إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مية القصوري: الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان.. والانتقال الديمقراطي كذبة

+اليسار في تونس أخطأ في كل شيء
+فكر الإسلام السياسي فكر فاشي

 حمّلت المحامية والإعلامية التونسية مية القصوري   حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس مسؤولية الأزمات التي باتت تعصف ببلادها وذلك في وقت تعرف فيه تونس قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي).

واختارت ميّة الكسوري وهي روائية أيضًا حوارها مع “العرب” للرد على المزاعم التي أطلقها نائب برلماني  بشأن تحكمها في الشأن السياسي في تونس من الكواليس، معتبرة أن ذلك “هراء” يستهدف صرف الأنظار عن المعركة الأهم للتونسيين وهي ضد “النهضة”.

وفي وقت سابق اتهم النائب البرلماني راشد الخياري ميّة الكسوري بالمساهمة في تحريك خيوط اللعبة السياسية في تونس من الكواليس حيث نشر تسجيلات صوتية زعم أنها للكسوري بشأن إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ السابقة.

واعتبرت الكسوري أن تلك المزاعم هي محاولة لصرف الأنظار عن المعركة الأهم للتونسيين ضد "الإسلاميين" الذين يشكلون “فاشية جديدة”.

وشهدت تونس منذ أيام جدلا واسعا حول تسجيلات صوتية وصور زعم النائب  راشد الخياري أنها لفاعلين في المشهد على غرار مقربين من الرئيس سعيد، وأيضاً ميّة الكسوري التي اتهمها النائب المذكور بكونها مقربة من السفير الفرنسي وهو ما لا تنفيه المحامية والإعلامية التونسية.

كما ادعى الخياري،  أن الرئيس سعيد تلقى تمويلات أجنبية من الولايات المتحدة خلال حملته الانتخابية وهو ما نفته السفارة الأميركية في تونس.

وقالت الكسوري في رد على تلك المزاعم “لاحظتم أنني رفضت الرد على ما يأتي من هؤلاء، لأن ذلك لا يمكن إلا أن يكون هراء في محاولة لصرف الانتباه عن معارك أهم مع السرطان الأصلي الذي يواجهه التونسيون وهو حركة النهضة”.

وأضافت “أنا لا أخفي صداقتي بالسفير الفرنسي مثلا وهو رجل أدب، لم يكن هناك أيّ اقتراح من فرنسا بشأن الحكومة، تحدثت مع السفير الفرنسي مرارا ولكن لم يكن هناك أيّ مقترح فرنسي في هذا الصدد، بالعكس عندما ذهبت إلى مجلس الشيوخ الفرنسي بعد أن تم استدعائي إلى جانب تونسيين آخرين في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قمت بإلقاء كلمة انتقدت فيها السياسة الفرنسية في العديد من المناطق على غرار سوريا وبالعكس تم نشر رأيي في صحف فرنسية رغم أنني لم أطلب ذلك”.

وأوضحت المحامية والروائية التونسية “أنا أتحدث مع السفير الفرنسي في مسائل سياسية في سياق نقاشات عادية، الإشكال حتى وإن كانت الرئاسة التونسية تستشيرني في مسائل مرتبطة بالحكومة فلها ذلك، للرئاسة الحق في استشارة من تريد”.

واعتبرت أن هذا التحرك يستهدف صرف الأنظار عن المواجهة الحقيقية وهي مع حركة النهضة والذهاب إلى مسائل جانبية يدفع إليها “أذناب هذه الحركة”.

وتقول ميّة الكسوري “للأسف في تونس عُدنا إلى فترة ما قبل الدولة، وهذا ترسخ بعد الثورة من ممارسات الإخوان (النهضة)، هم يجسدون الفكر القبلي، فكر ما قبل الدولة، الفكر الريعي، لقد هدموا الدولة (..) ومنذ البداية كما تابعنا دخلوا يتحدثون عن الدولة العميقة، ما هي الدولة العميقة؟ هي الدولة المهيكلة منذ عهد الزعيم الحبيب بورقيبة (أول رئيس لتونس)، هم ببساطة ضد كل مقاربة عقلانية للدولة”.


وتابعت “قلتها مرة في التلفزيون ولم يفهمها هؤلاء، الإسلاميون يمثلون الهطّايا (السكان الرحل الذين يمتهنون الفلاحة عبر الترحال موسميا)، هؤلاء هم الهطايا السياسيون لأن فكرهم يتمحور حول ضرورة الانتقال من فكرة إلى فكرة لمجرد أن المرحلة تقتضي ذلك”.


الانتقال الديمقراطي كذبة

وترى ميّة الكسوري أن “مسألة الانتقال الديمقراطي أكبر كذبة عاشها التونسيون، وهي مصطلح يستعمله هؤلاء الذين أتوا بعد 2011 لتبرير فشلهم (..) كان أول عمل قام به هؤلاء منذ تسلمهم الحكم هو تدمير المؤسسات على غرار القضاء الذي تم اختراقه ورأينا وزير النهضة نورالدين البحيري كيف أطرد قضاة تم إنصافهم مؤخرا. فهل يمكن القيام بانتقال ديمقراطي بقضاء مريض ومخترق؟ ورأينا ما حدث بين قاضيين (الطيب راشد وبشير العكرمي وهما قاضيان نشبت بينهما خلافات عميقة كشفت عن حقائق مدوية دون أن تُتخذ في حقهما إجراءات إلى الآن). الإخوان يُعيدون إنتاج قميص عثمان فقط، تعلموا 4 أو 5 مصطلحات مثل حقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي في دورات تكوينية في أميركا يُعيدونها على التونسيين وهم لا يدركون معناها ولا يؤمنون بها أصلا”.


وتشدد الكسوري على أن الإسلاميين في تونس يعيشون حالة كبيرة من الوهن لا تعود فقط للضغوط التي تكرسها أطراف داخلية عليهم بل أيضا بسبب التغيرات الإقليمية، مضيفة “لكن هذه الضغوط ينبغي أن تكون مرفوقة بوحدة مقدسة بين الأطراف التي تؤمن أن الإسلام السياسي هو سرطان، هو أكبر خطر يواجه دولنا، بالدليل لا يوجد أيّ بلد حكم فيه هؤلاء ونجح”.

الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان

واستطردت “لكن المشكل أنه في كل مرة يتم مد طوق النجاة للإسلاميين من قبل البُله المفيدين وهي الكلمة التي استعملها لينين في الواقع. الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان والآخرون يحصل لهم ارتجاج معرفي مثلا كيساري قاعدي يتابع الإعدامات الأخيرة في مصر، فكلنا ضد الإعدام لكن عندما تجد تنديدا من قبل الإخوان يجب أن تفكر قبل أن تتخذ موقفا، لا يمكن أن أسمح بأن أكون جنديا في صفهم”.

وتوضح الكسوري “النهضة نددت بالانقلاب في مصر لكن أكبر انقلابيين هم الإخوان، الغنوشي نفسه ساند وأيّد حسن الترابي وقدم له إهداء في كتابه واعتبره مفكرا من مفكري الأمة وهو أكبر انقلابي عرفه السودان. ثم هل هم ضد الإعدام، كل مرة في تونس نفتح هذا الملف وأكثر طرف يكون ضد إلغاء حكم الإعدام هم الإسلاميون ويقولون من قَتَل يُقتل، هم يدعون أنهم ضد العديد من الأنظمة ومنها النظام المصري بتعلة أنها مطبعة أيضًا وهم في الواقع أكبر المطبعين”.

فكر الإسلام السياسي فكر فاشي


وأضافت الكسوري “ثم هم يتحدثون مثلا عن عبير موسي (رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض) على أنها فاشية، هم أكثر حزب يؤسس للفاشية ويمثل الفاشية، فكر الإسلام السياسي هو فكر فاشي لأن الأخير هو الذي لا يقبل بمناقشة الفكرة الأصلية ويعتبر أن لديه الخلاص، هم استولوا على مشترك للشعب التونسي وهو الإسلام” موضحة “عندما يأتي حزب سياسي ويسطو على دين من الأديان يصبح هذا الحزب غير خاضع للنسبية التي تخضع لها بقية الأحزاب التي تتبنى أفكارا دنيوية من الممكن تطويرها أو تغييرها، فكرهم لا يتغير لأنه يتعلق بدين، فإذا أتيت بفكرة مختلفة تُصبح تتحرك في نطاق الكفر لأن فكرته لا تحتمل النقاش، هنا هم الفاشيون وليس غيرهم”.

وترى أن الدستوري الحر الوحيد الذي يُحارب النهضة في تونس منذ 2011 قائلة “كل ما يتم الترويج له كذب في تونس، لم يتغير شيء، لا توجد حرية تعبير والمحسوبية تفاقمت ورأينا كيف يوزعون التلاقيح بين جماعتهم، هم كالسرطان والجراد الذي جاء إلى البلاد، إذن اليوم العدو واضح هو النهضة والحزب الوحيد الذي يُحاربهم هو الدستوري ولا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك، الدستوري يقوم بالفعل السياسي عكس الآخرين”.

الحريات مهددة

عرفت تونس قبيل أيام سجالات تصاعدت إثر إقدام عناصر من الأمن على إغلاق مقهى بالقوة في محافظة صفاقس جنوب البلاد بحجة أنه مفتوح في شهر رمضان وهو ما استنكرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وعلقت ميّة الكسوري بالقول “لا يوجد أيّ قانون أو حتى منشور يمكن الاستناد عليه في هذه العملية، كل مرة نطالب بالنص الحقيقي الذي ينص على ذلك يمتنعون مبررين ذلك بأنه منشور لم يُنشر (..) هذه المسألة بدأت في فترة (محمد) مزالي (وهو الوزير الأول الأسبق في عهد بورقيبة) عندما تقرب مزالي من الإسلاميين، ووقتها كان بورقيبة ضد هذه الخطوات لأنه لا يوجد نص قانوني فهي مجرد تقديرات سياسية”.

وأردفت “الخطير اليوم أنه يتم إعطاء تراخيص لأصحاب المقاهي لكي يعملوا ثم يسمح هؤلاء لأنفسهم بالقدوم وإخراج أصحاب المقاهي بالقوة، لكنني أرى أن البيانات التي صدرت في هذا الصدد غير كافية: يجب التشكي أمام المحاكم بالدولة التونسية وبوزير الداخلية بالإنابة هشام المشيشي” موضحة “وما يحز في نفسي أيضا أن تلك الأحزاب التي تدّعي الحداثة وتقول إنها لا تساند عبير موسي خوفا على الحريات لم تحرك ساكنا، حتى وإن قاموا ببيانات فإنها غير كافية، المطلوب تحرك وفعل سياسي، عبير موسي مثلا لها مقاربة محافظة في مسألة الحريات إذا كنتم تريدون كسب نقاط سياسية ضدها باعتبار أنكم تؤمنون بالحريات لتؤكدوا لنا ذلك ماذا فعل هؤلاء للحريات؟ لا شيء يُذكر”.

وتُعيد مثل هذه الممارسات الجدل إلى الواجهة حول الحريات الفردية حيث سبق أن أصدرت لجنة كلفها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بذلك تقريرا للحريات الفردية والمساواة في الميراث لكنه ظل حبيس أدراج البرلمان وهو ما يُحيل بدوره على سجال آخر ما ينفك ينتهي حتى يطفو على السطح من جديد وهو يتمركز حول هوية الدولة التي يريدها التونسيون: علمانية يقع فيها الفصل النهائي بين الدين والدولة أم كما يُعرّفها الدستور والتشريعات الحالية مدنية لكنها ترتكز على الإسلام أيضا في تشريعاتها.


وتقول المحامية والروائية التونسية إن “حلم الدولة العلمانية يبقى قائما، ويبقى تحقيقه رهين تغير المعادلة السياسية في الاستحقاقات المقبلة، حجم الإخوان في المجتمع التونسي الحقيقي بين 10 و15 في المئة، إذن يصبحون هم معارضة وتتغير المعادلة السياسية ومن الممكن أن نخرج من هذا الجدل وأنا لا أحبذ كثيرا في الواقع مصطلح الدولة العلمانية بقدر ما أحبذ مصطلح الدولة العقلانية: الدولة هي عقلنة العلاقات بين الأفراد والمجموعات، يجب أن يكون القانون فوق الجميع وأن يخضع الجميع للمحاسبة”.



اليسار في تونس أخطأ في كل شيء

وتوضح “الإسلاميون مثلا لا يتحركون إلا من منطلق غرائزي وليست لهم أيّ علاقة لا بما هو إيماني أو غيره، بالنسبة إلى اليسار في تونس أيضا أخطأ في كل شيء تقريبا، ولكي أوضح أكثر اليسار لا ينجح إلا في المجتمعات التي عرفت ثورة صناعية تولد طبقات معينة والتي من بينها الطبقة العمالية. مثلا حتى أميركا اللاتينية لم يحكمها اليسار بل الشعبويون من اليسار لأن بلدانها لم تشهد ثورة صناعية ولا وجود لطبقة عمالية فيها”.

وتابعت الكسوري “كيف وُلد اليسار في تونس؟ اليسار نخبوي وبقي نخبويا حيث نشأ من المتخرجين من المحامين وغيرهم، استوردوا الفكرة اليسارية دون أن يكون عندها وجود واقعي داخل العالم العمالي، ليس لديها أيّ عمق شعبي وسط العمال، نجح اليسار في فتر ما مثلا في السبعينات لأسباب خارجية أصلا تتعلق مثلا بوجود الاتحاد السوفياتي حيث كانت الكتب تأتي مجانا من الصين وغيرها وهو ما أدى إلى انتعاشة ذلك الفكر نوعا ما لكن لم يترسخ، اليوم الطبقة العمالية مثلا تصوّت للإخوان رغم أنها ليبرالية الطرح الاقتصادي”.

وتعتقد ميّة الكسوري أن من بين أكبر الأخطاء في مؤتمر التجديد عندما تحول الحزب الشيوعي التونسي إلى حزب حركة التجديد لرئيسه محمد الحلواني تم طرح إمكانية توسيع الحزب ليصبح شعبيا وجمهوريا لكن الفكرة واجهت رفضا بسبب المخاوف من الاختراق لذلك بقي الحزب نخبويا لا أثر فيه للطبقة العمالية.

إن تتحالف مع الإسلاميين فإنك تكتب نهايتك

وتُضيف “أيضا من الأخطاء القاتلة هو تحالف 18 أكتوبر (تجمع لمعارضي بن علي سنة 2005 جمع إسلاميين ويساريين وعروبيين وحقوقيين)، فأن تتحالف مع الإسلاميين فإنك تكتب نهايتك، ثم بقي اليسار هكذا يواجه مصيره حيث لا يزالون يتحدثون عن رصيدهم النضالي الذي لم يأت في الواقع بمنجزات ملموسة، أنا أقول هذا بكل حسرة اليوم لأن اليسار قدم الكثير للبشرية، فكل امتيازات الطبقة العمالية هي نتاج لتضحيات من اليسار، كذلك الحريات الفردية أيضا وغيرها من المكتسبات، لكن اليسار التونسي بقي عاطفيا وله قراءات خاطئة”. العرب اللندنية

مية القصوري: الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان.. والانتقال الديمقراطي كذبة
+اليسار في تونس أخطأ في كل شيء
+فكر الإسلام السياسي فكر فاشي

 حمّلت المحامية والإعلامية التونسية مية القصوري   حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس مسؤولية الأزمات التي باتت تعصف ببلادها وذلك في وقت تعرف فيه تونس قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي).

واختارت ميّة الكسوري وهي روائية أيضًا حوارها مع “العرب” للرد على المزاعم التي أطلقها نائب برلماني  بشأن تحكمها في الشأن السياسي في تونس من الكواليس، معتبرة أن ذلك “هراء” يستهدف صرف الأنظار عن المعركة الأهم للتونسيين وهي ضد “النهضة”.

وفي وقت سابق اتهم النائب البرلماني راشد الخياري ميّة الكسوري بالمساهمة في تحريك خيوط اللعبة السياسية في تونس من الكواليس حيث نشر تسجيلات صوتية زعم أنها للكسوري بشأن إسقاط حكومة إلياس الفخفاخ السابقة.

واعتبرت الكسوري أن تلك المزاعم هي محاولة لصرف الأنظار عن المعركة الأهم للتونسيين ضد "الإسلاميين" الذين يشكلون “فاشية جديدة”.

وشهدت تونس منذ أيام جدلا واسعا حول تسجيلات صوتية وصور زعم النائب  راشد الخياري أنها لفاعلين في المشهد على غرار مقربين من الرئيس سعيد، وأيضاً ميّة الكسوري التي اتهمها النائب المذكور بكونها مقربة من السفير الفرنسي وهو ما لا تنفيه المحامية والإعلامية التونسية.

كما ادعى الخياري،  أن الرئيس سعيد تلقى تمويلات أجنبية من الولايات المتحدة خلال حملته الانتخابية وهو ما نفته السفارة الأميركية في تونس.

وقالت الكسوري في رد على تلك المزاعم “لاحظتم أنني رفضت الرد على ما يأتي من هؤلاء، لأن ذلك لا يمكن إلا أن يكون هراء في محاولة لصرف الانتباه عن معارك أهم مع السرطان الأصلي الذي يواجهه التونسيون وهو حركة النهضة”.

وأضافت “أنا لا أخفي صداقتي بالسفير الفرنسي مثلا وهو رجل أدب، لم يكن هناك أيّ اقتراح من فرنسا بشأن الحكومة، تحدثت مع السفير الفرنسي مرارا ولكن لم يكن هناك أيّ مقترح فرنسي في هذا الصدد، بالعكس عندما ذهبت إلى مجلس الشيوخ الفرنسي بعد أن تم استدعائي إلى جانب تونسيين آخرين في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قمت بإلقاء كلمة انتقدت فيها السياسة الفرنسية في العديد من المناطق على غرار سوريا وبالعكس تم نشر رأيي في صحف فرنسية رغم أنني لم أطلب ذلك”.

وأوضحت المحامية والروائية التونسية “أنا أتحدث مع السفير الفرنسي في مسائل سياسية في سياق نقاشات عادية، الإشكال حتى وإن كانت الرئاسة التونسية تستشيرني في مسائل مرتبطة بالحكومة فلها ذلك، للرئاسة الحق في استشارة من تريد”.

واعتبرت أن هذا التحرك يستهدف صرف الأنظار عن المواجهة الحقيقية وهي مع حركة النهضة والذهاب إلى مسائل جانبية يدفع إليها “أذناب هذه الحركة”.

وتقول ميّة الكسوري “للأسف في تونس عُدنا إلى فترة ما قبل الدولة، وهذا ترسخ بعد الثورة من ممارسات الإخوان (النهضة)، هم يجسدون الفكر القبلي، فكر ما قبل الدولة، الفكر الريعي، لقد هدموا الدولة (..) ومنذ البداية كما تابعنا دخلوا يتحدثون عن الدولة العميقة، ما هي الدولة العميقة؟ هي الدولة المهيكلة منذ عهد الزعيم الحبيب بورقيبة (أول رئيس لتونس)، هم ببساطة ضد كل مقاربة عقلانية للدولة”.


وتابعت “قلتها مرة في التلفزيون ولم يفهمها هؤلاء، الإسلاميون يمثلون الهطّايا (السكان الرحل الذين يمتهنون الفلاحة عبر الترحال موسميا)، هؤلاء هم الهطايا السياسيون لأن فكرهم يتمحور حول ضرورة الانتقال من فكرة إلى فكرة لمجرد أن المرحلة تقتضي ذلك”.


الانتقال الديمقراطي كذبة

وترى ميّة الكسوري أن “مسألة الانتقال الديمقراطي أكبر كذبة عاشها التونسيون، وهي مصطلح يستعمله هؤلاء الذين أتوا بعد 2011 لتبرير فشلهم (..) كان أول عمل قام به هؤلاء منذ تسلمهم الحكم هو تدمير المؤسسات على غرار القضاء الذي تم اختراقه ورأينا وزير النهضة نورالدين البحيري كيف أطرد قضاة تم إنصافهم مؤخرا. فهل يمكن القيام بانتقال ديمقراطي بقضاء مريض ومخترق؟ ورأينا ما حدث بين قاضيين (الطيب راشد وبشير العكرمي وهما قاضيان نشبت بينهما خلافات عميقة كشفت عن حقائق مدوية دون أن تُتخذ في حقهما إجراءات إلى الآن). الإخوان يُعيدون إنتاج قميص عثمان فقط، تعلموا 4 أو 5 مصطلحات مثل حقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي في دورات تكوينية في أميركا يُعيدونها على التونسيين وهم لا يدركون معناها ولا يؤمنون بها أصلا”.


وتشدد الكسوري على أن الإسلاميين في تونس يعيشون حالة كبيرة من الوهن لا تعود فقط للضغوط التي تكرسها أطراف داخلية عليهم بل أيضا بسبب التغيرات الإقليمية، مضيفة “لكن هذه الضغوط ينبغي أن تكون مرفوقة بوحدة مقدسة بين الأطراف التي تؤمن أن الإسلام السياسي هو سرطان، هو أكبر خطر يواجه دولنا، بالدليل لا يوجد أيّ بلد حكم فيه هؤلاء ونجح”.

الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان

واستطردت “لكن المشكل أنه في كل مرة يتم مد طوق النجاة للإسلاميين من قبل البُله المفيدين وهي الكلمة التي استعملها لينين في الواقع. الإسلاميون يتحايلون بقميص عثمان والآخرون يحصل لهم ارتجاج معرفي مثلا كيساري قاعدي يتابع الإعدامات الأخيرة في مصر، فكلنا ضد الإعدام لكن عندما تجد تنديدا من قبل الإخوان يجب أن تفكر قبل أن تتخذ موقفا، لا يمكن أن أسمح بأن أكون جنديا في صفهم”.

وتوضح الكسوري “النهضة نددت بالانقلاب في مصر لكن أكبر انقلابيين هم الإخوان، الغنوشي نفسه ساند وأيّد حسن الترابي وقدم له إهداء في كتابه واعتبره مفكرا من مفكري الأمة وهو أكبر انقلابي عرفه السودان. ثم هل هم ضد الإعدام، كل مرة في تونس نفتح هذا الملف وأكثر طرف يكون ضد إلغاء حكم الإعدام هم الإسلاميون ويقولون من قَتَل يُقتل، هم يدعون أنهم ضد العديد من الأنظمة ومنها النظام المصري بتعلة أنها مطبعة أيضًا وهم في الواقع أكبر المطبعين”.

فكر الإسلام السياسي فكر فاشي


وأضافت الكسوري “ثم هم يتحدثون مثلا عن عبير موسي (رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض) على أنها فاشية، هم أكثر حزب يؤسس للفاشية ويمثل الفاشية، فكر الإسلام السياسي هو فكر فاشي لأن الأخير هو الذي لا يقبل بمناقشة الفكرة الأصلية ويعتبر أن لديه الخلاص، هم استولوا على مشترك للشعب التونسي وهو الإسلام” موضحة “عندما يأتي حزب سياسي ويسطو على دين من الأديان يصبح هذا الحزب غير خاضع للنسبية التي تخضع لها بقية الأحزاب التي تتبنى أفكارا دنيوية من الممكن تطويرها أو تغييرها، فكرهم لا يتغير لأنه يتعلق بدين، فإذا أتيت بفكرة مختلفة تُصبح تتحرك في نطاق الكفر لأن فكرته لا تحتمل النقاش، هنا هم الفاشيون وليس غيرهم”.

وترى أن الدستوري الحر الوحيد الذي يُحارب النهضة في تونس منذ 2011 قائلة “كل ما يتم الترويج له كذب في تونس، لم يتغير شيء، لا توجد حرية تعبير والمحسوبية تفاقمت ورأينا كيف يوزعون التلاقيح بين جماعتهم، هم كالسرطان والجراد الذي جاء إلى البلاد، إذن اليوم العدو واضح هو النهضة والحزب الوحيد الذي يُحاربهم هو الدستوري ولا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك، الدستوري يقوم بالفعل السياسي عكس الآخرين”.

الحريات مهددة

عرفت تونس قبيل أيام سجالات تصاعدت إثر إقدام عناصر من الأمن على إغلاق مقهى بالقوة في محافظة صفاقس جنوب البلاد بحجة أنه مفتوح في شهر رمضان وهو ما استنكرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وعلقت ميّة الكسوري بالقول “لا يوجد أيّ قانون أو حتى منشور يمكن الاستناد عليه في هذه العملية، كل مرة نطالب بالنص الحقيقي الذي ينص على ذلك يمتنعون مبررين ذلك بأنه منشور لم يُنشر (..) هذه المسألة بدأت في فترة (محمد) مزالي (وهو الوزير الأول الأسبق في عهد بورقيبة) عندما تقرب مزالي من الإسلاميين، ووقتها كان بورقيبة ضد هذه الخطوات لأنه لا يوجد نص قانوني فهي مجرد تقديرات سياسية”.

وأردفت “الخطير اليوم أنه يتم إعطاء تراخيص لأصحاب المقاهي لكي يعملوا ثم يسمح هؤلاء لأنفسهم بالقدوم وإخراج أصحاب المقاهي بالقوة، لكنني أرى أن البيانات التي صدرت في هذا الصدد غير كافية: يجب التشكي أمام المحاكم بالدولة التونسية وبوزير الداخلية بالإنابة هشام المشيشي” موضحة “وما يحز في نفسي أيضا أن تلك الأحزاب التي تدّعي الحداثة وتقول إنها لا تساند عبير موسي خوفا على الحريات لم تحرك ساكنا، حتى وإن قاموا ببيانات فإنها غير كافية، المطلوب تحرك وفعل سياسي، عبير موسي مثلا لها مقاربة محافظة في مسألة الحريات إذا كنتم تريدون كسب نقاط سياسية ضدها باعتبار أنكم تؤمنون بالحريات لتؤكدوا لنا ذلك ماذا فعل هؤلاء للحريات؟ لا شيء يُذكر”.

وتُعيد مثل هذه الممارسات الجدل إلى الواجهة حول الحريات الفردية حيث سبق أن أصدرت لجنة كلفها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بذلك تقريرا للحريات الفردية والمساواة في الميراث لكنه ظل حبيس أدراج البرلمان وهو ما يُحيل بدوره على سجال آخر ما ينفك ينتهي حتى يطفو على السطح من جديد وهو يتمركز حول هوية الدولة التي يريدها التونسيون: علمانية يقع فيها الفصل النهائي بين الدين والدولة أم كما يُعرّفها الدستور والتشريعات الحالية مدنية لكنها ترتكز على الإسلام أيضا في تشريعاتها.


وتقول المحامية والروائية التونسية إن “حلم الدولة العلمانية يبقى قائما، ويبقى تحقيقه رهين تغير المعادلة السياسية في الاستحقاقات المقبلة، حجم الإخوان في المجتمع التونسي الحقيقي بين 10 و15 في المئة، إذن يصبحون هم معارضة وتتغير المعادلة السياسية ومن الممكن أن نخرج من هذا الجدل وأنا لا أحبذ كثيرا في الواقع مصطلح الدولة العلمانية بقدر ما أحبذ مصطلح الدولة العقلانية: الدولة هي عقلنة العلاقات بين الأفراد والمجموعات، يجب أن يكون القانون فوق الجميع وأن يخضع الجميع للمحاسبة”.



اليسار في تونس أخطأ في كل شيء

وتوضح “الإسلاميون مثلا لا يتحركون إلا من منطلق غرائزي وليست لهم أيّ علاقة لا بما هو إيماني أو غيره، بالنسبة إلى اليسار في تونس أيضا أخطأ في كل شيء تقريبا، ولكي أوضح أكثر اليسار لا ينجح إلا في المجتمعات التي عرفت ثورة صناعية تولد طبقات معينة والتي من بينها الطبقة العمالية. مثلا حتى أميركا اللاتينية لم يحكمها اليسار بل الشعبويون من اليسار لأن بلدانها لم تشهد ثورة صناعية ولا وجود لطبقة عمالية فيها”.

وتابعت الكسوري “كيف وُلد اليسار في تونس؟ اليسار نخبوي وبقي نخبويا حيث نشأ من المتخرجين من المحامين وغيرهم، استوردوا الفكرة اليسارية دون أن يكون عندها وجود واقعي داخل العالم العمالي، ليس لديها أيّ عمق شعبي وسط العمال، نجح اليسار في فتر ما مثلا في السبعينات لأسباب خارجية أصلا تتعلق مثلا بوجود الاتحاد السوفياتي حيث كانت الكتب تأتي مجانا من الصين وغيرها وهو ما أدى إلى انتعاشة ذلك الفكر نوعا ما لكن لم يترسخ، اليوم الطبقة العمالية مثلا تصوّت للإخوان رغم أنها ليبرالية الطرح الاقتصادي”.

وتعتقد ميّة الكسوري أن من بين أكبر الأخطاء في مؤتمر التجديد عندما تحول الحزب الشيوعي التونسي إلى حزب حركة التجديد لرئيسه محمد الحلواني تم طرح إمكانية توسيع الحزب ليصبح شعبيا وجمهوريا لكن الفكرة واجهت رفضا بسبب المخاوف من الاختراق لذلك بقي الحزب نخبويا لا أثر فيه للطبقة العمالية.

إن تتحالف مع الإسلاميين فإنك تكتب نهايتك

وتُضيف “أيضا من الأخطاء القاتلة هو تحالف 18 أكتوبر (تجمع لمعارضي بن علي سنة 2005 جمع إسلاميين ويساريين وعروبيين وحقوقيين)، فأن تتحالف مع الإسلاميين فإنك تكتب نهايتك، ثم بقي اليسار هكذا يواجه مصيره حيث لا يزالون يتحدثون عن رصيدهم النضالي الذي لم يأت في الواقع بمنجزات ملموسة، أنا أقول هذا بكل حسرة اليوم لأن اليسار قدم الكثير للبشرية، فكل امتيازات الطبقة العمالية هي نتاج لتضحيات من اليسار، كذلك الحريات الفردية أيضا وغيرها من المكتسبات، لكن اليسار التونسي بقي عاطفيا وله قراءات خاطئة”. العرب اللندنية

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews