لم يكن اختتام الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان قرطاج الدولي رتيبا بل ثريا على جميع المستويات، حيث تحول ركح المسرح الأثري ليلة البارحة إلى فضاء استثنائي مع عودة الفنانة الإماراتية أحلام إثر غياب طال 28 سنة كاملة، لتؤكد أنّ الانتظار لم يذهب سدى، بل تٌوّج بسهرة طبعتها مواصلة الإبداع والتألق، وأنّ الشغف الذي ظلّ متوهجا طيلة العقود الماضية لم يخفت بل ازداد قوة وعمقا..
منذ اللحظة الأولى لظهورها على الركح، بدت ملامح النجاح بادية على ملامح السهرة، إذ استقبلها الجمهور الغفير بحفاوة كبيرة عكست مكانتها في قلوب الحاضرين بمختلف الفئات العمرية.. أحلام ردّت على هذا الوفاء باحترام مضاعف وصدق كامل، فكانت متصالحة مع ذاتها ومع جمهورها، مانحة إيّاه سهرة امتدت لثلاث ساعات متواصلة من الغناء، جسّدت خلالها وعدها بأن يكون لقاء قرطاج مختلفا عن أي لقاء آخر.. كأنها أرادت أن تؤكد امتنانها لتلك الفرصة الذهبية التي حظيت بها في بداياتها مع الراحل نجيب الخطاب ثم اعتلاءها على مسرح قرطاج العريق لأول مرة..
*الوفاء بالوعد
ما ميّز هذه السهرة أنّها لم تكن مجرد حفلة غنائية، بل كانت مناسبة للتأكيد على أنّ الفنان حين يَعِد يَفي. أحلام سبقت العرض بتصريحات واضحة سواء في الندوة الصحفية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحدثت فيها عن حفل استثنائي سيبقى في الذاكرة، وهو ما تحقق فعلا على ركح قرطاج. الجمهور لمس بوضوح هذا الصدق في الأداء والالتزام في التفاصيل، فكانت كل أغنية بمثابة رسالة محبة ووفاء لجمهور طال انتظاره.
إلى جانب الصوت الذي احتفظ بكل خصائصه رغم مسيرة طويلة، حضرت الكاريزما التي تُعد من علامات شخصية أحلام الفنية.. فقد أضافت إطلالتها المبهرة وحضورها المسرحي الطاغي قيمة مضاعفة للأداء، حتى بدا وكأنها تعيش كل جملة موسيقية وتُعيد صياغتها على الركح بصدق وتجدد. هذا الحضور، الممزوج بثقة الفنانة وتجربتها، جعل السهرة أكثر من مجرد عرض موسيقي، بل لقاء وجدانيا بين فنانة وجمهورها.
أساور مضيئة
ومن بين التفاصيل التي أضفت على الحفل طابعا خاصا، تلك الأساور المضيئة التي وزعتها أحلام على جمهورها، وفاء بما وعدت به قبل العرض. ومع انسياب الألحان وتمايل الجماهير، تحوّل المسرح إلى لوحة ضوئية متناغمة بين الأساور المتلألئة والألحان العذبة، في تفاعل بديع جمع بين البصر والسمع، بين الفن كحالة وجدانية والجمهور كجزء أصيل من العرض.
كثيرون راهنوا على أن عودة أحلام بعد غياب يقارب ثلاثة عقود قد لا تُرضي ذائقة جمهور قرطاج المعروف بصرامته وانتقائيته، لكن الفنانة الإماراتية قلبت المعادلة رأسا على عقب وقدمت عرضا أثبتت من خلاله أنّ الزمن لا يمكن أن يكون حاجزا أمام التواصل مع الجمهور إذا ما كان الإبداع صادقا.. ليغادر الحاضرون مقتنعين بأن أحلام لم تكتفِ بالوفاء بالوعد، بل تجاوزت سقف التوقعات.
وإذا كان صوت أحلام وحضورها قد شكّلا العنصر الأبرز في هذه السهرة، فإنّ الفضل في اكتمال اللوحة لا يعود إليها وحدها، بل أيضا إلى الفرقة الموسيقية التي رافقتها. فقد أبدع العازفون في تقديم توزيعات دقيقة ومتوازنة، ومنحت الفنانة فضاء رحبا للتحليق والإبداع..
تآلف الآلات مع الصوت وانضباط الإيقاع مع دفء الأداء كلها عناصر صاغت عرضا متكاملا، أثبت أنّ نجاح أي سهرة كبرى في قرطاج هو نتاج عمل جماعي متناغم.
بهذه السهرة، أكدت أحلام أنّ الفن لا يُقاس بمرور السنوات، بل بقدرة الفنان على الوفاء لجمهوره والتجدد في كل مرة يعتلي فيها المسرح.
لقد كان عرضها على ركح قرطاج في اختتام الدورة 59 احتفاء بالصوت، بالحضور، وبالعزف المتقن الذي جعل الغناء لكوكب الشرق أو "الجو التونسي" على غرار "ما صار مڨياس يعجب" ممكنا إلى حد الإبهار..
عرض سيظل راسخا في ذاكرة قرطاج كواحد من أجمل الخواتيم بمهرجان قرطاج!
وليد عبد اللاوي
لم يكن اختتام الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان قرطاج الدولي رتيبا بل ثريا على جميع المستويات، حيث تحول ركح المسرح الأثري ليلة البارحة إلى فضاء استثنائي مع عودة الفنانة الإماراتية أحلام إثر غياب طال 28 سنة كاملة، لتؤكد أنّ الانتظار لم يذهب سدى، بل تٌوّج بسهرة طبعتها مواصلة الإبداع والتألق، وأنّ الشغف الذي ظلّ متوهجا طيلة العقود الماضية لم يخفت بل ازداد قوة وعمقا..
منذ اللحظة الأولى لظهورها على الركح، بدت ملامح النجاح بادية على ملامح السهرة، إذ استقبلها الجمهور الغفير بحفاوة كبيرة عكست مكانتها في قلوب الحاضرين بمختلف الفئات العمرية.. أحلام ردّت على هذا الوفاء باحترام مضاعف وصدق كامل، فكانت متصالحة مع ذاتها ومع جمهورها، مانحة إيّاه سهرة امتدت لثلاث ساعات متواصلة من الغناء، جسّدت خلالها وعدها بأن يكون لقاء قرطاج مختلفا عن أي لقاء آخر.. كأنها أرادت أن تؤكد امتنانها لتلك الفرصة الذهبية التي حظيت بها في بداياتها مع الراحل نجيب الخطاب ثم اعتلاءها على مسرح قرطاج العريق لأول مرة..
*الوفاء بالوعد
ما ميّز هذه السهرة أنّها لم تكن مجرد حفلة غنائية، بل كانت مناسبة للتأكيد على أنّ الفنان حين يَعِد يَفي. أحلام سبقت العرض بتصريحات واضحة سواء في الندوة الصحفية أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحدثت فيها عن حفل استثنائي سيبقى في الذاكرة، وهو ما تحقق فعلا على ركح قرطاج. الجمهور لمس بوضوح هذا الصدق في الأداء والالتزام في التفاصيل، فكانت كل أغنية بمثابة رسالة محبة ووفاء لجمهور طال انتظاره.
إلى جانب الصوت الذي احتفظ بكل خصائصه رغم مسيرة طويلة، حضرت الكاريزما التي تُعد من علامات شخصية أحلام الفنية.. فقد أضافت إطلالتها المبهرة وحضورها المسرحي الطاغي قيمة مضاعفة للأداء، حتى بدا وكأنها تعيش كل جملة موسيقية وتُعيد صياغتها على الركح بصدق وتجدد. هذا الحضور، الممزوج بثقة الفنانة وتجربتها، جعل السهرة أكثر من مجرد عرض موسيقي، بل لقاء وجدانيا بين فنانة وجمهورها.
أساور مضيئة
ومن بين التفاصيل التي أضفت على الحفل طابعا خاصا، تلك الأساور المضيئة التي وزعتها أحلام على جمهورها، وفاء بما وعدت به قبل العرض. ومع انسياب الألحان وتمايل الجماهير، تحوّل المسرح إلى لوحة ضوئية متناغمة بين الأساور المتلألئة والألحان العذبة، في تفاعل بديع جمع بين البصر والسمع، بين الفن كحالة وجدانية والجمهور كجزء أصيل من العرض.
كثيرون راهنوا على أن عودة أحلام بعد غياب يقارب ثلاثة عقود قد لا تُرضي ذائقة جمهور قرطاج المعروف بصرامته وانتقائيته، لكن الفنانة الإماراتية قلبت المعادلة رأسا على عقب وقدمت عرضا أثبتت من خلاله أنّ الزمن لا يمكن أن يكون حاجزا أمام التواصل مع الجمهور إذا ما كان الإبداع صادقا.. ليغادر الحاضرون مقتنعين بأن أحلام لم تكتفِ بالوفاء بالوعد، بل تجاوزت سقف التوقعات.
وإذا كان صوت أحلام وحضورها قد شكّلا العنصر الأبرز في هذه السهرة، فإنّ الفضل في اكتمال اللوحة لا يعود إليها وحدها، بل أيضا إلى الفرقة الموسيقية التي رافقتها. فقد أبدع العازفون في تقديم توزيعات دقيقة ومتوازنة، ومنحت الفنانة فضاء رحبا للتحليق والإبداع..
تآلف الآلات مع الصوت وانضباط الإيقاع مع دفء الأداء كلها عناصر صاغت عرضا متكاملا، أثبت أنّ نجاح أي سهرة كبرى في قرطاج هو نتاج عمل جماعي متناغم.
بهذه السهرة، أكدت أحلام أنّ الفن لا يُقاس بمرور السنوات، بل بقدرة الفنان على الوفاء لجمهوره والتجدد في كل مرة يعتلي فيها المسرح.
لقد كان عرضها على ركح قرطاج في اختتام الدورة 59 احتفاء بالصوت، بالحضور، وبالعزف المتقن الذي جعل الغناء لكوكب الشرق أو "الجو التونسي" على غرار "ما صار مڨياس يعجب" ممكنا إلى حد الإبهار..
عرض سيظل راسخا في ذاكرة قرطاج كواحد من أجمل الخواتيم بمهرجان قرطاج!