ـ عضو هيئة الانتخابات سفيان العبيدي: الجرائم الخطيرة كالتمويل الأجنبي وتدليس التزكيات لا تسقط بمرور الزمن
تونس-الصباح
أثار البلاغ الصادر أول أمس عن مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس حول قرار إحالة 19 شخصا أبرزهم راشد الغنوشي ونبيل القروي ويوسف الشاهد وسليم الرياحي وعبد الكريم الزبيدي على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل جرائم انتخابية، ارتياحا كبيرا لدى الكثير من المتابعين للشأن العام وخاصة الحقوقيين الذين ناضلوا طويلا من أجل وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، لكنه في المقابل لم يشف غليل البعض الذين يتحرقون شوقا لمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة وخاصة منها فضيحة التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية وعقود اللوبينغ.
المحاسبة على الجرائم الانتخابية وفق ما أشار إليه عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سفيان العبيدي ضمنها القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء فهذا القانون نص على عقوبات مالية وحتى على عقوبات بالسجن لمدة خمس سنوات بالنسبة للمترشح للانتخابات الرئاسية المتمتع بالتمويل الأجنبي للحملة الانتخابية، إضافة إلى فقدان العضوية بالمجلس المنتخب بالنسبة إلى أعضاء القائمات المتمتعة بالتمويل الأجنبي مع حرمان كل من تتم إدانته بالحصول على تمويل أجنبي من الترشح للانتخابات لمدة خمس سنوات بداية من تاريخ صدور الحكم بالإدانة ..
وفسر العبيدي أنه في ما يتعلق بقرار إحالة 19 شخصا على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس، فإنه تم بناء على ما تضمنه التقرير الرقابي لمحكمة المحاسبات حول تمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 وكان من أجل ارتكاب جرائم تتعلق بمخالفة تحجير الإشهار السياسي والدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة الصمت الانتخابي وهي جرائم يترتب عن ارتكابها تسليط خطايا مالية تتراوح بالنسبة لتحجير الإشهار السياسي بين 5 و10 آلاف دينار، وبالنسبة للدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي تتراوح بين 3 و20 ألف دينار.
وبين أن هذه الجرائم في النهاية لا تشكل نفس درجة خطورة جرائم التمويل الأجنبي والتمويل المشبوه والتمويل مجهول المصدر للحملات الانتخابية ولهذا السبب فإن عقوباتها تقتصر على خطايا مالية ولا تصل إلى السجن وشملت الإحالة حسب قوله أشخاص لم ينجحوا في الانتخابات أصلا ولكنها في المقابل شملت عضو مجلس نواب الشعب المنجي الرحوي مثلما شملت رئيس المجلس راشد الغنوشي.
وأشار العبيدي إلى أنه إضافة إلى الإحالات التي تمت والتي ستتم بناء على التقرير العام لمحكمة المحاسبات فإن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أحالت بدورها الكثير من الملفات على النيابة العمومية وهناك قضايا مازالت في طور البحث، وذكر أن المشكل الأساسي يكمن في طول إجراءات التقاضي، وأضاف أن هناك ملفات تم حفظها خاصة المتعلقة باستغلال الأطفال في الحملات الانتخابية وهناك ملفات خطيرة أحالتها الهيئة على القضاء وهي تتعلق بتدليس التزكيات للانتخابات الرئاسية وقد قامت المحاكم العدلية بالأبحاث وطلبت من الهيئة في أكثر من مناسبة قائمة المزكين قصد التحري، وذكر أنه حتى بالنسبة إلى انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية وكذلك الانتخابات البلدية تمت إحالة الكثير من الملفات على القضاء.. وبالتالي فإن الحساب وفق تعبيره آت ولا مفر منه، خاصة إذا تعلق الأمر بالجرائم الخطيرة مثل التمويل الأجنبي والتمويل المشبوه وتدليس التزكيات فهذه الجرائم حسب تأكيد عضو الهيئة لا تسقط كغيرها من الجرائم الانتخابية بالتقادم فحسب رأيه لا ينطبق عليها الفصل 167 من القانون الانتخابي الذي نص على سقوط الجرائم بالتقادم إثر انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
وكان العديد من الناشطين في المجتمع المدني أبدوا مخاوفهم من إفلات مرتكبي الجرائم الانتخابية من العقاب وعبروا عن خشيتهم من سقوط الجرائم الانتخابية بالتقادم ولهذا السبب طالبوا القضاء بالتعجيل في البت في الجرائم الانتخابية وهناك منهم من خرجوا إلى الشارع وشاركوا في وقفة احتجاجية أواخر سبتمبر الماضي أمام مقر محكمة المحاسبات للتعبير عن تمسكهم بمطلب التعجيل في تفعيل التقرير العام لمحكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية الصادر منذ شهر أكتوبر 2020 والذي شمل 26 مترشحا للانتخابات الرئاسيّة و 1506 قائمة مترشّحة للانتخابات التشريعيّة و54 حزبا سياسيّا، ودعوا إلى إحالة المشتبه في حصولهم على تمويلات أجنبية بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة لسنة 2019 على القضاء، وذلك لتطهير الحياة السياسية من أردان المال الفاسد ولوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وحتى لا يتكرر نفس سيناريو انتخابات 2014، حيث تم الإعلان خلال ندوة صحفية عقدها قضاة محكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية عن كم هائل من المخالفات والجرائم الانتخابية بما فيها شبهة التمويل الأجنبي لكن انتهت فترة العهدة النيابية دون محاسبة.
التمويل الفاسد
إضافة إلى الاحتجاجات التي تمت في الشارع للمطالبة بتخليص البلاد من الفساد السياسي فإن الكثير من الجمعيات والمنظمات عبرت هي الأخرى عن نفس المطلب وهو التعجيل في المحاسبة، محاسبة كل من ساهموا في إفساد الحياة السياسية وتمردوا على القانون الانتخابي ودوسوا على أحكامه خلال الانتخابيات التشريعية والرئاسية المبكرة لسنة 2019.. وفي هذا السياق انطلقت دعوات المجتمع المدني للمحاسبة منذ تاريخ صدور تقرير محكمة المحاسبات، ولكن كان الموقف الذي عبرت عنه جمعية القضاة التونسيين الأكثر وقعا في النفوس آنذاك إذ نبهت الجمعية إلى خطورة ما ورد بالتقرير العام لمحكمة المحاسبات من إخلالات وتجاوزات ارتكبها المترشحون للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمترشحون للانتخابات التشريعيّة لسنة 2019 مست بشكل جوهري بشرعيّة وبشفافية تمويل الحملات الانتخابية وفاقت تلك المسجّلة في انتخابات 2014 وخاصّة ما اتصل منها بالإخلال بواجب إيداع الحسابات لدى محكمة المحاسبات كمقوّم أساسي للشفافيّة والمساءلة واستغلال الموارد العموميّة في الحملات الانتخابيّة، واستعمال التمويلات المقنّعة عبر الجمعيّات والتمويلات مجهولة المصدر، والتعاقد مع أطراف أجنبية وشركات الضغط الأجنبيّة للتأثير على الناخبين وغيرها من التجاوزات الخطيرة التي تضمّنها التقرير العام وشددت الجمعية بالخصوص بالخصوص على ضرورة المساءلة والحد من الإفلات من العقاب حماية للديمقراطية من المال السياسي الفاسد. وطالبت الأطراف المتدخّلة في الرقابة على الانتخابات وعلى تمويلها وخاصّة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والبنك المركزي والإدارة العامة للديوانة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى مزيد التنسيق فيما بينها لضمان حسن الرقابة على التمويلات الأجنبيّة المشبوهة ووضع نظام المعلومات الذي أوصت به محكمة المحاسبات منذ 2011 بما يكفل رصد هذه التمويلات والتصدّي لتوظيفها في الحملات الانتخابيّة.
أما منظمة أنا يقظ فبمجرد إطلاعها على الخروقات التي كشفها تقرير محكمة المحاسبات المذكور حملت الكتل البرلمانية المتورطة مسؤولياتها القانونية والسياسية ودعت البنك المركزي التونسي إلى تكثيف الرقابة على البنوك من أجل إحكام رصد الأموال المشبوهة والأجنبيّة المصدر وحثها على التبليغ الفوري عن كل تجاوز محتمل خاصة إذا تعلقت هذه الأموال بالفاعلين السياسيين لأنهم المعرضون أكثر من غيرهم لمثل هذه المخاطر بحكم مناصبهم الأمر الذي يشكّل خطرا لا على الديمقراطية فقط بل وأيضا على الأمن القومي.
ثم تواصلت المطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم الانتخابية التي تضمنها تقرير محكمة المحاسبات طيلة أشهر عديدة، وأصبحت أكثر إلحاحا بعد إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الأحد 25 جويلية 2021 جملة من التدابير الاستثنائية.
وفي هذا السياق فإن الاتحاد العام التونسي للشغل دعا في العديد من المناسبات إلى تفعيل تقرير محكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية وتمويل الأحزاب السياسية، مثلما دعت عدة منظمات وجمعيات وهي النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وجمعية القضاة التونسيين والجمعية التونسية للمحامين الشبان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، في بيان مشترك أوت الماضي إلى ضرورة احترام مبدأ تفريق السلط واستقلال السلطة القضائية لكي تعمل على التسريع في إصدار الأحكام الاستعجالية استنادا إلى ما جاء في تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 بشكل يقطع الطريق نهائيا عن تغلغل المالي السياسي الفاسد والمشبوه وتوظيف الجمعيات والإعلام لتزييف وعي الناخبين وإنتاج هيئات تمثيلية شكلية لا تعبّر عن مشاغل المواطنات والمواطنين.
لا لتعويم القضية
ولكن بعد صدور بلاغ إحالة 19 مترشحا على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية هناك من استنكروا عدم إدراج اسم رئيس الجمهورية قيس سعيد في القائمة المذكورة رغم أنه تمتع بالدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما هناك من نفوا عن أنفسهم تهمة التمتع بالإشهار السياسي والدعاية وفي هذا السياق أصدر حزب العمال أمس بيانا شديد اللهجة أدان فيه حشر اسم أمينه العام حمه الهمامي الذي ترشح للانتخابات الرئاسية باسم "ائتلاف الجبهة" وأكد الحزب أن مرشحه لم ينتفع بإشهار سياسي ولا بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما أنه لم يقم بدعاية خلال الصمت الانتخابي. واعتبر نشر خبر إحالة 19 عملية سياسية تهدف إلى وضع الجميع في نفس السلّة ومحاولة تعويم قضية استعمال المال الفاسد من الداخل والخارج في الانتخابات والانتفاع بالإشهار السياسي و"اللوبيينغ" وتوظيف وسائل الإعلام لصالح مرشحين بعينهم كما عبر حزب العمال عن استغرابه من عدم إدراج اسم قيس سعيد على رأس قائمة المنتفعين بالإشهار السياسي والدعاية غير المشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفق ما ورد في تقرير محكمة المحاسبات التي ذكرت في ملاحقها أنّ قيس سعيد تلقى سندا من طرف 30 صفحة موزعة على تونس وعلى عديد الدول الأجنبية بعدد مشاركين بلغ 3045466. وإنّ تعلل النيابة العمومية بعدم إحالة أشخاص آخرين لتعلق الأمر بالإجراءات الخاصة بإثارة الدعوة العمومية المرتبطة بصفة المخالف لا قيمة له في حالة سعيد إذ أنّ الأمر 117 الذي أصدره بتاريخ 22 سبتمبر 2021 والذي استعاض به عن الدستور في كل ما يتعلق بالسلطة التنفيذية لا ينص مطلقا على تمتع رئيس السلطة التنفيذية بالحصانة..
سعيدة بوهلال
ـ عضو هيئة الانتخابات سفيان العبيدي: الجرائم الخطيرة كالتمويل الأجنبي وتدليس التزكيات لا تسقط بمرور الزمن
تونس-الصباح
أثار البلاغ الصادر أول أمس عن مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس حول قرار إحالة 19 شخصا أبرزهم راشد الغنوشي ونبيل القروي ويوسف الشاهد وسليم الرياحي وعبد الكريم الزبيدي على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل جرائم انتخابية، ارتياحا كبيرا لدى الكثير من المتابعين للشأن العام وخاصة الحقوقيين الذين ناضلوا طويلا من أجل وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، لكنه في المقابل لم يشف غليل البعض الذين يتحرقون شوقا لمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة وخاصة منها فضيحة التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية وعقود اللوبينغ.
المحاسبة على الجرائم الانتخابية وفق ما أشار إليه عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سفيان العبيدي ضمنها القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء فهذا القانون نص على عقوبات مالية وحتى على عقوبات بالسجن لمدة خمس سنوات بالنسبة للمترشح للانتخابات الرئاسية المتمتع بالتمويل الأجنبي للحملة الانتخابية، إضافة إلى فقدان العضوية بالمجلس المنتخب بالنسبة إلى أعضاء القائمات المتمتعة بالتمويل الأجنبي مع حرمان كل من تتم إدانته بالحصول على تمويل أجنبي من الترشح للانتخابات لمدة خمس سنوات بداية من تاريخ صدور الحكم بالإدانة ..
وفسر العبيدي أنه في ما يتعلق بقرار إحالة 19 شخصا على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية بتونس، فإنه تم بناء على ما تضمنه التقرير الرقابي لمحكمة المحاسبات حول تمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 وكان من أجل ارتكاب جرائم تتعلق بمخالفة تحجير الإشهار السياسي والدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة الصمت الانتخابي وهي جرائم يترتب عن ارتكابها تسليط خطايا مالية تتراوح بالنسبة لتحجير الإشهار السياسي بين 5 و10 آلاف دينار، وبالنسبة للدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي تتراوح بين 3 و20 ألف دينار.
وبين أن هذه الجرائم في النهاية لا تشكل نفس درجة خطورة جرائم التمويل الأجنبي والتمويل المشبوه والتمويل مجهول المصدر للحملات الانتخابية ولهذا السبب فإن عقوباتها تقتصر على خطايا مالية ولا تصل إلى السجن وشملت الإحالة حسب قوله أشخاص لم ينجحوا في الانتخابات أصلا ولكنها في المقابل شملت عضو مجلس نواب الشعب المنجي الرحوي مثلما شملت رئيس المجلس راشد الغنوشي.
وأشار العبيدي إلى أنه إضافة إلى الإحالات التي تمت والتي ستتم بناء على التقرير العام لمحكمة المحاسبات فإن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أحالت بدورها الكثير من الملفات على النيابة العمومية وهناك قضايا مازالت في طور البحث، وذكر أن المشكل الأساسي يكمن في طول إجراءات التقاضي، وأضاف أن هناك ملفات تم حفظها خاصة المتعلقة باستغلال الأطفال في الحملات الانتخابية وهناك ملفات خطيرة أحالتها الهيئة على القضاء وهي تتعلق بتدليس التزكيات للانتخابات الرئاسية وقد قامت المحاكم العدلية بالأبحاث وطلبت من الهيئة في أكثر من مناسبة قائمة المزكين قصد التحري، وذكر أنه حتى بالنسبة إلى انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية وكذلك الانتخابات البلدية تمت إحالة الكثير من الملفات على القضاء.. وبالتالي فإن الحساب وفق تعبيره آت ولا مفر منه، خاصة إذا تعلق الأمر بالجرائم الخطيرة مثل التمويل الأجنبي والتمويل المشبوه وتدليس التزكيات فهذه الجرائم حسب تأكيد عضو الهيئة لا تسقط كغيرها من الجرائم الانتخابية بالتقادم فحسب رأيه لا ينطبق عليها الفصل 167 من القانون الانتخابي الذي نص على سقوط الجرائم بالتقادم إثر انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات.
وكان العديد من الناشطين في المجتمع المدني أبدوا مخاوفهم من إفلات مرتكبي الجرائم الانتخابية من العقاب وعبروا عن خشيتهم من سقوط الجرائم الانتخابية بالتقادم ولهذا السبب طالبوا القضاء بالتعجيل في البت في الجرائم الانتخابية وهناك منهم من خرجوا إلى الشارع وشاركوا في وقفة احتجاجية أواخر سبتمبر الماضي أمام مقر محكمة المحاسبات للتعبير عن تمسكهم بمطلب التعجيل في تفعيل التقرير العام لمحكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية الصادر منذ شهر أكتوبر 2020 والذي شمل 26 مترشحا للانتخابات الرئاسيّة و 1506 قائمة مترشّحة للانتخابات التشريعيّة و54 حزبا سياسيّا، ودعوا إلى إحالة المشتبه في حصولهم على تمويلات أجنبية بمناسبة الانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة لسنة 2019 على القضاء، وذلك لتطهير الحياة السياسية من أردان المال الفاسد ولوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، وحتى لا يتكرر نفس سيناريو انتخابات 2014، حيث تم الإعلان خلال ندوة صحفية عقدها قضاة محكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية والرئاسية عن كم هائل من المخالفات والجرائم الانتخابية بما فيها شبهة التمويل الأجنبي لكن انتهت فترة العهدة النيابية دون محاسبة.
التمويل الفاسد
إضافة إلى الاحتجاجات التي تمت في الشارع للمطالبة بتخليص البلاد من الفساد السياسي فإن الكثير من الجمعيات والمنظمات عبرت هي الأخرى عن نفس المطلب وهو التعجيل في المحاسبة، محاسبة كل من ساهموا في إفساد الحياة السياسية وتمردوا على القانون الانتخابي ودوسوا على أحكامه خلال الانتخابيات التشريعية والرئاسية المبكرة لسنة 2019.. وفي هذا السياق انطلقت دعوات المجتمع المدني للمحاسبة منذ تاريخ صدور تقرير محكمة المحاسبات، ولكن كان الموقف الذي عبرت عنه جمعية القضاة التونسيين الأكثر وقعا في النفوس آنذاك إذ نبهت الجمعية إلى خطورة ما ورد بالتقرير العام لمحكمة المحاسبات من إخلالات وتجاوزات ارتكبها المترشحون للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمترشحون للانتخابات التشريعيّة لسنة 2019 مست بشكل جوهري بشرعيّة وبشفافية تمويل الحملات الانتخابية وفاقت تلك المسجّلة في انتخابات 2014 وخاصّة ما اتصل منها بالإخلال بواجب إيداع الحسابات لدى محكمة المحاسبات كمقوّم أساسي للشفافيّة والمساءلة واستغلال الموارد العموميّة في الحملات الانتخابيّة، واستعمال التمويلات المقنّعة عبر الجمعيّات والتمويلات مجهولة المصدر، والتعاقد مع أطراف أجنبية وشركات الضغط الأجنبيّة للتأثير على الناخبين وغيرها من التجاوزات الخطيرة التي تضمّنها التقرير العام وشددت الجمعية بالخصوص بالخصوص على ضرورة المساءلة والحد من الإفلات من العقاب حماية للديمقراطية من المال السياسي الفاسد. وطالبت الأطراف المتدخّلة في الرقابة على الانتخابات وعلى تمويلها وخاصّة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والبنك المركزي والإدارة العامة للديوانة والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى مزيد التنسيق فيما بينها لضمان حسن الرقابة على التمويلات الأجنبيّة المشبوهة ووضع نظام المعلومات الذي أوصت به محكمة المحاسبات منذ 2011 بما يكفل رصد هذه التمويلات والتصدّي لتوظيفها في الحملات الانتخابيّة.
أما منظمة أنا يقظ فبمجرد إطلاعها على الخروقات التي كشفها تقرير محكمة المحاسبات المذكور حملت الكتل البرلمانية المتورطة مسؤولياتها القانونية والسياسية ودعت البنك المركزي التونسي إلى تكثيف الرقابة على البنوك من أجل إحكام رصد الأموال المشبوهة والأجنبيّة المصدر وحثها على التبليغ الفوري عن كل تجاوز محتمل خاصة إذا تعلقت هذه الأموال بالفاعلين السياسيين لأنهم المعرضون أكثر من غيرهم لمثل هذه المخاطر بحكم مناصبهم الأمر الذي يشكّل خطرا لا على الديمقراطية فقط بل وأيضا على الأمن القومي.
ثم تواصلت المطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم الانتخابية التي تضمنها تقرير محكمة المحاسبات طيلة أشهر عديدة، وأصبحت أكثر إلحاحا بعد إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم الأحد 25 جويلية 2021 جملة من التدابير الاستثنائية.
وفي هذا السياق فإن الاتحاد العام التونسي للشغل دعا في العديد من المناسبات إلى تفعيل تقرير محكمة المحاسبات حول الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية وتمويل الأحزاب السياسية، مثلما دعت عدة منظمات وجمعيات وهي النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وجمعية القضاة التونسيين والجمعية التونسية للمحامين الشبان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، في بيان مشترك أوت الماضي إلى ضرورة احترام مبدأ تفريق السلط واستقلال السلطة القضائية لكي تعمل على التسريع في إصدار الأحكام الاستعجالية استنادا إلى ما جاء في تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 بشكل يقطع الطريق نهائيا عن تغلغل المالي السياسي الفاسد والمشبوه وتوظيف الجمعيات والإعلام لتزييف وعي الناخبين وإنتاج هيئات تمثيلية شكلية لا تعبّر عن مشاغل المواطنات والمواطنين.
لا لتعويم القضية
ولكن بعد صدور بلاغ إحالة 19 مترشحا على المجلس الجناحي بالمحكمة الابتدائية هناك من استنكروا عدم إدراج اسم رئيس الجمهورية قيس سعيد في القائمة المذكورة رغم أنه تمتع بالدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما هناك من نفوا عن أنفسهم تهمة التمتع بالإشهار السياسي والدعاية وفي هذا السياق أصدر حزب العمال أمس بيانا شديد اللهجة أدان فيه حشر اسم أمينه العام حمه الهمامي الذي ترشح للانتخابات الرئاسية باسم "ائتلاف الجبهة" وأكد الحزب أن مرشحه لم ينتفع بإشهار سياسي ولا بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما أنه لم يقم بدعاية خلال الصمت الانتخابي. واعتبر نشر خبر إحالة 19 عملية سياسية تهدف إلى وضع الجميع في نفس السلّة ومحاولة تعويم قضية استعمال المال الفاسد من الداخل والخارج في الانتخابات والانتفاع بالإشهار السياسي و"اللوبيينغ" وتوظيف وسائل الإعلام لصالح مرشحين بعينهم كما عبر حزب العمال عن استغرابه من عدم إدراج اسم قيس سعيد على رأس قائمة المنتفعين بالإشهار السياسي والدعاية غير المشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفق ما ورد في تقرير محكمة المحاسبات التي ذكرت في ملاحقها أنّ قيس سعيد تلقى سندا من طرف 30 صفحة موزعة على تونس وعلى عديد الدول الأجنبية بعدد مشاركين بلغ 3045466. وإنّ تعلل النيابة العمومية بعدم إحالة أشخاص آخرين لتعلق الأمر بالإجراءات الخاصة بإثارة الدعوة العمومية المرتبطة بصفة المخالف لا قيمة له في حالة سعيد إذ أنّ الأمر 117 الذي أصدره بتاريخ 22 سبتمبر 2021 والذي استعاض به عن الدستور في كل ما يتعلق بالسلطة التنفيذية لا ينص مطلقا على تمتع رئيس السلطة التنفيذية بالحصانة..