إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل المشكل في "ثغرات" القانون الانتخابي أم في بطء الإجراءات القضائية؟

 

تونس- الصباح

على خلفية ما يحدث حاليا من حراك سياسي وتصاعد الدعوات إلى محاسبة من تورطوا في شبهات جرائم انتخابية أوردتها محكمة المحاسبات في تقاريرها الرقابية، سواء خلال الانتخابات البلدية 2018 او تشريعية ورئاسية 2019، وذلك بالإسراع في إسقاط عضوية القائمات المخالفة من المجالس البلدية ومن البرلمان.. تصاعد الجدل مجددا في الفترة الأخيرة في شأن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء بطء الإجراءات القضائية المتعلقة بمسار الأحكام الصادرة ضد القائمات الانتخابية المخالفة.

ويتضح من خلال تصريحات متقاطعة من المتدخلين في العملية الانتخابية والرقابة عليها على غرار هيئة الانتخابات، ومحكمة المحاسبات، أنه، ورغم صدور أحكام باتة في مخالفات الانتخابات البلدية ضد 80 قائمة، إلا أن مسار التقاضي ما يزال طويلا وقد لا تنتهي حتى بحلول الانتخابات البلدية المقبلة 2023.

كما أن صدور بعض الأحكام الابتدائية في شأن جرائم ومخالفات تورطت فيها قائمات في تشريعية 2019 - وفق ما أعلنت عنها محكمة المحاسبات مؤخرا- إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة من أنها ستنتهي بإسقاط العضوية في وقت قريب، بل إن الأمر قد يتطلب أشهرا عديدة أخرى، وربما سنوات، لاعتبارات تراها محكمة المحاسبات موضوعية مرتبطة أساسا بثغرات في القانون الانتخابي تعرقل استصدار أحكام باتة ونهائية في حق من أجرموا في الانتخابات، وأيضا في وجود تناقضات بين أحكام محكمة المحاسبات والقضاء العدلي..

الملفت للانتباه أن محكمة الحاسبات تمسكت بتقديم نفس المبررات التي تحدثت عنها قبل سنة تقريبا حين تم دعوتها في جلسات استماع برلمانية لتقديم نتائج تقاريرها الرقابية على انتخابات 2019 وتفسير العراقيل القانونية والقضائية "المعقدة" التي تحول دون الإسراع في استصدار احكام باتة ونهائية ضد القائمات المخالفة بحيث يتم معاقبتها جزائيا وماليا قبل انتهاء المدة النيابية البرلمانية..

وإن لم تنف القاضية بمحكمة المحاسبات فضيلة القرقوري، في تصريح لها أمس في اذاعة "موزاييك" عن تورط حركة النهضة ونبيل القروي وقائمة عيش تونسي في عقود لوبيينغ مع أطراف أجنبية خلال فترة الحملة الانتخابية.. إلا أنها أكدت أن اختصاص محكمة المحاسبات يقتصر على العمل الرقابي خلال فترة الحملات الانتخابية وأن الاختصاصات التي تخرج عن نطاقها تُحال على القضاء العدلي وهو ما تم، وقالت: "قمنا بإرسال ملفات تخص شبهات فساد لحركة النهضة والقروي وعيش تونسي للقضاء العدلي."

وكانت القرقوري قد أعلنت أن المحكمة أصدرت أكثر من 350 حكما ابتدائيا تعلقت بمخالفات تم ارتكابها من قبل قائمات في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، على غرار عدم إيداع الحساب المالي وتحديد المنحة لمستحقيها وبعض المخالفات الانتخابية الأخرى.

وأضافت على هامش ورشة نقاش نظمتها أول أمس محكمة المحاسبات، بالاشتراك مع مركز الكواكبي ونقابة الصحفيين التونسيين، أن المحكمة أحالت أكثر من 30 ملفا على أنظار النيابة العمومية لدى القضاء العدلي المختص، في شهري جانفي وفيفري 2021، تعلقت بشبهات جرائم انتخابية، على غرار الإشهار السياسي والتمويلات غير المشروعة، داعية إلى « مراجعة الإجراءات والآجال وإيجاد آليات للتنسيق بين مختلف أجنحة القضاء، حتى يكون القضاء ناجزا".

وذكّرت بأن الأعمال القضائية لمحكمة المحاسبات كانت انطلقت منذ أكتوبر 2020، تاريخ صدور التقرير العام حول تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية وللانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 وتقرير الأحزاب، وذلك بإثارة الدعوى من قبل وكلاء الدولة لدى دوائر المحكمة في ما يخص المخالفات التي أهّل القانون الانتخابي محكمة المحاسبات لتسليط العقوبة فيها، على معنى الفصول 98 و99 و163 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.

ولتلافي النقائص القانونية، دعت القاضية إلى ضرورة مراجعة الإجراءات وآجال التقاضي، من أجل التوصل إلى قضاء ناجز وحتى يتماشى الزمن القضائي مع الزمن الانتخابي، عبر اختصار الإجراءات، بهدف تحقيق المساءلة وتسليط العقوبة في الوقت المناسب.

وكانت محكمة المحاسبات قد أصدرت أحكاما ابتدائية تتعلق بإسقاط 80 قائمة في بلدية 2018، بسبب عدم احترام مبدأ الشفافية، مشيرة إلى أن جميع هذه الأحكام ماتزال في مرحلة الاستئناف وأن الأحكام الباتة ستكون في مرحلة متقدمة جدا، طبقا للإجراءات والآجال المنصوص عليها في القانون الانتخابي.

 اجراءات قضائية معقدة

وسبق أن أدان تقرير محكمة المحاسبات الذي صدر اثر الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 كل من حركة النهضة وقلب تونس وقائمة عيش تونسي مشيرا الى وجود شبهات تمويل أجنبي وهو ما يجرمه القانون الانتخابي لكن مقاضاة المتورطين في هذه الجرائم لم تتم بعد أو ربما بدأت لكن بنسق معقد وبطيء جدا..

لكن رئيس محكمة المحاسبات، نجيب القطار يدافع بشدة عن أداء المحكمة واستقلاليتها وكفاءتها المشهود لها محليا ودوليا، نافيا حصول أي تأخير على مستوى إصدار الأحكام. وقال في مداخلة له على الإذاعة الوطنية يوم 29 سبتمبر 2021: "من يتحدث عن التأخير في إصدار الأحكام فليأت ويشخّص الوضع والإطار القانوني الذي أتاحه لنا المشرّع، وهو قانون الانتخابات لسنة 2014.. نحن لا نحكم بالضغط ولابد من ضمان المحاكمة العادلة وليس بناء على الضغط نصدر أحكاما ظالمة".

وشدد القطاري على أن المحكمة أصدرت آلاف الأحكام قبل 2010 وأحكاما تعلّقت بالانتخابات البلدية وانتخابات 2014، إلا أن قانون الانتخابات لسنة 2014 يفرض تبليغ الأحكام للجهات المعنيّة والتي تتعمّد عدم تسلّم هذه الأحكام والالتجاء إلى والي الجهة، وهو ما يتطلب الكثير من الوقت".

 وأفاد بأن شبهة تمويل أجنبي للأحزاب أو رؤساء الأحزاب لإسقاط العضوية مسألة حساسة وتستوجب وجود رابط بين الحزب أو رئيس الحزب مع القائمة المعنية لتكون هناك حجّة قويّة لإسقاط العضوية. 

ويتقاطع تصريحات القطاري والقرقوري مع تصريح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القاضي فاروق بوعسكر، الذي كشف بأن هناك "إمكانية في عدم إسقاط أي قائمة فائزة في الانتخابات البلدية لسنة 2018 بسبب عدم التمكن من إصدار أحكام باتة قبل نهاية المدة النيابية في 2023، مبينا أن الهيئة لا تستطيع تنفيذ قرارات المحكمة إلا بعد صدور أحكام باتة.

وأرجع بوعسكر، أمس في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، سبب البطء المسجل في إصدار قرارات محكمة المحاسبات، إلى القانون الانتخابي الذي لم يراع خصوصية المادة الانتخابية والذي يجبر المحكمة، (الفصل 92) على تطبيق الإجراءات المقررة في القانون المنظم لها، والمتعلقة برقابتها في تمويل الحملة، كما يجبر القانون الانتخابي محكمة المحاسبات (الفصل 98) على إصدار أحكامها الاستئنافية حسب الإجراءات الواردة بالقانون المنظم للمحكمة.

وأضاف أن خضوع محكمة المحاسبات للأمر عدد 218 لسنة 1971 المتعلق بسير عمل دائرة المحاسبات لاسيما في فصوله المتعلقة بالإعلام وتنفيذ الأحكام يساهم في طول الإجراءات وهو ما لا يتماشى مع الزمن الانتخابي والمدة النيابية.

وأوضح أن محكمة المحاسبات صرحت بإصدار قرارات ابتدائية بإسقاط 80 قائمة انتخابية في الانتخابات البلدية لسنة 2018 تعلقت بـ226 مقعدا في مختلف المجالس البلدية المعنية بهذه القرارات مضيفا أن استئناف هذه القرارات من قبل المعنيين بها أوقف تنفيذها وهو ما يحول دون قيام الهيئة بتنفيذ هذه القرارات في انتظار صدور الأحكام الباتة.

تناقضات الزمن الانتخابي مع الزمن القضائي

ورغم أن التقارير الرقابية لمحكمة المحاسبات كشفت عن انتهاكات ومخالفات انتخابية يستوجب بعضها عقوبات قصوىتتمثل في الغاء جزئي لنتائج الانتخابات، إلا أن نفس المحكمة تمسكت بوجود موانع إجرائية وقانونية أفرزها تسارع الزمن الانتخابي وبطء الزمن القضائي.

وتثبت تقارير المحكمة وجود إخلالات حسابية مالية للمترشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 من بينها ما يتعلق بشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال مال مشبوه وغيره من المخالفات التي يستوجب بعضها اقرار عقوبات مالية او حرمانا من استرجاع مصاريف. لكن جزءا من هذه المخالفات الانتخابية يتوجب عقوبات أشد تمزج بين العقوبات السجنية وإلغاء نتائج الانتخابات للمترشح او القائمة التي اثبت ارتكابها لمخالفات تمس بمبادئ تكافؤ الفرص او شراء ذمم الناخبين او تلقى تمويلات أجنبية او تعاقد مع جهات خارجية للتدخل في الانتخابات.

لكن بالعودة إلى قانون الانتخابات والاستفتاء وخاصة بالفصلين 98 و163 من باب العقوبات، يتضح أن الجرائم الانتخابية المرتكبة من قبل مترشحين لانتخابات رئاسية وقائمات في التشريعية، يفترض ان تسلط عليهم عقوبات تتضمن الغاء نتائج جزئية ومنعا من الترشح للاستحقاقات القادمة وتصل الى عقوبات سجنية.

ووفق مقتضيات الفصلين المذكورين فان محكمة المحاسبات يمكنها ان تقر عقوبة اسقاط عضوية كل نائب ترشح بقائمة تبين مخالفتها لأحكام الفصل 98 في فقرته الأخيرة التي تنص على انه «في صورة عدم إيداع الحساب المالي طبقاً للفقرة الأولى من هذا الفصل، أو تجاوز سقف الإنفاق بأكثر من 75%، تصرّح محكمة المحاسبات بإسقاط عضوية كل عضو بمجلس نواب الشعب ترشّح عن إحدى تلك القائمات".

كما يمكن لمحكمة المحاسبات ان تصدر قرارا وفق مقتضيات الفصل 163 إذا ثبت لديها أنّ المترشّح أو القائمة قد تحصّلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنّها تحكم بإلزامها بدفع خطية ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي. ويفقد أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشّح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدّة خمس سنوات.

رفيق

هل المشكل في "ثغرات" القانون الانتخابي أم في بطء الإجراءات القضائية؟

 

تونس- الصباح

على خلفية ما يحدث حاليا من حراك سياسي وتصاعد الدعوات إلى محاسبة من تورطوا في شبهات جرائم انتخابية أوردتها محكمة المحاسبات في تقاريرها الرقابية، سواء خلال الانتخابات البلدية 2018 او تشريعية ورئاسية 2019، وذلك بالإسراع في إسقاط عضوية القائمات المخالفة من المجالس البلدية ومن البرلمان.. تصاعد الجدل مجددا في الفترة الأخيرة في شأن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء بطء الإجراءات القضائية المتعلقة بمسار الأحكام الصادرة ضد القائمات الانتخابية المخالفة.

ويتضح من خلال تصريحات متقاطعة من المتدخلين في العملية الانتخابية والرقابة عليها على غرار هيئة الانتخابات، ومحكمة المحاسبات، أنه، ورغم صدور أحكام باتة في مخالفات الانتخابات البلدية ضد 80 قائمة، إلا أن مسار التقاضي ما يزال طويلا وقد لا تنتهي حتى بحلول الانتخابات البلدية المقبلة 2023.

كما أن صدور بعض الأحكام الابتدائية في شأن جرائم ومخالفات تورطت فيها قائمات في تشريعية 2019 - وفق ما أعلنت عنها محكمة المحاسبات مؤخرا- إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة من أنها ستنتهي بإسقاط العضوية في وقت قريب، بل إن الأمر قد يتطلب أشهرا عديدة أخرى، وربما سنوات، لاعتبارات تراها محكمة المحاسبات موضوعية مرتبطة أساسا بثغرات في القانون الانتخابي تعرقل استصدار أحكام باتة ونهائية في حق من أجرموا في الانتخابات، وأيضا في وجود تناقضات بين أحكام محكمة المحاسبات والقضاء العدلي..

الملفت للانتباه أن محكمة الحاسبات تمسكت بتقديم نفس المبررات التي تحدثت عنها قبل سنة تقريبا حين تم دعوتها في جلسات استماع برلمانية لتقديم نتائج تقاريرها الرقابية على انتخابات 2019 وتفسير العراقيل القانونية والقضائية "المعقدة" التي تحول دون الإسراع في استصدار احكام باتة ونهائية ضد القائمات المخالفة بحيث يتم معاقبتها جزائيا وماليا قبل انتهاء المدة النيابية البرلمانية..

وإن لم تنف القاضية بمحكمة المحاسبات فضيلة القرقوري، في تصريح لها أمس في اذاعة "موزاييك" عن تورط حركة النهضة ونبيل القروي وقائمة عيش تونسي في عقود لوبيينغ مع أطراف أجنبية خلال فترة الحملة الانتخابية.. إلا أنها أكدت أن اختصاص محكمة المحاسبات يقتصر على العمل الرقابي خلال فترة الحملات الانتخابية وأن الاختصاصات التي تخرج عن نطاقها تُحال على القضاء العدلي وهو ما تم، وقالت: "قمنا بإرسال ملفات تخص شبهات فساد لحركة النهضة والقروي وعيش تونسي للقضاء العدلي."

وكانت القرقوري قد أعلنت أن المحكمة أصدرت أكثر من 350 حكما ابتدائيا تعلقت بمخالفات تم ارتكابها من قبل قائمات في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، على غرار عدم إيداع الحساب المالي وتحديد المنحة لمستحقيها وبعض المخالفات الانتخابية الأخرى.

وأضافت على هامش ورشة نقاش نظمتها أول أمس محكمة المحاسبات، بالاشتراك مع مركز الكواكبي ونقابة الصحفيين التونسيين، أن المحكمة أحالت أكثر من 30 ملفا على أنظار النيابة العمومية لدى القضاء العدلي المختص، في شهري جانفي وفيفري 2021، تعلقت بشبهات جرائم انتخابية، على غرار الإشهار السياسي والتمويلات غير المشروعة، داعية إلى « مراجعة الإجراءات والآجال وإيجاد آليات للتنسيق بين مختلف أجنحة القضاء، حتى يكون القضاء ناجزا".

وذكّرت بأن الأعمال القضائية لمحكمة المحاسبات كانت انطلقت منذ أكتوبر 2020، تاريخ صدور التقرير العام حول تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات التشريعية وللانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 وتقرير الأحزاب، وذلك بإثارة الدعوى من قبل وكلاء الدولة لدى دوائر المحكمة في ما يخص المخالفات التي أهّل القانون الانتخابي محكمة المحاسبات لتسليط العقوبة فيها، على معنى الفصول 98 و99 و163 من القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.

ولتلافي النقائص القانونية، دعت القاضية إلى ضرورة مراجعة الإجراءات وآجال التقاضي، من أجل التوصل إلى قضاء ناجز وحتى يتماشى الزمن القضائي مع الزمن الانتخابي، عبر اختصار الإجراءات، بهدف تحقيق المساءلة وتسليط العقوبة في الوقت المناسب.

وكانت محكمة المحاسبات قد أصدرت أحكاما ابتدائية تتعلق بإسقاط 80 قائمة في بلدية 2018، بسبب عدم احترام مبدأ الشفافية، مشيرة إلى أن جميع هذه الأحكام ماتزال في مرحلة الاستئناف وأن الأحكام الباتة ستكون في مرحلة متقدمة جدا، طبقا للإجراءات والآجال المنصوص عليها في القانون الانتخابي.

 اجراءات قضائية معقدة

وسبق أن أدان تقرير محكمة المحاسبات الذي صدر اثر الانتخابات التشريعية والرئاسية 2019 كل من حركة النهضة وقلب تونس وقائمة عيش تونسي مشيرا الى وجود شبهات تمويل أجنبي وهو ما يجرمه القانون الانتخابي لكن مقاضاة المتورطين في هذه الجرائم لم تتم بعد أو ربما بدأت لكن بنسق معقد وبطيء جدا..

لكن رئيس محكمة المحاسبات، نجيب القطار يدافع بشدة عن أداء المحكمة واستقلاليتها وكفاءتها المشهود لها محليا ودوليا، نافيا حصول أي تأخير على مستوى إصدار الأحكام. وقال في مداخلة له على الإذاعة الوطنية يوم 29 سبتمبر 2021: "من يتحدث عن التأخير في إصدار الأحكام فليأت ويشخّص الوضع والإطار القانوني الذي أتاحه لنا المشرّع، وهو قانون الانتخابات لسنة 2014.. نحن لا نحكم بالضغط ولابد من ضمان المحاكمة العادلة وليس بناء على الضغط نصدر أحكاما ظالمة".

وشدد القطاري على أن المحكمة أصدرت آلاف الأحكام قبل 2010 وأحكاما تعلّقت بالانتخابات البلدية وانتخابات 2014، إلا أن قانون الانتخابات لسنة 2014 يفرض تبليغ الأحكام للجهات المعنيّة والتي تتعمّد عدم تسلّم هذه الأحكام والالتجاء إلى والي الجهة، وهو ما يتطلب الكثير من الوقت".

 وأفاد بأن شبهة تمويل أجنبي للأحزاب أو رؤساء الأحزاب لإسقاط العضوية مسألة حساسة وتستوجب وجود رابط بين الحزب أو رئيس الحزب مع القائمة المعنية لتكون هناك حجّة قويّة لإسقاط العضوية. 

ويتقاطع تصريحات القطاري والقرقوري مع تصريح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات القاضي فاروق بوعسكر، الذي كشف بأن هناك "إمكانية في عدم إسقاط أي قائمة فائزة في الانتخابات البلدية لسنة 2018 بسبب عدم التمكن من إصدار أحكام باتة قبل نهاية المدة النيابية في 2023، مبينا أن الهيئة لا تستطيع تنفيذ قرارات المحكمة إلا بعد صدور أحكام باتة.

وأرجع بوعسكر، أمس في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، سبب البطء المسجل في إصدار قرارات محكمة المحاسبات، إلى القانون الانتخابي الذي لم يراع خصوصية المادة الانتخابية والذي يجبر المحكمة، (الفصل 92) على تطبيق الإجراءات المقررة في القانون المنظم لها، والمتعلقة برقابتها في تمويل الحملة، كما يجبر القانون الانتخابي محكمة المحاسبات (الفصل 98) على إصدار أحكامها الاستئنافية حسب الإجراءات الواردة بالقانون المنظم للمحكمة.

وأضاف أن خضوع محكمة المحاسبات للأمر عدد 218 لسنة 1971 المتعلق بسير عمل دائرة المحاسبات لاسيما في فصوله المتعلقة بالإعلام وتنفيذ الأحكام يساهم في طول الإجراءات وهو ما لا يتماشى مع الزمن الانتخابي والمدة النيابية.

وأوضح أن محكمة المحاسبات صرحت بإصدار قرارات ابتدائية بإسقاط 80 قائمة انتخابية في الانتخابات البلدية لسنة 2018 تعلقت بـ226 مقعدا في مختلف المجالس البلدية المعنية بهذه القرارات مضيفا أن استئناف هذه القرارات من قبل المعنيين بها أوقف تنفيذها وهو ما يحول دون قيام الهيئة بتنفيذ هذه القرارات في انتظار صدور الأحكام الباتة.

تناقضات الزمن الانتخابي مع الزمن القضائي

ورغم أن التقارير الرقابية لمحكمة المحاسبات كشفت عن انتهاكات ومخالفات انتخابية يستوجب بعضها عقوبات قصوىتتمثل في الغاء جزئي لنتائج الانتخابات، إلا أن نفس المحكمة تمسكت بوجود موانع إجرائية وقانونية أفرزها تسارع الزمن الانتخابي وبطء الزمن القضائي.

وتثبت تقارير المحكمة وجود إخلالات حسابية مالية للمترشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 من بينها ما يتعلق بشرعية الموارد ومجالات إنفاقها وعدم الإفصاح عن مصادر التمويل واستعمال مال مشبوه وغيره من المخالفات التي يستوجب بعضها اقرار عقوبات مالية او حرمانا من استرجاع مصاريف. لكن جزءا من هذه المخالفات الانتخابية يتوجب عقوبات أشد تمزج بين العقوبات السجنية وإلغاء نتائج الانتخابات للمترشح او القائمة التي اثبت ارتكابها لمخالفات تمس بمبادئ تكافؤ الفرص او شراء ذمم الناخبين او تلقى تمويلات أجنبية او تعاقد مع جهات خارجية للتدخل في الانتخابات.

لكن بالعودة إلى قانون الانتخابات والاستفتاء وخاصة بالفصلين 98 و163 من باب العقوبات، يتضح أن الجرائم الانتخابية المرتكبة من قبل مترشحين لانتخابات رئاسية وقائمات في التشريعية، يفترض ان تسلط عليهم عقوبات تتضمن الغاء نتائج جزئية ومنعا من الترشح للاستحقاقات القادمة وتصل الى عقوبات سجنية.

ووفق مقتضيات الفصلين المذكورين فان محكمة المحاسبات يمكنها ان تقر عقوبة اسقاط عضوية كل نائب ترشح بقائمة تبين مخالفتها لأحكام الفصل 98 في فقرته الأخيرة التي تنص على انه «في صورة عدم إيداع الحساب المالي طبقاً للفقرة الأولى من هذا الفصل، أو تجاوز سقف الإنفاق بأكثر من 75%، تصرّح محكمة المحاسبات بإسقاط عضوية كل عضو بمجلس نواب الشعب ترشّح عن إحدى تلك القائمات".

كما يمكن لمحكمة المحاسبات ان تصدر قرارا وفق مقتضيات الفصل 163 إذا ثبت لديها أنّ المترشّح أو القائمة قد تحصّلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنّها تحكم بإلزامها بدفع خطية ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي. ويفقد أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشّح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدّة خمس سنوات.

رفيق

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews