إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الطيب الطويلي لـ"الصباح نيوز":نشر الترويع والإرباك.. وسيادة البذاءة والعنف تزداد توحّشا و هذه الاسباب

 
جريمة شنيعة وفظيعة وما الى ذلك من الاوصاف المرادفة التي اهتزت على وقعها منذ ايام منطقة طنطانة من معتمدية اكودة ولاية سوسة وتتمثل في التداول على اغتصاب امراة متزوجة بحضور زوجها وطفليها..
جريمة اثارت الكثير من الجدل والخوف والرعب في صفوف العديدين من المواطنين من مختلف جهات الجمهورية.. هذه الجرائم التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة وباتت تسجل من حين لاخر جرائم افظع واشنع من سابقاتها ليهتز لها الرأي العام أمام قساوة مرتكبيها ما دفع بالكثيرين للتساؤل عن مصدر تلك الوحشية التي بات يوصف بها هؤلاء..
"الصباح نيوز" بحثت في هذا الموضوع واتصلت بمختص في علم الاجتماع لتحليل وايجاد التفسيرات لهذا الارتفاع والوحشية التي بات يعرف بها مرتكبوا تلك الجرائم.
الجرائم اصبحت ترتكب بمشهدية عالية ..
في هذا السياق صرح الدكتور الطيب الطويلي إن معدلات الجريمة في تونس لم ترتفع بشكل كبير كما يتبادر إلى الأذهان، كما أن ربط ارتفاع منسوب الجريمة بالثورة التونسية غير صحيح، باعتبار أن معدل ارتفاعه في تونس بعد الثورة يعتبر عاديا مقارنة بمختلف الدول العربية أولا، ومقارنة بمعدلات ارتفاع منسوب الجريمة قبيل الثورة.
ولاحظ الدكتور الطويلي ان ما تغير هو المشهدية أو "الكرنفالية" التي تتم بها بعض العمليات الإجرامية، حيث أصبح المجرم يتفاخر بجريمته ويحاول عرضها، وباتت  الجريمة و"اللصوصية" شكلا من أشكال السيادة وفرض السلطة في المجتمع بعد ترهل الدولة، حيث أخذ  السوقة دور الدولة في أحيان كثيرة  وتحولوا إلى  فارضين لأتاوات وقوف السيارات ومحتلين للفضاءات العامة..
واشار محدثنا الى ان هذا الازدهار للرعاع ووضعيات القوة يتم عبر نشر ثقافة الترويع والإرباك، وعبر سيادة البذاءة والرداءة والعنف والتي تزداد توحّشا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية ومع انتقائية الدولة في تطبيق القانون، حيث يتم إنفاذه على أشخاص وتتحصن  لوبيات أخرى خلف حصانات مختلفة منها حصانة مافيات اللصوصية.  
واكد محدثنا ايضا انه لعل ما تغير بعد الثورة التونسية هو الزخم الإعلامي الذي ألقى الضوء بشكل كبير على الظاهرة الإجرامية والتي كانت في السابق مخفيــّة أو مسكوتا عنها في إطار سياسة الدولة التي تهدف إلى إخفاء سلبيات المجتمع التونسي وتضخيم إيجابياته؛ كما أن تواتر الحديث في الإعلام عن الجرائم وبشاعتها كون لدى التونسيين فكرة عن أن الجريمة تزايدت بشكل كبير.
واشار الى ان هذا التعامل الإعلامي المكثف أدى إلى تعويم الظاهرة الإجرامية في تونس وتحويلها إلى شيء عادي من ضمن المعيش التونسي، وقد نجد أحيانا وسيلة إعلامية تتعاطف مع مجرم أو مع منتحر وتحاول تقديم بعض المبررات له، وهو ما له تأثير سلبي على بعض الفئات المجتمعية التي يمكن أن تتأثر بهذا التعاطي الإعلامي  وتتغير نظرتها إلى الجريمة من نظرة مـُـدينة  إلى نظرة متعاطفة لان المشهد الإعلامي التونسي قدّم نماذج مشوّهة وحوّل مثلا "أولاد مفيدة" إلى أبطال وقدوات على مستوى السلوك والمظهر، وحوّل "شورّب" إلى شخصيّة تاريخية ومثال وأسهم في قلب المعايير المجتمعية واختلال المنظومة القيمية.
واردف محدثنا ان " بورديو" يرى أن العنف الرمزي يمثّل بوابة العنف المادي، وهو عنف رمزي تمارسه عدة وسائل مؤثرة في المجتمع، مثل الأسرة وما تقدمه من  تنشئة اجتماعية ،  أو الخطاب الديني، أو مختلف الأشكال الفنية، أو وسائل الإعلام، وغيرها بطريقة واعية وأحيانا بطريقة لا واعية، وهو عنف على مستوى الصورة أو على المستوى اللفظي أو على مستوى الأفكار، وكما يقول بورديو في كتابه "الهيمنة الذكورية" فهو عنف لطيف مستحب ويظهر في شكل جميل. 
 كما تمسك محدثنا إضافة إلى ما وقع ذكره فان بعض القوانين لا تعتبر بالصرامة اللازمة في عقاب المجرمين، خاصة منها القانون الخاص بقطع الطريق (البراكاج) والذي لا يعتبر صارما بالحد الكافي لردع المجرمين.. مقابل تراجع المنظومة التربوية بعد الثورة واستقالة الأولياء وهشاشة الروابط العائلية وتفكك المنظومة الأسرية الذي يمثل سببا آخر من  أسباب ازدهار الجريمة، فالمسؤولية مشتركة بين الأسرة التي قدمت استقالتها من دورها الطبيعي في الإحاطة والتنشئة وبين الإعلام، وبين الدولة التي تتحمل المسؤولية الأكبر.
وخلص محدثنا الى انه رغم انعدام الدراسات العلمية التي تقدّم أرقاما دقيقة عن نسب استقالة الأولياء من التنشئة الاجتماعية  داخل الفضاءات الأسرية وخارجها، إلا أنه من الجلي أن بعض الأسر تقدم لأبنائها أنماطا حياتية عدوانية وعنيفة، حيث ينشأ الطفل في بيئة يحيطها العنف من كل جانب، عنف أسري عبر العنف المادي أو اللفظي، وعنف مجتمعي عبر بيئته الاجتماعية التي ينشأ فيها في "الحومة" والتي تقدّم العنف كنمط معيشي عبر العنف اللفظي المتمثل خاصة في الكلام البذيء أو ما يسمى بـ"الكلام غير المصنف"  الذي يكون فيه الجنس حاضرا بقوة، حيث يتعرف عبره اليافع على الجنس كطريقة  لفرض الذات وجواز للدخول إلى عالم الكهول، وكأداة من أدوات إثبات النفس والهيمنة، ولهذا نرى حرص  المراهقين واليافعين على استخدام العبارات والإيحاءات  الجنسية، والقيام بممارسات جنسية إذا سنحت لهم الفرصة، حيث يكون الجنس حاضرا لديهم باعتباره تعبيرة إثبات سيطرة وأفضلية على الآخر تصل غالبا إلى العدائية والعنف.
 
سعيدة الميساوي
الطيب الطويلي لـ"الصباح نيوز":نشر الترويع والإرباك.. وسيادة البذاءة والعنف  تزداد توحّشا و هذه الاسباب
 
جريمة شنيعة وفظيعة وما الى ذلك من الاوصاف المرادفة التي اهتزت على وقعها منذ ايام منطقة طنطانة من معتمدية اكودة ولاية سوسة وتتمثل في التداول على اغتصاب امراة متزوجة بحضور زوجها وطفليها..
جريمة اثارت الكثير من الجدل والخوف والرعب في صفوف العديدين من المواطنين من مختلف جهات الجمهورية.. هذه الجرائم التي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة وباتت تسجل من حين لاخر جرائم افظع واشنع من سابقاتها ليهتز لها الرأي العام أمام قساوة مرتكبيها ما دفع بالكثيرين للتساؤل عن مصدر تلك الوحشية التي بات يوصف بها هؤلاء..
"الصباح نيوز" بحثت في هذا الموضوع واتصلت بمختص في علم الاجتماع لتحليل وايجاد التفسيرات لهذا الارتفاع والوحشية التي بات يعرف بها مرتكبوا تلك الجرائم.
الجرائم اصبحت ترتكب بمشهدية عالية ..
في هذا السياق صرح الدكتور الطيب الطويلي إن معدلات الجريمة في تونس لم ترتفع بشكل كبير كما يتبادر إلى الأذهان، كما أن ربط ارتفاع منسوب الجريمة بالثورة التونسية غير صحيح، باعتبار أن معدل ارتفاعه في تونس بعد الثورة يعتبر عاديا مقارنة بمختلف الدول العربية أولا، ومقارنة بمعدلات ارتفاع منسوب الجريمة قبيل الثورة.
ولاحظ الدكتور الطويلي ان ما تغير هو المشهدية أو "الكرنفالية" التي تتم بها بعض العمليات الإجرامية، حيث أصبح المجرم يتفاخر بجريمته ويحاول عرضها، وباتت  الجريمة و"اللصوصية" شكلا من أشكال السيادة وفرض السلطة في المجتمع بعد ترهل الدولة، حيث أخذ  السوقة دور الدولة في أحيان كثيرة  وتحولوا إلى  فارضين لأتاوات وقوف السيارات ومحتلين للفضاءات العامة..
واشار محدثنا الى ان هذا الازدهار للرعاع ووضعيات القوة يتم عبر نشر ثقافة الترويع والإرباك، وعبر سيادة البذاءة والرداءة والعنف والتي تزداد توحّشا مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية ومع انتقائية الدولة في تطبيق القانون، حيث يتم إنفاذه على أشخاص وتتحصن  لوبيات أخرى خلف حصانات مختلفة منها حصانة مافيات اللصوصية.  
واكد محدثنا ايضا انه لعل ما تغير بعد الثورة التونسية هو الزخم الإعلامي الذي ألقى الضوء بشكل كبير على الظاهرة الإجرامية والتي كانت في السابق مخفيــّة أو مسكوتا عنها في إطار سياسة الدولة التي تهدف إلى إخفاء سلبيات المجتمع التونسي وتضخيم إيجابياته؛ كما أن تواتر الحديث في الإعلام عن الجرائم وبشاعتها كون لدى التونسيين فكرة عن أن الجريمة تزايدت بشكل كبير.
واشار الى ان هذا التعامل الإعلامي المكثف أدى إلى تعويم الظاهرة الإجرامية في تونس وتحويلها إلى شيء عادي من ضمن المعيش التونسي، وقد نجد أحيانا وسيلة إعلامية تتعاطف مع مجرم أو مع منتحر وتحاول تقديم بعض المبررات له، وهو ما له تأثير سلبي على بعض الفئات المجتمعية التي يمكن أن تتأثر بهذا التعاطي الإعلامي  وتتغير نظرتها إلى الجريمة من نظرة مـُـدينة  إلى نظرة متعاطفة لان المشهد الإعلامي التونسي قدّم نماذج مشوّهة وحوّل مثلا "أولاد مفيدة" إلى أبطال وقدوات على مستوى السلوك والمظهر، وحوّل "شورّب" إلى شخصيّة تاريخية ومثال وأسهم في قلب المعايير المجتمعية واختلال المنظومة القيمية.
واردف محدثنا ان " بورديو" يرى أن العنف الرمزي يمثّل بوابة العنف المادي، وهو عنف رمزي تمارسه عدة وسائل مؤثرة في المجتمع، مثل الأسرة وما تقدمه من  تنشئة اجتماعية ،  أو الخطاب الديني، أو مختلف الأشكال الفنية، أو وسائل الإعلام، وغيرها بطريقة واعية وأحيانا بطريقة لا واعية، وهو عنف على مستوى الصورة أو على المستوى اللفظي أو على مستوى الأفكار، وكما يقول بورديو في كتابه "الهيمنة الذكورية" فهو عنف لطيف مستحب ويظهر في شكل جميل. 
 كما تمسك محدثنا إضافة إلى ما وقع ذكره فان بعض القوانين لا تعتبر بالصرامة اللازمة في عقاب المجرمين، خاصة منها القانون الخاص بقطع الطريق (البراكاج) والذي لا يعتبر صارما بالحد الكافي لردع المجرمين.. مقابل تراجع المنظومة التربوية بعد الثورة واستقالة الأولياء وهشاشة الروابط العائلية وتفكك المنظومة الأسرية الذي يمثل سببا آخر من  أسباب ازدهار الجريمة، فالمسؤولية مشتركة بين الأسرة التي قدمت استقالتها من دورها الطبيعي في الإحاطة والتنشئة وبين الإعلام، وبين الدولة التي تتحمل المسؤولية الأكبر.
وخلص محدثنا الى انه رغم انعدام الدراسات العلمية التي تقدّم أرقاما دقيقة عن نسب استقالة الأولياء من التنشئة الاجتماعية  داخل الفضاءات الأسرية وخارجها، إلا أنه من الجلي أن بعض الأسر تقدم لأبنائها أنماطا حياتية عدوانية وعنيفة، حيث ينشأ الطفل في بيئة يحيطها العنف من كل جانب، عنف أسري عبر العنف المادي أو اللفظي، وعنف مجتمعي عبر بيئته الاجتماعية التي ينشأ فيها في "الحومة" والتي تقدّم العنف كنمط معيشي عبر العنف اللفظي المتمثل خاصة في الكلام البذيء أو ما يسمى بـ"الكلام غير المصنف"  الذي يكون فيه الجنس حاضرا بقوة، حيث يتعرف عبره اليافع على الجنس كطريقة  لفرض الذات وجواز للدخول إلى عالم الكهول، وكأداة من أدوات إثبات النفس والهيمنة، ولهذا نرى حرص  المراهقين واليافعين على استخدام العبارات والإيحاءات  الجنسية، والقيام بممارسات جنسية إذا سنحت لهم الفرصة، حيث يكون الجنس حاضرا لديهم باعتباره تعبيرة إثبات سيطرة وأفضلية على الآخر تصل غالبا إلى العدائية والعنف.
 
سعيدة الميساوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews