إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي / بعد صدور قرار التّاس.. هل ستفعّل وزارة الإشراف الفصل 21 ضد الجامعة التونسية لكرة القدم؟

عاد الجدل من جديد  هذه الأيام حول القراءات المتعددة بشأن طبيعة العلاقة بين الجامعة التونسية لكرة القدم كهيكل يشرف على تسيير أحد أهم الرّياضات في البلاد و بين وزارة الشباب و الرياضة الإدارة المركزية التي تسهر على تطبيق سياسة الدّولة في المجال الرياضي بعد صدور قرار المحكمة الرياضية الدولية " التاس " بإعادة الهلال الرياضي الشابي إلى الرابطة الوطنية المحترفة الأولى ... الجدل ليس حديث العهد و إنما برز بشكل ملفت للنظر في الموسم الرياضي الماضي  في مقابلة تونس و زمبيا التي لم يحضرها  الجمهور بسبب غياب التّنسيق بين الهيكلين ،ليصل إلى ذروته و ليتكرّر في نزاع آخر بين الجامعة التونسية لكرة القدم و الهلال الرياضي بالشابة حول إثارة كانت قد تقدمت بها الشابة حول التواجد غير القانوني لرئيس النادي الإفريقي في مقابلة هذا الأخير ضد سليمان و قد استوفى هذا النزاع درجات التقاضي داخليا و تم الطّعن في قرار اللجنة الوطنية للاستئناف من طرف هلال الشّابة لدى المحكمة الرياضية الدّولية   ...   و الحقيقة أنّ مضامين الجدل و إشكالاته لم تحسم خلال العقد الفارط خاصّة بعد سنّ القانون عدد 66 لسنة 2011 الذي جاء ليعدلّ القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرّياضية ... و لا من خلال المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم العمل الجمعياتي . حيث  يرى بعض المختصّين في مجال القانون الرياضي أنّ استعجال هذه المراسيم بعد الحراك الاجتماعي في 2011 لم يكن موفّقا بحيث برزت فيه عديد الهنات و الثغرات التي غذّت هذا الجدل .

و بالعودة إلى معطيات هذا الجدل يبدو أنّ النزاع يحوم حول مبدأ الاختصاص ، فالجامعة التونسية لكرة القدم من خلال نظامها الأساسي و ارتباطها بقوانين الهياكل الرياضية الدّولية تضع يدها على جميع الملفات التي تدخل ضمن صلاحياتها طبقا لتراتيبها الدّاخلية و لنظامها الأساسي ، في حين ترى وزارة الشباب و الرياضة أنّ الجامعة التونسية لكرة القدم هي مرفق عام من مرافق الدّولة مكّنتها الوزارة طبقا للفصل 9 من القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية من صلاحيات لتسيير هذا المرفق في إطار سياسة الدّولة في مجال الرّياضة ،و بالتالي فللوزارة أن تسحب هذه الصّلاحيات في كلّ وقت ترى أنّ الجامعة خالفت سياسة الدّولة  و تجاوزت المهام الموكلة إليها ... طبعا لن نعود إلى معطيات الخلاف   و مواضيعه و أحداثه فالموضوع معلوم لدى الجميع   و حيثياته قد استهلكها  الإعلام ... ما يمكن العودة إليه هو التصريح الشهير للسيد وزير الشباب و الرياضية السيّد كمال دقيش في إذاعة خاصّة بعد أن تمت إقالته من حكومة المشيشي و الذي صّرح فيه بالحرف الواحد:" أنا ربحت الحرب على المستوى القانوني و خسرتها على الميدان لأن هناك إرادة لذلك ..."  

 ولكن سأحاول أنّ أبسط هذا الخلاف من خلال التّوسع في السّندات القانونية التي احتجّ بها كلّ طرف على الآخر  و أن أساهم في بلورة مخرجات لوضع حدّ للثغرات التّشريعية في النصوص المنظّمة للشأن الرياضي بصفة عامة و ميدان كرة القدم بصفة خاصّة .

المفاهيم الخلافية في النصوص التّشريعية .

قد نحتاج إلى جهاز مفاهيمي مرجعي لتدقيق المصطلحات و كشف مضامينها و أظنّ أنّ جوهر المسائل الخلافية هو التأويل القانوني  لبعض المصطلحات و النصوص و بالتالي ستكون العودة إلى المفاهيم القانونية المتعارف عليها نقطة انطلاقنا  و محور اهتمامنا و دليلنا لحسم هذا الجدل قانونيا على الأقل .

مفهوم المرفق العام و دلالاته في الفصل 9 من القانون الاساسي عدد 11 لسنة 1995 المتعلّق بالهياكل الرياضية

من الفصول التي اعتمدتها وزارة الشباب و الرياضية لتبرير تدخّلها في سياسة الجامعة التونسية لكرة القدم في عديد الملفّات ذات البعد السّيادي الوطني هو الفصل 9 من قانون 1995 و الذي يقول : " تسهر الجامعة الرّياضية على تسيير مرفق عام في إطار الصّلاحيات التي تمكّنها منها الوزارة المكلّفة بالرياضة ".

يبدو أنّ مفردات الفصل 9  بحاجة إلى التّوضيح و التدقيق في المعاني القانونية التي تحملها سيما و أنّ القراءة الأولى تحيلنا إلى وجود تفاوت بين سلطة الوزارة الأصلية و سلطة الجامعة المكتسبة ،  بحيث تمنح الوزارة مهام محدّدة   و مضبوطة للجامعة... و تسهر الجامعة  باعتبارها مرفقا عاما وفقا لتلك الصلاحيات على تسيير النشاط الرياضي في مجال كرة القدم ... و تصبح بذلك الجامعة إدارة تستهدف غايات تريد الوزارة تحقيقها ضمن سياسة الدّولة في المجال الرياضي ... هذا الأمر قد يستقيم قانونا من خلال القراءة العامّة لروح النّص و لكنّه قد يثير نوعا من التّداخل و الغموض حول مدى استقلالية القرار الرياضي بجميع فروعه و مدى نطاق التصرف في الصلاحيات الممنوحة للجامعة . و هو ما سيدفعنا إلى الشرح و التعمق القانوني في مفردات الفصل 9 و التعليق في مرحلة ثانية على هذا النّص من خلال استحضار النظام الأساسي للجامعة و القوانين الرياضية الدّولية التي تؤجّج هذا الصدام .

مفهوم المرفق العام :

إن لفكرة المرفق العام علاقة وثيقة بالقانون الإداري كفرع من فروع القانون العام و الذي يعتبر  أنّ الدّولة بمثابة جسم خلاياه المرافق العامة. ويعتبر المرفق العام أكثر المفاهيم القانونية غموضا وإثارة للجدل، فمن الفقهاء من اعتبره  كل منظمة عامة تنشئها الدّولة وتخضع لإدارتها بقصد تحقيق حاجات و خدمات  للفئة المستهدفة . هذا المعنى يتّصف بالشمولية والإطلاق كما اعتبره فقهاء القانون الإداري .

أمّا المعنى الوظيفي أو الموضوعي للمرفق العام فيقصد به كل نشاط يباشره شخص عام بقصد إشباع حاجة عامة ومن ثم تخرج عن نطاقه  سائر النشاطات الخاصة و النشاطات التي تستهدف الرّبح .   

أمّا الخيار الذي مزج بين المفهومين فإنّه يعتبر انّ هناك ثلاثة عناصر يجب توفرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة.

إذن  لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين. و بذلك يعتبر  تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام. و بالتّالي  فإنّ المرافق التي تنشئها الدولة هي تلك التي تستهدف تحقيق وجه من وجوه النفع العام  ، ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارة وموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة. وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد. (1)

يبدو  من خلال هذا التعريف للمرفق العام و وظائفه أنّ مجال إشراف الدولة على كلّ المرافق  التي تنشئها متسّع و شامل باعتبارها أجهزة تنجز بالنّيابة بعض مهام الدّولة المحدّدة في تقديم الخدمات و تحقيق النّفع العام و هي غايات ملازمة لمهام الدّولة في تحقيق النظام العام وحسن تطبيق القوانين المنظّمة لذلك المرفق  ... و باعتبار أنّ الجامعة التونسية لكرة القدم تقدّم خدمات رياضية لإشباع حاجيات  شريحة مهمّة من الشعب من خلال تنظيم البطولات و تسييرها و  تنظيم مختلف مراحلها في إطار منظومة متكاملة من القوانين  و التّراتيب الرياضية التي تمّ سنّها و المصادقة عليها من قبل الجهاز التشريعي للدولة ... و باعتبار أنّ تقديم النفع العام يعتبر من أهم مميّزات المرفق العام فإنّ إعطاء صفة المرفق العام للجامعة التونسية لكرة القدم كما ورد بالفصل 9 من قانون عدد11 لسنة 1995 يبدو  أمرا منطقيا و يجعل من هذه المؤسسة جسما عاما يقدّم خدمات عامة ذات نفع عام من خلال جملة الأنشطة التي تقوم بها وفقا لقوانين و أنظمة متناغمة مع السّياسة العامّة للدولة ... و الإدارة المركزية للدّولة الممثلة في وزارة الإشراف صاحبة السلطة الأصلية  لها أن تشرف و تراقب كلّ أنشطة هذا المرفق العام و برامجه باعتبار أنّ صلاحيات التسيير كما ورد بالفصل 9 جاءت مشروطة و محدّدة  لتوجيهه في حالة الانحراف عن مسار المصلحة العامة أو المهام الموكلة له طبقا للقانون و السياسة العامة للدولة .

 لكن ألا يبدو هذا التّقييد بأدوات الإشراف و الرقابة متعارضا مع مبدأ التّدبير الحرّ الذي جاءت به أفكار حراك 2011 و الذي تجسّد في  القانون عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018  الذي يتعلّق بمجلة الجماعات المحلّية . هذا القانون الذي مكّن الجماعات المحلّية كمرافق عامّة من صلاحيات ذاتية تنفرد بمباشرتها و بصلاحيات مستمدّة من السلطة المركزية ...؟

إنّ المطّلع على التّشريعات الرياضية و القوانين المنظّمة للجمعيات ذات النشاط الرياضي سواء القديمة منها أو التي جاء بها حراك 2011  يدرك جيّدا أنّ هذه القواعد و النصوص تحتوي على الكثير من التناقضات و التضارب و الغموض و هي عاجزة على أن تعطي أي نوع من التّدابير الحّرة لأجهزتها التنفيذية ... و قد أشرت منذ بداية المقال إلى عملية الارتجال و العجالة و السرعة التي جاء بها المرسوم 88 لسنة 2011          و كذلك المرسوم  عدد 66 لسنة 2011 الذي نقّح القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية ... و ما نلاحظه من تجاذب في الصلاحيات  المعلنة حاليا بين الجامعة التونسية لكرة القدم و الوزارة الإشراف لا يخرج من إطار بعض القراءات و التأويلات لنصوص رياضية إقليمية أو دولية استنجدت بها الجامعة في محاولة منها للبحث عن الخروج من  جبة وزارة الإشراف باعتبارها هيكل منتخب و منضوي تحت يافطة الاتحاد الدّولي لكرة القدم ... بحيث هناك من يتحدّث عن استقلالية مطلقة للجامعة التونسية لكرة القدم و هو أمر لا يستقيم بالرجوع إلي القوانين المنظمة للهياكل الرياضية ...

إنّ موضوع تداخل السياسة في الرياضة موضوع قديم و قد تمّ الحسم فيه من خلال ما تضمّنته لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم خاصة بعد أن التجأت عديد الدّول إلي تبييض سياساتها إن صحّ التعبير  بتوظيف رياضة كرة القدم و الوقائع و الأمثلة كثيرة في هذا المجال ، وقد كانت قرارات الاتحاد الدّولي رافضة لأي نوع من التّداخل بين السياسي  و الرياضي و وضعت لذلك عقوبات صارمة تصل إلى حدّ حرمان منتخب الدّولة المتدخلة و فرقها من المشاركات الدّولية و الإقليمية ...

لقد أصبحت مهمّة الاتحاد الدّولي لكرة القدم  منذ  سنة 1930 الإشراف على مسابقات كرة القدم و بطولاتها بعد أن كان يدير مسابقة كرة القدم في الألعاب الاولمبية . و قد حرص مع جميع الاتحادات القارية و المحلّية على غرس الروح الرياضية بين الجميع في كل البطولات الرياضية، وعدم إقحام السياسة في الرياضة لأجل ترسيخ مبادئ الرّوح الأولمبية التي تحظر استخدام الرياضة - وكرة القدم على وجه الخصوص - في الترويج لأغراض سياسية، من شأنها أن تمسّ من القيم و المبادئ  الاولمبية والرياضية بين الشعوب و الدّول المتنافسة .

وقد دعت المادة 20 من النظام الأساسي للاتحاد الدّولي لكرة القدم الأعضاء المنخرطين من الاتحادات القارية و المحلّية إلى الاستجابة للقوة الملزمة للتشريعات و اللوائح و القرارات التي تصدر عن هياكل الاتحاد ... و قد تمّ إصدار العديد من القرارات التي تؤكّد على رفض أي نوع من التّدخل السياسي في ميدان رياضة كرة القدم ،  فرفض الاتحاد الدّولي لكرة القدم في سنة 2013 طلبا كان قد توجّه به وزير الشباب و الرياضة التونسي أنذاك طارق ذياب إلى الاتحاد لإقالة أعضاء الجامعة التونسية لكرة القدم ... و هدّد بحرمان المنتخب التونسي من مواجهة نظيره الكامروني في الدور الفاصل للتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014 ...  ولكن في المقابل نجد أنّ القوانين المنظّمة للجامعة الدّولية لكرة القدم  تكشف بوضوح عن احترامها التّام للقوانين الدّاخلية للدّول المنخرطة بها و تحترم خصوصياتها و لا تتدخل في سيادتها القانونية .

إزدواجية الإشراف و حقّ الدّولة في حماية أمنها العام .

تعتبر الجامعة التونسية لكرة القدم هيكل تحت إشراف مزدوج بحيث يعود بالنّظر في الجانب الرياضي إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم  فينفّد قراراته و لوائحه و تراتيب و أنظمة نشاطه ، في حين يخضع في إدارة شؤون اللعبة إلى وزارة الشباب و الرياضة الجهاز المركزي المسؤول عن إدارة كل الجامعات الرياضية و سير أعمالها وتمكينها من التّمويل العمومي باعتبارها مرفق عام و هو ما يجعلها تحت الأجهزة الرقابية للدولة كما أكّدنا ذلك سابقا ... وقد اعتبر الوزير الأسبق للشباب و الرياضة صابر بوعطي  أنّ وزارة الشباب و الرياضة لها كلّ الصلاحيات لمراقبة أعمال الجامعة من حيث حسن سير المرفق العام و شفافية التسيير على المستويين الإداري و المادي و محاسبتها و معاقبتها حسب ما يقتضيه الفصل 21 من القانون عدد 11 لسنة 1995 المؤرخ في 6 فيفري 1995 يتعلق بالهيكل الرياضية و الذي يعطي للوزير المكلّف بالرياضة وضح حدّ لنشاط عضو أو أكثر من المكتب الجامعي أو جميع أعضاء المكتب الجامعي بقرار معلّل في حالات التقصير أو سوء التّصرف : "يمكن لوزير المكلّف بالرياضة وضع حدّ لنشاط عضو أو أكثر من المكتب الجامعي أو جميع أعضاء المكتب الجامعي بقرار معلّل في حالات التّقصير أو سوء التّصرف ... و عند وضع حد لنشاط نصف أعضاء المكتب الجامعي على الأقل يعيّن الوزير المكلّف بالرّياضة مكتبا وقتيا يكون من بين مهامه دعوة الجلسة العامة للإنعقاد في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ القرار .

 ...في حين لا يمكن للوزارة التّدخل في مجال التّسيير الرياضي في علاقة بالجمعيات الرياضية و تنظيم المسابقات و تعيين الإطار الفني للمنتخب ... فهذه خطوط حمراء كما يصفها الوزير من مشمولات الهياكل الرياضية الدّولية و الجامعة التونسية لكرة القدم دون غيرهم .

إنّ الإقرار بان جامعة كرة القدم هي مرفق عام كما نصّ عليه الفصل  9 من القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية يقودنا إلى خضوع هذا الهيكل مثله مثل بقية مرافق الدّولة إلى وجوب المراقبة في التسيير الإداري و المالي وفقا لقوانين الدولة دون سواها ..فإذا ما ثبت سوء في التّسيير أو إهدار في المال العام  أثناء عمليات المراقبة و التّدقيق الدوري أو تلاعب و تورط في قضايا تمسّ بالأّمن العام للدّولة فإن أجهزة هذا الهيكل المدانة تخضع للمحاسبة و تسلط عليها العقوبات الجزائية و الإدارية المناسبة  مثلها مثل بقية المرافق العامة .

إنّ ما يسود  المناخ الرياضي  في ميدان كرة القدم في هذه الأيام من تشنج و مدّ و جزر و سحل افتراضي و تسجيل نقاط بين وزارة الإشراف و الجامعة التونسية لكرة القدم  لا يمكن بأي حال أن يخرجنا من هذا الجدل ، إذ ينبغي أنّ تصاغ نصوص و قواعد لقانون جديد ينظّم هذه العلاقة بشكل واضح و شفاف يمزج بين البعد الدّولي لهذه الرياضة و استحقاقاته و إكراهاته و بين  البعد الوطني من خلال سياسة الدّولة في هذا الميدان ... كما ينبغي إعادة النّظر في المرسوم عدد 88 لسنة 2011 الذي جاء على عجل و لم يكن موفّقا في تنظيم العمل الجمعياتي و استبداله بمنظومة تشريعية رياضية متكاملة و منسجمة و متينة للنهوض بالميدان الرياضي و خاصة كرة القدم التي ازدادت شعبيتها في مطلع هذا القرن الجديد بشكل ملفت للنظر .

إنّ  انتظارات الشارع الرياضي كثيرة  بعد الاستفتاء على الدستور الجديد و دخول البلاد في مرحلة ستكون حاسمة للكم الهائل من القضايا العالقة في المجال الرياضي خاصة بعدما عجزت حكومات ما قبل 25 جويلية على حلحلة تلك القضايا  لاعتبارات يعرفها الجميع حيث انتصرت لجهات ضد أخرى و تجاوز الفساد الرياضي في مجال كرة القدم حدوده و تضاربت مصالح القائمين على الشأن الرياضي في لجان و مؤسسات الجامعة التونسية لكرة القدم فتعطّلت المصالح وهو ما يفسرّ البطء القضائي في الملفّات المرفوعة ضد الجامعة و لجانها و رابطاتها ، و باتت القضايا الرياضية التونسية تحلّ في المحاكم الرياضية الدّولية ... و هو ما خلّف احتقان كبير في العديد من المدن التونسية ... و استمرّت حرب البيانات بين الجامعة من جهة و النوادي المتضررة من جهة أخرى و بين الجامعة و وزارة الإشراف  خاصّة بعد عودة وزير الشّباب و الرياضة المقال في حكومة المشيشي ..

 لقد ورد بالدستور الجديد ما يدعم الفصلين 9 و 21 من القانون عدد 11 لسنة 1995 ، حيث أشار الفصل 19 في باب الأحكام العامة إلى أن الإدارة العمومية و سائر مرافق الدولة في خدمة المواطن على أساس الحياد و المساواة ،و كلّ تمييز على أساس أي انتماء جريمة يعاقب عليها القانون . و هو فصل يؤّصل فكرة السّهر على تسيير المرفق العام و حسن تطبيق القانون على الجميع وفقا لمبدأ المساواة و يوجب فكرة المساءلة و تجريم الأفعال المخالفة لحسن التسيير و تدخلّ سلطة الإشراف الأصلية لوضع حدّ لكل من يخلّ بمبدأ التكافؤ بين جميع المنتفعين بخدمات المرفق العام ...

إن الخيارات العامة لدستور 25 جويلية تصبّ في مبدأ واحد ألا وهو تطبيق القانون على الجميع دون تمييز  وهو ما يجعل تدخّل سلطة الاشراف لوضع حد للنزيف في ميدان كرة القدم أمر وارد جدّا  ...فهل سيربح السيد وزير الشباب و الرياضة الحرب على الميدان بعد أن ربحها سابقا على المستوى القانوني كما عبر عن ذلك سابقا و يعيد  للمرفق العام المسؤول عن تنظيم رياضة كرة القدم مصداقيته ..؟

 

الاستاذ: توفيق الحافظي

ماجستير في الحقوق و العلوم السياسية  و باحث في القانون الرياضي

--------------

 (1) عبد العزيز بن محمد الصغير : القانون الإداري بين التشريع المصري  و السّعودي ص 93 المركز القومي للإصدارات القانونية القاهرة الطبعة الأولى 2015    

 

 

رأي / بعد صدور قرار التّاس.. هل ستفعّل وزارة الإشراف الفصل 21 ضد الجامعة التونسية لكرة القدم؟

عاد الجدل من جديد  هذه الأيام حول القراءات المتعددة بشأن طبيعة العلاقة بين الجامعة التونسية لكرة القدم كهيكل يشرف على تسيير أحد أهم الرّياضات في البلاد و بين وزارة الشباب و الرياضة الإدارة المركزية التي تسهر على تطبيق سياسة الدّولة في المجال الرياضي بعد صدور قرار المحكمة الرياضية الدولية " التاس " بإعادة الهلال الرياضي الشابي إلى الرابطة الوطنية المحترفة الأولى ... الجدل ليس حديث العهد و إنما برز بشكل ملفت للنظر في الموسم الرياضي الماضي  في مقابلة تونس و زمبيا التي لم يحضرها  الجمهور بسبب غياب التّنسيق بين الهيكلين ،ليصل إلى ذروته و ليتكرّر في نزاع آخر بين الجامعة التونسية لكرة القدم و الهلال الرياضي بالشابة حول إثارة كانت قد تقدمت بها الشابة حول التواجد غير القانوني لرئيس النادي الإفريقي في مقابلة هذا الأخير ضد سليمان و قد استوفى هذا النزاع درجات التقاضي داخليا و تم الطّعن في قرار اللجنة الوطنية للاستئناف من طرف هلال الشّابة لدى المحكمة الرياضية الدّولية   ...   و الحقيقة أنّ مضامين الجدل و إشكالاته لم تحسم خلال العقد الفارط خاصّة بعد سنّ القانون عدد 66 لسنة 2011 الذي جاء ليعدلّ القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرّياضية ... و لا من خلال المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم العمل الجمعياتي . حيث  يرى بعض المختصّين في مجال القانون الرياضي أنّ استعجال هذه المراسيم بعد الحراك الاجتماعي في 2011 لم يكن موفّقا بحيث برزت فيه عديد الهنات و الثغرات التي غذّت هذا الجدل .

و بالعودة إلى معطيات هذا الجدل يبدو أنّ النزاع يحوم حول مبدأ الاختصاص ، فالجامعة التونسية لكرة القدم من خلال نظامها الأساسي و ارتباطها بقوانين الهياكل الرياضية الدّولية تضع يدها على جميع الملفات التي تدخل ضمن صلاحياتها طبقا لتراتيبها الدّاخلية و لنظامها الأساسي ، في حين ترى وزارة الشباب و الرياضة أنّ الجامعة التونسية لكرة القدم هي مرفق عام من مرافق الدّولة مكّنتها الوزارة طبقا للفصل 9 من القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية من صلاحيات لتسيير هذا المرفق في إطار سياسة الدّولة في مجال الرّياضة ،و بالتالي فللوزارة أن تسحب هذه الصّلاحيات في كلّ وقت ترى أنّ الجامعة خالفت سياسة الدّولة  و تجاوزت المهام الموكلة إليها ... طبعا لن نعود إلى معطيات الخلاف   و مواضيعه و أحداثه فالموضوع معلوم لدى الجميع   و حيثياته قد استهلكها  الإعلام ... ما يمكن العودة إليه هو التصريح الشهير للسيد وزير الشباب و الرياضية السيّد كمال دقيش في إذاعة خاصّة بعد أن تمت إقالته من حكومة المشيشي و الذي صّرح فيه بالحرف الواحد:" أنا ربحت الحرب على المستوى القانوني و خسرتها على الميدان لأن هناك إرادة لذلك ..."  

 ولكن سأحاول أنّ أبسط هذا الخلاف من خلال التّوسع في السّندات القانونية التي احتجّ بها كلّ طرف على الآخر  و أن أساهم في بلورة مخرجات لوضع حدّ للثغرات التّشريعية في النصوص المنظّمة للشأن الرياضي بصفة عامة و ميدان كرة القدم بصفة خاصّة .

المفاهيم الخلافية في النصوص التّشريعية .

قد نحتاج إلى جهاز مفاهيمي مرجعي لتدقيق المصطلحات و كشف مضامينها و أظنّ أنّ جوهر المسائل الخلافية هو التأويل القانوني  لبعض المصطلحات و النصوص و بالتالي ستكون العودة إلى المفاهيم القانونية المتعارف عليها نقطة انطلاقنا  و محور اهتمامنا و دليلنا لحسم هذا الجدل قانونيا على الأقل .

مفهوم المرفق العام و دلالاته في الفصل 9 من القانون الاساسي عدد 11 لسنة 1995 المتعلّق بالهياكل الرياضية

من الفصول التي اعتمدتها وزارة الشباب و الرياضية لتبرير تدخّلها في سياسة الجامعة التونسية لكرة القدم في عديد الملفّات ذات البعد السّيادي الوطني هو الفصل 9 من قانون 1995 و الذي يقول : " تسهر الجامعة الرّياضية على تسيير مرفق عام في إطار الصّلاحيات التي تمكّنها منها الوزارة المكلّفة بالرياضة ".

يبدو أنّ مفردات الفصل 9  بحاجة إلى التّوضيح و التدقيق في المعاني القانونية التي تحملها سيما و أنّ القراءة الأولى تحيلنا إلى وجود تفاوت بين سلطة الوزارة الأصلية و سلطة الجامعة المكتسبة ،  بحيث تمنح الوزارة مهام محدّدة   و مضبوطة للجامعة... و تسهر الجامعة  باعتبارها مرفقا عاما وفقا لتلك الصلاحيات على تسيير النشاط الرياضي في مجال كرة القدم ... و تصبح بذلك الجامعة إدارة تستهدف غايات تريد الوزارة تحقيقها ضمن سياسة الدّولة في المجال الرياضي ... هذا الأمر قد يستقيم قانونا من خلال القراءة العامّة لروح النّص و لكنّه قد يثير نوعا من التّداخل و الغموض حول مدى استقلالية القرار الرياضي بجميع فروعه و مدى نطاق التصرف في الصلاحيات الممنوحة للجامعة . و هو ما سيدفعنا إلى الشرح و التعمق القانوني في مفردات الفصل 9 و التعليق في مرحلة ثانية على هذا النّص من خلال استحضار النظام الأساسي للجامعة و القوانين الرياضية الدّولية التي تؤجّج هذا الصدام .

مفهوم المرفق العام :

إن لفكرة المرفق العام علاقة وثيقة بالقانون الإداري كفرع من فروع القانون العام و الذي يعتبر  أنّ الدّولة بمثابة جسم خلاياه المرافق العامة. ويعتبر المرفق العام أكثر المفاهيم القانونية غموضا وإثارة للجدل، فمن الفقهاء من اعتبره  كل منظمة عامة تنشئها الدّولة وتخضع لإدارتها بقصد تحقيق حاجات و خدمات  للفئة المستهدفة . هذا المعنى يتّصف بالشمولية والإطلاق كما اعتبره فقهاء القانون الإداري .

أمّا المعنى الوظيفي أو الموضوعي للمرفق العام فيقصد به كل نشاط يباشره شخص عام بقصد إشباع حاجة عامة ومن ثم تخرج عن نطاقه  سائر النشاطات الخاصة و النشاطات التي تستهدف الرّبح .   

أمّا الخيار الذي مزج بين المفهومين فإنّه يعتبر انّ هناك ثلاثة عناصر يجب توفرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة.

إذن  لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين. و بذلك يعتبر  تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام. و بالتّالي  فإنّ المرافق التي تنشئها الدولة هي تلك التي تستهدف تحقيق وجه من وجوه النفع العام  ، ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارة وموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة. وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد. (1)

يبدو  من خلال هذا التعريف للمرفق العام و وظائفه أنّ مجال إشراف الدولة على كلّ المرافق  التي تنشئها متسّع و شامل باعتبارها أجهزة تنجز بالنّيابة بعض مهام الدّولة المحدّدة في تقديم الخدمات و تحقيق النّفع العام و هي غايات ملازمة لمهام الدّولة في تحقيق النظام العام وحسن تطبيق القوانين المنظّمة لذلك المرفق  ... و باعتبار أنّ الجامعة التونسية لكرة القدم تقدّم خدمات رياضية لإشباع حاجيات  شريحة مهمّة من الشعب من خلال تنظيم البطولات و تسييرها و  تنظيم مختلف مراحلها في إطار منظومة متكاملة من القوانين  و التّراتيب الرياضية التي تمّ سنّها و المصادقة عليها من قبل الجهاز التشريعي للدولة ... و باعتبار أنّ تقديم النفع العام يعتبر من أهم مميّزات المرفق العام فإنّ إعطاء صفة المرفق العام للجامعة التونسية لكرة القدم كما ورد بالفصل 9 من قانون عدد11 لسنة 1995 يبدو  أمرا منطقيا و يجعل من هذه المؤسسة جسما عاما يقدّم خدمات عامة ذات نفع عام من خلال جملة الأنشطة التي تقوم بها وفقا لقوانين و أنظمة متناغمة مع السّياسة العامّة للدولة ... و الإدارة المركزية للدّولة الممثلة في وزارة الإشراف صاحبة السلطة الأصلية  لها أن تشرف و تراقب كلّ أنشطة هذا المرفق العام و برامجه باعتبار أنّ صلاحيات التسيير كما ورد بالفصل 9 جاءت مشروطة و محدّدة  لتوجيهه في حالة الانحراف عن مسار المصلحة العامة أو المهام الموكلة له طبقا للقانون و السياسة العامة للدولة .

 لكن ألا يبدو هذا التّقييد بأدوات الإشراف و الرقابة متعارضا مع مبدأ التّدبير الحرّ الذي جاءت به أفكار حراك 2011 و الذي تجسّد في  القانون عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018  الذي يتعلّق بمجلة الجماعات المحلّية . هذا القانون الذي مكّن الجماعات المحلّية كمرافق عامّة من صلاحيات ذاتية تنفرد بمباشرتها و بصلاحيات مستمدّة من السلطة المركزية ...؟

إنّ المطّلع على التّشريعات الرياضية و القوانين المنظّمة للجمعيات ذات النشاط الرياضي سواء القديمة منها أو التي جاء بها حراك 2011  يدرك جيّدا أنّ هذه القواعد و النصوص تحتوي على الكثير من التناقضات و التضارب و الغموض و هي عاجزة على أن تعطي أي نوع من التّدابير الحّرة لأجهزتها التنفيذية ... و قد أشرت منذ بداية المقال إلى عملية الارتجال و العجالة و السرعة التي جاء بها المرسوم 88 لسنة 2011          و كذلك المرسوم  عدد 66 لسنة 2011 الذي نقّح القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية ... و ما نلاحظه من تجاذب في الصلاحيات  المعلنة حاليا بين الجامعة التونسية لكرة القدم و الوزارة الإشراف لا يخرج من إطار بعض القراءات و التأويلات لنصوص رياضية إقليمية أو دولية استنجدت بها الجامعة في محاولة منها للبحث عن الخروج من  جبة وزارة الإشراف باعتبارها هيكل منتخب و منضوي تحت يافطة الاتحاد الدّولي لكرة القدم ... بحيث هناك من يتحدّث عن استقلالية مطلقة للجامعة التونسية لكرة القدم و هو أمر لا يستقيم بالرجوع إلي القوانين المنظمة للهياكل الرياضية ...

إنّ موضوع تداخل السياسة في الرياضة موضوع قديم و قد تمّ الحسم فيه من خلال ما تضمّنته لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم خاصة بعد أن التجأت عديد الدّول إلي تبييض سياساتها إن صحّ التعبير  بتوظيف رياضة كرة القدم و الوقائع و الأمثلة كثيرة في هذا المجال ، وقد كانت قرارات الاتحاد الدّولي رافضة لأي نوع من التّداخل بين السياسي  و الرياضي و وضعت لذلك عقوبات صارمة تصل إلى حدّ حرمان منتخب الدّولة المتدخلة و فرقها من المشاركات الدّولية و الإقليمية ...

لقد أصبحت مهمّة الاتحاد الدّولي لكرة القدم  منذ  سنة 1930 الإشراف على مسابقات كرة القدم و بطولاتها بعد أن كان يدير مسابقة كرة القدم في الألعاب الاولمبية . و قد حرص مع جميع الاتحادات القارية و المحلّية على غرس الروح الرياضية بين الجميع في كل البطولات الرياضية، وعدم إقحام السياسة في الرياضة لأجل ترسيخ مبادئ الرّوح الأولمبية التي تحظر استخدام الرياضة - وكرة القدم على وجه الخصوص - في الترويج لأغراض سياسية، من شأنها أن تمسّ من القيم و المبادئ  الاولمبية والرياضية بين الشعوب و الدّول المتنافسة .

وقد دعت المادة 20 من النظام الأساسي للاتحاد الدّولي لكرة القدم الأعضاء المنخرطين من الاتحادات القارية و المحلّية إلى الاستجابة للقوة الملزمة للتشريعات و اللوائح و القرارات التي تصدر عن هياكل الاتحاد ... و قد تمّ إصدار العديد من القرارات التي تؤكّد على رفض أي نوع من التّدخل السياسي في ميدان رياضة كرة القدم ،  فرفض الاتحاد الدّولي لكرة القدم في سنة 2013 طلبا كان قد توجّه به وزير الشباب و الرياضة التونسي أنذاك طارق ذياب إلى الاتحاد لإقالة أعضاء الجامعة التونسية لكرة القدم ... و هدّد بحرمان المنتخب التونسي من مواجهة نظيره الكامروني في الدور الفاصل للتصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014 ...  ولكن في المقابل نجد أنّ القوانين المنظّمة للجامعة الدّولية لكرة القدم  تكشف بوضوح عن احترامها التّام للقوانين الدّاخلية للدّول المنخرطة بها و تحترم خصوصياتها و لا تتدخل في سيادتها القانونية .

إزدواجية الإشراف و حقّ الدّولة في حماية أمنها العام .

تعتبر الجامعة التونسية لكرة القدم هيكل تحت إشراف مزدوج بحيث يعود بالنّظر في الجانب الرياضي إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم  فينفّد قراراته و لوائحه و تراتيب و أنظمة نشاطه ، في حين يخضع في إدارة شؤون اللعبة إلى وزارة الشباب و الرياضة الجهاز المركزي المسؤول عن إدارة كل الجامعات الرياضية و سير أعمالها وتمكينها من التّمويل العمومي باعتبارها مرفق عام و هو ما يجعلها تحت الأجهزة الرقابية للدولة كما أكّدنا ذلك سابقا ... وقد اعتبر الوزير الأسبق للشباب و الرياضة صابر بوعطي  أنّ وزارة الشباب و الرياضة لها كلّ الصلاحيات لمراقبة أعمال الجامعة من حيث حسن سير المرفق العام و شفافية التسيير على المستويين الإداري و المادي و محاسبتها و معاقبتها حسب ما يقتضيه الفصل 21 من القانون عدد 11 لسنة 1995 المؤرخ في 6 فيفري 1995 يتعلق بالهيكل الرياضية و الذي يعطي للوزير المكلّف بالرياضة وضح حدّ لنشاط عضو أو أكثر من المكتب الجامعي أو جميع أعضاء المكتب الجامعي بقرار معلّل في حالات التقصير أو سوء التّصرف : "يمكن لوزير المكلّف بالرياضة وضع حدّ لنشاط عضو أو أكثر من المكتب الجامعي أو جميع أعضاء المكتب الجامعي بقرار معلّل في حالات التّقصير أو سوء التّصرف ... و عند وضع حد لنشاط نصف أعضاء المكتب الجامعي على الأقل يعيّن الوزير المكلّف بالرّياضة مكتبا وقتيا يكون من بين مهامه دعوة الجلسة العامة للإنعقاد في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ القرار .

 ...في حين لا يمكن للوزارة التّدخل في مجال التّسيير الرياضي في علاقة بالجمعيات الرياضية و تنظيم المسابقات و تعيين الإطار الفني للمنتخب ... فهذه خطوط حمراء كما يصفها الوزير من مشمولات الهياكل الرياضية الدّولية و الجامعة التونسية لكرة القدم دون غيرهم .

إنّ الإقرار بان جامعة كرة القدم هي مرفق عام كما نصّ عليه الفصل  9 من القانون عدد 11 لسنة 1995 المتعلق بالهياكل الرياضية يقودنا إلى خضوع هذا الهيكل مثله مثل بقية مرافق الدّولة إلى وجوب المراقبة في التسيير الإداري و المالي وفقا لقوانين الدولة دون سواها ..فإذا ما ثبت سوء في التّسيير أو إهدار في المال العام  أثناء عمليات المراقبة و التّدقيق الدوري أو تلاعب و تورط في قضايا تمسّ بالأّمن العام للدّولة فإن أجهزة هذا الهيكل المدانة تخضع للمحاسبة و تسلط عليها العقوبات الجزائية و الإدارية المناسبة  مثلها مثل بقية المرافق العامة .

إنّ ما يسود  المناخ الرياضي  في ميدان كرة القدم في هذه الأيام من تشنج و مدّ و جزر و سحل افتراضي و تسجيل نقاط بين وزارة الإشراف و الجامعة التونسية لكرة القدم  لا يمكن بأي حال أن يخرجنا من هذا الجدل ، إذ ينبغي أنّ تصاغ نصوص و قواعد لقانون جديد ينظّم هذه العلاقة بشكل واضح و شفاف يمزج بين البعد الدّولي لهذه الرياضة و استحقاقاته و إكراهاته و بين  البعد الوطني من خلال سياسة الدّولة في هذا الميدان ... كما ينبغي إعادة النّظر في المرسوم عدد 88 لسنة 2011 الذي جاء على عجل و لم يكن موفّقا في تنظيم العمل الجمعياتي و استبداله بمنظومة تشريعية رياضية متكاملة و منسجمة و متينة للنهوض بالميدان الرياضي و خاصة كرة القدم التي ازدادت شعبيتها في مطلع هذا القرن الجديد بشكل ملفت للنظر .

إنّ  انتظارات الشارع الرياضي كثيرة  بعد الاستفتاء على الدستور الجديد و دخول البلاد في مرحلة ستكون حاسمة للكم الهائل من القضايا العالقة في المجال الرياضي خاصة بعدما عجزت حكومات ما قبل 25 جويلية على حلحلة تلك القضايا  لاعتبارات يعرفها الجميع حيث انتصرت لجهات ضد أخرى و تجاوز الفساد الرياضي في مجال كرة القدم حدوده و تضاربت مصالح القائمين على الشأن الرياضي في لجان و مؤسسات الجامعة التونسية لكرة القدم فتعطّلت المصالح وهو ما يفسرّ البطء القضائي في الملفّات المرفوعة ضد الجامعة و لجانها و رابطاتها ، و باتت القضايا الرياضية التونسية تحلّ في المحاكم الرياضية الدّولية ... و هو ما خلّف احتقان كبير في العديد من المدن التونسية ... و استمرّت حرب البيانات بين الجامعة من جهة و النوادي المتضررة من جهة أخرى و بين الجامعة و وزارة الإشراف  خاصّة بعد عودة وزير الشّباب و الرياضة المقال في حكومة المشيشي ..

 لقد ورد بالدستور الجديد ما يدعم الفصلين 9 و 21 من القانون عدد 11 لسنة 1995 ، حيث أشار الفصل 19 في باب الأحكام العامة إلى أن الإدارة العمومية و سائر مرافق الدولة في خدمة المواطن على أساس الحياد و المساواة ،و كلّ تمييز على أساس أي انتماء جريمة يعاقب عليها القانون . و هو فصل يؤّصل فكرة السّهر على تسيير المرفق العام و حسن تطبيق القانون على الجميع وفقا لمبدأ المساواة و يوجب فكرة المساءلة و تجريم الأفعال المخالفة لحسن التسيير و تدخلّ سلطة الإشراف الأصلية لوضع حدّ لكل من يخلّ بمبدأ التكافؤ بين جميع المنتفعين بخدمات المرفق العام ...

إن الخيارات العامة لدستور 25 جويلية تصبّ في مبدأ واحد ألا وهو تطبيق القانون على الجميع دون تمييز  وهو ما يجعل تدخّل سلطة الاشراف لوضع حد للنزيف في ميدان كرة القدم أمر وارد جدّا  ...فهل سيربح السيد وزير الشباب و الرياضة الحرب على الميدان بعد أن ربحها سابقا على المستوى القانوني كما عبر عن ذلك سابقا و يعيد  للمرفق العام المسؤول عن تنظيم رياضة كرة القدم مصداقيته ..؟

 

الاستاذ: توفيق الحافظي

ماجستير في الحقوق و العلوم السياسية  و باحث في القانون الرياضي

--------------

 (1) عبد العزيز بن محمد الصغير : القانون الإداري بين التشريع المصري  و السّعودي ص 93 المركز القومي للإصدارات القانونية القاهرة الطبعة الأولى 2015    

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews