دور الأسرة كفضاء تربية ورعاية، إصلاح المنظومة التربوية لتستعيد وظيفتها الوقائية كذلك توفير بدائل للشباب في الثقافة، الرياضة والفن لملء فراغهم، وأيضا مرافقة نفسية واجتماعية للطفل قبل أن يتحول غضبه إلى مشروع جريمة، محذرا من انه "حين يشعل قاصر النار داخل المترو، فالأمر يتجاوز مجرد حادث تخريبي إنه إنذار أحمر."
ولاحظ أن بلادنا تواجه اليوم جيلا يتعلم العنف أسرع مما يتعلم القراءة والكتابة، وإن تركنا الأطفال لمصيرهم، فسنجد أنفسنا أمام مجتمع يتوارث الجريمة جيلا بعد جيل، معتبرا أن " الطفل ليس مجرماً بالفطرة، بل ضحية صامتة إذا لم ننقذه اليوم، قد نحاكمه غدا."
سعيدة الميساوي