إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تفتيق الأكمام

 

بقلم : محمد المي 

 

 

 

في سعيها التشكيلي تطرح إيناس الفيظة على طاولة البحث الخزفي سؤال الأنوثة ومشكلة الأمومة التي تميّزها لحظة الولادة وما يتبعها من عسر ومشقّة وجهد يذهب وجودها ليُوجِدَها على شاكلة أخرى يتحدّدُ بها شكل إقامتها في العالم .

     يُجيّرها سرّ الخلق وتؤرّقها رحلة التكوين فتقف على سؤال الوجود الذي كان به الكائن الذي خرج من الظلام إلى النور مردّدا في سرّه وفي علنه: 

إلى النّور فالنّور عذب جميل++ إلى النّور فالنّور ظلّ الإله

  من العدم إلى الكينونة.. من الغياب إلى الحضور .. من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل.. عود إلى مادّة الخلق الأولى.. إلى الطّين وكلّ عود له دلالاته وكلّ دلالة تفضح وتعرّي وكلّ عراء تتجلّى فيه الروح وتشفّ .

 تقف الفنّانة / الخزّافة على تشكيل يطفئ حرقة السؤال ويبلّ الصّدى وكأنّها تتحرّك على صفيح ساخن تحاذر الموجودات حولها عساها تستقرّ على قرار .  

     تعركُ الطين وتقُدُّه قدّا حتى ينبجس منه الماء ويتبخّر منه الماء فيلين ملمسه ويطاوع أناملها فتشكّل مادّته على غرار الأسئلة التي تعتمل في داخلها حتى يكون العمل الفني استجابة لهواجسها وتفسيرا لمكنوناتها الدّفينة فيقولَ ما تريدُ قولَه وينطقُ عوضا عنها لتفسّر لا لتُلغزَ ولتوضّح لا لتُبهِمَ ( وان من البيان لسحرا ) .

     هكذا يكون العمل الفنّي وقد صهرته نار تلظّى كنار حبّ المعرفة ووهج حرقة السؤال فيكتمل مجسّدا المكبوت وفاضحا للمسكوت عنه فاتحا الباب مرّة أخرى للتّأويل وتعدّد القراءات فاتحا شهيّة القراءة .

    في جملة ما تتيحه لنا قراءة العمل الفنّي للتشكيلية / الخزّافة ايناس الفيظة نلمس دون عناء رغبة " التفتّق " (جريا على قول جدّنا محمد بن عثمان السنوسي : تفتق الأكمام على حقوق المرأة في الإسلام ) هذا التفتّق الذي ينبئ به التشقّق التدريجي لقشر البيضة حتى يخرج منها ما تحتويه ’ تشقّقٌ تجيْ إثره الكينونة لتصير فعلا من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل .

     أليس هذا إحالة على عملية الخلق الأولى؟ أليس هذا إقرار بأن أصل العالم أنثى ؟ ألم يقل الطّاهر الحدّاد : " المرأة هي أم الإنسان "؟ مشكلة الخلق حينها هي سؤال العمل الفني الذي يستعصي علينا الولوج إلى مضايقه لفهم الأبعاد والرؤى التي حاولت الفنّانة استنباطها بل قولها . نور ينبثق من نار وعمل من طين انتهى مصهودا في نار وأسئلة محرقة ناءت بها أفكار فنّانة مبدعة تجرّب كلّ أدوات الإبداع من رسم وتلوين ونحت وتشكيل وإخراج فنّي وتزويق وطريقة في التقديم والعرض ليقول عملها ما سكتت عنه .

     أيّ لذّة يعيشها الفنّان وهو يخرج من رحم الأفكار عملا فنيّا كما يخرج "الكناري" مخترقا جميع الأغشية ليكسر قشر الدحية فينبجس نورا على نور بل نورا في نور وتلك هي روعة العمل الفني وتلك هي لذّة تلقّيه ومحاولة فكّ مغالقه . 

يقول أدونيس : لماذا كلّما أوضحت ازددت غموضا ؟ 

وما الغموض إلا متعة التأويل المفضي حتما إلى متعة التلقّي.

تفتيق الأكمام

 

بقلم : محمد المي 

 

 

 

في سعيها التشكيلي تطرح إيناس الفيظة على طاولة البحث الخزفي سؤال الأنوثة ومشكلة الأمومة التي تميّزها لحظة الولادة وما يتبعها من عسر ومشقّة وجهد يذهب وجودها ليُوجِدَها على شاكلة أخرى يتحدّدُ بها شكل إقامتها في العالم .

     يُجيّرها سرّ الخلق وتؤرّقها رحلة التكوين فتقف على سؤال الوجود الذي كان به الكائن الذي خرج من الظلام إلى النور مردّدا في سرّه وفي علنه: 

إلى النّور فالنّور عذب جميل++ إلى النّور فالنّور ظلّ الإله

  من العدم إلى الكينونة.. من الغياب إلى الحضور .. من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل.. عود إلى مادّة الخلق الأولى.. إلى الطّين وكلّ عود له دلالاته وكلّ دلالة تفضح وتعرّي وكلّ عراء تتجلّى فيه الروح وتشفّ .

 تقف الفنّانة / الخزّافة على تشكيل يطفئ حرقة السؤال ويبلّ الصّدى وكأنّها تتحرّك على صفيح ساخن تحاذر الموجودات حولها عساها تستقرّ على قرار .  

     تعركُ الطين وتقُدُّه قدّا حتى ينبجس منه الماء ويتبخّر منه الماء فيلين ملمسه ويطاوع أناملها فتشكّل مادّته على غرار الأسئلة التي تعتمل في داخلها حتى يكون العمل الفني استجابة لهواجسها وتفسيرا لمكنوناتها الدّفينة فيقولَ ما تريدُ قولَه وينطقُ عوضا عنها لتفسّر لا لتُلغزَ ولتوضّح لا لتُبهِمَ ( وان من البيان لسحرا ) .

     هكذا يكون العمل الفنّي وقد صهرته نار تلظّى كنار حبّ المعرفة ووهج حرقة السؤال فيكتمل مجسّدا المكبوت وفاضحا للمسكوت عنه فاتحا الباب مرّة أخرى للتّأويل وتعدّد القراءات فاتحا شهيّة القراءة .

    في جملة ما تتيحه لنا قراءة العمل الفنّي للتشكيلية / الخزّافة ايناس الفيظة نلمس دون عناء رغبة " التفتّق " (جريا على قول جدّنا محمد بن عثمان السنوسي : تفتق الأكمام على حقوق المرأة في الإسلام ) هذا التفتّق الذي ينبئ به التشقّق التدريجي لقشر البيضة حتى يخرج منها ما تحتويه ’ تشقّقٌ تجيْ إثره الكينونة لتصير فعلا من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل .

     أليس هذا إحالة على عملية الخلق الأولى؟ أليس هذا إقرار بأن أصل العالم أنثى ؟ ألم يقل الطّاهر الحدّاد : " المرأة هي أم الإنسان "؟ مشكلة الخلق حينها هي سؤال العمل الفني الذي يستعصي علينا الولوج إلى مضايقه لفهم الأبعاد والرؤى التي حاولت الفنّانة استنباطها بل قولها . نور ينبثق من نار وعمل من طين انتهى مصهودا في نار وأسئلة محرقة ناءت بها أفكار فنّانة مبدعة تجرّب كلّ أدوات الإبداع من رسم وتلوين ونحت وتشكيل وإخراج فنّي وتزويق وطريقة في التقديم والعرض ليقول عملها ما سكتت عنه .

     أيّ لذّة يعيشها الفنّان وهو يخرج من رحم الأفكار عملا فنيّا كما يخرج "الكناري" مخترقا جميع الأغشية ليكسر قشر الدحية فينبجس نورا على نور بل نورا في نور وتلك هي روعة العمل الفني وتلك هي لذّة تلقّيه ومحاولة فكّ مغالقه . 

يقول أدونيس : لماذا كلّما أوضحت ازددت غموضا ؟ 

وما الغموض إلا متعة التأويل المفضي حتما إلى متعة التلقّي.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews