إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ازدهرت وانتعشت..عندما تصبح ألعاب الحظ والرهان "الطريق الأسهل إلى الثروة"

 

تونس - الصباح

تعرف ألعاب الحظ والمراهنات رواجا منقطع النظير لدى فئات واسعة من المجتمع، وأكثرها شعبية هو الرهان على نتائج مباريات كرة القدم "البروموسبور" والرهان على نتائج سباق الخيل "التيارسي"، إضافة إلى انتشار ما يعرف بالرهان الإلكتروني، حيث يمني المراهن نفسه بالربح وبجني ثروة ستقلب حياته رأسا على عقب وذلك بمجرد "تعمير" ورقة صغيرة  قد تحمل معها ما عجز عن تحصيله بالعمل.

 

وتشير بعض التقارير غير الرسمية إلى أن نحو 500 ألف تونسي يمارسون الرهان الرياضي الإلكتروني، فيما لم يتم تحديد عدد المحلات التي تنظم هذه الألعاب نظرا لكونها مخالفة للقانون وتعد من المصادر التي تستنزف العملة الصعبة، وتعمل السلطات على تعقب الكثير من محلات الرهان التي تعتبرها محلات موازية وغير خاضعة للشروط التي تنظم ألعاب المراهنات وقد أثرت سلبا على إيرادات شركات رهان قانونية وخاضعة لإشراف وزارة الرياضة مثل "برومسبور" وهي إحدى المسابقات المعتمدة قانونيا والتي توفر أرباحا مالية هامة للدولة لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب غزو مواقع الرهان الافتراضي.

"البروموسبور"

الرهان على مباريات كرة القدم، "البروموسبور"، هو مسابقة التنمية الرياضية ويقوم الرهان على أساس التكهن بنتائج مباريات كرة قدم مختارة من البطولات المحلية أو الأجنبية على قصاصة رسمية تحتوي على 13 مباراة، وتنظم هذه المسابقة شركة النهوض بالرياضة، وهي شركة رسمية خاضعة لوزارة الشباب والرياضة، ويبلغ عدد مسابقات التكهن الرياضية حوالي 70 مسابقة سنويا وذلك بمعدل مسابقتين كل أسبوع طيلة الموسم الرياضي.

"التيارسي"

هي مسابقة للرهان على نتائج سباق الخيل خصصت لها 25 نقطة بيع في العاصمة تونس و6 نقاط موزعة على ولايات صفاقس وسوسة وقصر هلال ونابل وبنزرت والمنستير تتركز نقاط البيع أساساً في المقاهي، مقاه أصبحت مشهورة بهذا النشاط.

في الصباح الباكر يقصد المراهنون على سباق الخيل هذه المقاهي، يغوصون في فك رموز عشرات التركيبات من الأرقام المقترحة ثم يختارون مجموعة من الخيول المفترض أن تحقق المراتب الأولى.

تشرف على هذه المسابقات الوكالة التونسية للتضامن وهي وكالة تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وتنقسم السباقات التي تتم المراهنة على نتائجها بين سباقات الخيل في تونس وسباقات الخيل في فرنسا.

الرهانات الحديثة

لا يكتفي التونسي بالمسابقات الرسمية حيث صارت المراهنات الرياضة عبر الإنترنت وسيلة جديدة للمراهنين، فقد استقطبت شركات المراهنة العالمية، المراهنين التونسيين كونها تتيح لهم أن يراهنوا يوميا، وتمكنهم من حرية اختيار المباريات التي سيراهنون عليها، بعكس القصاصة الرسمية التي تحددها سلفا، كما تقدم أنواعا جديدة من الرهانات الرياضة .

الطريق السريعة إلى الثروة

في أغلب  مقاهي العاصمة، تعرض معظم مباريات كرة القدم الوطنية والعالمية، لا حديث بين رواده إلا على كرة القدم وأخبار الأندية وشراء وبيع اللاعبين وخيارات المدربين التكتيكية، يحول المشاهدون طاولاتهم إلى استيديوهات تحليلية ويسجلون على الأوراق احتمالات نتائج المباريات المبرمجة لهذا الأسبوع.

مالك شاب عاطل عن العمل لم يتجاوز عمره الثلاثين سنة ومراهن، شرح لنا كيفية الرهان الالكتروني، ويقول أنه تمكن من إنشاء حساب خاص في المواقع الالكترونية لشركات عالمية ويقوم عبر أقربائه في أوروبا بتزويد هذا الحساب بالعملة الصعبة لدفع ثمن الرهان الذي لا يتم إلا باليورو أو بالدولار.

يواظب أشرف، وهو أستاذ أربعيني، على الحضور إلى هذا المقهى، هو محب لكرة القدم منذ صغره ويتابع كل نتائج المباريات وترتيب الأندية التونسية والعالمية لكن مع تقدمه في الدراسة ثم انشغاله بالعمل ابتعد عن عالم المراهنات واكتفى بالمتابعة كأغلب التونسيين، يقول أشرف أن بدايته مع المراهنة كانت نتيجة تحد مع الأصدقاء نظرا لمعرفته الواسعة في شؤون الرياضة وقدرته على التكهن بنتائج المباريات، ثم صار يراهن دوريا بعد أن داعبه حلم الثروة، وراح ينتظر بفارغ الصبر أيام المراهنة وأيام الإعلان عن النتائج، ويضيف أنه أحيانا كان يقضي أسبوعا كاملا في دراسة المباريات وبحث احتمالات فوز الأندية، واكتسب عاداته الخاصة بالمراهنة، قلمه الخاص لكتابة الاحتمالات، وطاولته الخاصة في المقهى، وأنديته المفضلة، وصديقه الذي لا يتابع كرة القدم لكنه يجلب الحظ.

في نفس المقهى، تحدثنا إلى  مراهن سبق له الفوز وهو محمد وعمره يقارب الأربعين سنة أخبرنا أنه فاز سنة 2014 وما يزال يذكر جيدا ذلك التاريخ فاز بمبلغ قدره 283 ألف دينار وكان حينذاك عاطلا عن العمل ويقضي كامل وقته في المقهى ويقتطع من مصروفه للمراهنة على نتائج مباريات كرة القدم، أما بعد الفوز، فقد قام ببناء منزله الخاص وتزوج وهو الآن يدير مشروعا تجاريا خاصا، وأكد أنه ما يزال يواصل المراهنة على مباريات كرة القدم.

من جهته يقول شهاب وهو كهل عاطل عن العمل "بدأت في ممارسة هذه الألعاب منذ عامين بهدف تحسين مستوى عيشي وبحثا عن الثروة بطريقة سهلة بسبب محدودية دخلي الشهري، وحالة الفقر التي يعيشها على حد قوله، ورغبة منه في الخروج من الصعوبات المادية التي يجدها كغيره من الشباب التونسي، وسبق له أن غنم بفضل هذه المراهنات مبالغ مالية تراوحت بين مائة و120 دينارا معتبرا أن حالة اليأس من العثور على شغل مرموق دفعته إلى البحث عن الثراء من بوابة الرهان الرياضي الإلكتروني.

أسباب نفسية واقتصادية

ظاهرة الإقبال الكثيف على ألعاب الحظ والمراهنات ليست حكرا على تونس فقط بل تنتشر عالميا، وهي نتيجة لثقافة سائدة تحث الأفراد على تحقيق ثروة عبر الطرق الأقصر والأسهل هذا ما أكده الأستاذ سامي بن نصر، أستاذ علم الاجتماع الذي أكد أن هناك توجها نحو  بالخمول والكسل والسعي إلى الربح السهل دون عناء وهذا يجعل لموضوعنا بعض الخصوصية".

وعن واقع اليوم، قال بن نصر إن "قلة فرص العمل ومعدلات التضخم الكبيرة وتدني الأجور كلها أسباب تدفع التونسي إلى البحث عن سبل أخرى لتدبير نفقات المعيشة التي تتزايد باطراد نظرا لانفتاح البلاد منذ القدم على الغرب وعلى منتجاته التكنولوجية والحضارية، وبحث التونسي عن الترفيه والمتعة هو سبب آخر قد يفسر اندفاعه وراء هذه المراهنات "فقد أصبحت الكماليات مع مرور الوقت ضرورة معيشية لا يمكن الاستغناء عنها عند نسبة كبيرة من الشعب الشغوف بطبعه برياضة كرة القدم، كما أن فئة كبيرة من التونسيين لا تثق في العمل لتغيير واقعها المعيشي الصعب ومن هنا أصبح الرهان الإلكتروني ملاذها الأول للوصول إلى الثروة، كما أن هذا النشاط صار مظهرا من مظاهر الحداثة لدى الكثيرين حتى أن البعض يتظاهر به في المواقع الاجتماعية أو في حياته اليومية، ويضيف قائلا: "يصل البعض إلى الإدمان وهي حالة تعكس بوضوح الرغبة في التخلص من الواقع الصعب واختزال مسافات الربح المادي وذلك بالنظر إلى تردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

 

إعداد:وجيه الوافي

ازدهرت وانتعشت..عندما تصبح ألعاب الحظ والرهان "الطريق الأسهل إلى الثروة"

 

تونس - الصباح

تعرف ألعاب الحظ والمراهنات رواجا منقطع النظير لدى فئات واسعة من المجتمع، وأكثرها شعبية هو الرهان على نتائج مباريات كرة القدم "البروموسبور" والرهان على نتائج سباق الخيل "التيارسي"، إضافة إلى انتشار ما يعرف بالرهان الإلكتروني، حيث يمني المراهن نفسه بالربح وبجني ثروة ستقلب حياته رأسا على عقب وذلك بمجرد "تعمير" ورقة صغيرة  قد تحمل معها ما عجز عن تحصيله بالعمل.

 

وتشير بعض التقارير غير الرسمية إلى أن نحو 500 ألف تونسي يمارسون الرهان الرياضي الإلكتروني، فيما لم يتم تحديد عدد المحلات التي تنظم هذه الألعاب نظرا لكونها مخالفة للقانون وتعد من المصادر التي تستنزف العملة الصعبة، وتعمل السلطات على تعقب الكثير من محلات الرهان التي تعتبرها محلات موازية وغير خاضعة للشروط التي تنظم ألعاب المراهنات وقد أثرت سلبا على إيرادات شركات رهان قانونية وخاضعة لإشراف وزارة الرياضة مثل "برومسبور" وهي إحدى المسابقات المعتمدة قانونيا والتي توفر أرباحا مالية هامة للدولة لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب غزو مواقع الرهان الافتراضي.

"البروموسبور"

الرهان على مباريات كرة القدم، "البروموسبور"، هو مسابقة التنمية الرياضية ويقوم الرهان على أساس التكهن بنتائج مباريات كرة قدم مختارة من البطولات المحلية أو الأجنبية على قصاصة رسمية تحتوي على 13 مباراة، وتنظم هذه المسابقة شركة النهوض بالرياضة، وهي شركة رسمية خاضعة لوزارة الشباب والرياضة، ويبلغ عدد مسابقات التكهن الرياضية حوالي 70 مسابقة سنويا وذلك بمعدل مسابقتين كل أسبوع طيلة الموسم الرياضي.

"التيارسي"

هي مسابقة للرهان على نتائج سباق الخيل خصصت لها 25 نقطة بيع في العاصمة تونس و6 نقاط موزعة على ولايات صفاقس وسوسة وقصر هلال ونابل وبنزرت والمنستير تتركز نقاط البيع أساساً في المقاهي، مقاه أصبحت مشهورة بهذا النشاط.

في الصباح الباكر يقصد المراهنون على سباق الخيل هذه المقاهي، يغوصون في فك رموز عشرات التركيبات من الأرقام المقترحة ثم يختارون مجموعة من الخيول المفترض أن تحقق المراتب الأولى.

تشرف على هذه المسابقات الوكالة التونسية للتضامن وهي وكالة تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وتنقسم السباقات التي تتم المراهنة على نتائجها بين سباقات الخيل في تونس وسباقات الخيل في فرنسا.

الرهانات الحديثة

لا يكتفي التونسي بالمسابقات الرسمية حيث صارت المراهنات الرياضة عبر الإنترنت وسيلة جديدة للمراهنين، فقد استقطبت شركات المراهنة العالمية، المراهنين التونسيين كونها تتيح لهم أن يراهنوا يوميا، وتمكنهم من حرية اختيار المباريات التي سيراهنون عليها، بعكس القصاصة الرسمية التي تحددها سلفا، كما تقدم أنواعا جديدة من الرهانات الرياضة .

الطريق السريعة إلى الثروة

في أغلب  مقاهي العاصمة، تعرض معظم مباريات كرة القدم الوطنية والعالمية، لا حديث بين رواده إلا على كرة القدم وأخبار الأندية وشراء وبيع اللاعبين وخيارات المدربين التكتيكية، يحول المشاهدون طاولاتهم إلى استيديوهات تحليلية ويسجلون على الأوراق احتمالات نتائج المباريات المبرمجة لهذا الأسبوع.

مالك شاب عاطل عن العمل لم يتجاوز عمره الثلاثين سنة ومراهن، شرح لنا كيفية الرهان الالكتروني، ويقول أنه تمكن من إنشاء حساب خاص في المواقع الالكترونية لشركات عالمية ويقوم عبر أقربائه في أوروبا بتزويد هذا الحساب بالعملة الصعبة لدفع ثمن الرهان الذي لا يتم إلا باليورو أو بالدولار.

يواظب أشرف، وهو أستاذ أربعيني، على الحضور إلى هذا المقهى، هو محب لكرة القدم منذ صغره ويتابع كل نتائج المباريات وترتيب الأندية التونسية والعالمية لكن مع تقدمه في الدراسة ثم انشغاله بالعمل ابتعد عن عالم المراهنات واكتفى بالمتابعة كأغلب التونسيين، يقول أشرف أن بدايته مع المراهنة كانت نتيجة تحد مع الأصدقاء نظرا لمعرفته الواسعة في شؤون الرياضة وقدرته على التكهن بنتائج المباريات، ثم صار يراهن دوريا بعد أن داعبه حلم الثروة، وراح ينتظر بفارغ الصبر أيام المراهنة وأيام الإعلان عن النتائج، ويضيف أنه أحيانا كان يقضي أسبوعا كاملا في دراسة المباريات وبحث احتمالات فوز الأندية، واكتسب عاداته الخاصة بالمراهنة، قلمه الخاص لكتابة الاحتمالات، وطاولته الخاصة في المقهى، وأنديته المفضلة، وصديقه الذي لا يتابع كرة القدم لكنه يجلب الحظ.

في نفس المقهى، تحدثنا إلى  مراهن سبق له الفوز وهو محمد وعمره يقارب الأربعين سنة أخبرنا أنه فاز سنة 2014 وما يزال يذكر جيدا ذلك التاريخ فاز بمبلغ قدره 283 ألف دينار وكان حينذاك عاطلا عن العمل ويقضي كامل وقته في المقهى ويقتطع من مصروفه للمراهنة على نتائج مباريات كرة القدم، أما بعد الفوز، فقد قام ببناء منزله الخاص وتزوج وهو الآن يدير مشروعا تجاريا خاصا، وأكد أنه ما يزال يواصل المراهنة على مباريات كرة القدم.

من جهته يقول شهاب وهو كهل عاطل عن العمل "بدأت في ممارسة هذه الألعاب منذ عامين بهدف تحسين مستوى عيشي وبحثا عن الثروة بطريقة سهلة بسبب محدودية دخلي الشهري، وحالة الفقر التي يعيشها على حد قوله، ورغبة منه في الخروج من الصعوبات المادية التي يجدها كغيره من الشباب التونسي، وسبق له أن غنم بفضل هذه المراهنات مبالغ مالية تراوحت بين مائة و120 دينارا معتبرا أن حالة اليأس من العثور على شغل مرموق دفعته إلى البحث عن الثراء من بوابة الرهان الرياضي الإلكتروني.

أسباب نفسية واقتصادية

ظاهرة الإقبال الكثيف على ألعاب الحظ والمراهنات ليست حكرا على تونس فقط بل تنتشر عالميا، وهي نتيجة لثقافة سائدة تحث الأفراد على تحقيق ثروة عبر الطرق الأقصر والأسهل هذا ما أكده الأستاذ سامي بن نصر، أستاذ علم الاجتماع الذي أكد أن هناك توجها نحو  بالخمول والكسل والسعي إلى الربح السهل دون عناء وهذا يجعل لموضوعنا بعض الخصوصية".

وعن واقع اليوم، قال بن نصر إن "قلة فرص العمل ومعدلات التضخم الكبيرة وتدني الأجور كلها أسباب تدفع التونسي إلى البحث عن سبل أخرى لتدبير نفقات المعيشة التي تتزايد باطراد نظرا لانفتاح البلاد منذ القدم على الغرب وعلى منتجاته التكنولوجية والحضارية، وبحث التونسي عن الترفيه والمتعة هو سبب آخر قد يفسر اندفاعه وراء هذه المراهنات "فقد أصبحت الكماليات مع مرور الوقت ضرورة معيشية لا يمكن الاستغناء عنها عند نسبة كبيرة من الشعب الشغوف بطبعه برياضة كرة القدم، كما أن فئة كبيرة من التونسيين لا تثق في العمل لتغيير واقعها المعيشي الصعب ومن هنا أصبح الرهان الإلكتروني ملاذها الأول للوصول إلى الثروة، كما أن هذا النشاط صار مظهرا من مظاهر الحداثة لدى الكثيرين حتى أن البعض يتظاهر به في المواقع الاجتماعية أو في حياته اليومية، ويضيف قائلا: "يصل البعض إلى الإدمان وهي حالة تعكس بوضوح الرغبة في التخلص من الواقع الصعب واختزال مسافات الربح المادي وذلك بالنظر إلى تردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

 

إعداد:وجيه الوافي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews