إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اليوم الذكرى 40 لتأسيسها.. ماذا فعل عقد من السلطة في حركة النهضة.. وماذا فعلت الحركة في السلطة؟




تونس-الصباح 

يتزامن اليوم 6 جوان مع الذكرى الاربعين لتأسيس حركة النهضة وفي خضم احتفاء الحركة بهذه الذكرى تتبادر جملة من الأسئلة إلى الأذهان لعل أولها ماذا فعل عقد كامل من ممارسة السلطة في الحركة المدينة للثورة بشهادة الاعتراف الرسمي بها كحزب سياسي بعد سنوات من السرية والصدام مع السلطة؟ وماذا فعلت الحركة في السلطة وفي البلاد في ظل تزامن الذكرى الأربعين للتأسيس مع انسداد سياسي وأزمة خانقة اقتصادية واجتماعية تمر بها تونس أين تتعالى الأصوات المحملة لحزب النهضة المسؤولية بالدرجة الأولى؟ وماذا عن المخاض الهادئ نسبيا لكنه عاصف في الآن ذاته داخل الحركة نفسها التي تواجه صعوبات الانتقال القيادي مع تواصل نزيف الاستقالات والمحافظة على مكانتها على الساحة السياسية؟

بداية الخوض في مسار عشر سنوات من التواجد في السلطة يمر أولا عبر الإجابة عن سؤال محوري استوجب طرحه الجدل الحاصل بين الحركة وخصومها   ففي الوقت الذي يحمل فيه طيف كبير من الساحة السياسية والحزبية في البلاد المسؤولية الأولى للحركة في ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد من تدهور مالي واقتصادي واجتماعي وحتى سياسي في ظل حالة الانسداد والصراع المفتوح بين مؤسسات الحكم، يكرر قيادات الحركة منذ ما قبل انتخابات 2014 أنهم لم يحكموا ولم يسمح لهم بالحكم على امتداد ما بعد 14 جانفي.  

 

"التنصل من الفشل" 

آخر المواقف الحادة المحملة للنهضة مسؤولية الفشل في إدارة البلاد والمتهمة إياها بمحاولة التنصل من هذا الفشل تلك الصادرة مؤخرا عن الناشط السياسي عمر صحابو الذي صرح في معرض تعليقه عن مبادرة مجموعة العسكريين المتقاعدين لحلحلة الأزمة في البلاد،أنها مبادرة أو محاولة تهدف إلى" النأي بالمسؤولين الحقيقيين عن انهيار تونس وانحلال دولتها عن المساءلة والمحاسبة والمقاضاة إذا اقتضى الأمر. بعبارة أوضح من حكموا البلاد من 2011 إلى اليوم وهم النهضة أساسا وحلفاؤها ".

ويضيف صحابو "لنتحدث دون لف ودوران : النهضة حكمت البلاد طيلة عشر سنوات إما مباشرة بحكومات ترأستها قياداتها التاريخية (الجبالي والعريض) وإما بطريقة غير مباشرة بفضل خيانة من أثثوا شرعيتهم على مناهضة النهضة ثم تحالفوا معها طمعا في السلطة ومكّنوها من التمكّن من الدولة تمكينا!" 

لكن هذا الراي المطالب بمحاسبة الحركة لا يتبناه صحابو بمفرده بل كثيرون على الساحة السياسية يصدحون صباحا مساء بهذا الموقف لكن عادة ما تتمحور إجابة حركة النهضة حول ذلك عبر الإشارة إلى أن مشاركتها كانت محدودة في الحكومات ليتطور هذا الموقف إلى ما أعلن عنه مؤخرا عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة الذي اعتبر أن البعض يحمل النهضة مسؤولية الاوضاع التي تعيشها تونس اليوم "لكن النهضة منعت من ان تحكم وستسعى للحكم لأنها تملك الكفاءات والبرامج لإنقاذ البلاد''، وفق تقديره.

مغامرة الحكم 

لكن بعيدا قليلا عن سجال الحركة وخصومها حول فاتورة حكمها بعد 14 جانفي، وبالخوص في تصريحات قياديي الحركة أنفسهم لا سيما ممن انسحبوا مؤخرا نجد ضمنيا تحميلا للمسؤولية للحركة في ما آلت إليه الاوضاع في البلاد لا فقط على مستوى خياراتها السياسية وعلاقتها مع حلفائها بل أيضا في مستوى خوض مغامرة الحكم دون أدنى تقدير لمدى جاهزيتها لتحمل أعباء وطن خرج منهكا من براثين الاستبداد وفاتورته الاقتصادية الباهظة بمشاكله الهيكلية العميقة ويواجه حتمية  زلزال الثورة ما كان يفرض كفاءات عالية اقتصادية وإدارية وإستراتيجية لم تتوفر للأسف لدى حركة تخرج لتوها من السرية لتلقى بثقلها في مغامرة حكم فلم تكن العواقب حميدة.   

تجدر الإشارة إلى أن القيادي المستقيل عبد الحميد الجلاصي كان قد أكد في شهادته مؤخرا في مؤسسة التميمي أنهم في داخل الحركة طرحوا على أنفسهم قبل انتخابات 23 أكتوبر سؤالا محوريا "إذا ما تم انتخابنا هل نحكم؟ قلنا نحكم رغم أننا نعرف أننا لسنا مؤهلين لذلك ولم تكن لنا الخبرة في الإدارة والحكم. في المقابل كانت المنظومة القديمة جاهزة لملأ أي فراغ فقلنا نتقدم لقطع الطريق وكنا نعلم أنها مجازفة ومغامرة"

وأيضا صرح المستقيل حديثا من الحركة زياد العذاري أن إحدى الإشكاليات الكبرى التي واجهت تونس بعد الثورة أن الأحزاب ومختلف الفاعلين السياسيين لم يكونوا مؤهلين او مستعدين لقيادة البلاد وان الأحزاب قبل الثورة كانت اما منتديات حقوقية او منتديات سياسية ولم يكن عملها مبنيا على السياسات العمومية ولم يكن هناك رؤية لإخراج البلاد من أزمتها.

واوضح العذاي انه لم يكن للأحزاب لما تولت السلطة بعد الثورة استعداد وان ادارة المرحلة تميزت بقلة الحرفية وان ذلك الآمر تواصل إلى حد الآن .

ولعل مغامرة الحكم الفاشلة كانت سببا وراء عدم قدرة حركة النهضة على كسب معركة انحياز عموم الشعب التونسي لصفها. كما يقول الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي أكد أن "أغلبية التونسيين قد خاب ظنهم في هذه الحركة بعد أن منحوها ثقتهم سابقا، ومكنوها من الوصول إلى الحكم لأول مرة في تاريخ البلاد عن طريق صناديق الاقتراع. لقد ظن عموم التونسيين يومها أن الحركة تملك برنامجا للحكم، وأنها قادرة على قيادة البلاد وتحقيق الحد الأدنى من رزنامة الوعود التي استعرضتها في برنامج طموح ضم 365 مشروعا في مختلف المجالات..".

 

أخطاء فارقة 

وفي تقييمه لبعض أخطاء الحركة في فترة حكمها الأولى(تجربة الترويكا) تحدث الإعلامي والمحلل السياسي  صلاح الدين الجورشي في مقال تحت عنوان "نقد تجربة النهضة في تونس بعد الثورة" نشر في 2014،عن التباينات في الرؤى والقضايا الإستراتيجية داخل الحركة التي كان لها تأثير سلبي على سياسات السلطة وأداء الحكومة، معتبرا أنه "قد تعددت في الحالة التونسية مظاهر التداخل والتشابك بين مشكلات التنظيم ومشكلات الدولة، وهو ما قيد حركة الحكومة، على الأقل في بعض المسائل، من بينها تعيين الوزراء أو استبدالهم، أو في كيفية معالجة بعض الملفات المعقدة، مثل: ملف إدارة العلاقة بالسلفيين، وملف الفساد، وملف التعويضات لضحايا المرحلة السابقة من الإسلاميين".

وفي دراسة أخرى أشار الجورشي إلى خطأ الحسم في مسألة السلفية الجهادية الذي أضر بالحركة وبالبلاد معتبرا أن هذا الملف من بين أكبر الأخطاء التي ارتكبتها حركة النهضة سياسيا قبل مرحلة الترويكا وخلالها ويقول في هذا الصدد "إذ حسمت الحركة أمرها في ملف ما عرف بـ “السلفية الجهادية”، وذلك بعد تردد ومخاتلة وخلافات داخل الحركة حول تقدير المصلحة من الدخول في خصومة وقطيعة مع تنظيم أنصار الشريعة وهو ما رفضه الـكثيرون واعتبروه محاولات لجر الحركة نحو إعادة إنتاج سياسة بن علي في مواجهة الخصوم عبر القمع، لهذا تأخر قرار الحسم وطال مما ألحق بحركة النهضة وبالبلاد أضرارا واسعة وخطيرة لا تزال تدفع ثمنه غاليا حتى الآن."

 

المراجعات المترنحة  

والحركة تحتفل بذكرى 40 لتأسيسها، تجد الإشارة ايضا إلى أن عقدا من السلطة لم يفلح في تجاوز مخلفات إرث تاريخ  الاتجاه الإسلامي والإسلام السياسي  في ظل ترنح المراجعات التي ظلت الورقة المرفوعة في وجه حركة النهضة من خصومها داخليا ومن المتوجسين إقليميا ودوليا، رغم إقرار داخلي وعلني من الحركة وقياداتها بضرورة المراجعات إما من خلال تصريحات قيادييها وفي مقدمتهم رئيس الحركة راشد الغنوشي أو عبر مخرجات  المؤتمر العاشر لحركة النهضة ماي 2016 .

فقد خرج المؤتمر العاشر بثلاث رسائل  محورية هي تونسة الحركة وفك الارتباط الفكري والحركي بجماعة الإخوان المسلمين، وفصل الدعوي عن السياسي.

وكان راشد الغنوشي قد أعلن عشية المؤتمر في حواره الشهير لجريدة لوموند الفرنسية بأن الحركة سوف «تخرج من الإسلام السياسي» مضيفا "نحن نؤكد أن النهضة حزب سياسي، ديموقراطي ومدني، له مرجعية قيم حضارية مُسْلمة وحداثية. نحن نتجه نحو حزب يختص فقط بالأنشطة السياسية"، وتابع "نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تماماً عن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين، لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد، أيضاً، للدين، حتى لا يكون رهين السياسة، وموظفاً من قبل السياسيين".

ويشير صلاح الدين الجورشي في هذا الصدد في قراءة سابقة أن الخصوصية التونسية قد تمكنت من فرض هويتها على الفصيل الرئيسي للإسلام السياسي ممثلا في حركة النهضة "لـكن هذه الحركة لا يزال الطريق طويلا أمامها لـكي تستوعب هذه الخصوصية، وتنطلق منها نحو بناء خوض مراجعات أكثر عمقا تجعل منها حزبا يتمتع بثقة أغلب التونسيين، وتضع حدا لهذه الثنائية المرهقة بين الديني والسياسي."

 

مخاض الانتقال القيادي 

في ثنايا مراجعات المؤتمر العاشر التي ظلت حبرا على ورق يواجه حزب النهضة اليوم المخاض العسير لتنظيم المؤتمر الحادي عشر الذي تأخر عن موعده المحدد في أكثر من مناسبة في ظل مخاض  أكثر القضايا حساسية التي تتهدد كيانات الأحزاب وعادة ما تكون سببا مباشرا في تفتتها، وهي  تلك التي تهم الانتخابات الداخلية والتداول على المسؤوليات والموقف من "التمديد" للزعماء التاريخيين والعلاقة بين أجيال المناضلين.

وانفجار جدل احترام القانون الداخلي للحركة وخاصة الفصل 31 الذي حدد منذ المؤتمر الثامن ( لندن 2007) مدة رئاسة الحركة بالنسبة لأي شخصية بـ10 أعوام. تتواصل ارتداداته إلى اليوم. فالديمقراطية داخل الحركة والانتقال القيادي دفعت بداية إلى رسالة الـ100 إمضاء في سبتمبر الماضي لراشد الغنوشي  الذي يتزعم الحزب منذ 30 سنة لمطالبته بعدم الترشح مجددا لقيادة الحركة. كما كانت من بين الاسباب وراء استقالات وازنة صلب الحركة ( عبد الحميد الجلاصي) وآخرها زياد العذاري الذي صرح انه استقال من النهضة لأنه اقتنع بان التوجه الذي اختارته للبلاد خاطئ"، مضيفا ” اختيار الحبيب الجملي لم يكن غلطة على شخص بل على وجهة كاملة اخترناها للبلاد والثنية كاملة غالطة والدليل اننا مازلنا الى حد الان في نفس النقطة”.

وابرز ان حركة النهضة تعيش مخاضا كبيرا بعد الثورة وانها شهدت 3 تحولات كبرى أولها يتعلق بالتحول الايديولوجي مبرزا ان ذلك يعني الانتقال من منظومة أو أيديولوجيا تتمثل في ما سمي بالإسلام السياسي إلى حزب تونسي. وثانيا التحول الهيكلي من الجماعة او المجموعة النضالية الى حزب سياسي مدني عصري وثالثا الانتقال من الحزب الاحتجاجي الى حزب الحكم ومن حزب احتج طيلة 40 سنة الى حزب يقود الدولة ويحكم .

منى اليحياوي 




 اليوم الذكرى 40 لتأسيسها..  ماذا فعل عقد من السلطة في حركة النهضة.. وماذا فعلت الحركة في السلطة؟




تونس-الصباح 

يتزامن اليوم 6 جوان مع الذكرى الاربعين لتأسيس حركة النهضة وفي خضم احتفاء الحركة بهذه الذكرى تتبادر جملة من الأسئلة إلى الأذهان لعل أولها ماذا فعل عقد كامل من ممارسة السلطة في الحركة المدينة للثورة بشهادة الاعتراف الرسمي بها كحزب سياسي بعد سنوات من السرية والصدام مع السلطة؟ وماذا فعلت الحركة في السلطة وفي البلاد في ظل تزامن الذكرى الأربعين للتأسيس مع انسداد سياسي وأزمة خانقة اقتصادية واجتماعية تمر بها تونس أين تتعالى الأصوات المحملة لحزب النهضة المسؤولية بالدرجة الأولى؟ وماذا عن المخاض الهادئ نسبيا لكنه عاصف في الآن ذاته داخل الحركة نفسها التي تواجه صعوبات الانتقال القيادي مع تواصل نزيف الاستقالات والمحافظة على مكانتها على الساحة السياسية؟

بداية الخوض في مسار عشر سنوات من التواجد في السلطة يمر أولا عبر الإجابة عن سؤال محوري استوجب طرحه الجدل الحاصل بين الحركة وخصومها   ففي الوقت الذي يحمل فيه طيف كبير من الساحة السياسية والحزبية في البلاد المسؤولية الأولى للحركة في ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد من تدهور مالي واقتصادي واجتماعي وحتى سياسي في ظل حالة الانسداد والصراع المفتوح بين مؤسسات الحكم، يكرر قيادات الحركة منذ ما قبل انتخابات 2014 أنهم لم يحكموا ولم يسمح لهم بالحكم على امتداد ما بعد 14 جانفي.  

 

"التنصل من الفشل" 

آخر المواقف الحادة المحملة للنهضة مسؤولية الفشل في إدارة البلاد والمتهمة إياها بمحاولة التنصل من هذا الفشل تلك الصادرة مؤخرا عن الناشط السياسي عمر صحابو الذي صرح في معرض تعليقه عن مبادرة مجموعة العسكريين المتقاعدين لحلحلة الأزمة في البلاد،أنها مبادرة أو محاولة تهدف إلى" النأي بالمسؤولين الحقيقيين عن انهيار تونس وانحلال دولتها عن المساءلة والمحاسبة والمقاضاة إذا اقتضى الأمر. بعبارة أوضح من حكموا البلاد من 2011 إلى اليوم وهم النهضة أساسا وحلفاؤها ".

ويضيف صحابو "لنتحدث دون لف ودوران : النهضة حكمت البلاد طيلة عشر سنوات إما مباشرة بحكومات ترأستها قياداتها التاريخية (الجبالي والعريض) وإما بطريقة غير مباشرة بفضل خيانة من أثثوا شرعيتهم على مناهضة النهضة ثم تحالفوا معها طمعا في السلطة ومكّنوها من التمكّن من الدولة تمكينا!" 

لكن هذا الراي المطالب بمحاسبة الحركة لا يتبناه صحابو بمفرده بل كثيرون على الساحة السياسية يصدحون صباحا مساء بهذا الموقف لكن عادة ما تتمحور إجابة حركة النهضة حول ذلك عبر الإشارة إلى أن مشاركتها كانت محدودة في الحكومات ليتطور هذا الموقف إلى ما أعلن عنه مؤخرا عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى النهضة الذي اعتبر أن البعض يحمل النهضة مسؤولية الاوضاع التي تعيشها تونس اليوم "لكن النهضة منعت من ان تحكم وستسعى للحكم لأنها تملك الكفاءات والبرامج لإنقاذ البلاد''، وفق تقديره.

مغامرة الحكم 

لكن بعيدا قليلا عن سجال الحركة وخصومها حول فاتورة حكمها بعد 14 جانفي، وبالخوص في تصريحات قياديي الحركة أنفسهم لا سيما ممن انسحبوا مؤخرا نجد ضمنيا تحميلا للمسؤولية للحركة في ما آلت إليه الاوضاع في البلاد لا فقط على مستوى خياراتها السياسية وعلاقتها مع حلفائها بل أيضا في مستوى خوض مغامرة الحكم دون أدنى تقدير لمدى جاهزيتها لتحمل أعباء وطن خرج منهكا من براثين الاستبداد وفاتورته الاقتصادية الباهظة بمشاكله الهيكلية العميقة ويواجه حتمية  زلزال الثورة ما كان يفرض كفاءات عالية اقتصادية وإدارية وإستراتيجية لم تتوفر للأسف لدى حركة تخرج لتوها من السرية لتلقى بثقلها في مغامرة حكم فلم تكن العواقب حميدة.   

تجدر الإشارة إلى أن القيادي المستقيل عبد الحميد الجلاصي كان قد أكد في شهادته مؤخرا في مؤسسة التميمي أنهم في داخل الحركة طرحوا على أنفسهم قبل انتخابات 23 أكتوبر سؤالا محوريا "إذا ما تم انتخابنا هل نحكم؟ قلنا نحكم رغم أننا نعرف أننا لسنا مؤهلين لذلك ولم تكن لنا الخبرة في الإدارة والحكم. في المقابل كانت المنظومة القديمة جاهزة لملأ أي فراغ فقلنا نتقدم لقطع الطريق وكنا نعلم أنها مجازفة ومغامرة"

وأيضا صرح المستقيل حديثا من الحركة زياد العذاري أن إحدى الإشكاليات الكبرى التي واجهت تونس بعد الثورة أن الأحزاب ومختلف الفاعلين السياسيين لم يكونوا مؤهلين او مستعدين لقيادة البلاد وان الأحزاب قبل الثورة كانت اما منتديات حقوقية او منتديات سياسية ولم يكن عملها مبنيا على السياسات العمومية ولم يكن هناك رؤية لإخراج البلاد من أزمتها.

واوضح العذاي انه لم يكن للأحزاب لما تولت السلطة بعد الثورة استعداد وان ادارة المرحلة تميزت بقلة الحرفية وان ذلك الآمر تواصل إلى حد الآن .

ولعل مغامرة الحكم الفاشلة كانت سببا وراء عدم قدرة حركة النهضة على كسب معركة انحياز عموم الشعب التونسي لصفها. كما يقول الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي أكد أن "أغلبية التونسيين قد خاب ظنهم في هذه الحركة بعد أن منحوها ثقتهم سابقا، ومكنوها من الوصول إلى الحكم لأول مرة في تاريخ البلاد عن طريق صناديق الاقتراع. لقد ظن عموم التونسيين يومها أن الحركة تملك برنامجا للحكم، وأنها قادرة على قيادة البلاد وتحقيق الحد الأدنى من رزنامة الوعود التي استعرضتها في برنامج طموح ضم 365 مشروعا في مختلف المجالات..".

 

أخطاء فارقة 

وفي تقييمه لبعض أخطاء الحركة في فترة حكمها الأولى(تجربة الترويكا) تحدث الإعلامي والمحلل السياسي  صلاح الدين الجورشي في مقال تحت عنوان "نقد تجربة النهضة في تونس بعد الثورة" نشر في 2014،عن التباينات في الرؤى والقضايا الإستراتيجية داخل الحركة التي كان لها تأثير سلبي على سياسات السلطة وأداء الحكومة، معتبرا أنه "قد تعددت في الحالة التونسية مظاهر التداخل والتشابك بين مشكلات التنظيم ومشكلات الدولة، وهو ما قيد حركة الحكومة، على الأقل في بعض المسائل، من بينها تعيين الوزراء أو استبدالهم، أو في كيفية معالجة بعض الملفات المعقدة، مثل: ملف إدارة العلاقة بالسلفيين، وملف الفساد، وملف التعويضات لضحايا المرحلة السابقة من الإسلاميين".

وفي دراسة أخرى أشار الجورشي إلى خطأ الحسم في مسألة السلفية الجهادية الذي أضر بالحركة وبالبلاد معتبرا أن هذا الملف من بين أكبر الأخطاء التي ارتكبتها حركة النهضة سياسيا قبل مرحلة الترويكا وخلالها ويقول في هذا الصدد "إذ حسمت الحركة أمرها في ملف ما عرف بـ “السلفية الجهادية”، وذلك بعد تردد ومخاتلة وخلافات داخل الحركة حول تقدير المصلحة من الدخول في خصومة وقطيعة مع تنظيم أنصار الشريعة وهو ما رفضه الـكثيرون واعتبروه محاولات لجر الحركة نحو إعادة إنتاج سياسة بن علي في مواجهة الخصوم عبر القمع، لهذا تأخر قرار الحسم وطال مما ألحق بحركة النهضة وبالبلاد أضرارا واسعة وخطيرة لا تزال تدفع ثمنه غاليا حتى الآن."

 

المراجعات المترنحة  

والحركة تحتفل بذكرى 40 لتأسيسها، تجد الإشارة ايضا إلى أن عقدا من السلطة لم يفلح في تجاوز مخلفات إرث تاريخ  الاتجاه الإسلامي والإسلام السياسي  في ظل ترنح المراجعات التي ظلت الورقة المرفوعة في وجه حركة النهضة من خصومها داخليا ومن المتوجسين إقليميا ودوليا، رغم إقرار داخلي وعلني من الحركة وقياداتها بضرورة المراجعات إما من خلال تصريحات قيادييها وفي مقدمتهم رئيس الحركة راشد الغنوشي أو عبر مخرجات  المؤتمر العاشر لحركة النهضة ماي 2016 .

فقد خرج المؤتمر العاشر بثلاث رسائل  محورية هي تونسة الحركة وفك الارتباط الفكري والحركي بجماعة الإخوان المسلمين، وفصل الدعوي عن السياسي.

وكان راشد الغنوشي قد أعلن عشية المؤتمر في حواره الشهير لجريدة لوموند الفرنسية بأن الحركة سوف «تخرج من الإسلام السياسي» مضيفا "نحن نؤكد أن النهضة حزب سياسي، ديموقراطي ومدني، له مرجعية قيم حضارية مُسْلمة وحداثية. نحن نتجه نحو حزب يختص فقط بالأنشطة السياسية"، وتابع "نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تماماً عن النشاط السياسي. هذا أمر جيد للسياسيين، لأنهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد، أيضاً، للدين، حتى لا يكون رهين السياسة، وموظفاً من قبل السياسيين".

ويشير صلاح الدين الجورشي في هذا الصدد في قراءة سابقة أن الخصوصية التونسية قد تمكنت من فرض هويتها على الفصيل الرئيسي للإسلام السياسي ممثلا في حركة النهضة "لـكن هذه الحركة لا يزال الطريق طويلا أمامها لـكي تستوعب هذه الخصوصية، وتنطلق منها نحو بناء خوض مراجعات أكثر عمقا تجعل منها حزبا يتمتع بثقة أغلب التونسيين، وتضع حدا لهذه الثنائية المرهقة بين الديني والسياسي."

 

مخاض الانتقال القيادي 

في ثنايا مراجعات المؤتمر العاشر التي ظلت حبرا على ورق يواجه حزب النهضة اليوم المخاض العسير لتنظيم المؤتمر الحادي عشر الذي تأخر عن موعده المحدد في أكثر من مناسبة في ظل مخاض  أكثر القضايا حساسية التي تتهدد كيانات الأحزاب وعادة ما تكون سببا مباشرا في تفتتها، وهي  تلك التي تهم الانتخابات الداخلية والتداول على المسؤوليات والموقف من "التمديد" للزعماء التاريخيين والعلاقة بين أجيال المناضلين.

وانفجار جدل احترام القانون الداخلي للحركة وخاصة الفصل 31 الذي حدد منذ المؤتمر الثامن ( لندن 2007) مدة رئاسة الحركة بالنسبة لأي شخصية بـ10 أعوام. تتواصل ارتداداته إلى اليوم. فالديمقراطية داخل الحركة والانتقال القيادي دفعت بداية إلى رسالة الـ100 إمضاء في سبتمبر الماضي لراشد الغنوشي  الذي يتزعم الحزب منذ 30 سنة لمطالبته بعدم الترشح مجددا لقيادة الحركة. كما كانت من بين الاسباب وراء استقالات وازنة صلب الحركة ( عبد الحميد الجلاصي) وآخرها زياد العذاري الذي صرح انه استقال من النهضة لأنه اقتنع بان التوجه الذي اختارته للبلاد خاطئ"، مضيفا ” اختيار الحبيب الجملي لم يكن غلطة على شخص بل على وجهة كاملة اخترناها للبلاد والثنية كاملة غالطة والدليل اننا مازلنا الى حد الان في نفس النقطة”.

وابرز ان حركة النهضة تعيش مخاضا كبيرا بعد الثورة وانها شهدت 3 تحولات كبرى أولها يتعلق بالتحول الايديولوجي مبرزا ان ذلك يعني الانتقال من منظومة أو أيديولوجيا تتمثل في ما سمي بالإسلام السياسي إلى حزب تونسي. وثانيا التحول الهيكلي من الجماعة او المجموعة النضالية الى حزب سياسي مدني عصري وثالثا الانتقال من الحزب الاحتجاجي الى حزب الحكم ومن حزب احتج طيلة 40 سنة الى حزب يقود الدولة ويحكم .

منى اليحياوي 




  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews