إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مدير معهد تونس للسياسة لـ"الصباح": عدد الدوائر قد يصل إلى الـ274.. وإقصاء الأحزاب سيزيد من تشرذم وتشتت البرلمان

الاقتراع على الأفراد يمكن أن يؤدي الى تغييرات كبرى على منظومة الحكم

السيناريو الأفضل.. نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين.. يعتمد العتبة.. قائم على مشاركة الأحزاب

* الترفيع في عدد الدوائر الانتخابية سيساهم في تشتيت التحكم في العملية الانتخابية.

* علينا التوجه الى تحسين نظام الحكم المعتمد اليوم بطريقة يمكن معها خلق أكثر ما يمكن من التوازن

تونس-الصباح

ستة أشهر ونيف تفصلنا على موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها حسب روزنامة رئيس الجمهورية يوم 17 ديسمبر 2022. والأغلب، وحسب ما ورد في عدد من التصريحات المتعاقبة للرئيس قيس سعيد سيكون موعدا تتجه فيه تونس الى تغيير نظامها الانتخابي المنصوص عليه في دستور 2014، وستنتقل من نظام انتخابي قائم على النسبية والترشح ضمن قائمات، الى نظام انتخابي يقوم على الاقتراع على الأفراد ملامحه العامة لم تتضح بعد.

ومن اجل التدقيق أكثر في نظام الانتخاب على الأفراد وتبيان الفوارق بينه وبين نظام الانتخاب على القائمات، وأين مكامن الخطر فيه؟ وما التغييرات التي سيفرضها؟..  كان لـ"الصباح" لقاء مع احمد إدريس رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية ومدير معهد تونس للسياسة. وفي ما يلي تفسير وتوضيح لمختلف السيناريوهات المحتملة لنظام الاقتراع على الأفراد..

حوار: ريم سوودي

*أي تغيير قد يحصل في حال تم التوجه الى نظام الاقتراع على الأفراد في تونس؟

طريقة الاقتراع على الأفراد يمكن أن تخلف تغييرات كبرى على منظومة الحكم كما يمكن ألا تحدث أي تغيير يذكر. يبقى كل شيء مرتبطا بالمحدد الأساسي فيها وهو مشاركة الأحزاب من عدمها. فالاقتراع على الأفراد دون مشاركة أحزاب سياسية قد يعطي نتيجة مختلفة تماما عن طريقة الاقتراع على الأفراد بمشاركة أحزاب سياسية.

والاقتراع على الأفراد هو طريقة يمكن أن تكون بالأغلبية في دورة واحدة أو في دورتين. في حال تم الاقتراع على الأفراد في دورة واحدة فمن يترشح ويحصل على العدد الأكبر من الأصوات مهما كانت نسبتها من الجسم الانتخابي يكون هو الفائز بالانتخابات وحده. وفي حال كان الانتخاب على الأفراد بدورتين فالفائز سيكون من يتحصل على أكثر من 50% من أصوات الناخبين او بالأحرى المشاركين في الحدث الانتخابي.

 *ما الفرق هنا بين الاقتراع على الأفراد والاقتراع على القائمات؟

الاقتراع على القائمات يقوم فيه الأفراد بالترشح وتشكيل قائمة تتوافق مع عدد المقاعد المحددة في تلك الدائرة الانتخابية، فان كانت الدائرة الانتخابية تتكون من 6 أو 10 أو 12 مقعدا فلابد أن تضم القائمة نفس عدد المقاعد المتنافس عليه. ويتم اعتماد إما طريقة الاحتساب على "الأغلبية" أين تكون القائمة المتحصلة على أعلى عدد من الأصوات هي القائمة الفائزة بكل المقاعد بقطع النظر إن كانت متحصلة على أغلبية أصوات الجسم الانتخابي أو لا. أما طريقة الاحتساب على "النسبية" فيوزع الفائزون حسب عدد الأصوات المحددة لكل مقعد في كل دائرة وطبقا لعدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة يحدد عدد الفائزين فيها.

في الاقتراع على الأفراد نفس الشيء تقريبا، فعوض الترشح في شكل قائمات متنافسة تشكلها أحزاب أو ائتلافات أو مستقلون تصبح كل دائرة فيها مرشحون أفراد يتنافسون على مقعد وحيد ويفوز منهم مرشح وحيد ويمكن أن تكون ترشحات على أساس الأحزاب أو ترشحات لمستقلين.  ونعتمد هنا إما طريقة الاحتساب على الأغلبية ويكون من حصل على أغلبية الأصوات مهما كانت نسبتها مقارنة بعدد الناخبين هو الفائز بالانتخابات، وهي طريقة اقتراع يغيب عنها عنصر تكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف بين المترشحين. ويفضل إقرار إجرائها على دورتين حتى تكون ضامنة ان المترشح الذي لم يتحصل على الأغلبية في الدور الأول في ظل وجود عدد كبير من المترشحين في كل دائرة انتخابية، بحصر المنافسة أكثر والذهاب الى دور ثان يتنافس فيه الفائزان الأول والثاني أو حتى الثالث في الكثير من الأحيان، طبقا لما سيتم إقراره في نظام الاقتراع، فسيكون الفائز من حصل على الأغلبية بتمثيلية اكبر للناخبين.

*وفقا لما سبق يفرض المرور الى الاقتراع على الأفراد تحويرا وتغييرا شاملا للدوائر الانتخابية على أي أساس يقع هذا التقسيم؟

في حال المرور الى إقرار نظام الانتخاب على الأفراد، فإجباريا كل فرد سيمثل دائرة انتخابية. وفي الغالب يتم اللجوء الى الاقتراع على الأفراد من اجل استبعاد الخصوم السياسيين أو التفرد بالحكم. والتقسيم يكون معقدا، ويخضع في الغالب لعوامل سياسية أكثر منها قانونية. فتقسيم الدوائر بالمنظور السياسي يقع حسب خارطة النفوذ ومواقع قوة القائم بالتقسيم.

وهنا تجدر الإشارة الى انه في إطار تلافي هذا المشكل السياسي خير المشرع التونسي طيلة السنوات الماضية عدم المساس بالدوائر الانتخابية. أين تم توارثها من منظومة ما قبل 2011. وتم فقط إضافة دوائر الخارج فيما يتعلق بالمحطات الانتخابية السابقة التي اعتمدت الاقتراع على القائمات.

وبالنسبة للمقترح الذي نحن بصدد الاستماع إليه فيما يتعلق بخيار المرور الى الاقتراع على الأفراد، هو اعتبار كل معتمدية على أنها دائرة انتخابية وبالتالي يكون عدد الدوائر الانتخابية في حدود الـ274 دائرة بحسب آخر تحيين لعدد المعتمديات المنشور من قبل وزارة الداخلية التونسية. وبالتالي سيتم الترفيع أيضا في تركيبة مجلس نواب الشعب.

أما إذا اتجهنا الى تغيير هذا التقسيم القائم على المعتمديات، فيجب على المشرع، وهنا يتمثل في رئيس الجمهورية المعني بإصدار المراسيم، ان يصدر مرسوما يوضح فيه الآلية التي سيتم اعتمادها في تقسيم الدوائر وفرضيات التغيير التي يمكن اعتمادها، وهل يتم دمج معتمديتين أو أكثر ليكونوا دائرة ان فرضنا اننا سنحافظ على نفس عدد النواب داخل مجلس نواب الشعب الجديد بطريقة الاقتراع الجديدة على الأفراد والذي هو 217 نائب فقط. وهذا التوجه من المتوقع أن يطرح إشكاليات لذلك يفضل ان تكون عدد الدوائر متكافئة مع عدد المعتمديات.

إذن فخلاصة ما ذكرنا أن كل دائرة تمثل مقعدا والمرشحون سيتنافسون فرادا على مقعد وحيد في كل دائرة وعدد الدوائر يمثل عدد نواب مجلس الشعب الجديد.

*ما هي فرضيات مشاركة الأحزاب من عدمه في نظام الاقتراع على الأفراد؟

إن لم يتم التنصيص على تغييب الأحزاب في المرسوم المنظم للانتخابات، فالأحزاب سيكون لها مرشحون في كل الدوائر الانتخابية وستكون ممثلة في المجلس الجديد. فالمنطق يقول إن كل تشكيل حزبي له القدرة على تقديم مرشح للانتخابات عن كل معتمدية سيقوم بذلك. وبالتالي فان تركيبة المجلس ستكون انعكاسا لتلك الترشحات. ونحصل بالتالي على أغلبية ممثلة عن الأفراد الفائزين في دوائرهم الانتخابية عن الحزب الفائز في الانتخابات. ليكون بالتالي الكتلة الأكبر داخل المجلس.

أما في حال تم إقصاء الأحزاب ومنع ترشحها للانتخابات القادمة ولا نرى لا مساندة ولا ألوانا ولا حملة انتخابية، ومنعنا على الأفراد المترشحة أن تكون لها علاقة بأي حزب، فسيكون لنا أفراد مترشحون على دوائر انتخابية لا يوجد بينهم اي انسجام بينهم مطلوب منهم ان يتقاربوا داخل المجلس وإنشاء أغلبية للحكم، وهو تقريبا أمر شبه مستحيل خاصة في ظل التشرذم الذي نعيشه اليوم بالأحزاب الـ5  أو الـ6 الكبرى التي عجزت عن الحكم فما بالك في ظل حجم التشرذم الذي سيكون داخل مجلس كل مرشح تقدم بصفة فردية.

وبالتالي سيكون لنا مجلس غير متجانس يغيب عنه المصلحة الوطنية، كل واحد يحمل لمشروع وبرنامج محلي خاص بمعتمديته.

أمام هذه التغيرات التي يفترض أن تصاحب تغيير النظام الانتخابي هل المدة المتبقية كافية لتحقيق النقلة؟

هناك تغيير كبير في عدد الدوائر وتواجد هيئة الانتخابات..، لا نعلم هل الدولة قادرة على الإيفاء به وتغطية تكاليفه ام لا. في التصريحات الصادرة عن هيئة الانتخابات ومسؤولي الدولة هذا الأمر ممكن وسهل أيضا.

فقط من ناحية عمل هيئة الانتخابات التي لها هيئات فرعية تشرف على العملية الانتخابية في الدائرة الانتخابية وبالتالي فهذا يفرض أن الترفيع في عدد الدوائر الانتخابية سيرافقه ضرورة ترفيع في عدد الدوائر الانتخابية الفرعية للهيئة وهو ما سيتسبب في زيادة في حجم ميزانية الهيئة في حد ذاتها قبل الحديث أو النظر في كلفة الانتخابات. كما يساهم هذا التوسع في تشتيت التحكم في العملية الانتخابية.

*ماذا عن دوائر الخارج هل ستتم المحافظة عليها أم إلغاؤها؟

هذا يتوقف عن تقسيم الدوائر الذي سيتم اعتماده، هل ستعتبر الخارج دائرة انتخابية أم لا، وهو يحتاج الى مراجعة فكرة تشريك الخارج من عدمها التي الى حد الآن غير مطروحة ولم يتم الحديث عنها في أي من التصريحات المتعلقة بالانتخابات المرتقبة.

وأمام عدم وضوح التصور الخاص بالانتخابات على الأفراد، ليس لنا أي تصور عن مشاركة الخارج فالرئيس او من يعبرون عن فكره لم يقدموا أي تلميح عن هذه المسالة. لكن لا اضن أنها ستطرح إشكالا فقط تبقة مسالة مراجعة عدد الدوائر التي تعتبر مرتفعة نسبيا في الخارج وتطلب إعادة نظر.

*كيف يمكن تلافي هذا التشتت وعدم وجود مشروع وطني لنواب الشعب حتى مع إقرار نظام الحكم على الأفراد؟

الحفاظ على العامل الحزبي هو احد السبل لتلافي إمكانيات التشتت وغياب المشروع الوطني بالنسب للمترشحين، وهنا لم يكن هناك تغيير كبير على مستوى التمثيلية التي كانت داخل المجلس. والأفضل ان تكون انتخابات على دورتين حتى نضمن فائزين بتمثيليات انتخابية محترمة داخل مجلس نواب الشعب.

*إذا ما عدنا الى تجارب مقارنة فيما يتصل بالانتخاب على الأفراد ما المثال الأقرب للنجاح في تونس؟

على المستوى العالي تم الحسم فيما يتعلق بمسالة التمثيلي، اختاروا منذ البداية ألا تكون البرلمانات مفتوحة لأي توجه سياسي ليس له تمثيلية في المجتمع، وان تكون الكتل البرلمانية ممثلة بقوة في الجسم الانتخابي. وبالتالي لم يتم إقصاء الأحزاب السياسية بل شجعها على المشاركة وسعى الى توجيهها نحو الثنائية القطبية.

وبالتالي بالعودة الى تونس، في حال تم إقرار نظام الانتخاب على الأفراد في دورتين في نهاية المطاف سيكون لنا حزبين بالأساس داخل مجلس الشعب ولونين فقط احدهما اكبر تمثيلية من الآخر. وهو أمر يؤدي الى إضعاف بقية الأحزاب وحتى إخراجها من العملية السياسية.

أما إذا اعتمدنا المثال الفرنسي الذي فيه نظام اقتراع على الأفراد في دورتين، لكن من يمر الى الدور الثاني ليس الأول والثاني فقط بل كل من حصل على نسبة 12.5% من الأصوات. وهو ما يعرف بالعتبة.

وهنا قد نمر الى دور ثان بأكثر من حزبين في غالبية الأحيان. إذن فالاختيار في الدور الثاني لا ينحصر في ثنائية ويكون مجال للتنافس بين 3 او 4 احزاب الكبرى في البلاد وتكون هناك حظوظ لفوز الأول والثاني والثالث وان يكون المجلس أكثر تمثيلية.

ونتحدث هنا إذن على نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين قائم على مشاركة الأحزاب ودعمها للترشحين، يعتمد العتبة ويسمح بمرور الفائزين الأول والثاني والثالث وحتى الرابع للدور الثاني، يمكن عبره ضمان تمثيلية حقيقة للناخبين. وفي صورة قمنا بإلغاء مثلا مشاركة الأحزاب أو عدم سماحنا بمرور الثالث والرابع،  فيعني ذلك أننا سنحصل على مجلس مشتت غير متجانس لا يمكن تجميعه.

*ماهي المخاطر التي يمكن أن تواجهنا مع إقرار نظام الاقتراع على الأفراد؟

انطلاقا من التصريحات الصادرة عن رئيس الجمهورية او من المساندين لمشروعه، فان نظام الاقتراع سيكون على الأفراد في دورتين. وبالتالي فتحليلنا سيكون مرتبطا بالخيار الذي سيتم اعتماده وسيكون اما الفرضية الأولى والتي يتم خلالها إلغاء مشاركة الأحزاب (تم التلميح له في أكثر من مناسبة) فبالتالي سنمر الى أتعس وأسوأ خيار ممكن اعتماده في الاقتراع على الأفراد وسنجد أنفسنا أمام برلمان مشتت متشرذم دون مشروع أو رؤية وطنية. أما الفرضية الثانية والتي تسمح للأحزاب بالمشاركة فسنمر الى نظام حسب آخر استطلاعات للرأي سيكون فيه ما يعرف بـ"حزب الرئيس" في المرتبة الثانية في حين ان حزب معارض سيكون له أغلبية الأصوات داخل المجلس. وهو أمر لن يعطي حلا لمشكل عدم الاستقرار السياسي  نظرا الى أن مشكل الصراع بين الرئيس وحزبه داخل المجلس (لا نعرف تمثيليته الى اليوم) وبين الحزب الأغلبي ستبقى قائمة وسيكون لنا قوة سياسية داخل المجلس  معطلة للرئيس وحكومته.

وبالتالي مرورنا الى نظام الاقتراع على الأفراد دون إقرار الضمانات، التي هي مشاركة الأحزاب ودعمها للمترشحين وإقرار انتخابات على دورتين وتحديد العتبة لضمان مرور الحزب الثالث والرابع، فسيكون لنا حزب مهيمن في المجلس. في صورة ما كان في إطار نظام حكم مختلط أو برلماني فسينفرد بالحكم اما اذا كان حزبا مهيمنا في نظام السلطة التشريعية فيه ضعيفة وليس لها صلاحيات حقيقة وكل السلطة بيد رئيس الجمهورية سيكون قوة معارضة وتعطيل.

*كيف يمكن تلافي هذه المخاطر؟

علينا التوجه الى تحسين نظام الحكم المعتمد اليوم بطريقة يمكن معها خلق أكثر ما يمكن من التوازن بين السلطات، البرلمان يكون فعلا سلطة التشريع، الحكومة تحصل خلاله على ثقة البرلمان. حكومة مدعومة بأغلبية البرلمان هي التي تتولى الحكم فعليا ويكون الرئيس له دور الحكم ( وهو الأمر المطلوب). أو الحكم يكون لرئيس الجمهورية وحده وهو من يتولى تكوين الحكومة وليس للبرلمان دخل فيها.. وهذا يبقى خاضعا على غرار المثال الفرنسي الى نتائج الانتخابات التشريعية فإما يكون الفوز لحزب الرئيس، البرلمان والرئيس من نفس اللون، ويصبح نظام الحكم رئاسيا والرئيس فيها من يحدد تركيبة الحكومة. او لا تكون له الأغلبية البرلمانية، البرلمان والرئيس ليس لهما نفس اللون، فيتراجع الرئيس الى الوراء ويكتفي بدور الحكم.  فلا يكون رئيس السلطة التنفيذية، بل الأغلبية البرلمانية هي من تعين رئيس الحكومة الذي يكون الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية.

مدير معهد تونس للسياسة لـ"الصباح": عدد الدوائر قد يصل إلى الـ274.. وإقصاء الأحزاب سيزيد من تشرذم وتشتت البرلمان

الاقتراع على الأفراد يمكن أن يؤدي الى تغييرات كبرى على منظومة الحكم

السيناريو الأفضل.. نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين.. يعتمد العتبة.. قائم على مشاركة الأحزاب

* الترفيع في عدد الدوائر الانتخابية سيساهم في تشتيت التحكم في العملية الانتخابية.

* علينا التوجه الى تحسين نظام الحكم المعتمد اليوم بطريقة يمكن معها خلق أكثر ما يمكن من التوازن

تونس-الصباح

ستة أشهر ونيف تفصلنا على موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها حسب روزنامة رئيس الجمهورية يوم 17 ديسمبر 2022. والأغلب، وحسب ما ورد في عدد من التصريحات المتعاقبة للرئيس قيس سعيد سيكون موعدا تتجه فيه تونس الى تغيير نظامها الانتخابي المنصوص عليه في دستور 2014، وستنتقل من نظام انتخابي قائم على النسبية والترشح ضمن قائمات، الى نظام انتخابي يقوم على الاقتراع على الأفراد ملامحه العامة لم تتضح بعد.

ومن اجل التدقيق أكثر في نظام الانتخاب على الأفراد وتبيان الفوارق بينه وبين نظام الانتخاب على القائمات، وأين مكامن الخطر فيه؟ وما التغييرات التي سيفرضها؟..  كان لـ"الصباح" لقاء مع احمد إدريس رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية ومدير معهد تونس للسياسة. وفي ما يلي تفسير وتوضيح لمختلف السيناريوهات المحتملة لنظام الاقتراع على الأفراد..

حوار: ريم سوودي

*أي تغيير قد يحصل في حال تم التوجه الى نظام الاقتراع على الأفراد في تونس؟

طريقة الاقتراع على الأفراد يمكن أن تخلف تغييرات كبرى على منظومة الحكم كما يمكن ألا تحدث أي تغيير يذكر. يبقى كل شيء مرتبطا بالمحدد الأساسي فيها وهو مشاركة الأحزاب من عدمها. فالاقتراع على الأفراد دون مشاركة أحزاب سياسية قد يعطي نتيجة مختلفة تماما عن طريقة الاقتراع على الأفراد بمشاركة أحزاب سياسية.

والاقتراع على الأفراد هو طريقة يمكن أن تكون بالأغلبية في دورة واحدة أو في دورتين. في حال تم الاقتراع على الأفراد في دورة واحدة فمن يترشح ويحصل على العدد الأكبر من الأصوات مهما كانت نسبتها من الجسم الانتخابي يكون هو الفائز بالانتخابات وحده. وفي حال كان الانتخاب على الأفراد بدورتين فالفائز سيكون من يتحصل على أكثر من 50% من أصوات الناخبين او بالأحرى المشاركين في الحدث الانتخابي.

 *ما الفرق هنا بين الاقتراع على الأفراد والاقتراع على القائمات؟

الاقتراع على القائمات يقوم فيه الأفراد بالترشح وتشكيل قائمة تتوافق مع عدد المقاعد المحددة في تلك الدائرة الانتخابية، فان كانت الدائرة الانتخابية تتكون من 6 أو 10 أو 12 مقعدا فلابد أن تضم القائمة نفس عدد المقاعد المتنافس عليه. ويتم اعتماد إما طريقة الاحتساب على "الأغلبية" أين تكون القائمة المتحصلة على أعلى عدد من الأصوات هي القائمة الفائزة بكل المقاعد بقطع النظر إن كانت متحصلة على أغلبية أصوات الجسم الانتخابي أو لا. أما طريقة الاحتساب على "النسبية" فيوزع الفائزون حسب عدد الأصوات المحددة لكل مقعد في كل دائرة وطبقا لعدد الأصوات التي تحصلت عليها كل قائمة يحدد عدد الفائزين فيها.

في الاقتراع على الأفراد نفس الشيء تقريبا، فعوض الترشح في شكل قائمات متنافسة تشكلها أحزاب أو ائتلافات أو مستقلون تصبح كل دائرة فيها مرشحون أفراد يتنافسون على مقعد وحيد ويفوز منهم مرشح وحيد ويمكن أن تكون ترشحات على أساس الأحزاب أو ترشحات لمستقلين.  ونعتمد هنا إما طريقة الاحتساب على الأغلبية ويكون من حصل على أغلبية الأصوات مهما كانت نسبتها مقارنة بعدد الناخبين هو الفائز بالانتخابات، وهي طريقة اقتراع يغيب عنها عنصر تكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف بين المترشحين. ويفضل إقرار إجرائها على دورتين حتى تكون ضامنة ان المترشح الذي لم يتحصل على الأغلبية في الدور الأول في ظل وجود عدد كبير من المترشحين في كل دائرة انتخابية، بحصر المنافسة أكثر والذهاب الى دور ثان يتنافس فيه الفائزان الأول والثاني أو حتى الثالث في الكثير من الأحيان، طبقا لما سيتم إقراره في نظام الاقتراع، فسيكون الفائز من حصل على الأغلبية بتمثيلية اكبر للناخبين.

*وفقا لما سبق يفرض المرور الى الاقتراع على الأفراد تحويرا وتغييرا شاملا للدوائر الانتخابية على أي أساس يقع هذا التقسيم؟

في حال المرور الى إقرار نظام الانتخاب على الأفراد، فإجباريا كل فرد سيمثل دائرة انتخابية. وفي الغالب يتم اللجوء الى الاقتراع على الأفراد من اجل استبعاد الخصوم السياسيين أو التفرد بالحكم. والتقسيم يكون معقدا، ويخضع في الغالب لعوامل سياسية أكثر منها قانونية. فتقسيم الدوائر بالمنظور السياسي يقع حسب خارطة النفوذ ومواقع قوة القائم بالتقسيم.

وهنا تجدر الإشارة الى انه في إطار تلافي هذا المشكل السياسي خير المشرع التونسي طيلة السنوات الماضية عدم المساس بالدوائر الانتخابية. أين تم توارثها من منظومة ما قبل 2011. وتم فقط إضافة دوائر الخارج فيما يتعلق بالمحطات الانتخابية السابقة التي اعتمدت الاقتراع على القائمات.

وبالنسبة للمقترح الذي نحن بصدد الاستماع إليه فيما يتعلق بخيار المرور الى الاقتراع على الأفراد، هو اعتبار كل معتمدية على أنها دائرة انتخابية وبالتالي يكون عدد الدوائر الانتخابية في حدود الـ274 دائرة بحسب آخر تحيين لعدد المعتمديات المنشور من قبل وزارة الداخلية التونسية. وبالتالي سيتم الترفيع أيضا في تركيبة مجلس نواب الشعب.

أما إذا اتجهنا الى تغيير هذا التقسيم القائم على المعتمديات، فيجب على المشرع، وهنا يتمثل في رئيس الجمهورية المعني بإصدار المراسيم، ان يصدر مرسوما يوضح فيه الآلية التي سيتم اعتمادها في تقسيم الدوائر وفرضيات التغيير التي يمكن اعتمادها، وهل يتم دمج معتمديتين أو أكثر ليكونوا دائرة ان فرضنا اننا سنحافظ على نفس عدد النواب داخل مجلس نواب الشعب الجديد بطريقة الاقتراع الجديدة على الأفراد والذي هو 217 نائب فقط. وهذا التوجه من المتوقع أن يطرح إشكاليات لذلك يفضل ان تكون عدد الدوائر متكافئة مع عدد المعتمديات.

إذن فخلاصة ما ذكرنا أن كل دائرة تمثل مقعدا والمرشحون سيتنافسون فرادا على مقعد وحيد في كل دائرة وعدد الدوائر يمثل عدد نواب مجلس الشعب الجديد.

*ما هي فرضيات مشاركة الأحزاب من عدمه في نظام الاقتراع على الأفراد؟

إن لم يتم التنصيص على تغييب الأحزاب في المرسوم المنظم للانتخابات، فالأحزاب سيكون لها مرشحون في كل الدوائر الانتخابية وستكون ممثلة في المجلس الجديد. فالمنطق يقول إن كل تشكيل حزبي له القدرة على تقديم مرشح للانتخابات عن كل معتمدية سيقوم بذلك. وبالتالي فان تركيبة المجلس ستكون انعكاسا لتلك الترشحات. ونحصل بالتالي على أغلبية ممثلة عن الأفراد الفائزين في دوائرهم الانتخابية عن الحزب الفائز في الانتخابات. ليكون بالتالي الكتلة الأكبر داخل المجلس.

أما في حال تم إقصاء الأحزاب ومنع ترشحها للانتخابات القادمة ولا نرى لا مساندة ولا ألوانا ولا حملة انتخابية، ومنعنا على الأفراد المترشحة أن تكون لها علاقة بأي حزب، فسيكون لنا أفراد مترشحون على دوائر انتخابية لا يوجد بينهم اي انسجام بينهم مطلوب منهم ان يتقاربوا داخل المجلس وإنشاء أغلبية للحكم، وهو تقريبا أمر شبه مستحيل خاصة في ظل التشرذم الذي نعيشه اليوم بالأحزاب الـ5  أو الـ6 الكبرى التي عجزت عن الحكم فما بالك في ظل حجم التشرذم الذي سيكون داخل مجلس كل مرشح تقدم بصفة فردية.

وبالتالي سيكون لنا مجلس غير متجانس يغيب عنه المصلحة الوطنية، كل واحد يحمل لمشروع وبرنامج محلي خاص بمعتمديته.

أمام هذه التغيرات التي يفترض أن تصاحب تغيير النظام الانتخابي هل المدة المتبقية كافية لتحقيق النقلة؟

هناك تغيير كبير في عدد الدوائر وتواجد هيئة الانتخابات..، لا نعلم هل الدولة قادرة على الإيفاء به وتغطية تكاليفه ام لا. في التصريحات الصادرة عن هيئة الانتخابات ومسؤولي الدولة هذا الأمر ممكن وسهل أيضا.

فقط من ناحية عمل هيئة الانتخابات التي لها هيئات فرعية تشرف على العملية الانتخابية في الدائرة الانتخابية وبالتالي فهذا يفرض أن الترفيع في عدد الدوائر الانتخابية سيرافقه ضرورة ترفيع في عدد الدوائر الانتخابية الفرعية للهيئة وهو ما سيتسبب في زيادة في حجم ميزانية الهيئة في حد ذاتها قبل الحديث أو النظر في كلفة الانتخابات. كما يساهم هذا التوسع في تشتيت التحكم في العملية الانتخابية.

*ماذا عن دوائر الخارج هل ستتم المحافظة عليها أم إلغاؤها؟

هذا يتوقف عن تقسيم الدوائر الذي سيتم اعتماده، هل ستعتبر الخارج دائرة انتخابية أم لا، وهو يحتاج الى مراجعة فكرة تشريك الخارج من عدمها التي الى حد الآن غير مطروحة ولم يتم الحديث عنها في أي من التصريحات المتعلقة بالانتخابات المرتقبة.

وأمام عدم وضوح التصور الخاص بالانتخابات على الأفراد، ليس لنا أي تصور عن مشاركة الخارج فالرئيس او من يعبرون عن فكره لم يقدموا أي تلميح عن هذه المسالة. لكن لا اضن أنها ستطرح إشكالا فقط تبقة مسالة مراجعة عدد الدوائر التي تعتبر مرتفعة نسبيا في الخارج وتطلب إعادة نظر.

*كيف يمكن تلافي هذا التشتت وعدم وجود مشروع وطني لنواب الشعب حتى مع إقرار نظام الحكم على الأفراد؟

الحفاظ على العامل الحزبي هو احد السبل لتلافي إمكانيات التشتت وغياب المشروع الوطني بالنسب للمترشحين، وهنا لم يكن هناك تغيير كبير على مستوى التمثيلية التي كانت داخل المجلس. والأفضل ان تكون انتخابات على دورتين حتى نضمن فائزين بتمثيليات انتخابية محترمة داخل مجلس نواب الشعب.

*إذا ما عدنا الى تجارب مقارنة فيما يتصل بالانتخاب على الأفراد ما المثال الأقرب للنجاح في تونس؟

على المستوى العالي تم الحسم فيما يتعلق بمسالة التمثيلي، اختاروا منذ البداية ألا تكون البرلمانات مفتوحة لأي توجه سياسي ليس له تمثيلية في المجتمع، وان تكون الكتل البرلمانية ممثلة بقوة في الجسم الانتخابي. وبالتالي لم يتم إقصاء الأحزاب السياسية بل شجعها على المشاركة وسعى الى توجيهها نحو الثنائية القطبية.

وبالتالي بالعودة الى تونس، في حال تم إقرار نظام الانتخاب على الأفراد في دورتين في نهاية المطاف سيكون لنا حزبين بالأساس داخل مجلس الشعب ولونين فقط احدهما اكبر تمثيلية من الآخر. وهو أمر يؤدي الى إضعاف بقية الأحزاب وحتى إخراجها من العملية السياسية.

أما إذا اعتمدنا المثال الفرنسي الذي فيه نظام اقتراع على الأفراد في دورتين، لكن من يمر الى الدور الثاني ليس الأول والثاني فقط بل كل من حصل على نسبة 12.5% من الأصوات. وهو ما يعرف بالعتبة.

وهنا قد نمر الى دور ثان بأكثر من حزبين في غالبية الأحيان. إذن فالاختيار في الدور الثاني لا ينحصر في ثنائية ويكون مجال للتنافس بين 3 او 4 احزاب الكبرى في البلاد وتكون هناك حظوظ لفوز الأول والثاني والثالث وان يكون المجلس أكثر تمثيلية.

ونتحدث هنا إذن على نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين قائم على مشاركة الأحزاب ودعمها للترشحين، يعتمد العتبة ويسمح بمرور الفائزين الأول والثاني والثالث وحتى الرابع للدور الثاني، يمكن عبره ضمان تمثيلية حقيقة للناخبين. وفي صورة قمنا بإلغاء مثلا مشاركة الأحزاب أو عدم سماحنا بمرور الثالث والرابع،  فيعني ذلك أننا سنحصل على مجلس مشتت غير متجانس لا يمكن تجميعه.

*ماهي المخاطر التي يمكن أن تواجهنا مع إقرار نظام الاقتراع على الأفراد؟

انطلاقا من التصريحات الصادرة عن رئيس الجمهورية او من المساندين لمشروعه، فان نظام الاقتراع سيكون على الأفراد في دورتين. وبالتالي فتحليلنا سيكون مرتبطا بالخيار الذي سيتم اعتماده وسيكون اما الفرضية الأولى والتي يتم خلالها إلغاء مشاركة الأحزاب (تم التلميح له في أكثر من مناسبة) فبالتالي سنمر الى أتعس وأسوأ خيار ممكن اعتماده في الاقتراع على الأفراد وسنجد أنفسنا أمام برلمان مشتت متشرذم دون مشروع أو رؤية وطنية. أما الفرضية الثانية والتي تسمح للأحزاب بالمشاركة فسنمر الى نظام حسب آخر استطلاعات للرأي سيكون فيه ما يعرف بـ"حزب الرئيس" في المرتبة الثانية في حين ان حزب معارض سيكون له أغلبية الأصوات داخل المجلس. وهو أمر لن يعطي حلا لمشكل عدم الاستقرار السياسي  نظرا الى أن مشكل الصراع بين الرئيس وحزبه داخل المجلس (لا نعرف تمثيليته الى اليوم) وبين الحزب الأغلبي ستبقى قائمة وسيكون لنا قوة سياسية داخل المجلس  معطلة للرئيس وحكومته.

وبالتالي مرورنا الى نظام الاقتراع على الأفراد دون إقرار الضمانات، التي هي مشاركة الأحزاب ودعمها للمترشحين وإقرار انتخابات على دورتين وتحديد العتبة لضمان مرور الحزب الثالث والرابع، فسيكون لنا حزب مهيمن في المجلس. في صورة ما كان في إطار نظام حكم مختلط أو برلماني فسينفرد بالحكم اما اذا كان حزبا مهيمنا في نظام السلطة التشريعية فيه ضعيفة وليس لها صلاحيات حقيقة وكل السلطة بيد رئيس الجمهورية سيكون قوة معارضة وتعطيل.

*كيف يمكن تلافي هذه المخاطر؟

علينا التوجه الى تحسين نظام الحكم المعتمد اليوم بطريقة يمكن معها خلق أكثر ما يمكن من التوازن بين السلطات، البرلمان يكون فعلا سلطة التشريع، الحكومة تحصل خلاله على ثقة البرلمان. حكومة مدعومة بأغلبية البرلمان هي التي تتولى الحكم فعليا ويكون الرئيس له دور الحكم ( وهو الأمر المطلوب). أو الحكم يكون لرئيس الجمهورية وحده وهو من يتولى تكوين الحكومة وليس للبرلمان دخل فيها.. وهذا يبقى خاضعا على غرار المثال الفرنسي الى نتائج الانتخابات التشريعية فإما يكون الفوز لحزب الرئيس، البرلمان والرئيس من نفس اللون، ويصبح نظام الحكم رئاسيا والرئيس فيها من يحدد تركيبة الحكومة. او لا تكون له الأغلبية البرلمانية، البرلمان والرئيس ليس لهما نفس اللون، فيتراجع الرئيس الى الوراء ويكتفي بدور الحكم.  فلا يكون رئيس السلطة التنفيذية، بل الأغلبية البرلمانية هي من تعين رئيس الحكومة الذي يكون الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews