إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المستويات الأضعف في الجنوب والوسط الغربي.. نسبة التلقيح بجرعتين لا تتجاوز 5.5% في 17 ولاية

 

تونس-الصباح

بإلقاء نظرة سريعة على خريطتي التلقيح في تونس (والتي أعددناه بالاستعانة بالبيانات التي تتيحها منصة "إفاكس" وقمنا بتحليلها وباحتساب نسب التلقيح من عدد السكان في كل ولاية)، سنلاحظ أن معدلات التسجيل متدنية في العديد من ولايات الجمهورية، أمر متوقع نظرا إلى أن نسبة التلقيح في الجمهورية التونسية منخفضة، ووصلت بحسب آخر بيانات متوفرة على منصة Our World In Data إلى 10.67% وهي نسبة من تلقوا جرعة واحدة على الأقل من التلقيح إلى حدود 28 جوان 2021 من عدد السكان. وهي نسبة تعد أفضل من غالبية الدول الإفريقية بالنظر إلى تأخر انطلاق حملة التلقيح في تونس وإفريقيا، ولكن نسبة التلقيح بجرعة واحدة من السكان تصل في المغرب إلى 26.85%.

تشير مختلف الدراسات العلمية إلى أنه لحماية أكبر من المتحورات الجديدة وخاصة منها المتحور "دلتا" الذي ظهر في الهند والذي تعد نسبة انتشاره مرتفعة مقارنة بمتحور "ألفا" (الذي ظهر في بريطانيا) لا بد من التطعيم بجرعتين. وباعتبار أن تونس تسجل حالات إصابة بالمتحور دلتا/ فإننا عندما قمنا بتحليل البيانات المتعلقة بالتطعيم في مختلف ولايات الجمهورية، اعتمدنا البيانات الخاصة بالتطعيم بجرعتن.

في 17 ولاية من ولايات الجمهورية، لا تتجاوز نسبة التلقيح بجرعتين من السكان، 5.5%. نسب التلقيح الأكثر تدنيا، تسجلها ولايات مدنين (بنسبة 2.22%) والقيروان (بنسبة 2.55%) وسيدي بوزيد (2.74%) وتطاوين ( 2.78%) والقصرين (3.25%) وسليانة (3.39%). أما الولايات التي يبدو فيها الوضع أفضل نسبيا فهي منوبة، بن عروس، سوسة، صفاقس، المنستير، أريانة، تونس، وإن كانت أفضل من الولايات الأخرى، فإن حجم التلقيح فيها بجرعتين منخفض أيضا ولا يصل في أفضل الحالات إلى 10% ( الأعلى في ولاية تونس، 8.9%).

ولكننا حاولنا، أن نتعمق في مؤشر آخر وهو حجم المسجلين، النسق لا يختلف كثيرا عن مسار التلقيح في حد ذاته، الخريطتان متشابهتان إلى حد ما، فأعلى نسبة تسجيل تسجلها ولاية تونس بـ32.68 % وأقل نسبة تسجيل من عدد السكان تسجلها ولاية مدنين بـ9.11% (انظر خريطة حجم المسجلين في حملة التلقيح من عدد السكان في كل ولاية).

نسبة إنذار مرتفعة جدا في 22 ولاية

لسوء الحظ، تبدو معدلات الإصابة مرتفعة في ولايات تنخفض فيها معدلات التلقيح، بحسب الخريطة الوضع الوبائي التي نشرتها وزارة الصحة في 24 جوان 2021، يصل معدل الحالات لكل 100 ألف ساكن في القيروان إلى 549 حالة وفي زغوان إلى 559 حالة وفي سليانة إلى 509 حالة وباجة إلى 461 حالة، وإن كانت الحالات أقل من 400 حالة لكل مائة ألف ساكن في بقية الولايات، فإن المعطيات تتغير بشكل مستمر ولم تنشر وزارة الصحة أية معطيات تخص معدلات الإصابة في الولايات للسكان بعد هذا التاريخ. وتصنف وزارة الصحة نسبة الإنذار على أنها مرتفعة جدّا عندما يُقدر حجم الإصابات بـأكثر من 100 حالة لكلّ 100 ألف ساكن ونسبة الإنذار المرتفع بين 50 و100 لكلّ 100 ألف ساكن ونسبة الإنذار المتوسّط بين 10 و50 حالة لكلّ 100 ألف ساكن. بحسب هذه الخريطة، هنالك ولايتان فقط تسجلان معدلا أقل من 100 حالة لكل ألف ساكن وهما كل من قابس (44 حالة) وقفصة (99 حالة).

سنحاول تفسير مختلف هذه المؤشرات حول النمط الجغرافي للتسجيل في حملة التلقيح في تونس، وأيضا ما إذا كنا نستطيع أن نربط بين انخفاض معدلات التلقيح بجرعتين وارتفاع معدلات الإصابة في عدد من ولايات الجمهورية. وذلك في سياق وضع وبائي خطير فإلى حدود 29 جوان 2021، تأتي تونس في المرتبة 12 عالميا على مستوى الوفيات الجديدة لكل مليون ساكن بحسب Our World In Data. ( نشير هنا إلى أن هذه المقارنات على أساس الأرقام التي تعلنها الحكومة والتي لا تكون دقيقة دائما، أحيانا لضعف الإمكانات أو لعدم الثقة في الجهات الرسمية وبالتالي لا تخضع عديد الوفيات والإصابات للإحصاء الرسمي في عديد البلدان أو لغياب الديمقراطية والشفافية).

"التلاقيح لا تمنع العدوى والإصابات"، هكذا يشرح الدكتور سمير عبد المؤمن (إسعاف تونس Samu 1) في تصريح لـ"الصباح"، بل بالعكس بالنسبة إلى المتحورات الجديدة سواء أن كان "ألفا" (التي ظهرت في بريطانيا) أو "دلتا" (التي ظهرت في الهند) فإنها تتم بسرعة انتشارها. ولكن ما الذي يمكن أن يحققه مزيد تطعيم أعداد أكبر من السكان خاصة في المناطق التي تعد بؤرا لانتشار المرض؟ الفرق الذي يحدثه التلقيح يمكن أن يصل إلى الفرق بين الحياة والموت. يوضح عبد المؤمن أن الفرق بين من تلقى التلقيح ومن لم يتلقاه بعد هو أن حجم الحالات الخطيرة تكون أقل من تلك التي يمكن أن يتعرض لها الأشخاص غير الملقحين وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوفيات.

ويضيف محدثنا أن الملاحظ أن معدل أعمار المصابين يصبح أصغر شيئا فشيئا ومن العوامل التي يمكن أن تفسر ذلك هو أن نسبة الملقحين هي أعلى لدى الفئات العمرية الأكبر سنا. لنعد هنا إلى بيانات منصة إيفاكس، وفيما يخص الفئات العمرية بالأساس، سنلاحظ أن أكبر عدد من الملقحين بجرعتين بأكثر من 360 ألف هم من المنتمين إلى الفئة العمرية 60-75 عاما وفي مرتبة ثانية بأكثر من 126 ألف ملقح بجرعتين ممن يبلغون من العمر 75 عاما فأكثر.

هذا التفسير يتقاطع أيضا مع الوضع في عدد من بلدان العالم. تواجه بريطانيا موجة جديدة بسبب المتحور "دلتا" وقد وجدت دراسة بريطانية نشرت نتائجها صحيفة الغارديان البريطانية أن الارتفاع بشكل كبير في الإصابات في البلاد يأتي في صفوف الأشخاص الأصغر سنا والغير مطعمين. وتقول الدراسة "لاحظنا أن النمو كان مدفوعا بالفئات العمرية الأصغر، مع ارتفاع معدلات إيجابية بخمسة أضعاف بين الأطفال الأصغر سنا (من 5 إلى 12 عاما) والشباب (من 18 إلى 24 عاما) مقارنة بمن هم في سن 65 عاما أو أكبر، ومعدلات أعلى بمقدار 2.5 ضعف بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما مقارنة بخمسين عاما وما فوق." وأضاف مؤلفو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن التوسع الوشيك في برنامج اللقاح للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما أو أكثر "يجب أن يساعد بشكل كبير في الحد من النمو الإجمالي للوباء".

التسجيل في حملة التلقيح منخفض في المناطق الداخلية

إن كان التلقيح لا يعني إنهاء الإصابات تماما، فإنه بحسب الدراسات العلمية وبحسب الدكتور عبد المؤمن يقلص من حدة الوضع الوبائي، ولكن المشكلة في تونس لا تتعلق فقط بانخفاض معدلات التلقيح التي قد يكون من العوامل التي تفسرها هو عدم توفر التلقيح بشكل كاف، ولكن أيضا انخفاض التسجيل في حملة التلقيح الوطني في الجهات الداخلية وخاصة في الجنوب والوسط. الباحث في علوم التواصل والدكتور في الأنثروبولوجيا كريم بوزويتة يقول بهذا الخصوص في تصريح لـ"الصباح" إنه "إذا ما قارنا مؤشر التنمية البشرية بين الولايات ومعدلات التلقيح، سنجد ارتباطا بينهما"، ويضيف "كلما كانت هنالك ولايات بها أرياف كلما كانت نسبة التلقيح فيه منخفضة، فكلما ابتعدنا عن مراكز المدن تضعف العلاقة بالدولة، إذ واصلت الدولة سياسة الاستعمار بوضع إستراتيجية تمدن في مناطق أكثر من مناطق أخرى، وماذا نقصد بالتمدن؟ نقصد الخدمات الأساسية، وهنا يتساءل محدثنا بشكل إنكاري ما هي علاقة الدولة بالمواطن؟ هي علاقة تبدأ انطلاقا من الخدمات الأساسية."

جانب من المواطنين في تونس يتخوفون من التلقيح، وجانب آخر لا يعرفون كيفية التسجيل في منظومة "إفاكس"، ولكن شقا منهم أيضا لا يثق في الدولة. هنا يرى بوزويتة أن "العلاقة الهشة مع الدولة تعني غياب الثقة فيها، والثقة في التلقيح تكون بالضرورة منخفضة، ومن الطبيعي أن نجد معدلات التسجيل في حملة التلقيح منخفضة."

90% من تواصل الدولة يقوم على الصراعات

ولكن هل كان هنالك خلل في السياسية التواصلية، لإقناع المواطنين بالتسجيل وبالتلقيح؟ يشير بوزويتة هنا إلى أن "العملية التواصلية لا تقتصر على ومضة تبث في التلفزيون أو دعوة المجتمع المدني إلى تنظيم حملات تحسيسية، العملية التواصلية تشمل كل ما تمارسه مؤسسات الدولة في الفضاء العام، وإذا كانت الرئاسات الثلاث تتصارع صباحا مساء فتلك هي الرسالة الأساسية التي يقوم عليها اتصال مؤسسات الدولة، ويرى هنا أن 90% من الفضاء التواصلي للدولة هو قائم على المعارك السياسية بينهم، إضافة إلى تصريحات غريبة وعجيبة، مثل تصريح رئيس الجمهورية عندما قال أنا لا أتلقى التلقيح وأترك المجال للتونسيين أن يلقحوا قبلي، هذه الشعبوية الزائدة، تجعل الناس يشككون في التلقيح، وهنا نجد أنفسنا أمام تواصل مضاد une contre-communication، أما التواصل الحقيقي في هذا السياق، فهو تلك التجمعات التي تنظمها الأحزاب، لأنهم لا يحترمون الإجراءات لا يرتدون الكمامات، أو يحترمون الحجر الصحي، تلك هي أبلغ الرسائل التي يرسلونها للمواطنين. "

لذا فإنه لمواجهة انخفاض الإقبال على التسجيل في التلقيح وعلى مراكز التلقيح، يستوجب الأمر اعتماد مقاربة عملية أكثر تقترب من المواطنين وتكون أكثر نجاعة. تحدثت الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة نصاف بن علية عند حضورها على قناة التاسعة أول أمس عن أن أحد الإجراءات التي تم اتخاذها هو تكثيف حملات التلقيح الميدانية حول بؤر الإصابة بكورونا، وذلك بأن تقوم الفرق الميدانية بتسجيل وتلقيح الأشخاص الموجودين في هذه البؤر، مشيرة إلى تجربة تونس في حملات التلقيح الميدانية وإلى أن الفرق الجهوية قادرة على القيام بهذه الحملات وأشارت إلى أن مثل هذه المقاربة اعتمدتها فرنسا وأثبتت نجاعتها في كسر حلقات العدوى في المناطق التي تصنف على أنها بؤر.

القارة الإفريقية وعديد البلدان التي لا تملك احتياطيات كافية من التلقيح مرشحة لأن تعرف وضعا كارثيا مثل الذي عرفته الهند، وفي مواجهة عدم المساواة المؤلمة التي يعرفها العالم، لابد من التفكير في حلول للخروج من هذه المعضلة، فنسب التسجيل والتلقيح في تونس في مختلف الولايات يجب أن تتغير. الدكتور سمير عبد المؤمن يضرب مثالا على أهمية التلقيح بعد إصابة أحد أقاربه الذي يبلغ 80 عاما بالمرض وكان قد تلقى جرعتين من التلقيح، قضى نحو أربعة أيام في المستشفى وتحسنت حالته وتمكن من تجاوز هذه الإصابة، أما قريبته الأصغر سنا وغير الملقحة فقد توفيت. ويضيف " لا يملك كل المواطنين الدراية الكافية بكيفية التسجيل ولا يعرف الكبار سنا كيف يقومون بذلك. كل المؤسسات والجهات يجب أن تتجند في حملة التلقيح من عمد ومعتمديات ومسؤولين الجهويين .. يجب أن يجهزوا قوائم خاصة بكبار السن يجب أن ننظم حملات لتسجيلهم وتطعيمهم في نفس الوقت." البلدان التي تجاوزت الأزمة كما يقول هي تلك البلدان التي تكاتف وتعاون فيها الجميع.

أروى الكعلي

المستويات الأضعف في الجنوب والوسط الغربي.. نسبة التلقيح بجرعتين لا تتجاوز 5.5% في 17 ولاية

 

تونس-الصباح

بإلقاء نظرة سريعة على خريطتي التلقيح في تونس (والتي أعددناه بالاستعانة بالبيانات التي تتيحها منصة "إفاكس" وقمنا بتحليلها وباحتساب نسب التلقيح من عدد السكان في كل ولاية)، سنلاحظ أن معدلات التسجيل متدنية في العديد من ولايات الجمهورية، أمر متوقع نظرا إلى أن نسبة التلقيح في الجمهورية التونسية منخفضة، ووصلت بحسب آخر بيانات متوفرة على منصة Our World In Data إلى 10.67% وهي نسبة من تلقوا جرعة واحدة على الأقل من التلقيح إلى حدود 28 جوان 2021 من عدد السكان. وهي نسبة تعد أفضل من غالبية الدول الإفريقية بالنظر إلى تأخر انطلاق حملة التلقيح في تونس وإفريقيا، ولكن نسبة التلقيح بجرعة واحدة من السكان تصل في المغرب إلى 26.85%.

تشير مختلف الدراسات العلمية إلى أنه لحماية أكبر من المتحورات الجديدة وخاصة منها المتحور "دلتا" الذي ظهر في الهند والذي تعد نسبة انتشاره مرتفعة مقارنة بمتحور "ألفا" (الذي ظهر في بريطانيا) لا بد من التطعيم بجرعتين. وباعتبار أن تونس تسجل حالات إصابة بالمتحور دلتا/ فإننا عندما قمنا بتحليل البيانات المتعلقة بالتطعيم في مختلف ولايات الجمهورية، اعتمدنا البيانات الخاصة بالتطعيم بجرعتن.

في 17 ولاية من ولايات الجمهورية، لا تتجاوز نسبة التلقيح بجرعتين من السكان، 5.5%. نسب التلقيح الأكثر تدنيا، تسجلها ولايات مدنين (بنسبة 2.22%) والقيروان (بنسبة 2.55%) وسيدي بوزيد (2.74%) وتطاوين ( 2.78%) والقصرين (3.25%) وسليانة (3.39%). أما الولايات التي يبدو فيها الوضع أفضل نسبيا فهي منوبة، بن عروس، سوسة، صفاقس، المنستير، أريانة، تونس، وإن كانت أفضل من الولايات الأخرى، فإن حجم التلقيح فيها بجرعتين منخفض أيضا ولا يصل في أفضل الحالات إلى 10% ( الأعلى في ولاية تونس، 8.9%).

ولكننا حاولنا، أن نتعمق في مؤشر آخر وهو حجم المسجلين، النسق لا يختلف كثيرا عن مسار التلقيح في حد ذاته، الخريطتان متشابهتان إلى حد ما، فأعلى نسبة تسجيل تسجلها ولاية تونس بـ32.68 % وأقل نسبة تسجيل من عدد السكان تسجلها ولاية مدنين بـ9.11% (انظر خريطة حجم المسجلين في حملة التلقيح من عدد السكان في كل ولاية).

نسبة إنذار مرتفعة جدا في 22 ولاية

لسوء الحظ، تبدو معدلات الإصابة مرتفعة في ولايات تنخفض فيها معدلات التلقيح، بحسب الخريطة الوضع الوبائي التي نشرتها وزارة الصحة في 24 جوان 2021، يصل معدل الحالات لكل 100 ألف ساكن في القيروان إلى 549 حالة وفي زغوان إلى 559 حالة وفي سليانة إلى 509 حالة وباجة إلى 461 حالة، وإن كانت الحالات أقل من 400 حالة لكل مائة ألف ساكن في بقية الولايات، فإن المعطيات تتغير بشكل مستمر ولم تنشر وزارة الصحة أية معطيات تخص معدلات الإصابة في الولايات للسكان بعد هذا التاريخ. وتصنف وزارة الصحة نسبة الإنذار على أنها مرتفعة جدّا عندما يُقدر حجم الإصابات بـأكثر من 100 حالة لكلّ 100 ألف ساكن ونسبة الإنذار المرتفع بين 50 و100 لكلّ 100 ألف ساكن ونسبة الإنذار المتوسّط بين 10 و50 حالة لكلّ 100 ألف ساكن. بحسب هذه الخريطة، هنالك ولايتان فقط تسجلان معدلا أقل من 100 حالة لكل ألف ساكن وهما كل من قابس (44 حالة) وقفصة (99 حالة).

سنحاول تفسير مختلف هذه المؤشرات حول النمط الجغرافي للتسجيل في حملة التلقيح في تونس، وأيضا ما إذا كنا نستطيع أن نربط بين انخفاض معدلات التلقيح بجرعتين وارتفاع معدلات الإصابة في عدد من ولايات الجمهورية. وذلك في سياق وضع وبائي خطير فإلى حدود 29 جوان 2021، تأتي تونس في المرتبة 12 عالميا على مستوى الوفيات الجديدة لكل مليون ساكن بحسب Our World In Data. ( نشير هنا إلى أن هذه المقارنات على أساس الأرقام التي تعلنها الحكومة والتي لا تكون دقيقة دائما، أحيانا لضعف الإمكانات أو لعدم الثقة في الجهات الرسمية وبالتالي لا تخضع عديد الوفيات والإصابات للإحصاء الرسمي في عديد البلدان أو لغياب الديمقراطية والشفافية).

"التلاقيح لا تمنع العدوى والإصابات"، هكذا يشرح الدكتور سمير عبد المؤمن (إسعاف تونس Samu 1) في تصريح لـ"الصباح"، بل بالعكس بالنسبة إلى المتحورات الجديدة سواء أن كان "ألفا" (التي ظهرت في بريطانيا) أو "دلتا" (التي ظهرت في الهند) فإنها تتم بسرعة انتشارها. ولكن ما الذي يمكن أن يحققه مزيد تطعيم أعداد أكبر من السكان خاصة في المناطق التي تعد بؤرا لانتشار المرض؟ الفرق الذي يحدثه التلقيح يمكن أن يصل إلى الفرق بين الحياة والموت. يوضح عبد المؤمن أن الفرق بين من تلقى التلقيح ومن لم يتلقاه بعد هو أن حجم الحالات الخطيرة تكون أقل من تلك التي يمكن أن يتعرض لها الأشخاص غير الملقحين وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوفيات.

ويضيف محدثنا أن الملاحظ أن معدل أعمار المصابين يصبح أصغر شيئا فشيئا ومن العوامل التي يمكن أن تفسر ذلك هو أن نسبة الملقحين هي أعلى لدى الفئات العمرية الأكبر سنا. لنعد هنا إلى بيانات منصة إيفاكس، وفيما يخص الفئات العمرية بالأساس، سنلاحظ أن أكبر عدد من الملقحين بجرعتين بأكثر من 360 ألف هم من المنتمين إلى الفئة العمرية 60-75 عاما وفي مرتبة ثانية بأكثر من 126 ألف ملقح بجرعتين ممن يبلغون من العمر 75 عاما فأكثر.

هذا التفسير يتقاطع أيضا مع الوضع في عدد من بلدان العالم. تواجه بريطانيا موجة جديدة بسبب المتحور "دلتا" وقد وجدت دراسة بريطانية نشرت نتائجها صحيفة الغارديان البريطانية أن الارتفاع بشكل كبير في الإصابات في البلاد يأتي في صفوف الأشخاص الأصغر سنا والغير مطعمين. وتقول الدراسة "لاحظنا أن النمو كان مدفوعا بالفئات العمرية الأصغر، مع ارتفاع معدلات إيجابية بخمسة أضعاف بين الأطفال الأصغر سنا (من 5 إلى 12 عاما) والشباب (من 18 إلى 24 عاما) مقارنة بمن هم في سن 65 عاما أو أكبر، ومعدلات أعلى بمقدار 2.5 ضعف بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما مقارنة بخمسين عاما وما فوق." وأضاف مؤلفو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها تشير إلى أن التوسع الوشيك في برنامج اللقاح للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما أو أكثر "يجب أن يساعد بشكل كبير في الحد من النمو الإجمالي للوباء".

التسجيل في حملة التلقيح منخفض في المناطق الداخلية

إن كان التلقيح لا يعني إنهاء الإصابات تماما، فإنه بحسب الدراسات العلمية وبحسب الدكتور عبد المؤمن يقلص من حدة الوضع الوبائي، ولكن المشكلة في تونس لا تتعلق فقط بانخفاض معدلات التلقيح التي قد يكون من العوامل التي تفسرها هو عدم توفر التلقيح بشكل كاف، ولكن أيضا انخفاض التسجيل في حملة التلقيح الوطني في الجهات الداخلية وخاصة في الجنوب والوسط. الباحث في علوم التواصل والدكتور في الأنثروبولوجيا كريم بوزويتة يقول بهذا الخصوص في تصريح لـ"الصباح" إنه "إذا ما قارنا مؤشر التنمية البشرية بين الولايات ومعدلات التلقيح، سنجد ارتباطا بينهما"، ويضيف "كلما كانت هنالك ولايات بها أرياف كلما كانت نسبة التلقيح فيه منخفضة، فكلما ابتعدنا عن مراكز المدن تضعف العلاقة بالدولة، إذ واصلت الدولة سياسة الاستعمار بوضع إستراتيجية تمدن في مناطق أكثر من مناطق أخرى، وماذا نقصد بالتمدن؟ نقصد الخدمات الأساسية، وهنا يتساءل محدثنا بشكل إنكاري ما هي علاقة الدولة بالمواطن؟ هي علاقة تبدأ انطلاقا من الخدمات الأساسية."

جانب من المواطنين في تونس يتخوفون من التلقيح، وجانب آخر لا يعرفون كيفية التسجيل في منظومة "إفاكس"، ولكن شقا منهم أيضا لا يثق في الدولة. هنا يرى بوزويتة أن "العلاقة الهشة مع الدولة تعني غياب الثقة فيها، والثقة في التلقيح تكون بالضرورة منخفضة، ومن الطبيعي أن نجد معدلات التسجيل في حملة التلقيح منخفضة."

90% من تواصل الدولة يقوم على الصراعات

ولكن هل كان هنالك خلل في السياسية التواصلية، لإقناع المواطنين بالتسجيل وبالتلقيح؟ يشير بوزويتة هنا إلى أن "العملية التواصلية لا تقتصر على ومضة تبث في التلفزيون أو دعوة المجتمع المدني إلى تنظيم حملات تحسيسية، العملية التواصلية تشمل كل ما تمارسه مؤسسات الدولة في الفضاء العام، وإذا كانت الرئاسات الثلاث تتصارع صباحا مساء فتلك هي الرسالة الأساسية التي يقوم عليها اتصال مؤسسات الدولة، ويرى هنا أن 90% من الفضاء التواصلي للدولة هو قائم على المعارك السياسية بينهم، إضافة إلى تصريحات غريبة وعجيبة، مثل تصريح رئيس الجمهورية عندما قال أنا لا أتلقى التلقيح وأترك المجال للتونسيين أن يلقحوا قبلي، هذه الشعبوية الزائدة، تجعل الناس يشككون في التلقيح، وهنا نجد أنفسنا أمام تواصل مضاد une contre-communication، أما التواصل الحقيقي في هذا السياق، فهو تلك التجمعات التي تنظمها الأحزاب، لأنهم لا يحترمون الإجراءات لا يرتدون الكمامات، أو يحترمون الحجر الصحي، تلك هي أبلغ الرسائل التي يرسلونها للمواطنين. "

لذا فإنه لمواجهة انخفاض الإقبال على التسجيل في التلقيح وعلى مراكز التلقيح، يستوجب الأمر اعتماد مقاربة عملية أكثر تقترب من المواطنين وتكون أكثر نجاعة. تحدثت الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة نصاف بن علية عند حضورها على قناة التاسعة أول أمس عن أن أحد الإجراءات التي تم اتخاذها هو تكثيف حملات التلقيح الميدانية حول بؤر الإصابة بكورونا، وذلك بأن تقوم الفرق الميدانية بتسجيل وتلقيح الأشخاص الموجودين في هذه البؤر، مشيرة إلى تجربة تونس في حملات التلقيح الميدانية وإلى أن الفرق الجهوية قادرة على القيام بهذه الحملات وأشارت إلى أن مثل هذه المقاربة اعتمدتها فرنسا وأثبتت نجاعتها في كسر حلقات العدوى في المناطق التي تصنف على أنها بؤر.

القارة الإفريقية وعديد البلدان التي لا تملك احتياطيات كافية من التلقيح مرشحة لأن تعرف وضعا كارثيا مثل الذي عرفته الهند، وفي مواجهة عدم المساواة المؤلمة التي يعرفها العالم، لابد من التفكير في حلول للخروج من هذه المعضلة، فنسب التسجيل والتلقيح في تونس في مختلف الولايات يجب أن تتغير. الدكتور سمير عبد المؤمن يضرب مثالا على أهمية التلقيح بعد إصابة أحد أقاربه الذي يبلغ 80 عاما بالمرض وكان قد تلقى جرعتين من التلقيح، قضى نحو أربعة أيام في المستشفى وتحسنت حالته وتمكن من تجاوز هذه الإصابة، أما قريبته الأصغر سنا وغير الملقحة فقد توفيت. ويضيف " لا يملك كل المواطنين الدراية الكافية بكيفية التسجيل ولا يعرف الكبار سنا كيف يقومون بذلك. كل المؤسسات والجهات يجب أن تتجند في حملة التلقيح من عمد ومعتمديات ومسؤولين الجهويين .. يجب أن يجهزوا قوائم خاصة بكبار السن يجب أن ننظم حملات لتسجيلهم وتطعيمهم في نفس الوقت." البلدان التي تجاوزت الأزمة كما يقول هي تلك البلدان التي تكاتف وتعاون فيها الجميع.

أروى الكعلي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews