إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع الباحثة الدكتورة بشرى اقليش: مشروع النهضة أو الحداثة الغربية، كان بانتفاضة العقل الأوروبي ضد التقليد..

لقد تجاوزت الفلسفة بجرأة نظرياتها وإشكالياتها الحدود التي رسمها الفقيه الديني للعقل
الإسلامي آنذاك.ويمكننا القول أن التفكير الفلسفي هدد سكون النص الديني
 
 
وأنت تتنقل بين كتب الدكتورة بشرى اقليش " الحداثة ونقد نظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية" و" قيم الحداثة  في القرآن الكريم" و " الإسلام السياسي ودولة الخلافة" تستوقفك باحثة متمكنة من التحليل العلمي والحفر المعرفي بأدوات منهجية ومعرفية تقوم بالغوص في أعماق الفكرة والتصورات التي حكمت عقلية وعقلانية القرون الماضية والحاضر المعاصر بل حاولت تقديم تصورها الذي يراكم التجارب العربية التي حاولت قراءة هذا التراث وهذا الكم المعرفي المختلف المشارب والمداخل المعرفية لتنضاف إلى تجارب محمد أركون ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي والطيب التيزيني وغيرهم 
س1: ماذا يمكن ان تضيفيه على هذه المقدمة ليتعرف عليك جمهور القراء هنا وهناك؟
بداية أشكركم على هذه الدعوة الكريمة التي أتاحت لي فرصة التواصل معكم ومع جمهور القراء الأعزاء.
 وكل الشكر أيضا على هذا التقديم الذي أتمنى أن أكون أهلا له يوما.
 ما يمكن أن أضيفه إلى جانب أنني باحثة في سؤال التراث والحداثة، وسؤال النقل والعقل في الفكر الإسلامي، إنني أيضا باحثة في سؤال الحوار الديني والحضاري. أسعى جاهدة لتحصيل ما يمكنني من المساهمة في تكريس ثقافة السلم والتعايش والقبول بالآخر، استنادا إلى المشترك الإنساني. وهي الاستراتيجية الإنسانية التي من خلالها يمكننا مواجهة استراتيجية القتل ومصادرة حق الاختلاف، التي اختارتها الجماعات المتشددة، حتى أصبحنا نرى شباب الأمة يتهافتون على الموت عوض الحياة، وعلى الهدم عوض البناء.
 نريد رؤية جديدة قوامها الأمل في مستقبل أحسن لأن شبابنا يستحق أن يغادر خانة الإحباط والأزمات النفسية، وخيبات الأمل والضبابية التي تسم تطلعاته نحو المستقبل.
س2: يقول محمد عابد الجابري في كتابه الخطاب العربي المعاصر" يبدو انه من المستحيل علينا نحن العرب ان نجد طريق المستقل ما لم نجد طريق الماضي" ومن هنا كانت حفريات كبار المفكرين العرب في هذا التراث  أمثال محمد اركون والطيب التيزيني  والجابري وحنفي  كيف تقييمين القراءات العربية  المعاصرة من حيث المداخل المنهجية ومن حيث نتائجها؟
كانت دعوة المفكر"محمد عابد الجابري"، رحمه الله، إلى"الانتظام النقدي في الثقافة العربية الإسلامية ذاتها، بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل"، بحسب تعبيره، لأجل تحقيق حداثة عربية، تحمل خصوصية المجتمع العربي، حداثة منهج وحداثة رؤية،يقول رحمه الله، قادرة على تحرير تصورنا للتراث من "البطانة الإيديولوجية والوجدانية التي تضفي عليه داخل وعينا طابع العام والمطلق وتنزع عنه طابع النسبية والتاريخية.  ولأن الحداثة حسب محمد عابد الجابري دائما، هي رسالة ونزوع من أجل التحديث تحديث الذهنية، تحديث المعايير العقلية والوجدانية، ولأن الثقافة العربية ثقافة تراثية، فإن خطاب الحداثة فيها يجب أن يتجه أولا نحو:"عصرنة التراث، والارتفاع به إلى مستوى المعاصرة" ومن ثم مواكبة التقدم العالمي.
 في ما يتعلق بسؤالكم حول تقييمي للمشاريع النهضوية، لست أهلا لهذه المهمة ، فهي مشاريع ضخمة وأنا لازلت أتلمس طريق المعرفة بالنهل من هذه الإنتاجات القيمة. لهذا لي أن أقول من خلال تجربتي واشتغالاتي، إنه فعلا لا نهضة دون عودة واعية إلى تراثنا العربي الإسلامي، عودة تختزل زمن اللافهم للتراث في خطوة جريئة أساسها منهج ورؤية علميين، قادريين على احتواء أزمة اللاتواصل بيننا وبين معطياتنا التراثية. وإذ فشلت المجتمعات العربية الإسلامية في تحقيق نهضة حضارية، فإن أسباب الفشل تعود بالأساس إلى أن مشروع الحداثة العربية، لم يخرج عن شكلين إثنين:  إما الهروب إلى الماضي، وتغييب معطيات الحاضر وخصوصيته، أو إسقاط الحداثة الأوروبية بكل خصوصياتها على الواقع العربي. وهذا ما جعل مشروع النهضة، مشروعا مستحيلا، لأنه منفصل عن واقع الأمة وعن معطياتها الوجودية. فالحداثة ظاهرة تاريخية، مشروطة بعوامل عدة، مرتبطة بأزمنة وأمكنة وتجارب كل مجتمع على حدة. حتى إن النهضة الأوروبية التي أعلنت ميلاد عقل أوروبي حداثي، لها ظروفها وأسبابها التي من المستحيل إسقاطها على مجتمعات لها من الخصوصية الثقافية والمعرفية ما لها. 
 وحتى لو سلمنا بنجاح التجربة الأوروبية، ومن ثمة التشبث بها تجربة نبني عليها مشاريعنا النهضوية، فعلينا ألا ننسى، أن مشروع النهضة/الحداثة الغربية، كان بانتفاضة العقل الأوروبي ضد التقليد، ورفضه لكل وصاية من شأنها الزج به في عوالم معزولة عن واقعه، وهمومه، واحتياجاته. ولربما هذا ما جعل من مطلب العودة إلى التراث، مطلبا نهضويا. فأزمتنا الحضارية هي نتاج تراكمات ماض لازالت تشغل حيزا مهما في لاشعور أمة تعاني قلقا حضاريا. انطلاقا من هذا المعطى المركب كان اهتمامي بالطرح الجابري، الذي أكد أن التراث جزء محوري ضمن بنية الشخصية العربية-المسلمة، ووسيلة لتحديد هويتها الثقافية. ومن ثم ضرورة التبني الواعي للتراث، لأنه الكفيل بجعلنا نتحدث لغة الحاضر والتأسيس لرؤى مستقبلية، قد تجعل من مشروع النهضة العربية، مشروع وجود أكثر منه رد فعل تجاه هيمنة الغرب.
س3:دشن العرب عصر التدوين وكان انفتاح العقل العربي الاسلامي على منتجات الاخر الفكرية والحضارية الى اي مدى تاثر التفكير الاسلامي بالاخر وما هي مخلفاته الفكرية على مستوى أدوات التحليل لفهم الكون انطلاقا من النص الديني 
يحيلنا"عصر التدوين"، كما هو معروف، على لحظة تشكل ملامح الثقافة العربية-الإسلامية. أو بتعبير المفكر"محمد عابد الجابري"،رحمه الله،"عصر البناء الثقافي العام في التجربة الحضارية الإسلامية، وهو العصر الذي يمتد زمنيا بين منتصف القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث للهجرة ليشكل الإطار المرجعي للفكر العربي بمختلف ميادينه.".
علاقة الأنا بالآخر معرفيا، تتحدد كما هو معروف بعلاقة دار الإسلام بالفكر الفلسفي اليوناني، هذا الأخير الذي فتح أبوابا جديدة للمعرفة الإنسانية، لكنه عانى الرفض بدار الإسلام خاصة من طرف الفقهاء الدينيين.
 لقد تجاوزت الفلسفة بجرأة نظرياتها وإشكالياتها الحدود التي رسمها الفقيه الديني للعقل الإسلامي آنذاك.ويمكننا القول أن التفكير الفلسفي هدد سكون النص الديني، واجتهاد الفقيه والسياسي. وتحولت لحظة الترجمة التي نادى بها المأمون العباسي، إلى بداية حرب مفتوحة بين الفيلسوف المسلم والفقيه الديني. وتحول فعل التفلسف من إعمال العقل لفهم الكون عند اليونان إلى وسيلة لإثبات شرعية اعتماد العقل للتفكر في ملكوت الله عز وجل. وبطرح إشكالية العقل والنقل في هذا الصراع، سيكون"آخر" الأنا، "الأنا" ذاتها التي ستعيش حالة تشظي بين حرية التفكير ولعنة التكفير.
 المفارقة أيضا، أن الفلسفة الإسلامية،ستتحدد بكونها فكر مركب اشتركت فيه الأنا المسلمة مع الآخرين باختلاف أجناسهم ومعتقداتهم بدار الإسلام. لكن هذا لن ينفي أثر الفكر الفلسفي اليوناني على الإنتاجات المعرفية لدار الإسلام وللمسلمين على وجه الخصوص؛ فهذا الانفتاح ساعد في ظهور الفنون النظرية والعلوم الدينية، بتعبير"ابن خلدون"، الذي أكد في مقدمته أن الكلام" ارتفع إلى مستوى العلم،بعدما تبلورت قضاياه وتحددت وصار التكلم فيها بمنهج وفي إطار مذهب نضجت فيه المقالات...". ويمكننا القول إن علم الكلام ساعد في مقاربة النص الديني القرآني بالعقل ما فتح الباب أمام تعقل قضايا عقدية عدة،أهمها: سؤال الحرية والجبر، العدالة الإنسانية، القضاء والقدر...،وغيرها من القضايا التي حركت سكون النصوص الدينية. وبالرغم من الصراع الشهير بين"دعاة العقل ودعاة النقل". وبالرغم من موقف الفقهاء الدينيين من الفلسفة التي ظلت بالنسبة إليهم الوافد الذي يستهدف بنيان الأمة العقدي. إلا أن هذا لم يمنع من الكشف عن معقولية الخطاب القرآني التي لم تبق حبيسة الحرف.
س4 هل نمتلك اليوم ادبيات قبول الاخرمن نفس الدائرة المعرفية والمرجعية او من خارجها اذ اثبتنا سلفا ان الأنا قديما اقصى الاخر داخل نفس المرجعية فما بالك بمن هم خارج الدائرة؟
 رؤية الأنا للآخر وموقفها منه، هي ترجمة للحمولة الدينية-الأخلاقية لهذه الأنا. والإشكال أن هذه الحمولة يمتزج فيها التمثل والأحكام المسبقة المستندة إلى صراعات غالبها سياسي-عسكري...،صراعات غلفت بغطاء ديني فيما يسمى الحروب الدينية. فبقي إرث مشوه لهذه العلاقة الجدلية بين الأنا والآخر.
 إن نحن قاربنا الموقف الديني-الأخلاقي المؤسس على النص الديني القرآني، للآخر حقوق علينا أكيد. لقد كان موقف الإسلام واضحا في قضية الاختلاف مع الآخر خاصة على مستوى العقيدة،يقول سبحانه وتعالى،{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}(العنكبوت،الآية:46). وأيضا في قيام الوجود ككل على سنة الاختلاف:{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}(الروم،الآية:22).
 والآيات المؤسسة لعلاقتنا بالآخر كثيرة، كذلك السنة النبوية. بما معناه أن موقف الأنا من الآخر السلبي مرتبط بفهم الأنا الخاص وتمثلها لطبيعة هذه العلاقة.
 أما الشق المرتبط بتنظيرنا لهذه العلاقة من داخل أو خارج نسقنا الديني أو الثقافي،فلا أعتقد أن قيم التعايش والسلم والإيمان بحق الآخر، تختلف بين الأديان والمعتقدات بل وكل المرجعيات القيمية-الأخلاقية. وهذا هو المشترك الذي تراهن عليه إرادة الخير لأجل احتواء مزالق ثقافة رفض الآخر ونبذه. وبلغة القرآن الكريم الرهان على التكريم الذي منحنا إياه الله عزو جل:{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا})الإسراء:الآية:70).الكرامة الإنسانية لا تعترف بالتمييز القائم على اللون أو العرق أو الدين...،صحيح أن آخر الأنا المسلمة هو كل من لا يدين بدين الإسلام، إلا أن النص الديني القرآني استحضر هذا المختلف عقديا وحدد شروط التعامل معه في إطار صون الكرامة الإنسانية، والتأسيس لقيم السلم والتعايش. ما نراه من تشدد في العامل مع الآخر من طرف البعض هو نتاج تمثلات تختزل الآخر في ثنائية كفر/إيمان. 
س5الملل والنحل في الحضارة الاسلامية  كيف تقرا الباحثةالمسالة التي انطلقت من الخلاف السياسي حتى تجاوزته للخلاف الفكري والعقائدي وما هو دور المعتزلة وشيوخها كواصل بن عطاء و أبو الهذيل العلاف وغيرهما في تقديم تصورات  مستنيرة في التفكير الاسلامي 
 ونحن نثير سؤال الملل والنحل، لنا أن نقف عند مقاربة"الشهرستاني"، لأصل كل الخلافات السياسية التي هزت بنية الأمة الإسلامية، وهو الصراع حول الخلافة. يذك "الشهرستاني في الملل والنحل ما يلي:" انقسمت الخلافات بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى قسمين: أحدهما الاختلاف في الإمامة، والثاني الاختلاف في الأصول، وكان الاختلاف في الإمامة على وجهين:
 -أحدهما: القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار.
-الثاني: القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين...".
 إن لاحظتم كان الخلاف السياسي العنوان الأبرز في تاريخ الأمة الإسلامية الفكري على الخصوص. فقد تداخل الديني بالسياسي لينقسم المسلمون شيعا وأحزابا.سيتحول هنا التأويل إلى سلاح لرد دعوى الخصوم،بل ذهب البعض إلى حد تطويع النص الديني لدعم دعواه.
هذا الواقع المرير لم يمنع ظهور مباحث ومدارس نهلت من المنطق الأرسطي لتعرف عوالم المسلمين الفكرية ما سيعرف بالبحث الحر، نزد على هذا دور المعتزلة في التوفيق بين العقلانية اليونانية وجوهر الإيمان القائم على التوحيد والتصديق. هذه البدايات كانت نقطة انطلاق فكر فلسفي إسلامي. صحيح كان بملامح دينية، لكن هذا راجع لخصوصية الخلفية المعرفية والعقدية للفيلسوف المسلم. وهذا لا يتعارض ومبدأ عقلنة الوجودنا.
 
س6 جدلية النقل والعقل هل عطلت افق التحرروتقديم رؤية جديدة للنص الديني 
إشكالية العقل والنقل تعد العنوان الأبرز للفكر الفلسفي الإسلامي،ومن هنا الصراع النظري بين دعاة الانتصار لحرفية النص الديني، ودعاة الانتصار لإعمال العقل. 
فإلى جانب هاجس وضع تعاقد سياسي يمتص الخلافات التي بزغت نتيجة أزمة الخلافة، كان على المفكر المسلم، الاجتهاد لأجل حل إشكالية العلاقة بين المسلم-الإنسان وفهم أبعاد النص الديني خارج الحرفية. ولنا أن نستحضر ما قال به المفكر"محمد أركون"، من أنه يكفي أن نقول فكرا إسلاميا، أو فلسفة إسلامية، كي تحضر تلك الثنائيات المفاهيمية التي خلقتها المعارك الفكرية الحامية التي جرت بين مختلف الفرق الإسلامية، من مثل: علوم دينية/علوم عقلية، أو تقليديين/عقلانيين، أو حنابلة دوغمائيين/معتزلة عقلانيين...
من هنا كانت مسألة العلاقة بين الحكمة والشريعة من المسائل الكبرى التي طرحت بدار الإسلام. ولا يمكننا القول إنها عطلت أفق التحرر بل استحثت العقل الإسلامي، بدليل ما قدمه الفلاسفة المسلمون، من مثل الفيلسوف الكبير"ابن رشد"، الذي عمل على إبراز وحدة الحقيقة بين الفلسفة والشريعة. لقد قام مشروعه على تأكيد التوافق بين الفلسفة والشريعة، بين العقل والوحي، باعتبارهما المصدرين الأساسين للحقيقة. ولما كانت بعض الآيات لا يمكن حملها على الظاهر، ولما كان التعارض ممكنا بين ما قد يؤدي إليه البرهان وظاهر الشرع، فإن ذلك الظاهر يقبل التأويل حسب"ابن رشد"، على قانون التأويل العربي، كما أشار إلى ذلك في مؤلفه" فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال"؛ فقبل حديثه عن جواز التأويل استنادا إلى دليل شرعي، يحيلنا"ابن رشد" على المقاربة العربية لمفهوم التأويل، في إشارة منه على موقفه من تأويل المتكلمين الذي عمق فجوة الشقاق بين المسلمين، وجعلهم شيعا ومذاهب.
 من هنا يمكننا القول ان هذا الصراع كان وراء الإنتاجات الفلسفية التي أكدت أن إعمال العقل مقصد من مقاصد الشريعة.
س 7يجد الفكر الداعشي مرتكزات فكرية ونظرية في القديم ماهي وكيف يمكن دحضها بالقديم ايضا؟
 الفكر الداعشي، فكر متشدد، والفكر المتشدد ظاهرة كونية، تستند إلى فهم ضيق لأفق النص الديني عموما ليس فقط النص الديني القرآني. ثم إن ما يميز الإسلام السياسي، هو أدلجة النص الديني القرآني لتبرير مواقفه وحروبه. والحرب باسم الدين ليست ظاهرة جديدة على الأمة الإسلامية. ولنا أن نقف عند حروب الخلافة بالرغم من الرصيد الإيماني للخلفاء.
 هي إذن أزمة أفهام. والخطير دائما، عندما تعلن الحرب باسم الدين، لا رادع لتداعياتها. في التجربة الإسلامية اختفت أخلاق الإسلام السمح، لتحل محلها أخلاق المصالح، وعودة منطق القبيلة والانتماء. فكان آخر المسلم المتشدد ليس فقط غير المسلم أو المختلف عقديا، بل أيضا المسلم المتسامح المؤمن بحق الآخر في الاختلاف خاصة على مستوى العقيدة.
 الظاهرة الداعشية، هي ككل الظواهر المتشددة، وبرؤية آنية لنا أن نقول إنها نتاج وضع حضاري متأزم، ورغبة في استرجاع المكانة الحضارية للمسلمين مع غياب رؤية واضحة واستراتيجية معرفية وسياسية واقتصادية. من هنا كان هذا النموذج التكفيري الذي اختار الانتحار الحضاري عوض نقد الذات والإيمان بحق الآخر/المختلف في الوجود وفي حرية المعتقد وفي حسن التواجد الحضاري.
لهذا مطالبون نحن بالوقوف عند البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي انتصر لإنسانية الإنسان عموما وأعلى من قيمته، وأسس لثقافة حقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات. يقول سبحانه وتعالى{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء،الآية:70).أيضا حارب الإسلام الوصاية الدينية:{لا إكراه في الدين}. 
 فيكفي أن نعود بأفهامنا إلى البعد الإنساني للدين سيتبدى لنا جليا زيف الفكر المتشدد الذي يراهن في تعبئته لشبابنا على حب الناس لله عز وجل وللدين عموما لأنه وسيلتنا لتجاوز حالة التيه الوجودي.
 
 حاورها:طارق العمراوي
279790959_368973431840921_5408296244826537419_n.jpg
 
279521003_516416106685720_5986852900219992996_n.jpg
 
 
  مع الباحثة الدكتورة بشرى اقليش:  مشروع النهضة أو الحداثة الغربية، كان بانتفاضة العقل الأوروبي ضد التقليد..
لقد تجاوزت الفلسفة بجرأة نظرياتها وإشكالياتها الحدود التي رسمها الفقيه الديني للعقل
الإسلامي آنذاك.ويمكننا القول أن التفكير الفلسفي هدد سكون النص الديني
 
 
وأنت تتنقل بين كتب الدكتورة بشرى اقليش " الحداثة ونقد نظم المعرفة في الثقافة العربية الإسلامية" و" قيم الحداثة  في القرآن الكريم" و " الإسلام السياسي ودولة الخلافة" تستوقفك باحثة متمكنة من التحليل العلمي والحفر المعرفي بأدوات منهجية ومعرفية تقوم بالغوص في أعماق الفكرة والتصورات التي حكمت عقلية وعقلانية القرون الماضية والحاضر المعاصر بل حاولت تقديم تصورها الذي يراكم التجارب العربية التي حاولت قراءة هذا التراث وهذا الكم المعرفي المختلف المشارب والمداخل المعرفية لتنضاف إلى تجارب محمد أركون ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي والطيب التيزيني وغيرهم 
س1: ماذا يمكن ان تضيفيه على هذه المقدمة ليتعرف عليك جمهور القراء هنا وهناك؟
بداية أشكركم على هذه الدعوة الكريمة التي أتاحت لي فرصة التواصل معكم ومع جمهور القراء الأعزاء.
 وكل الشكر أيضا على هذا التقديم الذي أتمنى أن أكون أهلا له يوما.
 ما يمكن أن أضيفه إلى جانب أنني باحثة في سؤال التراث والحداثة، وسؤال النقل والعقل في الفكر الإسلامي، إنني أيضا باحثة في سؤال الحوار الديني والحضاري. أسعى جاهدة لتحصيل ما يمكنني من المساهمة في تكريس ثقافة السلم والتعايش والقبول بالآخر، استنادا إلى المشترك الإنساني. وهي الاستراتيجية الإنسانية التي من خلالها يمكننا مواجهة استراتيجية القتل ومصادرة حق الاختلاف، التي اختارتها الجماعات المتشددة، حتى أصبحنا نرى شباب الأمة يتهافتون على الموت عوض الحياة، وعلى الهدم عوض البناء.
 نريد رؤية جديدة قوامها الأمل في مستقبل أحسن لأن شبابنا يستحق أن يغادر خانة الإحباط والأزمات النفسية، وخيبات الأمل والضبابية التي تسم تطلعاته نحو المستقبل.
س2: يقول محمد عابد الجابري في كتابه الخطاب العربي المعاصر" يبدو انه من المستحيل علينا نحن العرب ان نجد طريق المستقل ما لم نجد طريق الماضي" ومن هنا كانت حفريات كبار المفكرين العرب في هذا التراث  أمثال محمد اركون والطيب التيزيني  والجابري وحنفي  كيف تقييمين القراءات العربية  المعاصرة من حيث المداخل المنهجية ومن حيث نتائجها؟
كانت دعوة المفكر"محمد عابد الجابري"، رحمه الله، إلى"الانتظام النقدي في الثقافة العربية الإسلامية ذاتها، بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل"، بحسب تعبيره، لأجل تحقيق حداثة عربية، تحمل خصوصية المجتمع العربي، حداثة منهج وحداثة رؤية،يقول رحمه الله، قادرة على تحرير تصورنا للتراث من "البطانة الإيديولوجية والوجدانية التي تضفي عليه داخل وعينا طابع العام والمطلق وتنزع عنه طابع النسبية والتاريخية.  ولأن الحداثة حسب محمد عابد الجابري دائما، هي رسالة ونزوع من أجل التحديث تحديث الذهنية، تحديث المعايير العقلية والوجدانية، ولأن الثقافة العربية ثقافة تراثية، فإن خطاب الحداثة فيها يجب أن يتجه أولا نحو:"عصرنة التراث، والارتفاع به إلى مستوى المعاصرة" ومن ثم مواكبة التقدم العالمي.
 في ما يتعلق بسؤالكم حول تقييمي للمشاريع النهضوية، لست أهلا لهذه المهمة ، فهي مشاريع ضخمة وأنا لازلت أتلمس طريق المعرفة بالنهل من هذه الإنتاجات القيمة. لهذا لي أن أقول من خلال تجربتي واشتغالاتي، إنه فعلا لا نهضة دون عودة واعية إلى تراثنا العربي الإسلامي، عودة تختزل زمن اللافهم للتراث في خطوة جريئة أساسها منهج ورؤية علميين، قادريين على احتواء أزمة اللاتواصل بيننا وبين معطياتنا التراثية. وإذ فشلت المجتمعات العربية الإسلامية في تحقيق نهضة حضارية، فإن أسباب الفشل تعود بالأساس إلى أن مشروع الحداثة العربية، لم يخرج عن شكلين إثنين:  إما الهروب إلى الماضي، وتغييب معطيات الحاضر وخصوصيته، أو إسقاط الحداثة الأوروبية بكل خصوصياتها على الواقع العربي. وهذا ما جعل مشروع النهضة، مشروعا مستحيلا، لأنه منفصل عن واقع الأمة وعن معطياتها الوجودية. فالحداثة ظاهرة تاريخية، مشروطة بعوامل عدة، مرتبطة بأزمنة وأمكنة وتجارب كل مجتمع على حدة. حتى إن النهضة الأوروبية التي أعلنت ميلاد عقل أوروبي حداثي، لها ظروفها وأسبابها التي من المستحيل إسقاطها على مجتمعات لها من الخصوصية الثقافية والمعرفية ما لها. 
 وحتى لو سلمنا بنجاح التجربة الأوروبية، ومن ثمة التشبث بها تجربة نبني عليها مشاريعنا النهضوية، فعلينا ألا ننسى، أن مشروع النهضة/الحداثة الغربية، كان بانتفاضة العقل الأوروبي ضد التقليد، ورفضه لكل وصاية من شأنها الزج به في عوالم معزولة عن واقعه، وهمومه، واحتياجاته. ولربما هذا ما جعل من مطلب العودة إلى التراث، مطلبا نهضويا. فأزمتنا الحضارية هي نتاج تراكمات ماض لازالت تشغل حيزا مهما في لاشعور أمة تعاني قلقا حضاريا. انطلاقا من هذا المعطى المركب كان اهتمامي بالطرح الجابري، الذي أكد أن التراث جزء محوري ضمن بنية الشخصية العربية-المسلمة، ووسيلة لتحديد هويتها الثقافية. ومن ثم ضرورة التبني الواعي للتراث، لأنه الكفيل بجعلنا نتحدث لغة الحاضر والتأسيس لرؤى مستقبلية، قد تجعل من مشروع النهضة العربية، مشروع وجود أكثر منه رد فعل تجاه هيمنة الغرب.
س3:دشن العرب عصر التدوين وكان انفتاح العقل العربي الاسلامي على منتجات الاخر الفكرية والحضارية الى اي مدى تاثر التفكير الاسلامي بالاخر وما هي مخلفاته الفكرية على مستوى أدوات التحليل لفهم الكون انطلاقا من النص الديني 
يحيلنا"عصر التدوين"، كما هو معروف، على لحظة تشكل ملامح الثقافة العربية-الإسلامية. أو بتعبير المفكر"محمد عابد الجابري"،رحمه الله،"عصر البناء الثقافي العام في التجربة الحضارية الإسلامية، وهو العصر الذي يمتد زمنيا بين منتصف القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث للهجرة ليشكل الإطار المرجعي للفكر العربي بمختلف ميادينه.".
علاقة الأنا بالآخر معرفيا، تتحدد كما هو معروف بعلاقة دار الإسلام بالفكر الفلسفي اليوناني، هذا الأخير الذي فتح أبوابا جديدة للمعرفة الإنسانية، لكنه عانى الرفض بدار الإسلام خاصة من طرف الفقهاء الدينيين.
 لقد تجاوزت الفلسفة بجرأة نظرياتها وإشكالياتها الحدود التي رسمها الفقيه الديني للعقل الإسلامي آنذاك.ويمكننا القول أن التفكير الفلسفي هدد سكون النص الديني، واجتهاد الفقيه والسياسي. وتحولت لحظة الترجمة التي نادى بها المأمون العباسي، إلى بداية حرب مفتوحة بين الفيلسوف المسلم والفقيه الديني. وتحول فعل التفلسف من إعمال العقل لفهم الكون عند اليونان إلى وسيلة لإثبات شرعية اعتماد العقل للتفكر في ملكوت الله عز وجل. وبطرح إشكالية العقل والنقل في هذا الصراع، سيكون"آخر" الأنا، "الأنا" ذاتها التي ستعيش حالة تشظي بين حرية التفكير ولعنة التكفير.
 المفارقة أيضا، أن الفلسفة الإسلامية،ستتحدد بكونها فكر مركب اشتركت فيه الأنا المسلمة مع الآخرين باختلاف أجناسهم ومعتقداتهم بدار الإسلام. لكن هذا لن ينفي أثر الفكر الفلسفي اليوناني على الإنتاجات المعرفية لدار الإسلام وللمسلمين على وجه الخصوص؛ فهذا الانفتاح ساعد في ظهور الفنون النظرية والعلوم الدينية، بتعبير"ابن خلدون"، الذي أكد في مقدمته أن الكلام" ارتفع إلى مستوى العلم،بعدما تبلورت قضاياه وتحددت وصار التكلم فيها بمنهج وفي إطار مذهب نضجت فيه المقالات...". ويمكننا القول إن علم الكلام ساعد في مقاربة النص الديني القرآني بالعقل ما فتح الباب أمام تعقل قضايا عقدية عدة،أهمها: سؤال الحرية والجبر، العدالة الإنسانية، القضاء والقدر...،وغيرها من القضايا التي حركت سكون النصوص الدينية. وبالرغم من الصراع الشهير بين"دعاة العقل ودعاة النقل". وبالرغم من موقف الفقهاء الدينيين من الفلسفة التي ظلت بالنسبة إليهم الوافد الذي يستهدف بنيان الأمة العقدي. إلا أن هذا لم يمنع من الكشف عن معقولية الخطاب القرآني التي لم تبق حبيسة الحرف.
س4 هل نمتلك اليوم ادبيات قبول الاخرمن نفس الدائرة المعرفية والمرجعية او من خارجها اذ اثبتنا سلفا ان الأنا قديما اقصى الاخر داخل نفس المرجعية فما بالك بمن هم خارج الدائرة؟
 رؤية الأنا للآخر وموقفها منه، هي ترجمة للحمولة الدينية-الأخلاقية لهذه الأنا. والإشكال أن هذه الحمولة يمتزج فيها التمثل والأحكام المسبقة المستندة إلى صراعات غالبها سياسي-عسكري...،صراعات غلفت بغطاء ديني فيما يسمى الحروب الدينية. فبقي إرث مشوه لهذه العلاقة الجدلية بين الأنا والآخر.
 إن نحن قاربنا الموقف الديني-الأخلاقي المؤسس على النص الديني القرآني، للآخر حقوق علينا أكيد. لقد كان موقف الإسلام واضحا في قضية الاختلاف مع الآخر خاصة على مستوى العقيدة،يقول سبحانه وتعالى،{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}(العنكبوت،الآية:46). وأيضا في قيام الوجود ككل على سنة الاختلاف:{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}(الروم،الآية:22).
 والآيات المؤسسة لعلاقتنا بالآخر كثيرة، كذلك السنة النبوية. بما معناه أن موقف الأنا من الآخر السلبي مرتبط بفهم الأنا الخاص وتمثلها لطبيعة هذه العلاقة.
 أما الشق المرتبط بتنظيرنا لهذه العلاقة من داخل أو خارج نسقنا الديني أو الثقافي،فلا أعتقد أن قيم التعايش والسلم والإيمان بحق الآخر، تختلف بين الأديان والمعتقدات بل وكل المرجعيات القيمية-الأخلاقية. وهذا هو المشترك الذي تراهن عليه إرادة الخير لأجل احتواء مزالق ثقافة رفض الآخر ونبذه. وبلغة القرآن الكريم الرهان على التكريم الذي منحنا إياه الله عزو جل:{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا})الإسراء:الآية:70).الكرامة الإنسانية لا تعترف بالتمييز القائم على اللون أو العرق أو الدين...،صحيح أن آخر الأنا المسلمة هو كل من لا يدين بدين الإسلام، إلا أن النص الديني القرآني استحضر هذا المختلف عقديا وحدد شروط التعامل معه في إطار صون الكرامة الإنسانية، والتأسيس لقيم السلم والتعايش. ما نراه من تشدد في العامل مع الآخر من طرف البعض هو نتاج تمثلات تختزل الآخر في ثنائية كفر/إيمان. 
س5الملل والنحل في الحضارة الاسلامية  كيف تقرا الباحثةالمسالة التي انطلقت من الخلاف السياسي حتى تجاوزته للخلاف الفكري والعقائدي وما هو دور المعتزلة وشيوخها كواصل بن عطاء و أبو الهذيل العلاف وغيرهما في تقديم تصورات  مستنيرة في التفكير الاسلامي 
 ونحن نثير سؤال الملل والنحل، لنا أن نقف عند مقاربة"الشهرستاني"، لأصل كل الخلافات السياسية التي هزت بنية الأمة الإسلامية، وهو الصراع حول الخلافة. يذك "الشهرستاني في الملل والنحل ما يلي:" انقسمت الخلافات بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى قسمين: أحدهما الاختلاف في الإمامة، والثاني الاختلاف في الأصول، وكان الاختلاف في الإمامة على وجهين:
 -أحدهما: القول بأن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار.
-الثاني: القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين...".
 إن لاحظتم كان الخلاف السياسي العنوان الأبرز في تاريخ الأمة الإسلامية الفكري على الخصوص. فقد تداخل الديني بالسياسي لينقسم المسلمون شيعا وأحزابا.سيتحول هنا التأويل إلى سلاح لرد دعوى الخصوم،بل ذهب البعض إلى حد تطويع النص الديني لدعم دعواه.
هذا الواقع المرير لم يمنع ظهور مباحث ومدارس نهلت من المنطق الأرسطي لتعرف عوالم المسلمين الفكرية ما سيعرف بالبحث الحر، نزد على هذا دور المعتزلة في التوفيق بين العقلانية اليونانية وجوهر الإيمان القائم على التوحيد والتصديق. هذه البدايات كانت نقطة انطلاق فكر فلسفي إسلامي. صحيح كان بملامح دينية، لكن هذا راجع لخصوصية الخلفية المعرفية والعقدية للفيلسوف المسلم. وهذا لا يتعارض ومبدأ عقلنة الوجودنا.
 
س6 جدلية النقل والعقل هل عطلت افق التحرروتقديم رؤية جديدة للنص الديني 
إشكالية العقل والنقل تعد العنوان الأبرز للفكر الفلسفي الإسلامي،ومن هنا الصراع النظري بين دعاة الانتصار لحرفية النص الديني، ودعاة الانتصار لإعمال العقل. 
فإلى جانب هاجس وضع تعاقد سياسي يمتص الخلافات التي بزغت نتيجة أزمة الخلافة، كان على المفكر المسلم، الاجتهاد لأجل حل إشكالية العلاقة بين المسلم-الإنسان وفهم أبعاد النص الديني خارج الحرفية. ولنا أن نستحضر ما قال به المفكر"محمد أركون"، من أنه يكفي أن نقول فكرا إسلاميا، أو فلسفة إسلامية، كي تحضر تلك الثنائيات المفاهيمية التي خلقتها المعارك الفكرية الحامية التي جرت بين مختلف الفرق الإسلامية، من مثل: علوم دينية/علوم عقلية، أو تقليديين/عقلانيين، أو حنابلة دوغمائيين/معتزلة عقلانيين...
من هنا كانت مسألة العلاقة بين الحكمة والشريعة من المسائل الكبرى التي طرحت بدار الإسلام. ولا يمكننا القول إنها عطلت أفق التحرر بل استحثت العقل الإسلامي، بدليل ما قدمه الفلاسفة المسلمون، من مثل الفيلسوف الكبير"ابن رشد"، الذي عمل على إبراز وحدة الحقيقة بين الفلسفة والشريعة. لقد قام مشروعه على تأكيد التوافق بين الفلسفة والشريعة، بين العقل والوحي، باعتبارهما المصدرين الأساسين للحقيقة. ولما كانت بعض الآيات لا يمكن حملها على الظاهر، ولما كان التعارض ممكنا بين ما قد يؤدي إليه البرهان وظاهر الشرع، فإن ذلك الظاهر يقبل التأويل حسب"ابن رشد"، على قانون التأويل العربي، كما أشار إلى ذلك في مؤلفه" فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال"؛ فقبل حديثه عن جواز التأويل استنادا إلى دليل شرعي، يحيلنا"ابن رشد" على المقاربة العربية لمفهوم التأويل، في إشارة منه على موقفه من تأويل المتكلمين الذي عمق فجوة الشقاق بين المسلمين، وجعلهم شيعا ومذاهب.
 من هنا يمكننا القول ان هذا الصراع كان وراء الإنتاجات الفلسفية التي أكدت أن إعمال العقل مقصد من مقاصد الشريعة.
س 7يجد الفكر الداعشي مرتكزات فكرية ونظرية في القديم ماهي وكيف يمكن دحضها بالقديم ايضا؟
 الفكر الداعشي، فكر متشدد، والفكر المتشدد ظاهرة كونية، تستند إلى فهم ضيق لأفق النص الديني عموما ليس فقط النص الديني القرآني. ثم إن ما يميز الإسلام السياسي، هو أدلجة النص الديني القرآني لتبرير مواقفه وحروبه. والحرب باسم الدين ليست ظاهرة جديدة على الأمة الإسلامية. ولنا أن نقف عند حروب الخلافة بالرغم من الرصيد الإيماني للخلفاء.
 هي إذن أزمة أفهام. والخطير دائما، عندما تعلن الحرب باسم الدين، لا رادع لتداعياتها. في التجربة الإسلامية اختفت أخلاق الإسلام السمح، لتحل محلها أخلاق المصالح، وعودة منطق القبيلة والانتماء. فكان آخر المسلم المتشدد ليس فقط غير المسلم أو المختلف عقديا، بل أيضا المسلم المتسامح المؤمن بحق الآخر في الاختلاف خاصة على مستوى العقيدة.
 الظاهرة الداعشية، هي ككل الظواهر المتشددة، وبرؤية آنية لنا أن نقول إنها نتاج وضع حضاري متأزم، ورغبة في استرجاع المكانة الحضارية للمسلمين مع غياب رؤية واضحة واستراتيجية معرفية وسياسية واقتصادية. من هنا كان هذا النموذج التكفيري الذي اختار الانتحار الحضاري عوض نقد الذات والإيمان بحق الآخر/المختلف في الوجود وفي حرية المعتقد وفي حسن التواجد الحضاري.
لهذا مطالبون نحن بالوقوف عند البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي انتصر لإنسانية الإنسان عموما وأعلى من قيمته، وأسس لثقافة حقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات. يقول سبحانه وتعالى{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}(الإسراء،الآية:70).أيضا حارب الإسلام الوصاية الدينية:{لا إكراه في الدين}. 
 فيكفي أن نعود بأفهامنا إلى البعد الإنساني للدين سيتبدى لنا جليا زيف الفكر المتشدد الذي يراهن في تعبئته لشبابنا على حب الناس لله عز وجل وللدين عموما لأنه وسيلتنا لتجاوز حالة التيه الوجودي.
 
 حاورها:طارق العمراوي
279790959_368973431840921_5408296244826537419_n.jpg
 
279521003_516416106685720_5986852900219992996_n.jpg
 
 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews