إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منع الأكياس البلاستيكية أثقل كاهل المواطن ولم يحم البيئة.. لفائدة من؟

 
 
تونس-الصباح 
رغم ما يطرحه موضوع التلوث الناجم عن النفايات البلاستيكية ومنها الأكياس البلاستيكية من مخاطر  صحية وبيئية وحتى تداعيات اقتصادية وشبه الإجماع أنه من المسائل الثانوية والمسكوت عنها في تونس بل لعل البعض يعتبره ترفا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن ما يشوب إقرار وتطبيق  بعض القوانين المهتمة بالبيئة من إخلالات وتجاوزات ومحاباة أحيانا وشبهات فساد أحيانا أخرى، يزيد من تعقيد الوضع ويصعب مهمة إقناع المواطن البسيط بـ"نبل" تلك القوانين التي تسن وبضرورة انخراط المواطن طوعا في حماية بيئته ومحيطه.    
تعد معضلة الأكياس البلاستيكية التي تغزو البلاد من شمالها إلى جنوبها إشكالا حقيقيا يؤرق عمال النظافة ويشوه الوجهة السياحية التونسية في ظل تذمر السياح المستمر ويثير مخاوف خبراء البيئة لما يطرحه بطء تحلل تلك النفايات البلاستيكية في الطبيعة (أكثر من 500 سنة) من مخاطر على الصحة وعلى المياه، وفي هذا السياق يتنزل إقرار الأمر القاضي بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية في 2016 من قبل وزير البيئة حينها رياض المؤخر، على أن يتم تنفيذه تدريجيا وصولا إلى  منع الأكياس البلاستيكية بصفة نهائية بداية من سنة 2021 بالنسبة للمنتجين والموردين والمستعملين.
وانطلقت الوزارة، منذ غرة مارس 2020، في تنفيذ مقتضيات الأمر الحكومي (المؤرخ في 16 جانفي 2020 والذي يضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يمنع انتاجها وتوريدها وتوزيعها في السوق) ليشمل في مرحلة أولى الصيدليات والمساحات التجارية.
 علما أن التطبيق انطلق فعليا 01 مارس 2017  بالشروع في تطبيق الاتفاقية الممضاة بين وزارة الشؤون المحلية والبيئة وغرفة المساحات التجارية الكبرى للتخلي عن الأكياس البلاستيكية لتعويضها بأكياس بديلة تستعمل لمرّات عدة.
وكان ذلك بمثابة الخطوة أولى في اتجاه التخلي نهائيا عن استعمال الأكياس البلاستيكية في تونس، وتعويضها بأكياس بديلة.
وقيل حينها أنه سيتم تطبيق القانون تدريجيا حيث تم في  البداية إمضاء اتفاقية مع المساحات التجارية الكبرى والصيدليات لإيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية الخفيفة والتي تمثّل النسبة الأكبر في الانتشار وتلويث البيئة مع تغييرها بأكياس مضمونة مدى الحياة يمكن تغييرها مجانًا، وأنّ الوزارة ستقوم بتأهيل مصانع البلاستيك حتى تنتج الأكياس المتحلّلة طبيعيًا، على أن يتم تطبيق القانون  تدريجيًا بداية من جانفي 2020 في جميع المحلات.
 
تطبيق أعرج للقانون
  
الأمر الذي لم يتم إلى حد الآن كما لم يتم إلى اليوم تأهيل قطاع انتاج الأكياس البلاستيكية باتجاه انتاج "الأكياس الصديقة" للبيئة إن صح التعبير.
وكان من الواضح أن صعوبات عديدة واضحة للعيان تعوق تطبيق هذا الإجراء ومؤكدا أن ذلك لم يكن خافيا على وزارة البيئة التي سارعت لتطبيق القانون لفائدة المساجات التجارية الكبرى والتي تقدمت بشكل طوعيا للامتثال لقانون منع الأكياس البلاستيكية!!
وفي تصريح سابق منذ 2018 لرئيس الغرفة الوطنية لصانعي ومحولي البلاستيك فيصل البرادعي، أكد فيه "أنّ شركة واحدة من مجموع 46 شركة تعمل في مجال صناعة البلاستيك في تونس شرعت في إنتاج الأكياس البلاستيك القابلة للتحلل وبيعها بالمساحات التجارية الكبرى التي استجابت بشكل طوعي لمنع تسويق الأكياس البلاستيكية ذات الاستهلاك الوحيد". وبين البرادعي "أنّه على خلاف البلاستيك التقليدي الذي تتوفر مواده الأولية، فإنّ المواد الأولية لتصنيع البلاستيك القابل للتحلل (الذرة والبطاطا والقمح) تُورّد بالكامل مما يطرح مشكلًا إذ لا يمكن تخزينها إلى جانب كونها قابلة للتلف".
كما شدد رئيس غرفة مصنعي ومحولي البلاستيك منذ بداية الحديث عن قانون منع الأكياس البلاستيكية على "أن الأمر يتطلب تأهيلا صناعيا والتفكير في الصناديق التي ستمول التغيير وتساعد الصناعيين قائلا:"نحن نعلم أن الأمر سيصدر وأن المنع سيحدد آجال جانفي 2021، لكن بما أنه لم يقع التأهيل في سنتي 2018 و2019، لا يمكن الحديث على 2021 كأجل نهائي لمنع الأكياس البلاستيكية القديمة لان الوقت لا يكفي للمصنعين لتغيير آلاتهم وقطع الغيار".
 
التهريب المسكوت عنه
 
ثم كيف يمكن التحكم في مسألة تصنيع الأكياس الصديقة للبيئة والحال أن معطيات الناشطين في المجال البيئي تشير إلى أن80 بالمائة من الأكياس البلاستيكية الموجودة في أغلب الجمهورية هي ناتجة عن التهريب. التهريب الذي لا تتحكم فيه الدولة ولا تريد التحكم فيه وكان ذلك واضحا على امتداد السنوات الأخيرة.
فكيف لم يتم الأخذ بعيد الاعتبار كل هذه المعوقات قبل الإسراع في تفعيل قانون غير قابل للتطبيق إلا للمساحات التجارية الكبرى مما جعل المسألة تبدو وكأنها فرصة لزيادة ارباح أصحاب تلك المساحات التي أصبحت تبيع الكيس بـ 400 م مع تدنى مستمر لجودة تلك الأكياس التي لم تعد تصلح لاستعمالها مرات عدة بل أحيانا تتمزق قبل مغادرة الحريف الذي يضطر لاقتناء آخر.
في تصاريح إعلامية سابقة لأحد الناشطين البيئيين رضا الطبوبي أكد فيها أن “الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تعط لموضوع انتشار المواد البلاستيكية الأهمية المستحقة.. وحتى إن تم استصدار تشريعات في الغرض فإنها بقيت نظرية في مجملها ولم تطبق لسببين؛ أحدها ضعف هذه الحكومات وثانيهما خضوعها لقوى الضغط التي تسيطر على هذا القطاع".
كما ندد بما وصفها  "المغالطة عن واقع آفة البلاستيك في تونس، ووفق تقديره فإن "جهات تمسك برأس المال تقوم بدراسات علمية عن واقع السوق لتمرير خياراتها وهي تدرك جيدا أن تنفيذ خططها لن يلقى كثيرا من الصد خصوصا وأن السياسيين يستفيدون من هكذا خيارات بل ويقومون بأعمال جبارة لإضعاف المجتمع المدني كعدم تمكين الجمعيات من التمويل العمومي".
 
تراخي الدولة 
 
عدم الالتزام بتطبيق قانون منع الأكياس البلاستيكية بكل مراحله والاقتصار على إثقال كاهل المواطن في المسحات التجارية الكبرى اعتبره خالد كبوس رئيس جمعية البيئة والتنمية المستدامة رسالة سلبية وخاطئة تقوض جهود الناشطين في مجال حماية البيئة لا سيما وأنه بهذا التراخي لم يعد بالإمكان توجيه اللوم للمواطنين  الذين  يواصلون استعمال الأكياس البلاستيكية في الأسواق وفي بقية الأنشطة وخاصة السوداء منها والتي تعد الأكثر ضررا بالمحيط . ويضيف كبوس في حديثه لـ"الصباح" أنه إذا ما تتوفر الإرادة والصرامة في تطبيق قانون منع الاكياس البلاستيكية دون محاباة سننجح في خيار منع الأكياس البلاستيكية كما نجحت فيه الدول الغربية فلا مفر من ذلك بل لعله سيكون مدخلا للترويج للقفة التقليدية ودعم الحرفيين في هذا المجال وهذا يتطلب تظافر جهود الدولة والمجتمع المدني والإعلام. 
 
رئيس منظمة إرشاد المستهلك:
قانون فساد ويتعين مراجعته 
 
لماذا يضطر المستهلك إلى اقتناء كيس بماله الخاص في حين تستغله المساحات الكبرى للترويج لنفسها عبر طباعة علامتها التجارية عليه فأصبح المواطن من يدفع معاليم الإشهار ؟؟!!  
 
أكد لطفي الرياحي رئيس منظمة إرشاد المستهلك في حيثه لـ"الصباح" حول اقتصار تطبيق قانون منع الأكياس البلاستيكية على المساحات الكبرى وما سببه من إثقال لكاهل المستهلك دون ضمان حماية البيئة، أن هذا وجه من وجوه الاقتصاد الريعي وتغليب مصلحة المستثمرين والعائلات المتنفذة على مصلحة المواطن والمستهلك.
وتساءل محدثنا إن لم يكن الأمر كذلك فما عساه يكون لا سيما وأنه في السابق كان المواطن يقتنى مستلزماته من المساحات الكبرى ويحصل على أكياس مجانا وبجودة محددة، والذي حصل أنه تم استغلال ظرف معين لإقناع مصالح البيئة بصياغة قانون طبق إلى حد الآن فقط في المساحات الكبرى أين أصبح المستهلك يحصل على الأكياس بمقابل (400م) للكيس الواحد وبجودة أقل وتتراجع بمرور الوقت في غياب الرقابة، والحال أن الوضع البيئي على حاله بل وفي تدهور مستمر.
وتساءل محدثنا لماذا يضطر المستهلك إلى اقتناء كيس بماله الخاص في حين  تستغل المساحات الكبرى ذلك الكيس للترويج لنفسها عبر طباعة علامتها التجارية على الكيس فأصبح المواطن من يدفع معاليم الإشهار لتلك المساحات التجارية؟؟!!  
ووصف رئيس منظمة إرشاد المستهلك القانون الخاص بالأكياس البلاستيكية بقانون فساد على حد تعبيره قائلا:"أن المنظمة عارضته إبان صياغته"، ودعا إلى مراجعة هذا القانون مؤكدا أنه لم يساهم إلى حد الآن في حماية البيئة والتأثير من تداعيات التلوث الناجم عن الأكياس البلاستيكية.
ويضيف محدثنا أن الجميع على وعي بخطورة التلوث وما تطرحه النفايات البلاستيكية من مخاطر على الصحة والبيئة ونعم لمقاومته والحد منه، لكن ليس الحل فقط في بيع  تلك الأكياس البلاستيكية بالمال للمواطن.
 
سليمان بن يوسف دكتور في علم  اجتماع اتصالي وناشط بيئي: 
القرارات ينبغي إدراجها ضمن سياسة بيئية ما تزال مفقودة للأسف
في تصريح لـ"الصباح" أكد الباحث الاجتماعي والناشط البيئي ومنسق شبكة "فايقين لبيئتنا"، سليمان بن يوسف أن الحلقة الأهم في الموضوع هي الاتصال والحوكمة وضرورة إعلام المواطنين بكافة عناصر القرار واشراكهم في التمشي..
من جهة أخرى وعلى مستوى تنشئة المواطنين على حس تملك المحيط والالتزام بما يستوجب للحفاظ عليه.. يحتاج الأمر إلى قدر من الشفافية وتشريك للمجتمع وأهل الاختصاص بعيدا عن الإسقاط والسياسة العمودية.
ويعتبر محدثنا أن الثورة الخضراء المنشودة والتي تندرج ضمنها القوانين والقرارات الحامية للبيئة يجب أن يكون مركزها الوعي، مشيرا إلى أن الحلقة المفقودة اليوم "هي ضعف القناعة الجماعية الحدودية التبني والأفكار المسبقة المتراكمة المبنية على وصم الرسمي والعمومي.. بالمناورة والغموض والشبهات...، الانتقال البيئي يحتاج مضمونا اجتماعيا به مراكمات مشاركة عامة".
ويؤكد سليمان بن يوسف أن المشاريع والقرارات ينبغي إدراجها ضمن رؤية محددة لسياسة بيئية ما تزال مفقودة للأسف، وأن لقوى المجتمع المدني وأهل الاختصاص موقع مهم في رسمها وتحديدها حتى لا تهدر فرص وتضيع امكانات نجاح الخيارات وان كانت جيدة ومهمة، مع أهمية تفعيل وضمان استقلالية سلطة الطرف المعني بالشأن البيئي ضمن منظومة الحكم كجهة أقلية عليا مؤهلة لفرض المصلحة العامة وترسيخ المتجهات المتصلة بالاستدامة وفق حاجيات المجتمع الراهنة والقادمة.
هذا مع ضرورة "تغيير زاوية مقاربة البيئة لا كقطاع فرعي يمكن إدماجه أو إلحاقه وإدراجه تحت قطاع آخر.. ".
 
أرقام ومعطيات 
يستهلك التونسيون نحو مليار كيس بلاستيكي في السنة تنتهي جلها في الطبيعة سيما أن 80% من الأكياس لا يتم تجميعها ولا رسكلتها وهو ما يتسبب في أضرار كبيرة للمحيط والبيئة.
ويصل عدد الأكياس البلاستيكية المتداولة سنويا في تونس إلى حدود 2ر4 مليار كيس من ضمنها 3 مليار كيس منتجة في السوق المحلية والبقية موردة.
وينشط في مجال صناعة الأكياس البلاستيكية حوالي 64 صناعيا يوفرون نحو ألف موطن شغل. كما يتم تحويل 20 الف طن من المواد البلاستيكية سنويا لإنتاج هذا الصنف من الأكياس في تونس.
 
 
تقارير دولية تؤكد:
تلوث البلاستيك يكلف الاقتصاد التونسي ما يقارب 20 مليون دولار في السنة
يشير آخر تقرير صادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF) أن تلوث البلاستيك على قطاعي السياحة والصيد البحري يكلف الاقتصاد التونسي ما يقارب 20 مليون دولار في السنة اي ما يعادل 57 مليون دينار. وقد حذر الصندوق من مئات الآلاف من أطنان من النفايات البلاستيكية تم تصريفها في البحر الأبيض المتوسط من قبل 22 دولة.
ويستند  تقرير الصندوق العالمي للطبيعة في تقييم نجاعة سياسات هذه البلدان في مكافحتها للتلوث البلاستيكي عبر رصد النقائص والإخلالات على مستوى السلطات العامة والمنتجين والمستهلكين.
وفيما يتعلق بتونس، يشير التقرير إلى أن البلاد التونسية تعد رابع أكبر مستهلك للمنتجات البلاستيكية للفرد في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 2018، أنتجت تونس 0.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية منها 12% تم جمعها فيما لم تتم معالجة البقية ووقع إرسالها إلى مصبات النفايات أو رميها في الطبيعة. وتشير الإحصائيات إلى أنه تم إلقاء 9.5 آلاف طن من النفايات البلاستيكية في البحر المتوسط سنة 2018. حيث تتسبب مصر وتركيا وإيطاليا وتونس مجتمعة في إلقاء ثلثي كمية البلاستيك في الطبيعة.
يؤكد أيضا الصندوق العالمي للطبيعة أنه يجري إلقاء حوالي 563 قارورة بلاستيكية في البحر الأبيض المتوسط كل ثانية، و33 ألفا و800 قارورة بلاستيكية كل دقيقة، و570 ألف طن من البلاستيك كل عام، وهذه النفايات البلاستيكية تقتل الحياة البرية، وتلوث الغذاء، ويبتلعها الناس مع الطعام ومياه الشرب. وما لم يتم اتخاذ إجراءات فمن المتوقع أن يتضاعف التلوث البلاستيكي في المنطقة بأربعة أضعاف بحلول عام 2050.
ولمعالجة هذا الوضع، وضع الصندوق العالمي للحياة البرية خارطة طريق مفصلة للسياسات والمبادرات التي يجب على المنطقة والدول الـ 22 تنفيذها لتحقيق اقتصاد مستدام لا ينتج نفايات بلاستيكية. 
 
 م. ي
 منع الأكياس البلاستيكية أثقل كاهل المواطن ولم يحم البيئة.. لفائدة من؟
 
 
تونس-الصباح 
رغم ما يطرحه موضوع التلوث الناجم عن النفايات البلاستيكية ومنها الأكياس البلاستيكية من مخاطر  صحية وبيئية وحتى تداعيات اقتصادية وشبه الإجماع أنه من المسائل الثانوية والمسكوت عنها في تونس بل لعل البعض يعتبره ترفا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن ما يشوب إقرار وتطبيق  بعض القوانين المهتمة بالبيئة من إخلالات وتجاوزات ومحاباة أحيانا وشبهات فساد أحيانا أخرى، يزيد من تعقيد الوضع ويصعب مهمة إقناع المواطن البسيط بـ"نبل" تلك القوانين التي تسن وبضرورة انخراط المواطن طوعا في حماية بيئته ومحيطه.    
تعد معضلة الأكياس البلاستيكية التي تغزو البلاد من شمالها إلى جنوبها إشكالا حقيقيا يؤرق عمال النظافة ويشوه الوجهة السياحية التونسية في ظل تذمر السياح المستمر ويثير مخاوف خبراء البيئة لما يطرحه بطء تحلل تلك النفايات البلاستيكية في الطبيعة (أكثر من 500 سنة) من مخاطر على الصحة وعلى المياه، وفي هذا السياق يتنزل إقرار الأمر القاضي بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية في 2016 من قبل وزير البيئة حينها رياض المؤخر، على أن يتم تنفيذه تدريجيا وصولا إلى  منع الأكياس البلاستيكية بصفة نهائية بداية من سنة 2021 بالنسبة للمنتجين والموردين والمستعملين.
وانطلقت الوزارة، منذ غرة مارس 2020، في تنفيذ مقتضيات الأمر الحكومي (المؤرخ في 16 جانفي 2020 والذي يضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يمنع انتاجها وتوريدها وتوزيعها في السوق) ليشمل في مرحلة أولى الصيدليات والمساحات التجارية.
 علما أن التطبيق انطلق فعليا 01 مارس 2017  بالشروع في تطبيق الاتفاقية الممضاة بين وزارة الشؤون المحلية والبيئة وغرفة المساحات التجارية الكبرى للتخلي عن الأكياس البلاستيكية لتعويضها بأكياس بديلة تستعمل لمرّات عدة.
وكان ذلك بمثابة الخطوة أولى في اتجاه التخلي نهائيا عن استعمال الأكياس البلاستيكية في تونس، وتعويضها بأكياس بديلة.
وقيل حينها أنه سيتم تطبيق القانون تدريجيا حيث تم في  البداية إمضاء اتفاقية مع المساحات التجارية الكبرى والصيدليات لإيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية الخفيفة والتي تمثّل النسبة الأكبر في الانتشار وتلويث البيئة مع تغييرها بأكياس مضمونة مدى الحياة يمكن تغييرها مجانًا، وأنّ الوزارة ستقوم بتأهيل مصانع البلاستيك حتى تنتج الأكياس المتحلّلة طبيعيًا، على أن يتم تطبيق القانون  تدريجيًا بداية من جانفي 2020 في جميع المحلات.
 
تطبيق أعرج للقانون
  
الأمر الذي لم يتم إلى حد الآن كما لم يتم إلى اليوم تأهيل قطاع انتاج الأكياس البلاستيكية باتجاه انتاج "الأكياس الصديقة" للبيئة إن صح التعبير.
وكان من الواضح أن صعوبات عديدة واضحة للعيان تعوق تطبيق هذا الإجراء ومؤكدا أن ذلك لم يكن خافيا على وزارة البيئة التي سارعت لتطبيق القانون لفائدة المساجات التجارية الكبرى والتي تقدمت بشكل طوعيا للامتثال لقانون منع الأكياس البلاستيكية!!
وفي تصريح سابق منذ 2018 لرئيس الغرفة الوطنية لصانعي ومحولي البلاستيك فيصل البرادعي، أكد فيه "أنّ شركة واحدة من مجموع 46 شركة تعمل في مجال صناعة البلاستيك في تونس شرعت في إنتاج الأكياس البلاستيك القابلة للتحلل وبيعها بالمساحات التجارية الكبرى التي استجابت بشكل طوعي لمنع تسويق الأكياس البلاستيكية ذات الاستهلاك الوحيد". وبين البرادعي "أنّه على خلاف البلاستيك التقليدي الذي تتوفر مواده الأولية، فإنّ المواد الأولية لتصنيع البلاستيك القابل للتحلل (الذرة والبطاطا والقمح) تُورّد بالكامل مما يطرح مشكلًا إذ لا يمكن تخزينها إلى جانب كونها قابلة للتلف".
كما شدد رئيس غرفة مصنعي ومحولي البلاستيك منذ بداية الحديث عن قانون منع الأكياس البلاستيكية على "أن الأمر يتطلب تأهيلا صناعيا والتفكير في الصناديق التي ستمول التغيير وتساعد الصناعيين قائلا:"نحن نعلم أن الأمر سيصدر وأن المنع سيحدد آجال جانفي 2021، لكن بما أنه لم يقع التأهيل في سنتي 2018 و2019، لا يمكن الحديث على 2021 كأجل نهائي لمنع الأكياس البلاستيكية القديمة لان الوقت لا يكفي للمصنعين لتغيير آلاتهم وقطع الغيار".
 
التهريب المسكوت عنه
 
ثم كيف يمكن التحكم في مسألة تصنيع الأكياس الصديقة للبيئة والحال أن معطيات الناشطين في المجال البيئي تشير إلى أن80 بالمائة من الأكياس البلاستيكية الموجودة في أغلب الجمهورية هي ناتجة عن التهريب. التهريب الذي لا تتحكم فيه الدولة ولا تريد التحكم فيه وكان ذلك واضحا على امتداد السنوات الأخيرة.
فكيف لم يتم الأخذ بعيد الاعتبار كل هذه المعوقات قبل الإسراع في تفعيل قانون غير قابل للتطبيق إلا للمساحات التجارية الكبرى مما جعل المسألة تبدو وكأنها فرصة لزيادة ارباح أصحاب تلك المساحات التي أصبحت تبيع الكيس بـ 400 م مع تدنى مستمر لجودة تلك الأكياس التي لم تعد تصلح لاستعمالها مرات عدة بل أحيانا تتمزق قبل مغادرة الحريف الذي يضطر لاقتناء آخر.
في تصاريح إعلامية سابقة لأحد الناشطين البيئيين رضا الطبوبي أكد فيها أن “الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تعط لموضوع انتشار المواد البلاستيكية الأهمية المستحقة.. وحتى إن تم استصدار تشريعات في الغرض فإنها بقيت نظرية في مجملها ولم تطبق لسببين؛ أحدها ضعف هذه الحكومات وثانيهما خضوعها لقوى الضغط التي تسيطر على هذا القطاع".
كما ندد بما وصفها  "المغالطة عن واقع آفة البلاستيك في تونس، ووفق تقديره فإن "جهات تمسك برأس المال تقوم بدراسات علمية عن واقع السوق لتمرير خياراتها وهي تدرك جيدا أن تنفيذ خططها لن يلقى كثيرا من الصد خصوصا وأن السياسيين يستفيدون من هكذا خيارات بل ويقومون بأعمال جبارة لإضعاف المجتمع المدني كعدم تمكين الجمعيات من التمويل العمومي".
 
تراخي الدولة 
 
عدم الالتزام بتطبيق قانون منع الأكياس البلاستيكية بكل مراحله والاقتصار على إثقال كاهل المواطن في المسحات التجارية الكبرى اعتبره خالد كبوس رئيس جمعية البيئة والتنمية المستدامة رسالة سلبية وخاطئة تقوض جهود الناشطين في مجال حماية البيئة لا سيما وأنه بهذا التراخي لم يعد بالإمكان توجيه اللوم للمواطنين  الذين  يواصلون استعمال الأكياس البلاستيكية في الأسواق وفي بقية الأنشطة وخاصة السوداء منها والتي تعد الأكثر ضررا بالمحيط . ويضيف كبوس في حديثه لـ"الصباح" أنه إذا ما تتوفر الإرادة والصرامة في تطبيق قانون منع الاكياس البلاستيكية دون محاباة سننجح في خيار منع الأكياس البلاستيكية كما نجحت فيه الدول الغربية فلا مفر من ذلك بل لعله سيكون مدخلا للترويج للقفة التقليدية ودعم الحرفيين في هذا المجال وهذا يتطلب تظافر جهود الدولة والمجتمع المدني والإعلام. 
 
رئيس منظمة إرشاد المستهلك:
قانون فساد ويتعين مراجعته 
 
لماذا يضطر المستهلك إلى اقتناء كيس بماله الخاص في حين تستغله المساحات الكبرى للترويج لنفسها عبر طباعة علامتها التجارية عليه فأصبح المواطن من يدفع معاليم الإشهار ؟؟!!  
 
أكد لطفي الرياحي رئيس منظمة إرشاد المستهلك في حيثه لـ"الصباح" حول اقتصار تطبيق قانون منع الأكياس البلاستيكية على المساحات الكبرى وما سببه من إثقال لكاهل المستهلك دون ضمان حماية البيئة، أن هذا وجه من وجوه الاقتصاد الريعي وتغليب مصلحة المستثمرين والعائلات المتنفذة على مصلحة المواطن والمستهلك.
وتساءل محدثنا إن لم يكن الأمر كذلك فما عساه يكون لا سيما وأنه في السابق كان المواطن يقتنى مستلزماته من المساحات الكبرى ويحصل على أكياس مجانا وبجودة محددة، والذي حصل أنه تم استغلال ظرف معين لإقناع مصالح البيئة بصياغة قانون طبق إلى حد الآن فقط في المساحات الكبرى أين أصبح المستهلك يحصل على الأكياس بمقابل (400م) للكيس الواحد وبجودة أقل وتتراجع بمرور الوقت في غياب الرقابة، والحال أن الوضع البيئي على حاله بل وفي تدهور مستمر.
وتساءل محدثنا لماذا يضطر المستهلك إلى اقتناء كيس بماله الخاص في حين  تستغل المساحات الكبرى ذلك الكيس للترويج لنفسها عبر طباعة علامتها التجارية على الكيس فأصبح المواطن من يدفع معاليم الإشهار لتلك المساحات التجارية؟؟!!  
ووصف رئيس منظمة إرشاد المستهلك القانون الخاص بالأكياس البلاستيكية بقانون فساد على حد تعبيره قائلا:"أن المنظمة عارضته إبان صياغته"، ودعا إلى مراجعة هذا القانون مؤكدا أنه لم يساهم إلى حد الآن في حماية البيئة والتأثير من تداعيات التلوث الناجم عن الأكياس البلاستيكية.
ويضيف محدثنا أن الجميع على وعي بخطورة التلوث وما تطرحه النفايات البلاستيكية من مخاطر على الصحة والبيئة ونعم لمقاومته والحد منه، لكن ليس الحل فقط في بيع  تلك الأكياس البلاستيكية بالمال للمواطن.
 
سليمان بن يوسف دكتور في علم  اجتماع اتصالي وناشط بيئي: 
القرارات ينبغي إدراجها ضمن سياسة بيئية ما تزال مفقودة للأسف
في تصريح لـ"الصباح" أكد الباحث الاجتماعي والناشط البيئي ومنسق شبكة "فايقين لبيئتنا"، سليمان بن يوسف أن الحلقة الأهم في الموضوع هي الاتصال والحوكمة وضرورة إعلام المواطنين بكافة عناصر القرار واشراكهم في التمشي..
من جهة أخرى وعلى مستوى تنشئة المواطنين على حس تملك المحيط والالتزام بما يستوجب للحفاظ عليه.. يحتاج الأمر إلى قدر من الشفافية وتشريك للمجتمع وأهل الاختصاص بعيدا عن الإسقاط والسياسة العمودية.
ويعتبر محدثنا أن الثورة الخضراء المنشودة والتي تندرج ضمنها القوانين والقرارات الحامية للبيئة يجب أن يكون مركزها الوعي، مشيرا إلى أن الحلقة المفقودة اليوم "هي ضعف القناعة الجماعية الحدودية التبني والأفكار المسبقة المتراكمة المبنية على وصم الرسمي والعمومي.. بالمناورة والغموض والشبهات...، الانتقال البيئي يحتاج مضمونا اجتماعيا به مراكمات مشاركة عامة".
ويؤكد سليمان بن يوسف أن المشاريع والقرارات ينبغي إدراجها ضمن رؤية محددة لسياسة بيئية ما تزال مفقودة للأسف، وأن لقوى المجتمع المدني وأهل الاختصاص موقع مهم في رسمها وتحديدها حتى لا تهدر فرص وتضيع امكانات نجاح الخيارات وان كانت جيدة ومهمة، مع أهمية تفعيل وضمان استقلالية سلطة الطرف المعني بالشأن البيئي ضمن منظومة الحكم كجهة أقلية عليا مؤهلة لفرض المصلحة العامة وترسيخ المتجهات المتصلة بالاستدامة وفق حاجيات المجتمع الراهنة والقادمة.
هذا مع ضرورة "تغيير زاوية مقاربة البيئة لا كقطاع فرعي يمكن إدماجه أو إلحاقه وإدراجه تحت قطاع آخر.. ".
 
أرقام ومعطيات 
يستهلك التونسيون نحو مليار كيس بلاستيكي في السنة تنتهي جلها في الطبيعة سيما أن 80% من الأكياس لا يتم تجميعها ولا رسكلتها وهو ما يتسبب في أضرار كبيرة للمحيط والبيئة.
ويصل عدد الأكياس البلاستيكية المتداولة سنويا في تونس إلى حدود 2ر4 مليار كيس من ضمنها 3 مليار كيس منتجة في السوق المحلية والبقية موردة.
وينشط في مجال صناعة الأكياس البلاستيكية حوالي 64 صناعيا يوفرون نحو ألف موطن شغل. كما يتم تحويل 20 الف طن من المواد البلاستيكية سنويا لإنتاج هذا الصنف من الأكياس في تونس.
 
 
تقارير دولية تؤكد:
تلوث البلاستيك يكلف الاقتصاد التونسي ما يقارب 20 مليون دولار في السنة
يشير آخر تقرير صادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF) أن تلوث البلاستيك على قطاعي السياحة والصيد البحري يكلف الاقتصاد التونسي ما يقارب 20 مليون دولار في السنة اي ما يعادل 57 مليون دينار. وقد حذر الصندوق من مئات الآلاف من أطنان من النفايات البلاستيكية تم تصريفها في البحر الأبيض المتوسط من قبل 22 دولة.
ويستند  تقرير الصندوق العالمي للطبيعة في تقييم نجاعة سياسات هذه البلدان في مكافحتها للتلوث البلاستيكي عبر رصد النقائص والإخلالات على مستوى السلطات العامة والمنتجين والمستهلكين.
وفيما يتعلق بتونس، يشير التقرير إلى أن البلاد التونسية تعد رابع أكبر مستهلك للمنتجات البلاستيكية للفرد في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 2018، أنتجت تونس 0.5 مليون طن من النفايات البلاستيكية منها 12% تم جمعها فيما لم تتم معالجة البقية ووقع إرسالها إلى مصبات النفايات أو رميها في الطبيعة. وتشير الإحصائيات إلى أنه تم إلقاء 9.5 آلاف طن من النفايات البلاستيكية في البحر المتوسط سنة 2018. حيث تتسبب مصر وتركيا وإيطاليا وتونس مجتمعة في إلقاء ثلثي كمية البلاستيك في الطبيعة.
يؤكد أيضا الصندوق العالمي للطبيعة أنه يجري إلقاء حوالي 563 قارورة بلاستيكية في البحر الأبيض المتوسط كل ثانية، و33 ألفا و800 قارورة بلاستيكية كل دقيقة، و570 ألف طن من البلاستيك كل عام، وهذه النفايات البلاستيكية تقتل الحياة البرية، وتلوث الغذاء، ويبتلعها الناس مع الطعام ومياه الشرب. وما لم يتم اتخاذ إجراءات فمن المتوقع أن يتضاعف التلوث البلاستيكي في المنطقة بأربعة أضعاف بحلول عام 2050.
ولمعالجة هذا الوضع، وضع الصندوق العالمي للحياة البرية خارطة طريق مفصلة للسياسات والمبادرات التي يجب على المنطقة والدول الـ 22 تنفيذها لتحقيق اقتصاد مستدام لا ينتج نفايات بلاستيكية. 
 
 م. ي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews