إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نور الدين حشاد لـ"الصباح": منعونا من الوصول إلى وثائق الاستعلامات الفرنسية وهذا الجديد في قضية اغتيال والدي

* لا نطالب باعتذار أو مستحقات مالية نريد فقط معرفة الحقيقة

* الدولة التونسية لم تقف معنا لكشف حقيقة اغتيال حشاد

* هناك غياب شبه كامل للدبلوماسية التونسية

* عرضوا علي مرتب وزير في هيئة حقوق الإنسان لكني تشبثت بالعمل دون أجر

* 25  جويلية كان ضرورة.. لكن المشكل في بطء الإجراءات

* تصريحات أنطوان ميليرو التي قال فيها إنه من نفذ عملية الاغتيال خاطئة

قال نور الدين حشاد، الوزير والدبلوماسي السابق، ونجل النقابي المناضل الشهيد فرحات حشاد، في حوار مع "الصباح" أنه لم يصل إلى نتيجة كاملة وتامة في قضية والده، مثلما يريدها وأن التناول بقي بمجهود شخصي، مشيرا إلى أن الدولة والحكومة لم تقفا إلى جانبه للوصول إلى أرشيف الاستعلامات الفرنسي، نافيا أقوال الضابط الفرنسي أنطوان ميليرو حول هوية منفذ الاغتيال.

وبيّن حشاد أنه وجد من رئيس الجمهورية قيس سعيد نفس الموقف ونفس الاهتمام ونفس التصريح ولكن عمليا عدم تسجيل أي تقدم، مُشدّدا على أنه سيواصل جهوده لكشف الحقيقة وأن ابنته هي التي ستتولى المهمة بعده.

وبخصوص إجراءات 25 جويلية أكد حشاد أن ما حصل كان من المفروض أن يحدث، إلا أنه يوجد ما يُقلقه، ويرى كديبلوماسي سابق أن تونس لا يمكن أن تعيش دون العالم وأن العالم في حاجة لتونس، وأن هناك غيابا تاما للدبلوماسية التونسية.

وفي التالي نص الحوار:

*   هل هناك جديد بخصوص ملف اغتيال فرحات حشاد؟

لم أنجح إلى حد الآن في إقحام الدولة والحكومة لتصبح قضيتهما، وليقوما بدورهما مثلما قامت به دول أخرى في العالم، في مثل هذه القضايا، في إطار خاصة القضايا القائمة لتركات فرنسا في تونس، وهو أمر لم تقم به الدولة إلى غاية الآن، ولهذا بقي التناول مجهودا شخصيا بدعم من الإتحاد العام التونسي للشغل منذ سنة 2009، ولكن لم نصل إلى نتيجة كاملة وتامة مثلما نريدها، خاصة الولوج إلى الوثائق الموجودة لدى مصالح الاستعلامات الفرنسية، التي قامت بالعملية سنة 1952.

*موافقة فرنسا، مؤخرا، على فتح الأرشيف وعدم سريته وهو ما ورد على لسان عدد من وزرائها ومسؤوليها وحتى رئيسها، ألا ترى أنه خطوة مهمة في اتجاه حلحلة الملف؟

الأرشيف الخاص الذي بقي، ويمثل أمرا أساسيا والمحدد لم نستطع الوصول إليه، ما ولجنا إليه مهم لكن الأهم هي الوثائق الموجودة لدى الاستعلامات الفرنسية والخاصة بها، وهذا إلى الآن ممنوع الوصول إليه، ولم تقف إلى جانبا الدولة التونسية على مدى أكثر من ستين سنة.

تعاقب 6 رؤساء جمهورية منذ الاستقلال، والوضع على حاله دون تغيير، حتى أن عديد الفرنسيين من المسؤولين بأنفسهم وجّهوا لي السؤال مباشرة هل أن دولتك معك أو لا؟.

*   هل مازلت مصرا على أن تصريح الضابط أنطوان ميليرو غير صحيح، وأنه ليس هو نفسه من دبّر الجريمة؟

تصريحات أنطوان خاطئة، لأنه كان في المغرب وليس في تونس، ولم يكن له أي وجود في تونس، ولم يزرها أصلا، وجلست معه وتحدثنا سنة 1993 في باريس، وكان حديثا مطولا، وأنطوان كتب كتابا مبنيا خاصة على "اليد الحمراء" في المغرب لأنه أقام في المغرب حينها، لكن كان متداولا في أوساط الأمن المغربي والتونسي وشمال إفريقيا بصفة عامة ما حدث بالنسبة لفرحات حشاد، فأخذ ما تم تداوله وجعله محورا  في كتابه بالنسبة لتونس، إلا أن العملية الكبرى من الاغتيالات التي تمت في تلك الفترة كانت من نصيب حشاد، ثم شملت المغرب والجزائر إلى حين استكمال استقلال الجزائر، وما قاله في 2010 غير صحيح.

*ماذا تريد أن تقول لرئيس الجمهورية الحالي بخصوص قضية والدك؟

ما أريد أن أقوله لرئيس الجمهورية قلته له في وقت سابق وبصفة مباشرة، ويعرفه جيدا، وفي كل سنة يأتي رئيس الجمهورية لذكرى استشهاد حشاد، وكل سنة أُعرّج على نفس الموضوع، وهو خير العارفين.

رئيس الجمهورية يُصرّح بأنه المُعبّر على "الشعب يُريد" وهناك موضوع منذ عقود يريد الشعب أن يعرفه وأن يعرف الحقيقة كاملة دون نقصان.

آخر مرة رأيت رئيس الجمهورية في ديسمبر 2021، في ذكرى اغتيال حشاد، ووجدت نفس التصريح ونفس الاهتمام والترحم ولكن عمليا لا شيء، أنا لم أطلب منه شيئا، لكن هذا طلب عام يعلمه جيدا، وهذا واجبه.

*هل ترى أن هناك أملا لمعرفة الحقيقة بعد مرور كل هذه العقود؟

هذا الموضوع واجبي، وعلي القيام به مهما طالت المدة، وإلى آخر نفس، ولم أنته منه، وسأواصل المهمة، وهيأت نفسي إذا لم أكن أنا فأبنائي سيستكملون المهمة، وخاصة ابنتي فهي جاهزة تماما وواعية بذلك وهي محامية، وبإمكانها المواصلة على نفس المنوال وحتى أفضل مني، وبإمكانيات أفضل.

وقلت مباشرة في مكتب فرانسوا هولاند رئيس فرنسا السابق، بأنه لن نستسلم في هذا الموضوع وإذا لم أواصل أنا فابنتي، وهي قضية مقدّسة بالنسبة لنا.

*هل ترى أن الدولة تراخت في هذا الجانب من ناحية الدعم؟

العديد من الدول مثل الجزائر ناميبيا، الكونغو تحرّكت وقامت بواجبها مع ألمانيا وناقشت مستحقاتها من هذا الجانب، لكن أنا وعائلتي لا نطالب باعتذار أو مستحقات مالية، نريد فقط معرفة الحقيقة والكشف عمّا ورد في الملفات.

*في سياق آخر، ماهو رأيك في لحظة 25 جويلية وما تلاها من قرارات؟

25 جويلة يمثل مرحلة من مراحل تاريخ تونس، وأنظر إليه نظرة كمؤرخ ومتابع لكن غير فاعل في الشأن العام، ما حصل في 25 جويلية كان من المفروض أن يحدث، وأصبح أمرا مطلوبا من طرف كامل الشعب على أساس أن الأفق مسدود أمامه منذ عشر سنوات وما قبلها، وأصبح الوقت مناسبا لإيجاد حل للخروج من هذا المأزق، ولكن بقي الأمر يسير في اتجاهات أخرى، وما يُقلقني هو وكأننا دولة غنية ولا تُعاني من أزمة اقتصادية، ولديها الوقت الكافي لمعالجة مشاكلها، بينما الوضع في تونس يتطلب عدم اضاعة مزيد من الوقت، فالوضع العام وخاصة الاقتصادي والاجتماعي للمواطن يزداد يوما بعد يوم سوءا، وكل المعايير الاقتصادية وكل الإحصائيات تُبيّن أن الضوء الأحمر قد اشتعل، وإلى متى سنظل على مثل هذه الوضعية، وليس لدينا الرفاهية اللازمة حتى نبقى على نحن عليه؟

لذا يجب كسب عنصر الوقت، ومن يسير البلاد يجب أن يضع هذا المعطى في الحسبان، ويجب أن يعلم أن الوقت لا يعمل لفائدتنا.

وأؤكد أن هناك أجوبة اقتصادية أساسية هي المعيار والمفاتيح. ففي تونس، أصبحت اليوم قضية الإمكانيات المالية هي الأهم، والمعيار الأساسي وبدونه لا حل في أي مجال.

*هل تتفق مع من يعتبر أن 25 جويلية كان ضروريا، إلا أن الإجراءات التي تلته لم تكن في محلّها؟

أرى أن كل الإجراءات بعد 25 جويلية مُرجّب بها، ولا مشكل فيها، القضية هي أنه لا وقت لدينا لنضيّعه أكثر، فالقرارات التي تم إصدارها منذ 25 جويلية إلى الآن، تقريبا فترة أكثر من 6 أشهر، كان يمكن أن يتم اتخاذها جميعها في شهرين فقط، وبالتالي اختزال الوقت، بمعايير الدولة والشأن العام الذي بات معروفا وما عشناه، وليس لدي أي اعتراض حتى على تعليق أنشطة مجلس نواب الشعب، لكن وبما أنه قد تم تعليق أشغال البرلمان فيجب المواصلة دون توقف وأن تتالى الإجراءات بسرعة.

والأهم هو الإجراءات الاقتصادية وخلفها الإجراءات الاجتماعية.

وجميع رؤساء الجمهورية الذين دخلوا قصر قرطاج لديهم الحظ لأن لديهم شعبا مثل الشعب التونسي، وذلك مقارنة بما يحدث وحدث في عدد من الدول مع شعوبها.

*كدبلوماسي سابق تقلّد منصب سفير في عدد من الدول، كيف يمكن تقييم الدبلوماسية التونسية حاليا، وكيف يمكن أن تستغل تونس علاقاتها الخارجية في ظل هذا الوضع خاصة الاقتصادي؟

منذ التأسيس، كان حشاد يسير الدبلوماسية التونسية، أي دبلوماسية الحركة التونسية منذ سنة 1952، وكانت هناك مكاتب في نيويورك وستوكهولم بروكسيل وباريس، فالدبلوماسية التونسية ثرية وقديمة وخُلقت منذ الحركة الوطنية، وماهو ثابت أن تونس لا يمكن أن تعيش في مختلف مراحلها دون العالم ولهذا يجب إيجاد سياسة كاملة مبنية على أساس أن يكون لتونس مواقف محددة وأن توافقها أغلب الدول على ذلك، وهو أمر جعل تونس لا مشكل لها في العالم، باستثناء إسرائيل، والمطلوب تكوين فريق يسافر إلى مختلف دول العالم لتفعيل الدبلوماسية التونسية يضم دبلوماسيين وخبراء قدماء وجدد، وحتى من يختارهم رئيس الجمهورية، ليُعبّروا للعالم عن تونس وماذا تغير فيها ويفسروا، ويعيدوا العلاقات الخارجية، وليُبيّنوا مواقفنا وماذا نريد.

والعالم بدوره في حاجة لتونس، وهذا أقوله على مسؤوليتي وكسفير سابق، استراتيجيا من ناحية موقع تونس الأساسي في إفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط، وفي حاجة إلى الطاقات والعقول والكفاءات التونسية.

هناك حاليا، غياب كامل للدبلوماسية التونسية ولا وجود لها، لاعتبارات عديدة، وهذا أمر ليس من الآن، فضرب الدبلوماسية بدأ منذ سنة 1995، وبدأت بالتراجع وقتها إلى أن وصلت إلى التغييب، وجاءت أطراف ومسؤولون وحتى رؤساء دول لا يؤمنون بالخارجية التونسية.

*غيابك عن الساحة السياسية منذ أن سحبت ترشحك من السباق الرئاسي في 2014، بماذا تُفسّره؟ وهل يمكن أن تعود كفاعل في الشأن السياسي؟

الآن لدي ثلاث أولويات وهي صحتي التي أريد الاعتناء بها، ثانيا التفرغ للكتابة فقد بدأت في كتابة "لماذا 5 ديسمبر الفعل الثوري التونسي" حول فرحات حشاد والحركة الوطنية، والأولوية الأخرى هي ملف استشهاد حشاد والسعي لكشف الحقيقة، وليس من أولوياتي العودة للسياسية. وتوجيه رسالة وظروف دفعتني إلى سحب ترشحي من الانتخابات الرئاسية السابقة.

*وماذا عن فترة ترؤسك للهيئة العليا لحقوق الإنسان، هل توافق بأن شهداء وجرحى الثورة وعائلات وأسر المقاومين لم يتم إنصافهم إلى الآن؟

فترة عملي في هيئة حقوق الإنسان 7 أشهر، لم أقبض مليما واحدا، وعملت دون أجر، وحتى عندما عرضوا علي مرتب وزير، رفضت ذلك وقلت أنني لا أخدم الشهداء بمُقابل.

الشهداء والجرحى، لم يحصلوا على حقوقهم، وهذا أصبح تقليدا تواصل مع المقاومين والمجاهدين من الكفاح المسلح إلى شهداء الثورة، وتونس من الدول القلائل في العالم التي لم تُفعّل بصفة رسمية مؤسسة لفائدة شهدائها وجرحاها.

وآمل أن تحقق المؤسسة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مؤخرا أهدافها.

درصاف اللموشي

نور الدين حشاد لـ"الصباح": منعونا من الوصول إلى وثائق الاستعلامات الفرنسية وهذا الجديد في قضية اغتيال والدي

* لا نطالب باعتذار أو مستحقات مالية نريد فقط معرفة الحقيقة

* الدولة التونسية لم تقف معنا لكشف حقيقة اغتيال حشاد

* هناك غياب شبه كامل للدبلوماسية التونسية

* عرضوا علي مرتب وزير في هيئة حقوق الإنسان لكني تشبثت بالعمل دون أجر

* 25  جويلية كان ضرورة.. لكن المشكل في بطء الإجراءات

* تصريحات أنطوان ميليرو التي قال فيها إنه من نفذ عملية الاغتيال خاطئة

قال نور الدين حشاد، الوزير والدبلوماسي السابق، ونجل النقابي المناضل الشهيد فرحات حشاد، في حوار مع "الصباح" أنه لم يصل إلى نتيجة كاملة وتامة في قضية والده، مثلما يريدها وأن التناول بقي بمجهود شخصي، مشيرا إلى أن الدولة والحكومة لم تقفا إلى جانبه للوصول إلى أرشيف الاستعلامات الفرنسي، نافيا أقوال الضابط الفرنسي أنطوان ميليرو حول هوية منفذ الاغتيال.

وبيّن حشاد أنه وجد من رئيس الجمهورية قيس سعيد نفس الموقف ونفس الاهتمام ونفس التصريح ولكن عمليا عدم تسجيل أي تقدم، مُشدّدا على أنه سيواصل جهوده لكشف الحقيقة وأن ابنته هي التي ستتولى المهمة بعده.

وبخصوص إجراءات 25 جويلية أكد حشاد أن ما حصل كان من المفروض أن يحدث، إلا أنه يوجد ما يُقلقه، ويرى كديبلوماسي سابق أن تونس لا يمكن أن تعيش دون العالم وأن العالم في حاجة لتونس، وأن هناك غيابا تاما للدبلوماسية التونسية.

وفي التالي نص الحوار:

*   هل هناك جديد بخصوص ملف اغتيال فرحات حشاد؟

لم أنجح إلى حد الآن في إقحام الدولة والحكومة لتصبح قضيتهما، وليقوما بدورهما مثلما قامت به دول أخرى في العالم، في مثل هذه القضايا، في إطار خاصة القضايا القائمة لتركات فرنسا في تونس، وهو أمر لم تقم به الدولة إلى غاية الآن، ولهذا بقي التناول مجهودا شخصيا بدعم من الإتحاد العام التونسي للشغل منذ سنة 2009، ولكن لم نصل إلى نتيجة كاملة وتامة مثلما نريدها، خاصة الولوج إلى الوثائق الموجودة لدى مصالح الاستعلامات الفرنسية، التي قامت بالعملية سنة 1952.

*موافقة فرنسا، مؤخرا، على فتح الأرشيف وعدم سريته وهو ما ورد على لسان عدد من وزرائها ومسؤوليها وحتى رئيسها، ألا ترى أنه خطوة مهمة في اتجاه حلحلة الملف؟

الأرشيف الخاص الذي بقي، ويمثل أمرا أساسيا والمحدد لم نستطع الوصول إليه، ما ولجنا إليه مهم لكن الأهم هي الوثائق الموجودة لدى الاستعلامات الفرنسية والخاصة بها، وهذا إلى الآن ممنوع الوصول إليه، ولم تقف إلى جانبا الدولة التونسية على مدى أكثر من ستين سنة.

تعاقب 6 رؤساء جمهورية منذ الاستقلال، والوضع على حاله دون تغيير، حتى أن عديد الفرنسيين من المسؤولين بأنفسهم وجّهوا لي السؤال مباشرة هل أن دولتك معك أو لا؟.

*   هل مازلت مصرا على أن تصريح الضابط أنطوان ميليرو غير صحيح، وأنه ليس هو نفسه من دبّر الجريمة؟

تصريحات أنطوان خاطئة، لأنه كان في المغرب وليس في تونس، ولم يكن له أي وجود في تونس، ولم يزرها أصلا، وجلست معه وتحدثنا سنة 1993 في باريس، وكان حديثا مطولا، وأنطوان كتب كتابا مبنيا خاصة على "اليد الحمراء" في المغرب لأنه أقام في المغرب حينها، لكن كان متداولا في أوساط الأمن المغربي والتونسي وشمال إفريقيا بصفة عامة ما حدث بالنسبة لفرحات حشاد، فأخذ ما تم تداوله وجعله محورا  في كتابه بالنسبة لتونس، إلا أن العملية الكبرى من الاغتيالات التي تمت في تلك الفترة كانت من نصيب حشاد، ثم شملت المغرب والجزائر إلى حين استكمال استقلال الجزائر، وما قاله في 2010 غير صحيح.

*ماذا تريد أن تقول لرئيس الجمهورية الحالي بخصوص قضية والدك؟

ما أريد أن أقوله لرئيس الجمهورية قلته له في وقت سابق وبصفة مباشرة، ويعرفه جيدا، وفي كل سنة يأتي رئيس الجمهورية لذكرى استشهاد حشاد، وكل سنة أُعرّج على نفس الموضوع، وهو خير العارفين.

رئيس الجمهورية يُصرّح بأنه المُعبّر على "الشعب يُريد" وهناك موضوع منذ عقود يريد الشعب أن يعرفه وأن يعرف الحقيقة كاملة دون نقصان.

آخر مرة رأيت رئيس الجمهورية في ديسمبر 2021، في ذكرى اغتيال حشاد، ووجدت نفس التصريح ونفس الاهتمام والترحم ولكن عمليا لا شيء، أنا لم أطلب منه شيئا، لكن هذا طلب عام يعلمه جيدا، وهذا واجبه.

*هل ترى أن هناك أملا لمعرفة الحقيقة بعد مرور كل هذه العقود؟

هذا الموضوع واجبي، وعلي القيام به مهما طالت المدة، وإلى آخر نفس، ولم أنته منه، وسأواصل المهمة، وهيأت نفسي إذا لم أكن أنا فأبنائي سيستكملون المهمة، وخاصة ابنتي فهي جاهزة تماما وواعية بذلك وهي محامية، وبإمكانها المواصلة على نفس المنوال وحتى أفضل مني، وبإمكانيات أفضل.

وقلت مباشرة في مكتب فرانسوا هولاند رئيس فرنسا السابق، بأنه لن نستسلم في هذا الموضوع وإذا لم أواصل أنا فابنتي، وهي قضية مقدّسة بالنسبة لنا.

*هل ترى أن الدولة تراخت في هذا الجانب من ناحية الدعم؟

العديد من الدول مثل الجزائر ناميبيا، الكونغو تحرّكت وقامت بواجبها مع ألمانيا وناقشت مستحقاتها من هذا الجانب، لكن أنا وعائلتي لا نطالب باعتذار أو مستحقات مالية، نريد فقط معرفة الحقيقة والكشف عمّا ورد في الملفات.

*في سياق آخر، ماهو رأيك في لحظة 25 جويلية وما تلاها من قرارات؟

25 جويلة يمثل مرحلة من مراحل تاريخ تونس، وأنظر إليه نظرة كمؤرخ ومتابع لكن غير فاعل في الشأن العام، ما حصل في 25 جويلية كان من المفروض أن يحدث، وأصبح أمرا مطلوبا من طرف كامل الشعب على أساس أن الأفق مسدود أمامه منذ عشر سنوات وما قبلها، وأصبح الوقت مناسبا لإيجاد حل للخروج من هذا المأزق، ولكن بقي الأمر يسير في اتجاهات أخرى، وما يُقلقني هو وكأننا دولة غنية ولا تُعاني من أزمة اقتصادية، ولديها الوقت الكافي لمعالجة مشاكلها، بينما الوضع في تونس يتطلب عدم اضاعة مزيد من الوقت، فالوضع العام وخاصة الاقتصادي والاجتماعي للمواطن يزداد يوما بعد يوم سوءا، وكل المعايير الاقتصادية وكل الإحصائيات تُبيّن أن الضوء الأحمر قد اشتعل، وإلى متى سنظل على مثل هذه الوضعية، وليس لدينا الرفاهية اللازمة حتى نبقى على نحن عليه؟

لذا يجب كسب عنصر الوقت، ومن يسير البلاد يجب أن يضع هذا المعطى في الحسبان، ويجب أن يعلم أن الوقت لا يعمل لفائدتنا.

وأؤكد أن هناك أجوبة اقتصادية أساسية هي المعيار والمفاتيح. ففي تونس، أصبحت اليوم قضية الإمكانيات المالية هي الأهم، والمعيار الأساسي وبدونه لا حل في أي مجال.

*هل تتفق مع من يعتبر أن 25 جويلية كان ضروريا، إلا أن الإجراءات التي تلته لم تكن في محلّها؟

أرى أن كل الإجراءات بعد 25 جويلية مُرجّب بها، ولا مشكل فيها، القضية هي أنه لا وقت لدينا لنضيّعه أكثر، فالقرارات التي تم إصدارها منذ 25 جويلية إلى الآن، تقريبا فترة أكثر من 6 أشهر، كان يمكن أن يتم اتخاذها جميعها في شهرين فقط، وبالتالي اختزال الوقت، بمعايير الدولة والشأن العام الذي بات معروفا وما عشناه، وليس لدي أي اعتراض حتى على تعليق أنشطة مجلس نواب الشعب، لكن وبما أنه قد تم تعليق أشغال البرلمان فيجب المواصلة دون توقف وأن تتالى الإجراءات بسرعة.

والأهم هو الإجراءات الاقتصادية وخلفها الإجراءات الاجتماعية.

وجميع رؤساء الجمهورية الذين دخلوا قصر قرطاج لديهم الحظ لأن لديهم شعبا مثل الشعب التونسي، وذلك مقارنة بما يحدث وحدث في عدد من الدول مع شعوبها.

*كدبلوماسي سابق تقلّد منصب سفير في عدد من الدول، كيف يمكن تقييم الدبلوماسية التونسية حاليا، وكيف يمكن أن تستغل تونس علاقاتها الخارجية في ظل هذا الوضع خاصة الاقتصادي؟

منذ التأسيس، كان حشاد يسير الدبلوماسية التونسية، أي دبلوماسية الحركة التونسية منذ سنة 1952، وكانت هناك مكاتب في نيويورك وستوكهولم بروكسيل وباريس، فالدبلوماسية التونسية ثرية وقديمة وخُلقت منذ الحركة الوطنية، وماهو ثابت أن تونس لا يمكن أن تعيش في مختلف مراحلها دون العالم ولهذا يجب إيجاد سياسة كاملة مبنية على أساس أن يكون لتونس مواقف محددة وأن توافقها أغلب الدول على ذلك، وهو أمر جعل تونس لا مشكل لها في العالم، باستثناء إسرائيل، والمطلوب تكوين فريق يسافر إلى مختلف دول العالم لتفعيل الدبلوماسية التونسية يضم دبلوماسيين وخبراء قدماء وجدد، وحتى من يختارهم رئيس الجمهورية، ليُعبّروا للعالم عن تونس وماذا تغير فيها ويفسروا، ويعيدوا العلاقات الخارجية، وليُبيّنوا مواقفنا وماذا نريد.

والعالم بدوره في حاجة لتونس، وهذا أقوله على مسؤوليتي وكسفير سابق، استراتيجيا من ناحية موقع تونس الأساسي في إفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط، وفي حاجة إلى الطاقات والعقول والكفاءات التونسية.

هناك حاليا، غياب كامل للدبلوماسية التونسية ولا وجود لها، لاعتبارات عديدة، وهذا أمر ليس من الآن، فضرب الدبلوماسية بدأ منذ سنة 1995، وبدأت بالتراجع وقتها إلى أن وصلت إلى التغييب، وجاءت أطراف ومسؤولون وحتى رؤساء دول لا يؤمنون بالخارجية التونسية.

*غيابك عن الساحة السياسية منذ أن سحبت ترشحك من السباق الرئاسي في 2014، بماذا تُفسّره؟ وهل يمكن أن تعود كفاعل في الشأن السياسي؟

الآن لدي ثلاث أولويات وهي صحتي التي أريد الاعتناء بها، ثانيا التفرغ للكتابة فقد بدأت في كتابة "لماذا 5 ديسمبر الفعل الثوري التونسي" حول فرحات حشاد والحركة الوطنية، والأولوية الأخرى هي ملف استشهاد حشاد والسعي لكشف الحقيقة، وليس من أولوياتي العودة للسياسية. وتوجيه رسالة وظروف دفعتني إلى سحب ترشحي من الانتخابات الرئاسية السابقة.

*وماذا عن فترة ترؤسك للهيئة العليا لحقوق الإنسان، هل توافق بأن شهداء وجرحى الثورة وعائلات وأسر المقاومين لم يتم إنصافهم إلى الآن؟

فترة عملي في هيئة حقوق الإنسان 7 أشهر، لم أقبض مليما واحدا، وعملت دون أجر، وحتى عندما عرضوا علي مرتب وزير، رفضت ذلك وقلت أنني لا أخدم الشهداء بمُقابل.

الشهداء والجرحى، لم يحصلوا على حقوقهم، وهذا أصبح تقليدا تواصل مع المقاومين والمجاهدين من الكفاح المسلح إلى شهداء الثورة، وتونس من الدول القلائل في العالم التي لم تُفعّل بصفة رسمية مؤسسة لفائدة شهدائها وجرحاها.

وآمل أن تحقق المؤسسة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مؤخرا أهدافها.

درصاف اللموشي