إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الانتحار حرقا.. مشهدية يغذيها المجتمع

 

تونس-الصباح

أقدم شاب تونسي يوم السبت الماضي بإضرام النار في نفسه في شارع الحبيب بورقيبة، لم يصمد جسده طويلا أمام النار وتوفي متأثرا بجروحه. سبقت هذه العملية أخبار عن حالات انتحار أو محاولات انتحار حرقا شهدتها عديد الجهات على مدى الأسابيع الاخيرة، وقد كان الانتحار ظاهرة متواصلة في السنوات الأخيرة، إلا أن الانتحار حرقا والذي أشعل فتيل الثورة التونسية يحمل دلالات عدة.

يوضح المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه في تصريح لـ"الصباح" أن الانتحار عمل عنيف يائس تجاه النفس، وتصنفه منظمة العالمية للصحة على أنه وباء يمكن الوقاية منه، ويوضح هنا أن ما يفسر تزايد حالات الانتحار في فترات معينة إلى أن أسبابه قابلة للانتشار بسرعة كبيرة، فيكفي أن تتحدث عنه في الإعلام أو يمجده الناس حتى تتكرر العملية وهنا يذكر بمن الذين حاولوا الانتحار حرقا بعد محمد البوعزيزي استلهاما منه موضحا أنه أحيانا ما تعرف مناطق وجهات معينة بأساليب وآليات انتحار معينة.

إثارة التعاطف

يشير المختص في علم النفس أن الأسلوب الذي يعتمده المنتحر لإثارة التعاطف معه من خلال محاولة الانتحار ينطلق من اليقين أنه سيقع إسعافه، فكل من وضع على نفسه البنزين تقريبا أو مواد قابلة للاشتعال إلا وكان يبحث عن التعاطف معه، والمشهدية ليست فقط في عملية الانتحار بل حتى في اختيار المكان نفسه مثل شارع الثورة، شارع المظاهرات، شارع تسلط فيه الأضواء وعدسات وسائل الإعلام والتاريخ يوم توجد فيه مظاهرة مما يعني أن الطابع الاستعراضي مهم جدا.

فإذا كان الإنسان يبحث عن الموت فقط، فيمكن أن يلقي بنفسه من فوق جبل ولا يتفطن إليه أحد ولكن المنتحر في هذه الحالات يريد أن يعلن موته، الرغبة في الانتحار واستدرار التعاطف إن كان حيا أو ميتا لا يجب أن تغيب عنا باعتبارها دافعا، كما يوضح محدثنا.

الحلول أوسع

ويشير هنا إلى أنه عندما نتناول هذه الحالات لا يجب أن نسقط في تمجيد الفعل في حد ذاته، بل يجب أن نذكر في كل مرة أن الحلول أوسع بكثير من الرغبة في قتل النفس، فـ"إذا كنا تحدثنا بكثير من التمجيد عن الحلول لا نجد من يختار قتل نفسه، نحن كمجتمع نساهم بطريقة أو بأخرى إلى دفع الناس اليائسين إلى الحل الأقصى فنفس الوضعية التي عاشها فلان واختار وضع حد لحياته عاشها جاره ولكن وجد حلا." ويضيف "اليوم نجد أن هناك فئة في المجتمع تنبش في القمامة لكسب القوت اليومي وفي بعض الأحيان يحققون منها نجاحات. هذا يلغي الاختيار اليائس لأن هنالك أساليب متعددة لكسب الرزق لنحت الحل فكأنك أمام حجرة صلبة وانت تنحت منها صورة حل".

ويعتبر الفقيه أنه "عندما نتحدث بصفة إيجابية عن المنتحر ونوجد له كل التبريرات ونقول إنه لم يجد حلا، فكل الناس الذين يعيشون وضعيات مناسبة له تحدثهم أنفسهم بخيار الانتحار. في اليابان مثلا السبب الاول لموت الشباب هو الانتحار  لأن المجتمع الياباني يقدس القرار الفردي فيمكن لمدير تعثر في تحقيق نتائج في الشركة إلى الاختيار عمدا وبسابق الإصرار أن يضع حدا لحياته وأحيانا أمام الكاميرا".

لا شك أن الانتحار حرقا في تونس ارتبط أيضا بعده السياسي ورمزية الثورة، ولكنه بالنسبة إلى محدثنا يستمد وجوده من المشهدية والتمجيد الذي يمكن أن يترتب به وهو ما يستوجب معالجة مجتمعية خاصة للسيطرة على هذه الظاهرة، فبالرغم من أن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية الاقتصادية يحصي بشكل دوري حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في تونس، فإنه يعتمد بالأساس على ما يعلن في وسائل الإعلام، مما يعني أن ما نعرفه عن هذه الظاهرة أقل بكثير من حجمها الحقيقي.

أروى الكعلي

الانتحار حرقا.. مشهدية يغذيها المجتمع

 

تونس-الصباح

أقدم شاب تونسي يوم السبت الماضي بإضرام النار في نفسه في شارع الحبيب بورقيبة، لم يصمد جسده طويلا أمام النار وتوفي متأثرا بجروحه. سبقت هذه العملية أخبار عن حالات انتحار أو محاولات انتحار حرقا شهدتها عديد الجهات على مدى الأسابيع الاخيرة، وقد كان الانتحار ظاهرة متواصلة في السنوات الأخيرة، إلا أن الانتحار حرقا والذي أشعل فتيل الثورة التونسية يحمل دلالات عدة.

يوضح المختص في علم النفس عبد الباسط الفقيه في تصريح لـ"الصباح" أن الانتحار عمل عنيف يائس تجاه النفس، وتصنفه منظمة العالمية للصحة على أنه وباء يمكن الوقاية منه، ويوضح هنا أن ما يفسر تزايد حالات الانتحار في فترات معينة إلى أن أسبابه قابلة للانتشار بسرعة كبيرة، فيكفي أن تتحدث عنه في الإعلام أو يمجده الناس حتى تتكرر العملية وهنا يذكر بمن الذين حاولوا الانتحار حرقا بعد محمد البوعزيزي استلهاما منه موضحا أنه أحيانا ما تعرف مناطق وجهات معينة بأساليب وآليات انتحار معينة.

إثارة التعاطف

يشير المختص في علم النفس أن الأسلوب الذي يعتمده المنتحر لإثارة التعاطف معه من خلال محاولة الانتحار ينطلق من اليقين أنه سيقع إسعافه، فكل من وضع على نفسه البنزين تقريبا أو مواد قابلة للاشتعال إلا وكان يبحث عن التعاطف معه، والمشهدية ليست فقط في عملية الانتحار بل حتى في اختيار المكان نفسه مثل شارع الثورة، شارع المظاهرات، شارع تسلط فيه الأضواء وعدسات وسائل الإعلام والتاريخ يوم توجد فيه مظاهرة مما يعني أن الطابع الاستعراضي مهم جدا.

فإذا كان الإنسان يبحث عن الموت فقط، فيمكن أن يلقي بنفسه من فوق جبل ولا يتفطن إليه أحد ولكن المنتحر في هذه الحالات يريد أن يعلن موته، الرغبة في الانتحار واستدرار التعاطف إن كان حيا أو ميتا لا يجب أن تغيب عنا باعتبارها دافعا، كما يوضح محدثنا.

الحلول أوسع

ويشير هنا إلى أنه عندما نتناول هذه الحالات لا يجب أن نسقط في تمجيد الفعل في حد ذاته، بل يجب أن نذكر في كل مرة أن الحلول أوسع بكثير من الرغبة في قتل النفس، فـ"إذا كنا تحدثنا بكثير من التمجيد عن الحلول لا نجد من يختار قتل نفسه، نحن كمجتمع نساهم بطريقة أو بأخرى إلى دفع الناس اليائسين إلى الحل الأقصى فنفس الوضعية التي عاشها فلان واختار وضع حد لحياته عاشها جاره ولكن وجد حلا." ويضيف "اليوم نجد أن هناك فئة في المجتمع تنبش في القمامة لكسب القوت اليومي وفي بعض الأحيان يحققون منها نجاحات. هذا يلغي الاختيار اليائس لأن هنالك أساليب متعددة لكسب الرزق لنحت الحل فكأنك أمام حجرة صلبة وانت تنحت منها صورة حل".

ويعتبر الفقيه أنه "عندما نتحدث بصفة إيجابية عن المنتحر ونوجد له كل التبريرات ونقول إنه لم يجد حلا، فكل الناس الذين يعيشون وضعيات مناسبة له تحدثهم أنفسهم بخيار الانتحار. في اليابان مثلا السبب الاول لموت الشباب هو الانتحار  لأن المجتمع الياباني يقدس القرار الفردي فيمكن لمدير تعثر في تحقيق نتائج في الشركة إلى الاختيار عمدا وبسابق الإصرار أن يضع حدا لحياته وأحيانا أمام الكاميرا".

لا شك أن الانتحار حرقا في تونس ارتبط أيضا بعده السياسي ورمزية الثورة، ولكنه بالنسبة إلى محدثنا يستمد وجوده من المشهدية والتمجيد الذي يمكن أن يترتب به وهو ما يستوجب معالجة مجتمعية خاصة للسيطرة على هذه الظاهرة، فبالرغم من أن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية الاقتصادية يحصي بشكل دوري حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في تونس، فإنه يعتمد بالأساس على ما يعلن في وسائل الإعلام، مما يعني أن ما نعرفه عن هذه الظاهرة أقل بكثير من حجمها الحقيقي.

أروى الكعلي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews