مشهد سياسي انقلب رأسا على عقب منذ يوم الأحد 25 جويلية 2021، إثر جملة القرارات والتدابير الرئاسية الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، إلى درجة الإثارة والتأهب.
الكثير من الانتظارات في الأفق هذه الأيام لتعدد السيناريوهات بخصوص التطورات الممكنة وإن كان إلى حد كتابة هذه الأسطر لا تفاصيل دقيقة ولا خطوط عريضة ولا محاور ولا حتى رؤوس أقلام عما قد تحمله في طياتها.
مشهد سياسي وعام ،ضبابي لا وضوح فيه غير الرجة والهزة السياسية التي زلزلت البرلمان وعرش الأحزاب في مقدمتها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وما لفّ حولها من كيانات سياسية مناصرة لها.
وفي هذا الوضع العام، يُباغت التونسيين في كل لحظة كمٌ من المعلومات والمعطيات طغت عليها الاشاعات والتسريبات المضللة التي تبثها صفحات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها الفايسبوك.
أخبار مضللة
يجانبها في نفس الوقت موجة من التحركات والتصريحات الإعلامية والقرارات من هنا وهناك على غرار قرارات الإعفاءات التي صدرت أمس الثلاثاء 27 جويلية 2021 بالرائد الرسمي وقبلها قرار يتعلق بتعطيل سير عمل عدد المؤسسات العمومية لمدة يومين قابلة للتمديد، واليوم يطغو على سطح الأحداث والأخبار قرار القطب القضائي الاقتصادي والمالي بفتح بحث تحقيقيّ منتصف شهر جويلية ضدّ حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية "عيش تونسي" حول عقود مجموعات الضغط اللوبينغ والتي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والقانون المتعلق بالأحزاب السياسية.
بهذا الخبر المتعلق بالأحزاب عاد من جديد الجدل بخصوص مصادر تمويلها ليفتح الباب أيضا على مصير القضايا المرفوعة ضدها ومصير التقارير الرقابية لمحكمة المحاسبات خاصة منها المتعلقة بمراقبة الحملات الانتخابية لكل المواعيد الانتخابية منذ سنة 2011 إلى غاية الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019.
أربع محطات انتخابية كبرى عاشتها تونس منذ الثورة وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة 2011 ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 ثم الانتخابات البلدية لسنة 2018 وآخرها الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ولكن لا جديد فيها غير تكرار نفس المشهد السياسي والحزبي بنفس الآليات وبنفس الخطوات وبنفس العقليات وبنفس التجاوزارت القانونية والمالية.
تمويل الأحزاب
وفي العموم لا وجود لأي رجع صدى عن مصير المهمات الرقابية للحملات الانتخابية رغم ما نشرته محكمة المحاسبات من معطيات ونتائج خطيرة جدا كان من المفترض أن تتغير على إثرها الخارطة النيابية تحت قبة البرلمان في كل محطة انتخابية جديدة.
أول ما نشرته محكمة المحاسبات عن العملية الانتخابية بعد الثورة كان سنة 2012 في التقرير العام بخصوص رقابة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجلس الوطني التأسيسي أهم ما كُشف فيه من اخلالات تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي وتحصيل موارد غير مشروعة وعدم احترام مقدار ونسبة المصاريف المسددة نقدا، إلى جانب مدى مشروعية الموارد المخصصة للحملة الانتخابية.
تكرر هذا المشهد وبأكثر تجاوزات وأخطرها في بقية الانتخابات آخرها كان في التقرير الرقابي المتعلق بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها في دورتها الأولى والثانية والذي تناول لأول مرة الرقابة على مالية الأحزاب بالتزامن مع القوائم المالية المقدمة لمحكمة المحاسبات من القائمات التي تقدمت للاستحقاق الانتخابي وعددها 54 حزبا من مجموع 227 حزبا وهو عدد ضعيف ما دفع بالرئيس الأول للمحكمة إلى مطالبة مصالح رئاسة الحكومة بالإفصاح عن شفافية الأحزاب واتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الشأن.
مراجعة المرسوم
ظلّ ملف مصادر تمويل الأحزاب السياسية ومدى شفافية مراقبتها من أبرز الملفات التي أفسدت ولا تزال الحياة السياسية وتكاد تعصف بمسار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة وتفسده لما تمثّله من تهديد جدي للاستقرار العام للبلاد.
في العديد المناسبات تمت إثارة هذه المسألة بالدعوة إلى ضرورة تنظيم الحياة الحزبية في تونس بالتسريع بإعادة النظر في المرسوم عدد 87 المتعلق بتنظيم بالأحزاب وتسييرها.
فمشروع القانون الجديد الذي من المفترض أن يُعوَض ذلك المرسوم جاهز وتم إحالته منذ أشهر طويلة إلى رئاسة الحكومة لكن إلى اليوم لا جديد يُذكر بخصوصه.
يُشار أيضا إلى أنه في إحدى التصريحات الإعلامية سنة 2020 أكد مدير الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية مراد محجوبي أنه ولا حزب من الأحزاب التي قدّمت تقاريرها إلى الإدارة العام للجمعيات والأحزاب السياسية، فاق تقريرها المالي "المليون دينار".
وهي مسألة غريبة في ظلّ ما لوحظ من مصاريف تفوق الخيال من قبل عدد من الأحزاب خلال حملاتها الانتخابية طيلة الانتخابات الثلاث منذ الثورة إلى آخر انتخابات تشريعية ورئاسية لسنة 2019.
رقم لا يمكن لعاقل أن يُصدقه، ولكن في نفس الوقت من المهم التأكيد أنّه بالإمكان أن يدلي أي حزب بما يشاء بما أنّ مرسوم 87 فيه من الثغرات ما يخوّل للأحزاب استغلالها وتكييفها خاصة فيما يتعلق بمسألة الرقابة على التمويلات ومصادرها.
أحزاب ترفض تقديم قائماتها المالية
تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ أرقام المحكمة الإدارية، التي تم استعراضها في إحدى الندوات عن تمويل الأحزاب تم تنظيمها في جويلية 2020، تُفيد بأنّ 12 حزبا فقط من بين 224 قدمت تقاريرها المالية منذ 2011 وبصفة غير دورية، كما أنّ 5 أحزاب فقط قدمت تقاريرها سنة 2019، فالعديد من الأحزاب ترفض الكشف عن مصادر تمويلاتها.
يعود هذا الافلات من المراقبة والمحاسبة إلى وجود العديد من الثغرات في المرسوم المحدث للجنة مراقبة تمويل الأحزاب والذي لم ينصّ على فرض أي عقوبات على الأحزاب المخالفة أضف إلى ذلك عدم توفير الإمكانيات اللازمة لعمل اللجنة ومحدودية صلاحياتها.
قضية مصادر تمويل الأحزاب لن يُغلق أبدا ما لم يفتح القضاء هذا الملف وما لم يُعجل النظر في القضايا المرفوعة ضد الأحزاب ولن يُغلق أيضا ما لم تتم مراجعة المرسوم عدد 87 المنظم للأحزاب.
إيمان عبد اللطيف
مشهد سياسي انقلب رأسا على عقب منذ يوم الأحد 25 جويلية 2021، إثر جملة القرارات والتدابير الرئاسية الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية، إلى درجة الإثارة والتأهب.
الكثير من الانتظارات في الأفق هذه الأيام لتعدد السيناريوهات بخصوص التطورات الممكنة وإن كان إلى حد كتابة هذه الأسطر لا تفاصيل دقيقة ولا خطوط عريضة ولا محاور ولا حتى رؤوس أقلام عما قد تحمله في طياتها.
مشهد سياسي وعام ،ضبابي لا وضوح فيه غير الرجة والهزة السياسية التي زلزلت البرلمان وعرش الأحزاب في مقدمتها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وما لفّ حولها من كيانات سياسية مناصرة لها.
وفي هذا الوضع العام، يُباغت التونسيين في كل لحظة كمٌ من المعلومات والمعطيات طغت عليها الاشاعات والتسريبات المضللة التي تبثها صفحات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها الفايسبوك.
أخبار مضللة
يجانبها في نفس الوقت موجة من التحركات والتصريحات الإعلامية والقرارات من هنا وهناك على غرار قرارات الإعفاءات التي صدرت أمس الثلاثاء 27 جويلية 2021 بالرائد الرسمي وقبلها قرار يتعلق بتعطيل سير عمل عدد المؤسسات العمومية لمدة يومين قابلة للتمديد، واليوم يطغو على سطح الأحداث والأخبار قرار القطب القضائي الاقتصادي والمالي بفتح بحث تحقيقيّ منتصف شهر جويلية ضدّ حركة النهضة وحزب قلب تونس وجمعية "عيش تونسي" حول عقود مجموعات الضغط اللوبينغ والتي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، طبقا لأحكام القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والقانون المتعلق بالأحزاب السياسية.
بهذا الخبر المتعلق بالأحزاب عاد من جديد الجدل بخصوص مصادر تمويلها ليفتح الباب أيضا على مصير القضايا المرفوعة ضدها ومصير التقارير الرقابية لمحكمة المحاسبات خاصة منها المتعلقة بمراقبة الحملات الانتخابية لكل المواعيد الانتخابية منذ سنة 2011 إلى غاية الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019.
أربع محطات انتخابية كبرى عاشتها تونس منذ الثورة وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة 2011 ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 ثم الانتخابات البلدية لسنة 2018 وآخرها الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019 ولكن لا جديد فيها غير تكرار نفس المشهد السياسي والحزبي بنفس الآليات وبنفس الخطوات وبنفس العقليات وبنفس التجاوزارت القانونية والمالية.
تمويل الأحزاب
وفي العموم لا وجود لأي رجع صدى عن مصير المهمات الرقابية للحملات الانتخابية رغم ما نشرته محكمة المحاسبات من معطيات ونتائج خطيرة جدا كان من المفترض أن تتغير على إثرها الخارطة النيابية تحت قبة البرلمان في كل محطة انتخابية جديدة.
أول ما نشرته محكمة المحاسبات عن العملية الانتخابية بعد الثورة كان سنة 2012 في التقرير العام بخصوص رقابة تمويل الحملة الانتخابية لعضوية المجلس الوطني التأسيسي أهم ما كُشف فيه من اخلالات تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي وتحصيل موارد غير مشروعة وعدم احترام مقدار ونسبة المصاريف المسددة نقدا، إلى جانب مدى مشروعية الموارد المخصصة للحملة الانتخابية.
تكرر هذا المشهد وبأكثر تجاوزات وأخطرها في بقية الانتخابات آخرها كان في التقرير الرقابي المتعلق بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها في دورتها الأولى والثانية والذي تناول لأول مرة الرقابة على مالية الأحزاب بالتزامن مع القوائم المالية المقدمة لمحكمة المحاسبات من القائمات التي تقدمت للاستحقاق الانتخابي وعددها 54 حزبا من مجموع 227 حزبا وهو عدد ضعيف ما دفع بالرئيس الأول للمحكمة إلى مطالبة مصالح رئاسة الحكومة بالإفصاح عن شفافية الأحزاب واتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الشأن.
مراجعة المرسوم
ظلّ ملف مصادر تمويل الأحزاب السياسية ومدى شفافية مراقبتها من أبرز الملفات التي أفسدت ولا تزال الحياة السياسية وتكاد تعصف بمسار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة وتفسده لما تمثّله من تهديد جدي للاستقرار العام للبلاد.
في العديد المناسبات تمت إثارة هذه المسألة بالدعوة إلى ضرورة تنظيم الحياة الحزبية في تونس بالتسريع بإعادة النظر في المرسوم عدد 87 المتعلق بتنظيم بالأحزاب وتسييرها.
فمشروع القانون الجديد الذي من المفترض أن يُعوَض ذلك المرسوم جاهز وتم إحالته منذ أشهر طويلة إلى رئاسة الحكومة لكن إلى اليوم لا جديد يُذكر بخصوصه.
يُشار أيضا إلى أنه في إحدى التصريحات الإعلامية سنة 2020 أكد مدير الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية مراد محجوبي أنه ولا حزب من الأحزاب التي قدّمت تقاريرها إلى الإدارة العام للجمعيات والأحزاب السياسية، فاق تقريرها المالي "المليون دينار".
وهي مسألة غريبة في ظلّ ما لوحظ من مصاريف تفوق الخيال من قبل عدد من الأحزاب خلال حملاتها الانتخابية طيلة الانتخابات الثلاث منذ الثورة إلى آخر انتخابات تشريعية ورئاسية لسنة 2019.
رقم لا يمكن لعاقل أن يُصدقه، ولكن في نفس الوقت من المهم التأكيد أنّه بالإمكان أن يدلي أي حزب بما يشاء بما أنّ مرسوم 87 فيه من الثغرات ما يخوّل للأحزاب استغلالها وتكييفها خاصة فيما يتعلق بمسألة الرقابة على التمويلات ومصادرها.
أحزاب ترفض تقديم قائماتها المالية
تجدر الإشارة أيضا إلى أنّ أرقام المحكمة الإدارية، التي تم استعراضها في إحدى الندوات عن تمويل الأحزاب تم تنظيمها في جويلية 2020، تُفيد بأنّ 12 حزبا فقط من بين 224 قدمت تقاريرها المالية منذ 2011 وبصفة غير دورية، كما أنّ 5 أحزاب فقط قدمت تقاريرها سنة 2019، فالعديد من الأحزاب ترفض الكشف عن مصادر تمويلاتها.
يعود هذا الافلات من المراقبة والمحاسبة إلى وجود العديد من الثغرات في المرسوم المحدث للجنة مراقبة تمويل الأحزاب والذي لم ينصّ على فرض أي عقوبات على الأحزاب المخالفة أضف إلى ذلك عدم توفير الإمكانيات اللازمة لعمل اللجنة ومحدودية صلاحياتها.
قضية مصادر تمويل الأحزاب لن يُغلق أبدا ما لم يفتح القضاء هذا الملف وما لم يُعجل النظر في القضايا المرفوعة ضد الأحزاب ولن يُغلق أيضا ما لم تتم مراجعة المرسوم عدد 87 المنظم للأحزاب.