إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أبو القاسم الشابي.. الشجرة التي امتدت عاليا فحجبت غابة الذين أتوا من بعده

تونس – الصباح

جميل ان تهتم الدولة بمبدعيها وفنانيها وجميل ان تعلي من شان قامات مديدة في كتابة اجناس ابداعية تتباهي بها بين الدول وتتفاخر، ولكن الاجمل من ذلك هو ان تكون الدولة عادلة في توزيع اهتمامها بين كل المبدعين الذين ماتوا  وبين الاحياء في ما بينهم وبين الاحياء والأموات ايضا.

والأجمل من ذلك على الاطلاق هو تنسيب الاهتمام وان لا تهتم بالأموات لدرجة تجعلها لا تتفطن لوجود قامات ابداعية وبحثية تعاصرنا وتحتاج الى الرعاية والاهتمام والتكريم والتبجيل قبل ان تفارقنا الى عالم افضل وفي القلب غصة وعلى اللسان مقولة علي الدعاجي "عاش يتمنى في عنبة مات علقوا له عنقود ما يسعد فنان الغلبة كان من تحت اللحود ".                                                        

ما يدعو الى هذه الملاحظة هو اهتمام تونس منذ سنة 1955 بالشاعر ابو القاسم الشابي – دون غيره من الشعراء الذين عاصروه والذين اتوا بعده- وهو الذي  لم ينشر في حياته القصيرة الا كتابه " الخيال الشعري عند العرب". وطبع ديوانه " اغاني الحياة " مرة اولى سنة 1955 ومرة ثانية سنة 1966 وطبعت اعماله الكاملة سنة 1994 ..كما حرص ورثته بدعم من الدولة ايضا على تحقيق البعض من تراثه ومخطوطاته مما نتج عنه طبع كتاب " ظلال النخيل " وهي مجموعة نصوص شعرية ونثرية ورسائل كتبها الشابي بقلم الرصاص منذ قرابة التسعين سنة ولم يسبق نشرها حققها ونظمها ونشرها الدكتور علي الشابي في كتاب من 250 صفحة .

اهتمام متواصل وحضور مادي ومعنوي دائم

ومازال اهتمام تونس بهذا الشاعر متواصلا بحرص شديد من ورثته وجمعية "الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية "حيث يتم حاليا الاعداد لإنشاء " دار ابي القاسم الشابي" بالاشتراك بين وزارة الشؤون الثقافية وعدد من الوزارات كوزارة السياحة وعدد من جمعيات المجتمع المدني ومتحف خاص به يضاف الى عدد من المتاحف التي تخصه في توزر وفي غيرها من الولايات وفي العاصمة .

وفي جلسة عقدتها مؤخرا وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي مع عدد من احفاد الشاعر كان اهم محور من محاورها الإعداد لإعادة بناء منزل أبي القاسم الشابي في المكان نفسه الذي عاش فيه قسطا من حياته، ليكون قبلة للإطلاع على عادات العيش آنذاك وكيفية تطوّر ملكة الشعر والإبداع لديه من ذلك المكان الذي ولد وعاش فيه.

وعلى حد علمنا مثل هذا المشروع موجود في توزر وقد حظي به ابو القاسم الشابي بعد استقلال تونس سواء في عهد الرئيس بورقيبة او زين العابدين بن علي او بعد سنة 2011 وتوجد وثائقه ومخطوطاته في متاحف ثابتة او متنقلة ومعارض وما يملكه احفاده من مخطوطات ورسائل ومسودّات جدهم يمكن اضافته الى هذه المتاحف ، لتتمكن وزارة الشؤون الثقافية والجهات المعنية من توجيه لفتة لعدد آخر من شعراء تونس الكبار الذين لم يحظوا باي لفتة ولا اهتمام حتى يخيل لنا ان تونس لم تنجب الا ابي القاسم الشابي .                                                                  

وهنا تحضرني فقرة من مقال بعنوان " الشابي بين الغابة والشجرة " كتبه الدكتور والشاعر المولدي فروج في جوان 2005 جاء فيها:"...الرأي الأول : أبو القاسم الشابي أقنع جميع القراء ومحبي الشعر ولم يقتنع به شعراء ما بعد الاستقلال.

الرأي الثاني: يتهمه بعض الشعراء بأنه التهم نصيبهم من الشعر ولم يترك لهم فرصة البروز.

عندما نقارن الرأيين يبرز لنا أبو القاسم الشابي شجرة امتدت عاليا فحجبت غابة الذين أتوا من بعده وامتهنوا الشعر... هذا صحيح وصحيح كذلك أن موت الشابي المبكر والحسرة عليه ساعدا في ظهور آراء وتكهنات وتنبؤات واحتمالات عديدة تصب كلها في تصور "هامة شعرية " للشابي أكبر من تلك التي تركها في النفوس وفي القصائد. ويمكننا أن نسأل هنا : ماذا لو أن الشابي عاش أطول فعاشر الاستقلال وما بعده؟."                                                                              

 طبعا لا نقصد بالاستشهاد بهذه الفقرة التقليل من شان شاعرنا هذا بل نقصد انه لا بد من ان يلقى مجايلوه ومعاصروه ومن اتوا بعده من الشعراء الاهتمام لنضيف له خصلة انه كان قدوة ومثالا نسج على منواله وتتلمذ على اشعاره من جاء بعده من الشعراء.

تونس ولّادة والاهتمام العادل بشعرائها واجب

اليست تونس ولادة وقادرة على انجاب المزيد من الشعراء والمبدعين لماذا يقتصر كل اهتمامنا على شاعر وحيد نال نصيب كل الاسود من الاهتمام ومازال احفاده يطالبون له بالمزيد في حين ان شعراء كثيرون لا تكاد تذكر اسماؤهم وهم من الشعراء الافذاذ ومن بينهم يمكن ان نذكر مثلا سعيد أبو بكر والشاذلي عطاء اهلف  والشاذلي خزندار( امير الشعراء) والميداني بن صالح ومنور صمادح ومصطفى خريف وعبد الحميد خريف واحمد اللغماني وجعفر ماجد ومحي الدين خريف والطاهر الهمامي وجلال الدين النقاش... نحن نعرف ان سلطة وحكام ما بعد الاستقلال تعمدوا تضخيم ابو القاسم الشابي لأنه ميت وقتلوا بذاك التضخيم من عاشوا بعده من الشعراء المبدعين مثل الشاعر منور صمادح الذي لم يلتحق بركابهم ولم يكن جزء من منظومتهم ومات فقيرا معدما رافضا للحياة وناكرا للسلطة ولم تجد اشعاره من يهتم بها من ذلك ان عددا كبيرا من المثقفين التونسيين لا يعرفونه .

بعد كل هذا الاهتمام الرسمي بالشاعر التونسي الكبير ابو القاسم الشابي وإدراج صوره على العملة التونسية وقصائده في التعليم الثانوي وفي التعليم العالي وتناول تجربته في اغلب الرسائل والاطروحات والبحوث الجامعية وبعد الاحتفاء به في تظاهرات شعرية وأدبية في كل ولايات الجمهورية وخاصة في مسقط رأسه توزر ومعتمدياتها والمناطق القريبة منها وفي الاماكن التي اختار العيش فيها من توزر التي درس فيها الابتدائي الى العاصمة التي تلقى فيها تعليمه الزيتوني الى عين دراهم التي سكنها في فترة نقاهة لم يبق لتونس الا ان تهتم بالمسكن الذي اقام به قرابة الشهرين عندما سافر الى الجزائر واستقر في المشروحة المدينة الجبلية ذات الموقع الخلاب والمناخ اللطيف المعتدل والقريبة من تونس والتي كانت موطن الحنانشة الذين لهم صلة تاريخية بالشابية .( الحديث عن مدينة المشروحة ورد في كتاب "ظلال النخيل" الذي حققه الدكتور علي الشابي).

علياء بن نحيلة

أبو القاسم  الشابي.. الشجرة التي امتدت عاليا فحجبت غابة الذين أتوا من بعده

تونس – الصباح

جميل ان تهتم الدولة بمبدعيها وفنانيها وجميل ان تعلي من شان قامات مديدة في كتابة اجناس ابداعية تتباهي بها بين الدول وتتفاخر، ولكن الاجمل من ذلك هو ان تكون الدولة عادلة في توزيع اهتمامها بين كل المبدعين الذين ماتوا  وبين الاحياء في ما بينهم وبين الاحياء والأموات ايضا.

والأجمل من ذلك على الاطلاق هو تنسيب الاهتمام وان لا تهتم بالأموات لدرجة تجعلها لا تتفطن لوجود قامات ابداعية وبحثية تعاصرنا وتحتاج الى الرعاية والاهتمام والتكريم والتبجيل قبل ان تفارقنا الى عالم افضل وفي القلب غصة وعلى اللسان مقولة علي الدعاجي "عاش يتمنى في عنبة مات علقوا له عنقود ما يسعد فنان الغلبة كان من تحت اللحود ".                                                        

ما يدعو الى هذه الملاحظة هو اهتمام تونس منذ سنة 1955 بالشاعر ابو القاسم الشابي – دون غيره من الشعراء الذين عاصروه والذين اتوا بعده- وهو الذي  لم ينشر في حياته القصيرة الا كتابه " الخيال الشعري عند العرب". وطبع ديوانه " اغاني الحياة " مرة اولى سنة 1955 ومرة ثانية سنة 1966 وطبعت اعماله الكاملة سنة 1994 ..كما حرص ورثته بدعم من الدولة ايضا على تحقيق البعض من تراثه ومخطوطاته مما نتج عنه طبع كتاب " ظلال النخيل " وهي مجموعة نصوص شعرية ونثرية ورسائل كتبها الشابي بقلم الرصاص منذ قرابة التسعين سنة ولم يسبق نشرها حققها ونظمها ونشرها الدكتور علي الشابي في كتاب من 250 صفحة .

اهتمام متواصل وحضور مادي ومعنوي دائم

ومازال اهتمام تونس بهذا الشاعر متواصلا بحرص شديد من ورثته وجمعية "الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية "حيث يتم حاليا الاعداد لإنشاء " دار ابي القاسم الشابي" بالاشتراك بين وزارة الشؤون الثقافية وعدد من الوزارات كوزارة السياحة وعدد من جمعيات المجتمع المدني ومتحف خاص به يضاف الى عدد من المتاحف التي تخصه في توزر وفي غيرها من الولايات وفي العاصمة .

وفي جلسة عقدتها مؤخرا وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي مع عدد من احفاد الشاعر كان اهم محور من محاورها الإعداد لإعادة بناء منزل أبي القاسم الشابي في المكان نفسه الذي عاش فيه قسطا من حياته، ليكون قبلة للإطلاع على عادات العيش آنذاك وكيفية تطوّر ملكة الشعر والإبداع لديه من ذلك المكان الذي ولد وعاش فيه.

وعلى حد علمنا مثل هذا المشروع موجود في توزر وقد حظي به ابو القاسم الشابي بعد استقلال تونس سواء في عهد الرئيس بورقيبة او زين العابدين بن علي او بعد سنة 2011 وتوجد وثائقه ومخطوطاته في متاحف ثابتة او متنقلة ومعارض وما يملكه احفاده من مخطوطات ورسائل ومسودّات جدهم يمكن اضافته الى هذه المتاحف ، لتتمكن وزارة الشؤون الثقافية والجهات المعنية من توجيه لفتة لعدد آخر من شعراء تونس الكبار الذين لم يحظوا باي لفتة ولا اهتمام حتى يخيل لنا ان تونس لم تنجب الا ابي القاسم الشابي .                                                                  

وهنا تحضرني فقرة من مقال بعنوان " الشابي بين الغابة والشجرة " كتبه الدكتور والشاعر المولدي فروج في جوان 2005 جاء فيها:"...الرأي الأول : أبو القاسم الشابي أقنع جميع القراء ومحبي الشعر ولم يقتنع به شعراء ما بعد الاستقلال.

الرأي الثاني: يتهمه بعض الشعراء بأنه التهم نصيبهم من الشعر ولم يترك لهم فرصة البروز.

عندما نقارن الرأيين يبرز لنا أبو القاسم الشابي شجرة امتدت عاليا فحجبت غابة الذين أتوا من بعده وامتهنوا الشعر... هذا صحيح وصحيح كذلك أن موت الشابي المبكر والحسرة عليه ساعدا في ظهور آراء وتكهنات وتنبؤات واحتمالات عديدة تصب كلها في تصور "هامة شعرية " للشابي أكبر من تلك التي تركها في النفوس وفي القصائد. ويمكننا أن نسأل هنا : ماذا لو أن الشابي عاش أطول فعاشر الاستقلال وما بعده؟."                                                                              

 طبعا لا نقصد بالاستشهاد بهذه الفقرة التقليل من شان شاعرنا هذا بل نقصد انه لا بد من ان يلقى مجايلوه ومعاصروه ومن اتوا بعده من الشعراء الاهتمام لنضيف له خصلة انه كان قدوة ومثالا نسج على منواله وتتلمذ على اشعاره من جاء بعده من الشعراء.

تونس ولّادة والاهتمام العادل بشعرائها واجب

اليست تونس ولادة وقادرة على انجاب المزيد من الشعراء والمبدعين لماذا يقتصر كل اهتمامنا على شاعر وحيد نال نصيب كل الاسود من الاهتمام ومازال احفاده يطالبون له بالمزيد في حين ان شعراء كثيرون لا تكاد تذكر اسماؤهم وهم من الشعراء الافذاذ ومن بينهم يمكن ان نذكر مثلا سعيد أبو بكر والشاذلي عطاء اهلف  والشاذلي خزندار( امير الشعراء) والميداني بن صالح ومنور صمادح ومصطفى خريف وعبد الحميد خريف واحمد اللغماني وجعفر ماجد ومحي الدين خريف والطاهر الهمامي وجلال الدين النقاش... نحن نعرف ان سلطة وحكام ما بعد الاستقلال تعمدوا تضخيم ابو القاسم الشابي لأنه ميت وقتلوا بذاك التضخيم من عاشوا بعده من الشعراء المبدعين مثل الشاعر منور صمادح الذي لم يلتحق بركابهم ولم يكن جزء من منظومتهم ومات فقيرا معدما رافضا للحياة وناكرا للسلطة ولم تجد اشعاره من يهتم بها من ذلك ان عددا كبيرا من المثقفين التونسيين لا يعرفونه .

بعد كل هذا الاهتمام الرسمي بالشاعر التونسي الكبير ابو القاسم الشابي وإدراج صوره على العملة التونسية وقصائده في التعليم الثانوي وفي التعليم العالي وتناول تجربته في اغلب الرسائل والاطروحات والبحوث الجامعية وبعد الاحتفاء به في تظاهرات شعرية وأدبية في كل ولايات الجمهورية وخاصة في مسقط رأسه توزر ومعتمدياتها والمناطق القريبة منها وفي الاماكن التي اختار العيش فيها من توزر التي درس فيها الابتدائي الى العاصمة التي تلقى فيها تعليمه الزيتوني الى عين دراهم التي سكنها في فترة نقاهة لم يبق لتونس الا ان تهتم بالمسكن الذي اقام به قرابة الشهرين عندما سافر الى الجزائر واستقر في المشروحة المدينة الجبلية ذات الموقع الخلاب والمناخ اللطيف المعتدل والقريبة من تونس والتي كانت موطن الحنانشة الذين لهم صلة تاريخية بالشابية .( الحديث عن مدينة المشروحة ورد في كتاب "ظلال النخيل" الذي حققه الدكتور علي الشابي).

علياء بن نحيلة

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews