إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الرئيس.. يريد القضاء العادل ولا يغير"القدر"..!

 

تونس- الصباح

أصاب، رئيس الجمهورية قيس سعيد، عندما اعتبر في لقائه الأخير برئيس المجلس الأعلى للقضاء بأن تطهير البلاد لا يكون إلا بتطهير القضاء..، لكن هل يمكن اليوم بالفعل تطهير الجهاز القضائي وتنقيته من كل ما علق به من شبهات واتهامات ومحاسبة كل من انحرف على قيم العدالة والإنصاف؟ وهل تملك الهياكل القضائية بما فيها المجلس الأعلى للقضاء خطة واضحة للإصلاح والتعديل الذاتي؟ وهل أن منح قيس سعيد لنفسه وبمقتضى إجراءات 25 جويلية حق ترأس جهاز النيابة العمومية كانت له تداعياته الإيجابية على الواقع القضائي المتعفّن والعاجز عن تحقيق نتائج ملموسة في التصدي للفاسدين وملاحقة ناهبي المال العام وكل من أجرم في حق الشعب وهو السلطة التي تصدر أحكامها باسم هذا الشعب؟.. والأهم والأخطر هل نجح فعلا القضاء في تحقيق استقلاليته والتخلص من التدخل السياسي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تغييرا للمتدخلين وفق تغيّر المراحل؟

هذه الأسئلة وغيرها تبقى تبحث عن أسئلة مقنعة وملموسة في واقع دولة غابت عنها العدالة وارتفعت فيها مؤشرات الإفلات من العقاب وبات خرق القانون والاستقواء على القضاء ممارسة مألوفة.

خلايا سرطانية تسللت لجسم القضاء!

خلال اللقاء الذي جمع سعيد برئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، أكد رئيس الجمهورية أن الشعب »يريد تطهير البلاد والقضاء يجب أن يلعب دوره التاريخي في هذه المرحلة لتطهير البلاد ولا يمكن التخفي وراء بعض الإجراءات وبعض القواعد التي يتمّ التلاعب بها أو تقديمها حتى لا يقع تعقب الذين أجرموا في حقّ التونسيين«وفق ما قاله قيس سعيد الذي أضاف أن »القضايا تبقى في المحاكم والرفوف لمدّة سنوات نتيجة لوجود عدد من الأطراف التي تسلّلت إلى القضاء كالسرطان، السرطان الذي يعربد في القضاء« ، كما أشار رئيس الجمهورية الى أنّ هناك مجرمين قد أجرموا في حقّ الدولة وبدأوا بالتسلل إلى قصور العدالة وإلى عدد من الدوائر ومن المحاكم وأن من يتآمرون على الدولة أحرارا والنيابة العمومية لا تتحرك. كما حمل قيس سعيد المسؤولية لرئيس المجلس الأعلى للقضاء وقال أنه يخاطبه بصفته رئيسا للمجلس حتى يقوم القضاء بدوره في هذه المرحلة التي وصفها بأنها مرحلة لاستكمال الانفجار الثوري الذي وقع في 17 ديسمبر 2010، الذي تم الإجهاز عليه وفق تعبير سعيد، مضيفا، أنه تم استغلاله لكي يتسللوا » إلى القضاء كما تتسلّل الخلايا السرطانية وأقول لهم مازالت الصواريخ القادمة وهي على منصات إطلاقها..".

واذا كان قيس سعيد لم يفصح بعد على من هؤلاء الذين وصفهم بالخلايا السرطانية التي تسللت إلى جسم القضاء على حد تشخيصه للوضع ولا على طبيعة  "الصواريخ"  التي ينوي إطلاقها لتصحيح الوضع وفق ما يُفهم من كلامه إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون إلى اليوم مجرد تصريحات وكلام مطلق على عواهنه، دون القيام بخطوات سريعة لفرض إصلاحات مستوجبة وعاجلة لإنقاذ جسم قضائي بات متداعيا إلى الهلاك وهزته الفضائح بعمق وخاصة تلك الفضائح التي تعلقت بالرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد وكذلك القاضي بشير العكرمي.

النيابة العمومية.. تلك المعضلة

أكد رئيس الجمهورية في لقائه ببوزاخر على ضرورة أن تتحرّك النيابة العمومية بمجرّد علمها بالجرائم المرتكبة قائلا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء : »كيف لا تتحرك النيابة العمومية في حين أنّ واجبها الذي يفترض أن تقوم به بناء على القانون وبناء على دورها هو تعقّب هؤلاء المجرمون  « كما أشار رئيس الجمهورية الى أنه لا يمكن تطهير البلاد الا بقضاء عادل وأن هناك خونة في تونس ولكن النيابة العمومية لا تتحرك، مؤكدا أن هناك من بين القضاة من يتعامل مع المجرمين من خلال الاستحواذ على بعض المؤيّدات من الملفات ويتمّ تأخير العديد من القضايا على امتداد عشرة سنوات بتعلّة أنّ النصاب لم يتوفّر. متسائلا :''إلى متى هذا الوضع وإلى متى هذا الإجرام في حقّ الشعب التونسي؟''

ولئن بدا السؤال وجيها الا أن لا يكون من يطرحه رئيس الجمهورية الذي اذا كان يعلم بكل هذه الجرائم التي سردها فلماذا لا يطلع عليها الرأي العام ويتحرك بكل ثقله لمحاسبة أصحابها وهو الذي سمحت له إجراءات 25 جويلية بترأس النيابة العمومية وبالتالي فان هذا الجهاز الحساس والخطير بات تحت امرته مباشرة وهو ما يتيح له استعجال النظر في القضايا التي يريدها أن تُحسم بالقضاء.

ورغم كل التحفظات والمؤاخذات على عمل الجهاز القضائي الا أن أغلب الهياكل القضائية تمارس سياسية الهروب الى الأمام ولا تعترف بحجم الخراب الذي حل بهذا الجهاز الحساس حيث استنكر مجلس القضاء العدلي، منذ أيام ما وصفها بـ »حملة المغالطات والتشويه التي طالته وأعضائه، معتبرا ذلك خطأ لا يتماشى واحترام المؤسسات الدستورية نتيجة مواقفهم في التعاطي مع الملفات التأديبية بمنتهى الاستقلالية والحياد".  كما شدد المجلس في بيان له على أنه وخلافا للمزايدات والمغالطات التي أطلقتها عديد الجهات، فإنّه هو من بادر من تلقاء نفسه بفتح جميع ملفات شبهات الفساد المالي دون تدخل أي طرف آخر وذلك منذ شهر أوت 2019.

ولكن هذه المبادرة لم تسفر الى حد الآن عن نتائج لافتة وملموسة في الواقع، فقضايا الفساد المالي والسياسي خاصة ما تزال ترقد في الأدراج رغم انعكاساتها الكارثية على المشهد وعلى الحياة السياسية بشكل عام ورغم أن الفساد أنهك الدولة واستنزفها كليا.

منية العرفاوي

الرئيس.. يريد القضاء العادل ولا يغير"القدر"..!

 

تونس- الصباح

أصاب، رئيس الجمهورية قيس سعيد، عندما اعتبر في لقائه الأخير برئيس المجلس الأعلى للقضاء بأن تطهير البلاد لا يكون إلا بتطهير القضاء..، لكن هل يمكن اليوم بالفعل تطهير الجهاز القضائي وتنقيته من كل ما علق به من شبهات واتهامات ومحاسبة كل من انحرف على قيم العدالة والإنصاف؟ وهل تملك الهياكل القضائية بما فيها المجلس الأعلى للقضاء خطة واضحة للإصلاح والتعديل الذاتي؟ وهل أن منح قيس سعيد لنفسه وبمقتضى إجراءات 25 جويلية حق ترأس جهاز النيابة العمومية كانت له تداعياته الإيجابية على الواقع القضائي المتعفّن والعاجز عن تحقيق نتائج ملموسة في التصدي للفاسدين وملاحقة ناهبي المال العام وكل من أجرم في حق الشعب وهو السلطة التي تصدر أحكامها باسم هذا الشعب؟.. والأهم والأخطر هل نجح فعلا القضاء في تحقيق استقلاليته والتخلص من التدخل السياسي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تغييرا للمتدخلين وفق تغيّر المراحل؟

هذه الأسئلة وغيرها تبقى تبحث عن أسئلة مقنعة وملموسة في واقع دولة غابت عنها العدالة وارتفعت فيها مؤشرات الإفلات من العقاب وبات خرق القانون والاستقواء على القضاء ممارسة مألوفة.

خلايا سرطانية تسللت لجسم القضاء!

خلال اللقاء الذي جمع سعيد برئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، أكد رئيس الجمهورية أن الشعب »يريد تطهير البلاد والقضاء يجب أن يلعب دوره التاريخي في هذه المرحلة لتطهير البلاد ولا يمكن التخفي وراء بعض الإجراءات وبعض القواعد التي يتمّ التلاعب بها أو تقديمها حتى لا يقع تعقب الذين أجرموا في حقّ التونسيين«وفق ما قاله قيس سعيد الذي أضاف أن »القضايا تبقى في المحاكم والرفوف لمدّة سنوات نتيجة لوجود عدد من الأطراف التي تسلّلت إلى القضاء كالسرطان، السرطان الذي يعربد في القضاء« ، كما أشار رئيس الجمهورية الى أنّ هناك مجرمين قد أجرموا في حقّ الدولة وبدأوا بالتسلل إلى قصور العدالة وإلى عدد من الدوائر ومن المحاكم وأن من يتآمرون على الدولة أحرارا والنيابة العمومية لا تتحرك. كما حمل قيس سعيد المسؤولية لرئيس المجلس الأعلى للقضاء وقال أنه يخاطبه بصفته رئيسا للمجلس حتى يقوم القضاء بدوره في هذه المرحلة التي وصفها بأنها مرحلة لاستكمال الانفجار الثوري الذي وقع في 17 ديسمبر 2010، الذي تم الإجهاز عليه وفق تعبير سعيد، مضيفا، أنه تم استغلاله لكي يتسللوا » إلى القضاء كما تتسلّل الخلايا السرطانية وأقول لهم مازالت الصواريخ القادمة وهي على منصات إطلاقها..".

واذا كان قيس سعيد لم يفصح بعد على من هؤلاء الذين وصفهم بالخلايا السرطانية التي تسللت إلى جسم القضاء على حد تشخيصه للوضع ولا على طبيعة  "الصواريخ"  التي ينوي إطلاقها لتصحيح الوضع وفق ما يُفهم من كلامه إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون إلى اليوم مجرد تصريحات وكلام مطلق على عواهنه، دون القيام بخطوات سريعة لفرض إصلاحات مستوجبة وعاجلة لإنقاذ جسم قضائي بات متداعيا إلى الهلاك وهزته الفضائح بعمق وخاصة تلك الفضائح التي تعلقت بالرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد وكذلك القاضي بشير العكرمي.

النيابة العمومية.. تلك المعضلة

أكد رئيس الجمهورية في لقائه ببوزاخر على ضرورة أن تتحرّك النيابة العمومية بمجرّد علمها بالجرائم المرتكبة قائلا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء : »كيف لا تتحرك النيابة العمومية في حين أنّ واجبها الذي يفترض أن تقوم به بناء على القانون وبناء على دورها هو تعقّب هؤلاء المجرمون  « كما أشار رئيس الجمهورية الى أنه لا يمكن تطهير البلاد الا بقضاء عادل وأن هناك خونة في تونس ولكن النيابة العمومية لا تتحرك، مؤكدا أن هناك من بين القضاة من يتعامل مع المجرمين من خلال الاستحواذ على بعض المؤيّدات من الملفات ويتمّ تأخير العديد من القضايا على امتداد عشرة سنوات بتعلّة أنّ النصاب لم يتوفّر. متسائلا :''إلى متى هذا الوضع وإلى متى هذا الإجرام في حقّ الشعب التونسي؟''

ولئن بدا السؤال وجيها الا أن لا يكون من يطرحه رئيس الجمهورية الذي اذا كان يعلم بكل هذه الجرائم التي سردها فلماذا لا يطلع عليها الرأي العام ويتحرك بكل ثقله لمحاسبة أصحابها وهو الذي سمحت له إجراءات 25 جويلية بترأس النيابة العمومية وبالتالي فان هذا الجهاز الحساس والخطير بات تحت امرته مباشرة وهو ما يتيح له استعجال النظر في القضايا التي يريدها أن تُحسم بالقضاء.

ورغم كل التحفظات والمؤاخذات على عمل الجهاز القضائي الا أن أغلب الهياكل القضائية تمارس سياسية الهروب الى الأمام ولا تعترف بحجم الخراب الذي حل بهذا الجهاز الحساس حيث استنكر مجلس القضاء العدلي، منذ أيام ما وصفها بـ »حملة المغالطات والتشويه التي طالته وأعضائه، معتبرا ذلك خطأ لا يتماشى واحترام المؤسسات الدستورية نتيجة مواقفهم في التعاطي مع الملفات التأديبية بمنتهى الاستقلالية والحياد".  كما شدد المجلس في بيان له على أنه وخلافا للمزايدات والمغالطات التي أطلقتها عديد الجهات، فإنّه هو من بادر من تلقاء نفسه بفتح جميع ملفات شبهات الفساد المالي دون تدخل أي طرف آخر وذلك منذ شهر أوت 2019.

ولكن هذه المبادرة لم تسفر الى حد الآن عن نتائج لافتة وملموسة في الواقع، فقضايا الفساد المالي والسياسي خاصة ما تزال ترقد في الأدراج رغم انعكاساتها الكارثية على المشهد وعلى الحياة السياسية بشكل عام ورغم أن الفساد أنهك الدولة واستنزفها كليا.

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews