إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حل الأزمة السياسية: الغنوشي يطالب بـ"ضمانات".. وسعيد يشترط "النية الصادقة".. والإنتخابات المبكرة غير مستبعدة

قد يكون الانطباع الفوري من تداعيات الأحداث السياسية المتسارعة في تونس وخاصة تلك التي حصلت في منذ بداية الأسبوع الجاري وكان بطلها هذه المرة رئيس الجمهورية قيس سعيد، رسم صورة متشائمة أكثر قتامة من ذي قبل مفادها أن الأزمة السياسية الحالية ستستمر فصولها مع تواصل أسبابها، خاصة في غياب أي أمل في حوار سياسي عميق كفيل باتفاق الفاعلين السياسيين على خارطة طريق واضحة تعيد التوازن بين السلطات وتمنح الحد الأدنى من الاستقرار السياسي المفقود. في الواقع، برز لدى رئيس الجمهورية في علاقة بالأزمة القائمة، موقفان مهمان يتعلق الأول برفض تام وقاطع لمشروع قانون تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية الذي اعتبره محاولة من بعض القوى السياسية الداعمة لرئيس الحكومة لتصفية حسابات شخصية معه. اما الموقف الثاني فيتعلق بموقف سعيد من الحوار الوطني الذي عبر عنه في خطابه بمناسبة تحوله إلى مدينة المنستير في ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة. وهو الذي قال إنه لا حل للخروج من الأزمة السياسية الحالية إلا "بالنية الصادقة". وأكد سعيد متحدثا عن الحوار الوطني بأن بعض من سيشاركون فيه لا يعرفون معنى الوطنية ووصفهم بـ" اللصوص"، واعتبر ان البلاد انتقلت من الحزب الواحد الى "اللوبي الواحد" وانه غير مستعد للعمل مع "اللوبيات". وقال انه لن يقبل بالحوار الا حول الحلول للمشاكل الاجتماعية للمواطنين. وعن سؤال توجه به أحد الصحفيين بخصوص رؤيته للحل السياسي أجاب :" الحل ممكن اذا صفت النواياّ". ويُفهم من مواقف سعيّد أنه لا يرغب حاليا في إرساء محكمة دستورية يعتبرها خارج الآجال ولا يثق في آليات تركيزها وخاصة في كيفية اختيار أعضائها، وقد يتم توظيفها لعزله أو محاكمته. كما يُفهم من موقفه من الحوار الوطني أنه لا يثق تماما في خصومه السياسيين فهو مرتاب من أن بعض الأحزاب قد تستغل الحوار فقط من أجل فرض شروطها أو تحقيق مكاسب سياسية لمصالحها الضيقة. مقابل أن الطبقة السياسية التي يخشاها ويعتبرها عدوة له، لا تثق في قيس سعيد بل تعتبره خطرا على الانتقال الديمقراطي في تونس. أزمة ثقة إذن نحن أمام طرفي صراع لا يثقون في نوايا بعضهم البعض، وهي من أبرز الأسباب الحقيقية لفشل المرور لتنظيم حوار سياسي متكافئ الفرص دون شروط مسبقة، وهو أمر معقد ومطب كبير ومأزق شائك، فكيف الخروج منه. فإن كانت الأزمة الحالية قائمة على خلفية الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية على التحوير الوزاري الذي قام بها رئيس الحكومة يوم 25 جانفي الماضي، إلا أن جذور الأزمة تمتد إلى نتائج انتخابات 2019، خاصة منها التشريعية التي أنتجت برلمانا مشتتا دون فوز حقيقي لحزب أو لون او تحالف برلماني وسياسي متجانس وقوي قادر عن تشكيل حكومة مستقرة، فقد برز الإشكال الحقيقي مع تنافر حاد بين البرلمان ورئيس الجمهورية الذي لا ينتمي إلى أي حزب، وتجسم خاصة خلال لفترة تشكيل حكومة الياس الفخفاخ التي لم تمد طويلا ليتم إسقاطها بسبب حسابات وتقاطع مصالح سياسية وتنازع على الصلاحيات.. بالعودة إلى خطاب الرئيس، وقبله إلى مكتوبه المثير للجدل الموجه إلى البرلمان، وبغض النظر عن أهداف وتوقيت التسريبات الهاتفية التي يحاول مروجوها استغلالها في المعركة السياسية، ومن أهدافها تحسين شروط التفاوض والاستعداد للمعارك المقبلة.. يمكن أن نقف على بعض المؤشرات - المفاتيح التي يمكن التأسيس عليها لتوقع سيناريوهات الممكنة في علاقة بالأزمة الحالية وفرص الخروج منها لكل الأطراف المتداخلة فيها (رئيس الحكومة، البرلمان (أحزاب+ كتل+ تحالفات)، ورئيس الجمهورية) بأخف الأضرار وبحد أدنى من التوافق السياسي: مراجعة قانون المحكمة الدستورية سيناريو أول يتعلق بقبول جل الأطراف السياسية خاصة منها الكتل البرلمانية ورئاسة الجمهورية حلا توافقيا في علاقة بقضية المحكمة الدستورية، من خلال الذهاب إلى تنقيحات عاجلة في الشكل والمضمون في معظم أحكام القانون الأساسي للمحكمة الدستورية الذي يعتبرها قيس سعيد غير ضامنة لحياديتها واستقلالها. وتشمل التنقيحات غير تلك التي صادق عليها البرلمان مؤخرا ورفضها سعيد. ومن الواضح أن رئيس الجمهورية قد يقبل بأن يعهد للجنة خبراء في القانون الدستوري تنكب على عملية التنقيح ثم تحيل نتائج أعمالها على البرلمان ورئيس الجمهورية، فإن حصل توافق في شأنها يتم المرور فورا إلى المصادقة عليها ثم انتخاب أعضائها. وهنا نستحضر تصريح الخبير الدستوري أمين محفوظ الذي كان من بين الخبراء الذين استقبلهم مؤخرا قيس سعيد للتشاور بخصوص ملف المحكمة الدستورية، أن الإشكال في إرساء المحكمة الدستورية قانوني بالأساس، وسببه التجاذبات السياسية ورغبة الأحزاب في السيطرة على المحكمة الدستورية. واعتبر محفوظ أن القانون الحالي الخاص بإرساء المحكمة الدستورية “يمثل انحرافا خطيرا في مسار البناء الديمقراطي”.ودعا إلى إعادة النظر في القانون الخاص بالمحكمة وخاصة في ما يتعلق باختصاصات المرشحين، مشيرا إلى أن البرلمان عمد إلى إدخال تغييرات كبيرة على مسودة مشروع قانون المحكمة الدستورية الذي صاغته لجنة خبراء كان يترأسها “ما جعل المحكمة الدستورية تخرج في شكل مشيخة دستورية تقطع الطريق على تونس للانتقال إلى دولة قانون على غرار ألمانيا والنمسا وغيرها من الدولة التي تعلي شأن القانون”. حوار سياسي ينتهي بتحديد موعد لانتخابات مبكرة أما السيناريو الثاني، فيتمثل في إمكانية حصول حوار سياسي بعد تفكيك شفرة "النية الصادقة" التي اشترطها قيس سعيد، يتم تحديد مخرجاته بكل دقة. منها تحديد مصير الحكومة الحالية، تكوين لجان مشتركة بين الأحزاب والكتل البرلمانية ورئاسة الجمهورية لتنقيح القانون الانتخابي، الاتفاق على رزنامة واضحة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية منفصلة وغير متزامنة، قبل التوجه بالتنقيحات القانونية والدستورية لعرضها على البرلمان وعلى الاستفتاء الشعبي. مهما يكن من أمر، فإن جل الفاعلين السياسيين قد يتفقون على تشخيص أسباب الأزمة السياسية الحالية، لكن الاختلاف قائم في كيفية الخروج منها، مع ارتفاع منسوب التوجس والخوف والريبة من الآخر، بمعنى نقص منسوب الثقة بين الأطراف الصراع المتنازعة على السلطة والحكم. فإن كان سعيّد لا يثق تماما في نوايا خصومه السياسيين، الذين وصفهم باللوبي الواحد الباحث عن فقط عن تحقيق مصالح سياسية ضيقة على حساب البلاد والعباد، فإن الأطراف المقابلة أيضا لا تثق في توجهاته السياسية ويتوجسون خيفة من نواياه في التفرد بالحكم ووجود نزعة لديه في إقرار نظام رئاسوي تسلطي قد يعيد البلاد إلى مرحلة الاستبداد.. وهي فكرة عبّر عنها مؤخرا الناشط السياسي صافي سعيد حين كشف أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان "موافق على حلّ البرلمان إذا تعهّد الرئيس بإجراء انتخابات مبكّرة".. ففكرة الانتخابات المبكرة كحل للخروج من الأزمة ليست بجديدة، فقد كان أول من طرحها ولوّح بها رئيس الجمهورية قيس سعيد، حين هدد باللجوء إليها في حال عدم حصول حكومة إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان .فقد قال لدى لقائه كلا من رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد بتاريخ 17 فيفري 2020 قبل أسبوع من موعد الجلسة العامة البرلمانية لمنح الثقة للحكومة: "الدستور هو المرجع، وفي حال لم تحصل الحكومة التي سيتم تقديمها إلى البرلمان على الثقة فسيقع حل البرلمان واللجوء إلى الشعب فهو صاحب السيادة يمنحها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء وله الكلمة الفصل". حل الانتخابات المبكرة بات أكثر واقعية ولا يجد معارضة حقيقية من قبل جل الفاعلين السياسيين في الحكم أو في المعارضة، خاصة في صورة تواصل حالة الأزمة السياسية. وهو حل نادي به أيضا الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، ولم تعارضه المنظمات الوطنية المؤثرة مثل اتحاد الشغل. لكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، يقتضي توفر شرطين، تعديل القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية، بتوافق متوازن بين رئاسة الجمهورية والبرلمان، يخضع لشرط الثقة المتبادلة التي عبر عنها سعيد في عبارة "النية الصادقة"، وعبر عنها رئيس البرلمان في صيغة "الضمانات"، وهنا يمكن أن يكون طرفا ثالثا لم تتحد ملامحه بعد قادرا على لعب دور المحكم والمعدل بين الطرفين وقد يكون اتحاد الشغل، او هيئة تحكيمية مستقلة مثل ما اقترحته سابقا المنظمة الشغيلة حين وضعت مبادرتها لحاور وطني شامل بين أيادي رئيس الجمهورية..

رفيق بن عبد الله

     
قد يكون الانطباع الفوري من تداعيات الأحداث السياسية المتسارعة في تونس وخاصة تلك التي حصلت في منذ بداية الأسبوع الجاري وكان بطلها هذه المرة رئيس الجمهورية قيس سعيد، رسم صورة متشائمة أكثر قتامة من ذي قبل مفادها أن الأزمة السياسية الحالية ستستمر فصولها مع تواصل أسبابها، خاصة في غياب أي أمل في حوار سياسي عميق كفيل باتفاق الفاعلين السياسيين على خارطة طريق واضحة تعيد التوازن بين السلطات وتمنح الحد الأدنى من الاستقرار السياسي المفقود. في الواقع، برز لدى رئيس الجمهورية في علاقة بالأزمة القائمة، موقفان مهمان يتعلق الأول برفض تام وقاطع لمشروع قانون تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية الذي اعتبره محاولة من بعض القوى السياسية الداعمة لرئيس الحكومة لتصفية حسابات شخصية معه. اما الموقف الثاني فيتعلق بموقف سعيد من الحوار الوطني الذي عبر عنه في خطابه بمناسبة تحوله إلى مدينة المنستير في ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة. وهو الذي قال إنه لا حل للخروج من الأزمة السياسية الحالية إلا "بالنية الصادقة". وأكد سعيد متحدثا عن الحوار الوطني بأن بعض من سيشاركون فيه لا يعرفون معنى الوطنية ووصفهم بـ" اللصوص"، واعتبر ان البلاد انتقلت من الحزب الواحد الى "اللوبي الواحد" وانه غير مستعد للعمل مع "اللوبيات". وقال انه لن يقبل بالحوار الا حول الحلول للمشاكل الاجتماعية للمواطنين. وعن سؤال توجه به أحد الصحفيين بخصوص رؤيته للحل السياسي أجاب :" الحل ممكن اذا صفت النواياّ". ويُفهم من مواقف سعيّد أنه لا يرغب حاليا في إرساء محكمة دستورية يعتبرها خارج الآجال ولا يثق في آليات تركيزها وخاصة في كيفية اختيار أعضائها، وقد يتم توظيفها لعزله أو محاكمته. كما يُفهم من موقفه من الحوار الوطني أنه لا يثق تماما في خصومه السياسيين فهو مرتاب من أن بعض الأحزاب قد تستغل الحوار فقط من أجل فرض شروطها أو تحقيق مكاسب سياسية لمصالحها الضيقة. مقابل أن الطبقة السياسية التي يخشاها ويعتبرها عدوة له، لا تثق في قيس سعيد بل تعتبره خطرا على الانتقال الديمقراطي في تونس. أزمة ثقة إذن نحن أمام طرفي صراع لا يثقون في نوايا بعضهم البعض، وهي من أبرز الأسباب الحقيقية لفشل المرور لتنظيم حوار سياسي متكافئ الفرص دون شروط مسبقة، وهو أمر معقد ومطب كبير ومأزق شائك، فكيف الخروج منه. فإن كانت الأزمة الحالية قائمة على خلفية الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية على التحوير الوزاري الذي قام بها رئيس الحكومة يوم 25 جانفي الماضي، إلا أن جذور الأزمة تمتد إلى نتائج انتخابات 2019، خاصة منها التشريعية التي أنتجت برلمانا مشتتا دون فوز حقيقي لحزب أو لون او تحالف برلماني وسياسي متجانس وقوي قادر عن تشكيل حكومة مستقرة، فقد برز الإشكال الحقيقي مع تنافر حاد بين البرلمان ورئيس الجمهورية الذي لا ينتمي إلى أي حزب، وتجسم خاصة خلال لفترة تشكيل حكومة الياس الفخفاخ التي لم تمد طويلا ليتم إسقاطها بسبب حسابات وتقاطع مصالح سياسية وتنازع على الصلاحيات.. بالعودة إلى خطاب الرئيس، وقبله إلى مكتوبه المثير للجدل الموجه إلى البرلمان، وبغض النظر عن أهداف وتوقيت التسريبات الهاتفية التي يحاول مروجوها استغلالها في المعركة السياسية، ومن أهدافها تحسين شروط التفاوض والاستعداد للمعارك المقبلة.. يمكن أن نقف على بعض المؤشرات - المفاتيح التي يمكن التأسيس عليها لتوقع سيناريوهات الممكنة في علاقة بالأزمة الحالية وفرص الخروج منها لكل الأطراف المتداخلة فيها (رئيس الحكومة، البرلمان (أحزاب+ كتل+ تحالفات)، ورئيس الجمهورية) بأخف الأضرار وبحد أدنى من التوافق السياسي: مراجعة قانون المحكمة الدستورية سيناريو أول يتعلق بقبول جل الأطراف السياسية خاصة منها الكتل البرلمانية ورئاسة الجمهورية حلا توافقيا في علاقة بقضية المحكمة الدستورية، من خلال الذهاب إلى تنقيحات عاجلة في الشكل والمضمون في معظم أحكام القانون الأساسي للمحكمة الدستورية الذي يعتبرها قيس سعيد غير ضامنة لحياديتها واستقلالها. وتشمل التنقيحات غير تلك التي صادق عليها البرلمان مؤخرا ورفضها سعيد. ومن الواضح أن رئيس الجمهورية قد يقبل بأن يعهد للجنة خبراء في القانون الدستوري تنكب على عملية التنقيح ثم تحيل نتائج أعمالها على البرلمان ورئيس الجمهورية، فإن حصل توافق في شأنها يتم المرور فورا إلى المصادقة عليها ثم انتخاب أعضائها. وهنا نستحضر تصريح الخبير الدستوري أمين محفوظ الذي كان من بين الخبراء الذين استقبلهم مؤخرا قيس سعيد للتشاور بخصوص ملف المحكمة الدستورية، أن الإشكال في إرساء المحكمة الدستورية قانوني بالأساس، وسببه التجاذبات السياسية ورغبة الأحزاب في السيطرة على المحكمة الدستورية. واعتبر محفوظ أن القانون الحالي الخاص بإرساء المحكمة الدستورية “يمثل انحرافا خطيرا في مسار البناء الديمقراطي”.ودعا إلى إعادة النظر في القانون الخاص بالمحكمة وخاصة في ما يتعلق باختصاصات المرشحين، مشيرا إلى أن البرلمان عمد إلى إدخال تغييرات كبيرة على مسودة مشروع قانون المحكمة الدستورية الذي صاغته لجنة خبراء كان يترأسها “ما جعل المحكمة الدستورية تخرج في شكل مشيخة دستورية تقطع الطريق على تونس للانتقال إلى دولة قانون على غرار ألمانيا والنمسا وغيرها من الدولة التي تعلي شأن القانون”. حوار سياسي ينتهي بتحديد موعد لانتخابات مبكرة أما السيناريو الثاني، فيتمثل في إمكانية حصول حوار سياسي بعد تفكيك شفرة "النية الصادقة" التي اشترطها قيس سعيد، يتم تحديد مخرجاته بكل دقة. منها تحديد مصير الحكومة الحالية، تكوين لجان مشتركة بين الأحزاب والكتل البرلمانية ورئاسة الجمهورية لتنقيح القانون الانتخابي، الاتفاق على رزنامة واضحة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية منفصلة وغير متزامنة، قبل التوجه بالتنقيحات القانونية والدستورية لعرضها على البرلمان وعلى الاستفتاء الشعبي. مهما يكن من أمر، فإن جل الفاعلين السياسيين قد يتفقون على تشخيص أسباب الأزمة السياسية الحالية، لكن الاختلاف قائم في كيفية الخروج منها، مع ارتفاع منسوب التوجس والخوف والريبة من الآخر، بمعنى نقص منسوب الثقة بين الأطراف الصراع المتنازعة على السلطة والحكم. فإن كان سعيّد لا يثق تماما في نوايا خصومه السياسيين، الذين وصفهم باللوبي الواحد الباحث عن فقط عن تحقيق مصالح سياسية ضيقة على حساب البلاد والعباد، فإن الأطراف المقابلة أيضا لا تثق في توجهاته السياسية ويتوجسون خيفة من نواياه في التفرد بالحكم ووجود نزعة لديه في إقرار نظام رئاسوي تسلطي قد يعيد البلاد إلى مرحلة الاستبداد.. وهي فكرة عبّر عنها مؤخرا الناشط السياسي صافي سعيد حين كشف أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان "موافق على حلّ البرلمان إذا تعهّد الرئيس بإجراء انتخابات مبكّرة".. ففكرة الانتخابات المبكرة كحل للخروج من الأزمة ليست بجديدة، فقد كان أول من طرحها ولوّح بها رئيس الجمهورية قيس سعيد، حين هدد باللجوء إليها في حال عدم حصول حكومة إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان .فقد قال لدى لقائه كلا من رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد بتاريخ 17 فيفري 2020 قبل أسبوع من موعد الجلسة العامة البرلمانية لمنح الثقة للحكومة: "الدستور هو المرجع، وفي حال لم تحصل الحكومة التي سيتم تقديمها إلى البرلمان على الثقة فسيقع حل البرلمان واللجوء إلى الشعب فهو صاحب السيادة يمنحها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء وله الكلمة الفصل". حل الانتخابات المبكرة بات أكثر واقعية ولا يجد معارضة حقيقية من قبل جل الفاعلين السياسيين في الحكم أو في المعارضة، خاصة في صورة تواصل حالة الأزمة السياسية. وهو حل نادي به أيضا الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، ولم تعارضه المنظمات الوطنية المؤثرة مثل اتحاد الشغل. لكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، يقتضي توفر شرطين، تعديل القانون الانتخابي وإرساء المحكمة الدستورية، بتوافق متوازن بين رئاسة الجمهورية والبرلمان، يخضع لشرط الثقة المتبادلة التي عبر عنها سعيد في عبارة "النية الصادقة"، وعبر عنها رئيس البرلمان في صيغة "الضمانات"، وهنا يمكن أن يكون طرفا ثالثا لم تتحد ملامحه بعد قادرا على لعب دور المحكم والمعدل بين الطرفين وقد يكون اتحاد الشغل، او هيئة تحكيمية مستقلة مثل ما اقترحته سابقا المنظمة الشغيلة حين وضعت مبادرتها لحاور وطني شامل بين أيادي رئيس الجمهورية..

رفيق بن عبد الله

     

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews