إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي / من أجل ميثاق اجتماعي جديد

لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يعتقد أن "منظومة 24 جويلية" كان يُمكنها أن تتواصل. إذ أن الازمة السياسية كانت تزداد تعقيدا. فالصراع الصامت بين الرئاسة والحكومة قاد الى شلل العمل الحكومي، فيما كان يُعرف بأزمة "التحوير الوزاري". هذا فضلا على الصّراع الذي كان يشق الائتلاف الحاكم وسط انباء على صراعات حول التعيينات.

كما سيطر التعثّر على العمل البرلماني وتحوّل البرلمان إلى ما يشبه "السيرك". وصارت رئاسة البرلمان عاجزة على ادارته وفي قطيعة مع الرئاسة. وفقد الرأي العام الوطني عموما من جهة ثانية الثقة في كافة الطبقة السياسية وفي الأحزاب وكل الشخصيات السياسية. كانت هذه "الحالة" السياسية تتعاظمُ وسط انتشار الوباء وارتفاع عدد الاصابات والوفايات، والعجز على مجابهتها،  وانهيار المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة، وتوقف الاستثمار الخارجي والداخلي وارتفع التضخم وزادت الأسعار ونسب البطالة والفقر.

 لذلك استبشر طيفٌ كبير بما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية، وهو الذي أنهى بذلك بشكل ما "وضعا" لم يكن قابلا للاستمرار. واليوم بعد إحدى عشر شهرا من بداية "التدابير الاستثنائية"، تتمطّط الفترة الاستثنائية وتتمطّط معها الاجراءات، وتزدادُ نفس الازمات تعقيدا ويزدادُ وقعها على معيشة التونسيين صعوبة يوما بعد يوم،يعودُ السؤال المُلحّ ما العمل؟

لقد سمحت لي الفترة القصيرة التي قضيتُها في مجلس نواب الشعب، بالاطلاع عن كثب، على كيفية إدارة الشأن العام وعلى  الفُرص المهدورة المُتاحة لتونس للخروج من وضع "التّأزّم". ولاحظتُ انصراف النّخب والأحزاب إلى الصراعات الأيديولوجية من جهة والى سيطرة "الهواة" على الحُكم وسيطرتهم على المشهد السياسي والاعلامي والمدني في البلاد، كما مكّنتني تجربتي المهنية من الوقوف على "المقدرات" الهائلة التي تمتلكُها تونس، فلتونس مقومات "القوّة الناعمة" التي توفّر لها فُرصا حقيقية للإقلاع الحضاري.

1- السياسة من أجل ميثاق اجتماعي وطني

لم يستفد الرئيس قيس سعيّد كثيرا من حالة الزخم الشعبي الذي رافقت اتخاذه للإجراءات الإستثنائية. فقد كرّس تدريجيا مُمارسة معالم سُلطة فردية، ترفضُ التشاركية ولا تهتمّ بالحوار. وعمد عبر المراسيم إلى نسف كل مقوّمات البناء الديمقراطي، وأجد نفسي اليوم راضيا على قراءتي و"استشرافي". فقد بادرتُ منذ يوم 28 جويلية إلى التعبير على ضرورة الاصلاح وعلى خشيتي من "عزلة" تونس دوليا إذا خرجت على "المسار الدستوري". وحرصت على التأكيد على كون الاستفراد بالرأي وإلغاء المؤسسات الدستورية والسياسية وإيقاف "المسار الديمقراطي" سيجعل تونس معزولة دوليا. وسينعكس ذلك على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لتونس، وخاصة على معيشة التونسيين.

لقد قضّى الرئيس شهرين في "كاستينغ" حكومي، ليظهر بالكاشف فشل أغلب وزرائها. ويُهاجم أنصاره اليوم وزراء حكومة السيدة بودن، ويُطالبون بتغييرها. وصار الحديث على صراع الأجنحة في "سلطة قيس سعيد" عاديا. وزاد في بعث الحيرة والقلق إصرار الرئيس سعيد على مواصلة نفس السياسات في التعيينات الخاضعة للولاء لا للكفاءة، في تمسّك بنفس آليات الحكم ومنهجه قبل 25 جويلية.

نجد أنفسنا اليوم في عزلة دولية، وفي حالة انقسام داخلي غير مسبوق. ولكن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والمالية لتونس تزدادُ خطرا وغموضا.

لقد أدى الاستفرادُ بالرأي إلى قطيعة غير خافية بين الرئيس ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وصار الأمر مُعلنا بين الرئيس واتحاد الشغل. ونعتقد أن محاولة المرور بقوّة وفرض سياسة الأمر الواقع، ليست الحلّ الأمثل للبلاد. وحرصت أكثر من مرّة، على التأكيد على كون "الحلّ السياسي" في تونس غير مُمكن خارج حوار وطني تشاركي، يضمّ كل الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني. حوار ينطلق من توصيف واقعي للوضع السياسي، ويضع في أهدافه الإصلاحات الضرورية اقتصاديا واجتماعيا.

إن حوارا غير تشاركيّ قائم على "اقصاء" فئة ما من التونسيين تحت أي مُسبّب، لن تكون نتائجهُ مقبولة، وسيُضيّعُ علينا فرصا أخرى مثلما أضعنا عشرية كاملة. فالمقاربة التشاركية هي ضمان الديمومة وضمان نجاعة نتائجها.

إن الإستغراق في المقاربة "الدستورجية"  فوّت على تونس فُرصا سياسية واقتصادية كبيرة. وتحوّل تصوّر السيد الرئيس للحوار الوطني الى مشكلة حقيقية. فبدل أن يتحوّل الحوار إلى وسيلة لكسر الجليد بين الفرقاء السياسيين، والى فرصة لبناء مستقبل تونس، تحوّل الحوار نفسه إلى سبب للصراع وعامل من عوامل التفرقة.

وأدعو اليوم إلى مؤتمر وطني مفتوح تُشارك فيه كلّ القوى الحيّة في البلاد، لا يُستثنى منه غير الفاسدين والاقصائيين، وكلّ من يرفض قيم العيش المشترك أويعمل على تقسيم التونسيين. ويكون هذا المؤتمر منطلقا لإصدار "ميثاق اجتماعي وطني" يُجدّد المشتركات الوطنية، ويُحدّد الإطار العام للعيش المشترك، والاصلاحات الضرورية للدولة والإدارة حتى تتناسب مع اللحظة التي نعيشُها.

2- دولة الامان، إقتصاد مزدهر ومجتمع الرفاه،

لقد قادتني التجربة السياسية والمهنية، إلى التفكير في حقيقة الوضع الاقتصادي لتونس، وبقدر ما يبدو الوضعُ سيّئا فإن تونس تمتلك فرصا حقيقية للإقلاع الاقتصادي. ونعتقد أن تونس اليوم يجب أن تشرع في سياسات اقتصادية عملية واقعية، تنعكس نتائجُها على عيش التونسيين.

إن معدلات التضخم والغلاء ومستويات الفقر في تونس بلغت مستويات غير مسبوقة. ونحن اليوم مقتنعون أن ترسيخ الديمقراطية غير مُمكن دون أن تكون للديمقراطية حاضنة اجتماعية تتبناها وتؤمن بها وتُدافع عليها، ودون اقتصاد مزدهر ومجتمع الرفاه ودولة الأمان.

نحن ندفع في اتجاه اقتصاد متنوع ومنتج للثروة، وتونس تمتلك اليوم كل مقومات النجاح، فلها موقع استراتيجي وهي قادرة عبر "ثورة الطاقة" في تخفيض تكلفة الانتاج، ومن الممكن أن تستثمر تونس في مهن المستقبل والاقتصاد الرقمي وأن تتحوّل إلى منطقة جذب للاستثمار.

إن العمل على مضاعفة الناتج القومي الخام، ومضاعفة الأجر الأدنى الفلاحي والصناعي هي الشروط الضرورية لتدعيم "الطبقة الوسطى"، الضمانة الوحيدة لبناء دولة ديمقراطية مستقرّة. وهذا أمر ممكن إذا تم التحكم في تكلفة الانتاج. وحان الوقت اليوم لجعل تكلفة الطاقة هي المحدّد الرئيسي بدل التخفيض في أجرة العمّال. وتملك تونس كل الفُرص لتجعل من الطاقات الشمسية والطاقات المُتجدّدة فرصا حقيقية للنهوض بالاقتصاد وتوفير فرص مجتمع الرفاه.

إننا اليوم في مفترق الطرق. بين تونس المستقبل، تونس الميثاق الجماعي الذي يضمن "وحدة وطنية" تحترم الكفاءات وتقوم على إرادة الشباب المتعلقة بالمستقبل وتبني على تجربة les seniors، وبين المقاربة التي تدفع في اتجاه حصر تونس داخل سجن معارك الماضي السياسية التي لا تحترمُ ذكاء التونسيين ولا قضاياهم وتقطع الصلة بين الأجيال. لقد صرتُ مؤمنا أن تونس تحتاج مشروعا وطنيا جامعا، واقعيا وعقلانيا، ينطلق من تشخيص عقلاني لواقع التونسيين وظروف عيشهم وغلاء معيشتهم ويضع في حسبانه تقديم حلول عملية قابلة للتحقيق لهذه القضايا. ونحن من موقع الراغب في المساهمة في العملية السياسية ندعو كل المهتمين بالشأن العام، وخاصة الشباب إلى المبادرة والمشاركة في الشأن العام.

إن مشروعا وطنيّا تشاركيا قابلا للانجاز وله شروط الاستمرار وحده من سيُعيد للتونسيين ثقتهم في دولتهم، ومن سيُعيد بناء الثقة بينهم وبين نُخبهم. وهذا المشروع المستقبلي هو الأرضية التي سينبني عليها الأمل في المستقبل. ولكن شرط نجاح هذا المشروع هو "التشاركية" في معناها الايجابي، أي قيامها على "الذكاء الجماعي"، فما ينقُص مختلف الفاعلين اليوم هو التواضُع، والانغلاق على الذات وتوهّم امتلاك الحقيقة. ونحن نؤمن مع ذلك أن تونس "فضاء مشتركٌ" للفعل الجماعي، يُمثّل كل فاعل فيه طرفا فاعلا، متى آمن بالحوار والذكاء الجماعي والنجاح. ومتى توفّرت الجرأة والإرادة والعزيمة.

فأن تضيئ شمعة خير من أن تلعن الظلام.

 

 

العياشي زمّال

ناشط سياسي

رأي / من أجل ميثاق اجتماعي جديد

لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يعتقد أن "منظومة 24 جويلية" كان يُمكنها أن تتواصل. إذ أن الازمة السياسية كانت تزداد تعقيدا. فالصراع الصامت بين الرئاسة والحكومة قاد الى شلل العمل الحكومي، فيما كان يُعرف بأزمة "التحوير الوزاري". هذا فضلا على الصّراع الذي كان يشق الائتلاف الحاكم وسط انباء على صراعات حول التعيينات.

كما سيطر التعثّر على العمل البرلماني وتحوّل البرلمان إلى ما يشبه "السيرك". وصارت رئاسة البرلمان عاجزة على ادارته وفي قطيعة مع الرئاسة. وفقد الرأي العام الوطني عموما من جهة ثانية الثقة في كافة الطبقة السياسية وفي الأحزاب وكل الشخصيات السياسية. كانت هذه "الحالة" السياسية تتعاظمُ وسط انتشار الوباء وارتفاع عدد الاصابات والوفايات، والعجز على مجابهتها،  وانهيار المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة، وتوقف الاستثمار الخارجي والداخلي وارتفع التضخم وزادت الأسعار ونسب البطالة والفقر.

 لذلك استبشر طيفٌ كبير بما أقدم عليه الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية، وهو الذي أنهى بذلك بشكل ما "وضعا" لم يكن قابلا للاستمرار. واليوم بعد إحدى عشر شهرا من بداية "التدابير الاستثنائية"، تتمطّط الفترة الاستثنائية وتتمطّط معها الاجراءات، وتزدادُ نفس الازمات تعقيدا ويزدادُ وقعها على معيشة التونسيين صعوبة يوما بعد يوم،يعودُ السؤال المُلحّ ما العمل؟

لقد سمحت لي الفترة القصيرة التي قضيتُها في مجلس نواب الشعب، بالاطلاع عن كثب، على كيفية إدارة الشأن العام وعلى  الفُرص المهدورة المُتاحة لتونس للخروج من وضع "التّأزّم". ولاحظتُ انصراف النّخب والأحزاب إلى الصراعات الأيديولوجية من جهة والى سيطرة "الهواة" على الحُكم وسيطرتهم على المشهد السياسي والاعلامي والمدني في البلاد، كما مكّنتني تجربتي المهنية من الوقوف على "المقدرات" الهائلة التي تمتلكُها تونس، فلتونس مقومات "القوّة الناعمة" التي توفّر لها فُرصا حقيقية للإقلاع الحضاري.

1- السياسة من أجل ميثاق اجتماعي وطني

لم يستفد الرئيس قيس سعيّد كثيرا من حالة الزخم الشعبي الذي رافقت اتخاذه للإجراءات الإستثنائية. فقد كرّس تدريجيا مُمارسة معالم سُلطة فردية، ترفضُ التشاركية ولا تهتمّ بالحوار. وعمد عبر المراسيم إلى نسف كل مقوّمات البناء الديمقراطي، وأجد نفسي اليوم راضيا على قراءتي و"استشرافي". فقد بادرتُ منذ يوم 28 جويلية إلى التعبير على ضرورة الاصلاح وعلى خشيتي من "عزلة" تونس دوليا إذا خرجت على "المسار الدستوري". وحرصت على التأكيد على كون الاستفراد بالرأي وإلغاء المؤسسات الدستورية والسياسية وإيقاف "المسار الديمقراطي" سيجعل تونس معزولة دوليا. وسينعكس ذلك على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لتونس، وخاصة على معيشة التونسيين.

لقد قضّى الرئيس شهرين في "كاستينغ" حكومي، ليظهر بالكاشف فشل أغلب وزرائها. ويُهاجم أنصاره اليوم وزراء حكومة السيدة بودن، ويُطالبون بتغييرها. وصار الحديث على صراع الأجنحة في "سلطة قيس سعيد" عاديا. وزاد في بعث الحيرة والقلق إصرار الرئيس سعيد على مواصلة نفس السياسات في التعيينات الخاضعة للولاء لا للكفاءة، في تمسّك بنفس آليات الحكم ومنهجه قبل 25 جويلية.

نجد أنفسنا اليوم في عزلة دولية، وفي حالة انقسام داخلي غير مسبوق. ولكن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والمالية لتونس تزدادُ خطرا وغموضا.

لقد أدى الاستفرادُ بالرأي إلى قطيعة غير خافية بين الرئيس ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وصار الأمر مُعلنا بين الرئيس واتحاد الشغل. ونعتقد أن محاولة المرور بقوّة وفرض سياسة الأمر الواقع، ليست الحلّ الأمثل للبلاد. وحرصت أكثر من مرّة، على التأكيد على كون "الحلّ السياسي" في تونس غير مُمكن خارج حوار وطني تشاركي، يضمّ كل الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني. حوار ينطلق من توصيف واقعي للوضع السياسي، ويضع في أهدافه الإصلاحات الضرورية اقتصاديا واجتماعيا.

إن حوارا غير تشاركيّ قائم على "اقصاء" فئة ما من التونسيين تحت أي مُسبّب، لن تكون نتائجهُ مقبولة، وسيُضيّعُ علينا فرصا أخرى مثلما أضعنا عشرية كاملة. فالمقاربة التشاركية هي ضمان الديمومة وضمان نجاعة نتائجها.

إن الإستغراق في المقاربة "الدستورجية"  فوّت على تونس فُرصا سياسية واقتصادية كبيرة. وتحوّل تصوّر السيد الرئيس للحوار الوطني الى مشكلة حقيقية. فبدل أن يتحوّل الحوار إلى وسيلة لكسر الجليد بين الفرقاء السياسيين، والى فرصة لبناء مستقبل تونس، تحوّل الحوار نفسه إلى سبب للصراع وعامل من عوامل التفرقة.

وأدعو اليوم إلى مؤتمر وطني مفتوح تُشارك فيه كلّ القوى الحيّة في البلاد، لا يُستثنى منه غير الفاسدين والاقصائيين، وكلّ من يرفض قيم العيش المشترك أويعمل على تقسيم التونسيين. ويكون هذا المؤتمر منطلقا لإصدار "ميثاق اجتماعي وطني" يُجدّد المشتركات الوطنية، ويُحدّد الإطار العام للعيش المشترك، والاصلاحات الضرورية للدولة والإدارة حتى تتناسب مع اللحظة التي نعيشُها.

2- دولة الامان، إقتصاد مزدهر ومجتمع الرفاه،

لقد قادتني التجربة السياسية والمهنية، إلى التفكير في حقيقة الوضع الاقتصادي لتونس، وبقدر ما يبدو الوضعُ سيّئا فإن تونس تمتلك فرصا حقيقية للإقلاع الاقتصادي. ونعتقد أن تونس اليوم يجب أن تشرع في سياسات اقتصادية عملية واقعية، تنعكس نتائجُها على عيش التونسيين.

إن معدلات التضخم والغلاء ومستويات الفقر في تونس بلغت مستويات غير مسبوقة. ونحن اليوم مقتنعون أن ترسيخ الديمقراطية غير مُمكن دون أن تكون للديمقراطية حاضنة اجتماعية تتبناها وتؤمن بها وتُدافع عليها، ودون اقتصاد مزدهر ومجتمع الرفاه ودولة الأمان.

نحن ندفع في اتجاه اقتصاد متنوع ومنتج للثروة، وتونس تمتلك اليوم كل مقومات النجاح، فلها موقع استراتيجي وهي قادرة عبر "ثورة الطاقة" في تخفيض تكلفة الانتاج، ومن الممكن أن تستثمر تونس في مهن المستقبل والاقتصاد الرقمي وأن تتحوّل إلى منطقة جذب للاستثمار.

إن العمل على مضاعفة الناتج القومي الخام، ومضاعفة الأجر الأدنى الفلاحي والصناعي هي الشروط الضرورية لتدعيم "الطبقة الوسطى"، الضمانة الوحيدة لبناء دولة ديمقراطية مستقرّة. وهذا أمر ممكن إذا تم التحكم في تكلفة الانتاج. وحان الوقت اليوم لجعل تكلفة الطاقة هي المحدّد الرئيسي بدل التخفيض في أجرة العمّال. وتملك تونس كل الفُرص لتجعل من الطاقات الشمسية والطاقات المُتجدّدة فرصا حقيقية للنهوض بالاقتصاد وتوفير فرص مجتمع الرفاه.

إننا اليوم في مفترق الطرق. بين تونس المستقبل، تونس الميثاق الجماعي الذي يضمن "وحدة وطنية" تحترم الكفاءات وتقوم على إرادة الشباب المتعلقة بالمستقبل وتبني على تجربة les seniors، وبين المقاربة التي تدفع في اتجاه حصر تونس داخل سجن معارك الماضي السياسية التي لا تحترمُ ذكاء التونسيين ولا قضاياهم وتقطع الصلة بين الأجيال. لقد صرتُ مؤمنا أن تونس تحتاج مشروعا وطنيا جامعا، واقعيا وعقلانيا، ينطلق من تشخيص عقلاني لواقع التونسيين وظروف عيشهم وغلاء معيشتهم ويضع في حسبانه تقديم حلول عملية قابلة للتحقيق لهذه القضايا. ونحن من موقع الراغب في المساهمة في العملية السياسية ندعو كل المهتمين بالشأن العام، وخاصة الشباب إلى المبادرة والمشاركة في الشأن العام.

إن مشروعا وطنيّا تشاركيا قابلا للانجاز وله شروط الاستمرار وحده من سيُعيد للتونسيين ثقتهم في دولتهم، ومن سيُعيد بناء الثقة بينهم وبين نُخبهم. وهذا المشروع المستقبلي هو الأرضية التي سينبني عليها الأمل في المستقبل. ولكن شرط نجاح هذا المشروع هو "التشاركية" في معناها الايجابي، أي قيامها على "الذكاء الجماعي"، فما ينقُص مختلف الفاعلين اليوم هو التواضُع، والانغلاق على الذات وتوهّم امتلاك الحقيقة. ونحن نؤمن مع ذلك أن تونس "فضاء مشتركٌ" للفعل الجماعي، يُمثّل كل فاعل فيه طرفا فاعلا، متى آمن بالحوار والذكاء الجماعي والنجاح. ومتى توفّرت الجرأة والإرادة والعزيمة.

فأن تضيئ شمعة خير من أن تلعن الظلام.

 

 

العياشي زمّال

ناشط سياسي