كتب الدكتور سالم لبيض ،النائب المنتمي لمجلس النواب المجمد وكذلك القيادي بحركة الشعب رأيا حرا حول الترفيع بألف دينار في منحة النواب الجاليين بالبرلمان والذي أثار عدة ردود أفعال كان قد خص "الصباح نيوز" بنشره به ، وجاءت المقالة كما يلي بعد أن اختار له عنوان : "عن إكراميات السادة النواب بما قدره 462 ألف دينار"..
تقدّر هذه الإكراميات في مجملها بـ 462 ألف دينار، سيتمتّع بها 154 نائبا، بمعدّل 3 آلاف دينار لكلّ نائب على مدى ثلاثة أشهر. وهي في حقيقتها عملية جسّ نبض الشارع التونسي للزيادة في منحة النائب لتبلغ 4400 دينار بصفة دائمة إذا ما ابتلع المواطن التونسي الحربوشة دون ألم أو ضجيج وردود أفعال.
مرجع هذه الإكراميات قرارات مكتب مجلس نواب الشعب عدد 04 للدورة النيابية العادية الثانية 2023/2024 ليوم الخميس 19 أكتوبر 2023، وقد حدّد تفاصيلها القرار عدد 2 كما يلي: "قرّر المكتب وبصفة استثنائية إسناد للسيدات والسادة النواب مبلغ ألف دينار شهريا لتغطية تكاليف السكن والتنقل خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من سنة 2023".
اتخذ مكتب المجلس هذا القرار في غفلة من التونسيين وهم في أوج مساندتهم لأعدل قضية عرفها التاريخ، وفي أوج تظاهراتهم النهارية والليلية وتعاطفهم مع أهل غ.زّة وأطفالها ونساءها الذين يقصفون يوميا بحجم من القنابل والنيران والمتفجرات والأسلحة الفتاكة والمحظورة التي لا مثيل لها في سجلّات التاريخ، فيرتقون شهداء بالمئات والآلاف.
إن كافة التفسيرات التي ساقها النواب في وسائل الإعلام، بما في ذلك التبرير الوارد في قرار المجلس هي تفسيرات عقيمة مجانبة للحقيقة. فالقول بان هذه الإكراميات تندرج ضمن تمكين النواب من منحة نقل وسكن، هو قول متهافت لأن هذا الأمر حسمه البرلمان التونسي 2014-2019 حين ألغى سنة 2015 السكن بنزلي أفريكا والمشتل وعوضه بمنحة تقدّر بـ 900 دينار كما اتخذ قرار إلغاء الأكلة المجانية بمطعم المجلس وتعويضها بمنحة تقدّر بـ دينار300، علما وأن السكن بالنزلين المذكورين والأكل المجاني هو إجراء متعامل به منذ زمن الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وقد أدى إلغاء هذا الإجراء إلى تمكين خزينة المجلس بما يناهز 3 مليون دينار سنويا طلية الفترة 2015-2021، وتم الاستعاضة عن ذلك بتقديم منحة إضافية للنواب قدرها 1200 دينار لتصبح المنحة التي يتقاضاها النائب حوالي 3400 دينار بعد أن كانت في حدود 2400 دينار شهريا. والقول بأن هذه الإكراميات لتوفير أدوات عمل من كمبيوتر وهاتف أندرويد أو أيفون كما كان الحال بالمجالس السابقة، هو قول مجانب الصواب بدوره، لأن الهواتف في البرلمان التونسي 2014-2021، كان يقتنيها النواب من حرّ مالهم مع تسهيلات في الدفع من قبل المزوّدين (اتصالات تونس وأوريدو وأرونج)، أما مصدر الكمبيوترات المقدّمة إلى النواب لمرّة واحدة بعد كلّ من انتخابات 2014 و2019 فهو برنامج الأمم المتحدة للتنمية (مكتب تونس)، وليس ميزانية البرلمان التونسي. وفي حين أعلن بعض النواب أنهم يؤيدون هذا الإجراء الغنائمي بكلّ تحدّ وصلف، أعلن البعض الآخر أن لا علم لهم به، والواقع أن الجاهل لا يعذر بحهله بالقانون حسب القاعدة المألوفة، ناهيك أن يكون الأمر متعلّقا بمن يضع القانون نفسه ويشرّع للدولة والمجتمع. ذلك أن كلّ النواب سواء كانوا من المنتمين إلى الكُتل النيابية أو من غير المنتمين، لهم من يمثّلهم بمكتب المجلس، وبالتالي فإن القرار متناه إلى أسماعهم لا محالة.
وإن محاولة استقصائية بسيطة حول أجور النواب التي كانوا يتقاضونها في مهنهم الأصلية بوصف أغلبهم من الموظّفين المتوسطين النشيطين والمتقاعدين، كانت تتراوح بين 1700 و2000 دينار وقد مكّن التحاقهم بالبرلمان من مضاعفتها تقريبا، هذا دون ذكر من تحصّل على مقعد من "أبناء المشروع" العاطلين عن العمل.
لم يفهم البرلمان الجديد، بكل أعضاءه وكتله ومكتبه ورئيسه، أنه لا يحقّ له اتخاذ قرار منح النواب 3000 آلاف دينار على مدى 3 أشهر. كما لا يحق له اتخاذ أي قرار آخر يتعلّق بالزيادة في المنح والأجور، ذلك أن دستور 2022 حسم الامر نهائيا حينما أقرّ أن التشريع هو وظيفة وليس سلطة، وبالتالي فإن النواب هم من موظفي الدولة شأنهم شأن كلّ موظف عمومي، وأنهم يتقاضون أجرا وليس منحة، كما الحال سابقا، فالمنحة تمنح لمن يمارس سلطة والاجر يمنح لمن يمارس وظيفة، وعليه كان على البرلمان أن لا يخصّ نفسه بهذه الإكرامية الغنيمة في الأجر، وبدلا من ذلك كان عليه أن يطالب الحكومة أو أن يسنّ قانونا، إن هو اكتسب من الجرأة والشجاعة ما يؤهله للقيام بذلك، بمقتضاه يتمّ الرفع في أجور كل الموظفين والعاملين في الوظيفة العمومية والقطاعين العام والخاص، بوصفهم الناخبين أصحاب الفضل على هؤلاء النواب، ولردّ الجميل في ظلّ شطط الأسعار والتضخم وانتشار الفاقة والفقر والبؤس والمهانة.
رأي حر /سالم لبيض
كتب الدكتور سالم لبيض ،النائب المنتمي لمجلس النواب المجمد وكذلك القيادي بحركة الشعب رأيا حرا حول الترفيع بألف دينار في منحة النواب الجاليين بالبرلمان والذي أثار عدة ردود أفعال كان قد خص "الصباح نيوز" بنشره به ، وجاءت المقالة كما يلي بعد أن اختار له عنوان : "عن إكراميات السادة النواب بما قدره 462 ألف دينار"..
تقدّر هذه الإكراميات في مجملها بـ 462 ألف دينار، سيتمتّع بها 154 نائبا، بمعدّل 3 آلاف دينار لكلّ نائب على مدى ثلاثة أشهر. وهي في حقيقتها عملية جسّ نبض الشارع التونسي للزيادة في منحة النائب لتبلغ 4400 دينار بصفة دائمة إذا ما ابتلع المواطن التونسي الحربوشة دون ألم أو ضجيج وردود أفعال.
مرجع هذه الإكراميات قرارات مكتب مجلس نواب الشعب عدد 04 للدورة النيابية العادية الثانية 2023/2024 ليوم الخميس 19 أكتوبر 2023، وقد حدّد تفاصيلها القرار عدد 2 كما يلي: "قرّر المكتب وبصفة استثنائية إسناد للسيدات والسادة النواب مبلغ ألف دينار شهريا لتغطية تكاليف السكن والتنقل خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من سنة 2023".
اتخذ مكتب المجلس هذا القرار في غفلة من التونسيين وهم في أوج مساندتهم لأعدل قضية عرفها التاريخ، وفي أوج تظاهراتهم النهارية والليلية وتعاطفهم مع أهل غ.زّة وأطفالها ونساءها الذين يقصفون يوميا بحجم من القنابل والنيران والمتفجرات والأسلحة الفتاكة والمحظورة التي لا مثيل لها في سجلّات التاريخ، فيرتقون شهداء بالمئات والآلاف.
إن كافة التفسيرات التي ساقها النواب في وسائل الإعلام، بما في ذلك التبرير الوارد في قرار المجلس هي تفسيرات عقيمة مجانبة للحقيقة. فالقول بان هذه الإكراميات تندرج ضمن تمكين النواب من منحة نقل وسكن، هو قول متهافت لأن هذا الأمر حسمه البرلمان التونسي 2014-2019 حين ألغى سنة 2015 السكن بنزلي أفريكا والمشتل وعوضه بمنحة تقدّر بـ 900 دينار كما اتخذ قرار إلغاء الأكلة المجانية بمطعم المجلس وتعويضها بمنحة تقدّر بـ دينار300، علما وأن السكن بالنزلين المذكورين والأكل المجاني هو إجراء متعامل به منذ زمن الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وقد أدى إلغاء هذا الإجراء إلى تمكين خزينة المجلس بما يناهز 3 مليون دينار سنويا طلية الفترة 2015-2021، وتم الاستعاضة عن ذلك بتقديم منحة إضافية للنواب قدرها 1200 دينار لتصبح المنحة التي يتقاضاها النائب حوالي 3400 دينار بعد أن كانت في حدود 2400 دينار شهريا. والقول بأن هذه الإكراميات لتوفير أدوات عمل من كمبيوتر وهاتف أندرويد أو أيفون كما كان الحال بالمجالس السابقة، هو قول مجانب الصواب بدوره، لأن الهواتف في البرلمان التونسي 2014-2021، كان يقتنيها النواب من حرّ مالهم مع تسهيلات في الدفع من قبل المزوّدين (اتصالات تونس وأوريدو وأرونج)، أما مصدر الكمبيوترات المقدّمة إلى النواب لمرّة واحدة بعد كلّ من انتخابات 2014 و2019 فهو برنامج الأمم المتحدة للتنمية (مكتب تونس)، وليس ميزانية البرلمان التونسي. وفي حين أعلن بعض النواب أنهم يؤيدون هذا الإجراء الغنائمي بكلّ تحدّ وصلف، أعلن البعض الآخر أن لا علم لهم به، والواقع أن الجاهل لا يعذر بحهله بالقانون حسب القاعدة المألوفة، ناهيك أن يكون الأمر متعلّقا بمن يضع القانون نفسه ويشرّع للدولة والمجتمع. ذلك أن كلّ النواب سواء كانوا من المنتمين إلى الكُتل النيابية أو من غير المنتمين، لهم من يمثّلهم بمكتب المجلس، وبالتالي فإن القرار متناه إلى أسماعهم لا محالة.
وإن محاولة استقصائية بسيطة حول أجور النواب التي كانوا يتقاضونها في مهنهم الأصلية بوصف أغلبهم من الموظّفين المتوسطين النشيطين والمتقاعدين، كانت تتراوح بين 1700 و2000 دينار وقد مكّن التحاقهم بالبرلمان من مضاعفتها تقريبا، هذا دون ذكر من تحصّل على مقعد من "أبناء المشروع" العاطلين عن العمل.
لم يفهم البرلمان الجديد، بكل أعضاءه وكتله ومكتبه ورئيسه، أنه لا يحقّ له اتخاذ قرار منح النواب 3000 آلاف دينار على مدى 3 أشهر. كما لا يحق له اتخاذ أي قرار آخر يتعلّق بالزيادة في المنح والأجور، ذلك أن دستور 2022 حسم الامر نهائيا حينما أقرّ أن التشريع هو وظيفة وليس سلطة، وبالتالي فإن النواب هم من موظفي الدولة شأنهم شأن كلّ موظف عمومي، وأنهم يتقاضون أجرا وليس منحة، كما الحال سابقا، فالمنحة تمنح لمن يمارس سلطة والاجر يمنح لمن يمارس وظيفة، وعليه كان على البرلمان أن لا يخصّ نفسه بهذه الإكرامية الغنيمة في الأجر، وبدلا من ذلك كان عليه أن يطالب الحكومة أو أن يسنّ قانونا، إن هو اكتسب من الجرأة والشجاعة ما يؤهله للقيام بذلك، بمقتضاه يتمّ الرفع في أجور كل الموظفين والعاملين في الوظيفة العمومية والقطاعين العام والخاص، بوصفهم الناخبين أصحاب الفضل على هؤلاء النواب، ولردّ الجميل في ظلّ شطط الأسعار والتضخم وانتشار الفاقة والفقر والبؤس والمهانة.