اختتام الدورة الـ23 للجنة الكبرى المشتركة التونسية - الجزائرية.. توقيع 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم .. ودفع التعاون والشراكة نحو المزيد من التكامل والاندماج
◄ رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري: اجتماع اللجنة محطّة هامة لمتابعة ما تحقق من إنجازات في مختلف مجالات التعاون المشترك وتقييم مساراته
◄ الوزير الأول الجزائري سيفي غريب: وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدها البلدان تشكّل حافزًا للشروع في تجسيد العديد من المشاريع المشتركة
اختتمت أمس الجمعة 12 ديسمبر 2025 أشغال الدورة الثالثة والعشرين للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية، وذلك بقصر الحكومة بالقصبة تحت إشراف رئيسة الحكومة سارة الزعفراني والوزير الأول الجزائري سيفي غريب.
وخلال الجلسة الافتتاحية لأشغال الدورة الثالثة والعشرين للجنة الكبرى المشتركة التونسية - الجزائرية، بحضور الوزير الأول الجزائري سيفي غريب وعدد من الوزراء في البلدين، قالت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري إن هذا الحدث يُعدّ مناسبة لتجسيم حرص رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبّون على مزيد تطوير علاقات الأخوّة والتعاون والجوار بين تونس والجزائر، والارتقاء بها إلى أعلى المراتب، وتحقيق إنجازات ملموسة ترتقي بماضيها المجيد وتستجيب لتطلّعات شعبينا الشقيقين، وتضع الأُسس المتينة لتعزيز دعائم المستقبل الزاهر الذي نصبو إليه.
وأكدت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أن تونس، التي اختارت التعويل على قدراتها الذاتية واعتماد سياسة اجتماعية واقتصادية بناءً على خياراتها الوطنية، تواصل بخطى ثابتة إنجاز مسارها الإصلاحي الشامل من أجل تعزيز مقوّمات سيادتها الوطنية ومناعتها الاقتصادية وتوطيد أمنها واستقرارها، رغم كلّ التحديات الماثلة. وأضافت: «وإذ نؤكد وعينا بحجم هذه التحديات، فإننا مصممون على تجاوزها بالإرادة الصادقة والعزيمة وبذل أقصى جهودنا في تحقيق ما يتطلع إليه التونسيون والتونسيات من عدالة وحريّة وكرامة وطنية وتعافي اقتصادي وتقدّم في شتى المجالات. فإرادة شعبنا والتفافه حول قيادته يزيدان من عزمنا على المضي قدما في هذا المسار من أجل تحقيق انتظارات مواطنينا ومواطناتنا... كما نُشيد، في نفس السياق، ونعرب عن اعتزازنا بالإصلاحات الهيكلية والمؤسّساتية العميقة في مسار بناء الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، ونُنوّه بمختلف المشاريع التنموية التي تحققت في شتى المجالات وفي ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلاد».
كما قالت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري: «إن رؤيتنا للمستقبل واضحة، فكلّ مكسب تنموي تحققه تونس والجزائر يشكل لبنة أساسية لخدمة الهدف الأسمى، وهو التقدّم في تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والشراكة المتضامنة بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، ودعامةً للأمن والاستقرار والازدهار في فضاء انتمائنا المغاربي».
كما أفادت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري بأن اجتماع اللجنة العليا المشتركة يعتبر محطة هامة لمتابعة ما تحقق من إنجازات في مختلف مجالات التعاون المشترك وتقييم مساراته، واستشراف آفاق جديدة لتعزيزه وتطوير آلياته من أجل مزيد من النجاعة والسرعة. وأعربت في هذا الإطار عن الارتياح لما يشهده التعاون الثنائي بين البلدين، خلال السنوات الأخيرة، من ديناميكية إيجابية ونتائج مرضية، وما تحقق من إنجازات ملموسة خلال الدورات السابقة للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية.
وثمّنت رئيسة الحكومة روح المسؤولية التي طبعت عمل مختلف اللجان القطاعية والفنية التحضيرية لهذه اللجنة، والتي عكست الإرادة المشتركة والصادقة لأعضاء وفدي البلدين من أجل تحويل التوصيات المنبثقة عنها إلى خطوات عملية حقيقية، مؤكدة أهمية المتابعة المتواصلة وتجسيم مختلف هذه التوصيات بما يُسهم في تطوير التعاون الثنائي في مجالات التجارة والطاقة والنقل والأمن وتنمية المناطق الحدودية وإدارة المياه والسياحة والتعليم العالي، وغيرها من القطاعات الحيوية.
وفي هذا الإطار، ثمّنت مخرجات اجتماع لجنة المتابعة برئاسة وزيري الشؤون الخارجية للبلدين، بما خلُصت إليه من توصيات واتفاقات وبرامج عمل جديدة سيتمّ التوقيع عليها في ختام أشغال اللجنة الكبرى المشتركة.
كما نوّهت رئيسة الحكومة بالتنسيق والتشاور المتواصلين على المستوى الدبلوماسي في ما يتعلق بملفات التعاون الثنائي، ومتابعة المستجدات الإقليمية والدولية، داعية إلى مواصلة هذا النسق البنّاء من التنسيق المشترك من خلال العمل على تجسيم التوافقات المشتركة ببرمجة اجتماعات وزارية قطاعية في المجالات ذات الأولوية للبلدين، على غرار التجارة والأمن وتنمية المناطق الحدودية والطاقة والموارد المائية والنقل، ورفع توصيات عملية بشأنها إلى قيادتي الدولتين، بما يُكرّس التنسيق الاستراتيجي الدائم بين البلدين خدمةً لمصالحهما المشتركة.
تثمين التبادل التجاري بين البلدين...
وفي سياق آخر، قالت رئيسة الحكومة: «إنّ تونس تعتبر الجزائر الشقيقة شريكا اقتصاديا كبيرا، علاوة على مكانتها المتميّزة لدى الشعب التونسي، وتؤمن بأن أمام بلدينا آفاقا واسعة وفرص استثمار واعدة لتعميق التعاون الثنائي والارتقاء به إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المنشودة، مما يقتضي مزيدا من التنسيق والتكامل في الرؤى والجهود، وتكثيف العمل المشترك لتجاوز الصعوبات التي قد تعترض بعض القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها التجارة، بما يضمن انسيابية المبادلات التجارية وتطوير التعاون الاقتصادي».
وأشارت إلى «أهمية التبادل التجاري القائم بين تونس والجزائر، والذي بلغ قيمة ما يُقارب 7740 مليون دينار تونسي في سنة 2024، فإنه بإمكاننا تحقيق الأفضل بكثير عبر تكثيف الجهود المشتركة لرفع مختلف المعوقات التي تحول دون انسياب التجارة البينية، والعمل على تبسيط الإجراءات الجمركية وتحسين البنية التحتية للمنافذ البرية التجارية وتيسير انسياب السلع والخدمات، بما يساهم في رفع حجم المبادلات التجارية ويُدعم التعاون الاقتصادي كرافعة حقيقية للشراكة الاستراتيجية بين تونس والجزائر».
وشدّدت رئيسة الحكومة على ضرورة مواصلة المشاورات بين الجانبين واستكمالها في أقرب الآجال الممكنة، لدفع نسق المبادلات البينية عبر مراجعة الاتفاق التجاري التفاضلي بما يتماشى مع التطوّرات التي يشهدها اقتصادا البلدين، ويساهم في تطوير الامتيازات التعريفية المتبادلة وتوسيع قائمة المنتجات المشمولة به، ويعزّز الانسياب التجاري بين البلدين، لبلوغ هدفنا المشترك في إرساء شراكة اقتصادية استراتيجية أكثر عمقًا وفاعلية.
كما ثمّنت التطوّر المسجّل في حجم الاستثمارات الجزائرية النشطة في تونس، حيث بلغ عدد المؤسسات الصناعية ذات المساهمة الجزائرية ثمانية عشر مؤسسة تنشط في مجالات متنوّعة، على غرار الصناعات الغذائية والميكانيكية ومواد البناء والنسيج والملابس والجلود. ورغم ما تحقق من مؤشرات إيجابية، فما زال القطاع في حاجة إلى مزيد من الجرأة الاستثمارية والتكامل الصناعي لتحقيق ما نصبو إليه من اندماج اقتصادي حقيقي.
ودعت إلى عقد الاجتماع الحادي عشر للجنة المشتركة التونسية الجزائرية لتقييم ومتابعة التعاون الصناعي في أقرب الآجال الممكنة، إضافة إلى تفعيل البرامج التنفيذية المتفق عليها في إطار اتفاقات التعاون المبرمة بين المراكز الفنية التونسية ونظيراتها الجزائرية والانطلاق في بلورة تصور لبرنامج تعاون نموذجي مشترك بين وكالة النهوض بالصناعة والتجديد كجهة مشرفة على الشبكة الوطنية لمحاضن المؤسسات التونسية، والهيكل المشرف على محاضن المؤسسات الجزائرية، يتمّ التركيز من خلاله خاصة على عنصري ريادة الأعمال المجددة وريادة الأعمال النسائية.
وأضافت رئيسة الحكومة : «لا يفوتنا الإشادة في هذا الإطار بالحصيلة الإيجابية للمنتدى الاقتصادي التونسي - الجزائري، الذي توزعت أنشطته بين الأمس واليوم بمشاركة عدد هام من الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال من البلدين الشقيقين، بما من شأنه أن يسهم في تعزيز دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الثنائي من خلال مزيد تشبيك المصالح المشتركة وإرساء شراكات فاعلة، ولا سيّما في القطاعات الواعدة كالصناعات التحويلية والطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة، بما يُساهم في خلق ديناميكية اقتصادية جديدة تُترجم في مشاريع واقعية تدعم التنمية وتعود بالنفع المباشر على الشعبين الشقيقين».
كما أكدت أن التعاون الطاقي بين تونس والجزائر يكتسي أهمية استراتيجية، باعتباره أحد الركائز الحيوية للعلاقات الثنائية، مؤكدة على أهمية إنجاح المفاوضات بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز وشركة سوناطراك الجزائرية لمراجعة السعر التعاقدي لشراء الغاز للفترة الممتدة من سنة 2026 إلى سنة 2028، بما يتماشى مع استقرار الأسعار العالمية وتمكين بلادنا من كميات فوق تعاقدية عند الحاجة.
وثمنت أهمية تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الطاقات المتجددة والربط الكهربائي وتطوير بنية تحتية طاقية متكاملة، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة ويعزز مكانة تونس والجزائر كشريكين أساسيين في هذا المجال الحيوي. وفي هذا الإطار، دعت إلى عقد اجتماع اللجنة المشتركة التونسية الجزائرية للتعاون في مجال الطاقة التي لم تنعقد منذ سنة 2022.
وشددت رئيسة الحكومة على ضرورة مواصلة العمل المشترك وتبادل المعلومات والتجارب في مجالات استغلال الموارد المائية المشتركة وإدارة المياه السطحية والتصرّف في مياه السدود وتطوير مشاريع فلاحية نموذجية، ودعم البحث العلمي والابتكار والاستثمار المشترك في مجال الأمن الغذائي، بما يسهم في تعزيز قدرة بلدينا على مجابهة الأزمات وتحقيق الاكتفاء الذاتي وترسيخ روح التضامن والتكامل بين البلدين.
كما أفادت أنّ للتعاون السياحي دورا هاما في دعم العلاقات الثنائية وتعزيز التقارب بين الشعبين الشقيقين. وفي هذا الإطار، قالت: «نسجّل بكل ارتياح النسق التصاعدي الذي تعرفه الحركة السياحية بين البلدين، إذ سجلت تونس إلى حدود موفى شهر أكتوبر 2025 توافد ثلاثة ملايين سائح جزائري بنسبة ارتفاع بلغت 8.2 % مقارنة بعدد الوافدين خلال نفس الفترة من سنة 2024، مما يؤكد المكانة المميزة التي تحتلّها تونس لدى أشقائنا الجزائريين وعمق الروابط الأخوية بين الشعبين، ويجسّد النجاح المشترك ليصبح التعاون السياحي نموذجًا للتكامل والازدهار في الفضاء المغاربي.»
وانطلاقا من أهمية تعزيز التعاون بين تونس والجزائر في المجالات الثقافية والرياضية والشبابية والتربوية، باعتبارها أساسية لترسيخ التقارب الإنساني وتعزيز الروابط الحضارية العريقة التي تجمع الشعبين الشقيقين، دعت إلى تطوير برامج عملية مشتركة في هذه المجالات، تُعنى بتشجيع المبادرات الشبابية وتعزيز التبادل بين الجمعيات والهياكل الرياضية في البلدين، بما يُسهم في توطيد روح الأخوة بين الأجيال الصاعدة، مُشددة على أهمية تكثيف الشراكات الأكاديمية وتبادل الطلبة والأساتذة والباحثين وإرساء مشاريع علمية مشتركة في مجالات الابتكار والتكنولوجيات الحديثة، إيمانًا منا بأنّ الاستثمار في رأس المال البشري والمعرفة هو السبيل الأمثل لبناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا ووحدة بين تونس والجزائر.
واعتبرت رئيسة الحكومة أن العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع شعبينا الشقيقين تؤكد على ضرورة إيلاء عناية فائقة بجاليتينا على مختلف الأصعدة، مضيفة: «ولعلّ من أوكد الأولويات اليوم الإسراع بتحيين اتفاقية الإقامة الموقّعة منذ سنة 1963، بما يتلاءم مع التحوّلات التي شهدتها تونس والجزائر وتطلعات مواطنيهما، وذلك في اتجاه تحسين ظروف الإقامة وتنقيح الإجراءات ذات العلاقة بالتملّك والعمل ونقل الأموال والإقامة، فضلاً عن تيسير تنقل الأشخاص والعمال والطلبة والمستثمرين. كما ندعو إلى اعتماد مقاربة جديدة تراعي خصوصية الروابط العائلية والاجتماعية بين الشعبين، بما ينعكس إيجابا على ترسيخ أسس الشراكة والتكامل بين تونس والجزائر».
وقالت رئيسة الحكومة: «يُمثل التنسيق والتشاور المتواصل بين قيادتي دولتينا حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية رافدًا أساسيًا لمزيد تعزيز علاقاتنا الثنائية. وإننا ننوه في هذا الإطار بتطابق وجهات نظر بلدينا بخصوص العديد من القضايا، مُذكرة في هذا السياق بموقف تونس الدائم والمبدئي والثابت الداعم للشعب الليبي حتى يتمكن من تحقيق طموحاته في إعادة الأمن والاستقرار في كامل ربوع ليبيا والحفاظ على سيادته في كنف الوحدة الوطنية، والدعوة إلى انتهاج الحوار السياسي سبيلا أوحد للحل بين أشقائنا الليبيين تحت الرعاية الأممية».
وعلى صعيد متصل، رحبت رئيسة الحكومة بمخرجات الاجتماع الثلاثي الثاني حول ليبيا المنعقد بالجزائر بتاريخ 6 نوفمبر 2025، والذي شكّل محطة هامة في مسار دعم الجهود الإقليمية الرامية إلى تعزيز الاستقرار في ليبيا ومساندة مسار الحل السياسي الشامل تحت رعاية الأمم المتحدة، مُؤكدة في هذا الإطار على أهمية تواصل النسق الحثيث لهذه الآلية الدبلوماسية لما تُتيحه من إطار تشاوري فعّال لتنسيق المواقف وتبادل الرؤى حول مجمل التطورات في ليبيا. وأضافت: «نُعرب عن تطلّعنا إلى مشاركة جزائرية ومصرية فاعلة في الاجتماع الثلاثي القادم الذي ستستضيفه تونس في مطلع سنة 2026، تأكيدا على وحدة المقاربة بين دول الجوار المباشر لليبيا ودورها المحوري في دعم الاستقرار الدائم فيها وتعزيز الأمن في المنطقة المغاربية والعربية.»
فرصة مواتية للوقوف على واقع علاقات التعاون والشراكة
من جانبه، قال الوزير الأول الجزائري سيفي غريب في افتتاح أشغال اللجنة العليا المشتركة التونسية-الجزائرية إن هذا الاجتماع يُمثل فرصة مواتية للوقوف معًا على واقع علاقات التعاون والشراكة بين تونس والجزائر، وبحث راهنها ومستقبلها، وخاصة من خلال تقييم ما تم تجسيده منذ الدورة الأخيرة للجنة المشتركة الكبرى للتعاون، بالجزائر يوم 4 أكتوبر 2023، والتي تُعتبر الآلية المحورية لمتابعة ومرافقة الحركية الهامة التي تعرفها علاقات التعاون بين بلدينا الشقيقين.
وعبّر الوزير الأول الجزائري عن أمله في أن تكون هذه الدورة محطة متميزة على درب تعزيز التعاون والشراكة والتضامن بين الجزائر وتونس، لترقى إلى مستوى الإرادة السياسية لقائدي البلدين، وتكون عند حسن ظن وتطلعات الشعبين الشقيقين. وأضاف: «لقد بلغت علاقات تعاوننا وشراكتنا درجة من النضج والتجربة، تُمكننا من التخاطب كإخوة وجيران، بالموضوعية الضرورية التي تضمن تعزيز وتكريس كل ما هو إيجابي ومفيد للطرفين، وتصويب وتقويم كل ما هو دون ذلك، من خلال وضع آليات مبتكرة ومكيَّفة تسمح بتذليل أي عقبات تعترض تجسيد طموحاتنا المشتركة في مختلف المجالات.»
كما نوه الوزير الأول الجزائري بالنتائج الإيجابية التي تحققت في العديد من قطاعات التعاون، مشيرا إلى التنسيق المتواصل بين البلدين لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية، لاسيما في مجال تأمين الحدود المشتركة، من أجل الحد من مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة السرية والتهريب بمختلف أشكاله والاتجار بالمخدرات. وأضاف: «لا زال التعاون بين البلدين في هذا المجال يخطو خطوات ثابتة وتبعث على الارتياح، كما أكدته مخرجات الاجتماع الثاني للجنة الأمنية المشتركة المنعقدة بالجزائر يومي 14 و15 جويلية 2025، الذي تم خلاله تقييم الوضع الأمني بالمنطقة ودول الجوار وتداعياته على أمن البلدين.»
وثمن توقيع البلدين مؤخرا على اتفاق للتعاون في المجال العسكري في أكتوبر 2025، والذي يشكل لبنة إضافية في صرح التعاون الثنائي في هذا المجال الهام.
وفي مجال الطاقة، الذي يمثل حلقة أساسية في التعاون الثنائي، قال الوزير الأول الجزائري: «نسجل بارتياح مساهمة الصادرات الطاقوية الجزائرية في تلبية الطلب الداخلي في تونس على الغاز الطبيعي والكهرباء، ونطمح إلى تعزيز التعاون في هذا المجال من خلال تجسيد المشاريع المهيكلة الرامية لتعزيز الربط الكهربائي الثلاثي.»
وأضاف أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين شهد ارتفاعا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ 2.30 مليار دولار سنة 2024، حيث يُهيمن قطاع المحروقات على تركيبته السلعِيَّة، مستطردًا: «ورغم أن تونس تحتل المرتبة الثانية إفريقيًا من بين الشركاء التجاريين للجزائر، إلا أن البيانات الإحصائية تُشير إلى أن المبادلات البينية تبقى دون مستوى قدرات البلدين»، مؤكدًا ضرورة العمل من أجل دفع التعاون والشراكة نحو المزيد من التكامل والاندماج، عبر توفير الشروط المناسبة لرفع التبادل التجاري خارج المحروقات، ولاسيما من خلال إزالة جميع المعوقات البُنيَويَّة أو الظرفية التي تقف حاجزًا أمام تطوير وانسيابية حركة المبادلات التجارية.
وفي هذا الإطار، أكد الوزير الأول الجزائري بشكل خاص على أهمية عقد اجتماعات اللجان التقنية الفرعية لمرافقة التبادل التجاري، ووضع الأطر التنظيمية المناسبة لتسهيل انسياب السلع والخدمات بين البلدين، وتكريس الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين من الجانبين، معتبرا أن «تعزيز التبادل التجاري يجب أن يرتبط بحركية مشابهة على مستوى ترقية الشراكة الاستثمارية بين البلدين، وهو ما تتجلى معه الحاجة الملحة لتكثيف التواصل بين المستثمرين ورواد الأعمال من البلدين، ووضع أطر مؤسساتية وقانونية تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والتحولات الدولية، وتساهم في بعث ديناميكية فعلية للشراكة بين البلدين.»
وقال الوزير الأول الجزائري إن وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدها البلدان والفُرص الكثيرة التي يُتيحها التزامهما ببناء شراكة متكاملة ومُندمجة، تُشكل حافزًا أساسيًا للشروع في تجسيد العديد من المشاريع المشتركة. وأضاف: «لعل عدد المشاريع المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمارات ناهزت قيمتها 350 مليون دولار، ونوايا الاستثمار التي تكاد تقارب هذا المبلغ، كلها مؤشرات تبعث على التفاؤل بمستقبل الشراكة وتبعث على مواصلة العمل من أجل الدفع بها قدمًا.»
شراكة واعدة بين البلدين
وفي هذا السياق، أفاد الوزير الأول الجزائري أن الآفاق الواعدة للشراكة التي تم استعراضها أول أمس خلال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي تؤكد حجم الفرص المتاحة للتعاون، ما يستوجب تكثيف التنسيق من أجل مرافقة المتعاملين المعنيين وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتجسيد مشاريعهم ومنح علاقاتنا الثنائية المحتوى الاقتصادي الذي طالما شدد قائدا بلدينا على أهمية الرقي به وتعزيزه.
كما أكد الوزير الأول الجزائري أن العلاقات الجزائرية-التونسية تتميز بالترابط المتجذر بين شعبين تجمعهما الثقافة والتاريخ واللغة والدين، فضلا عن تاريخ نضالي مشترك وإيمان راسخ أيضًا بالمصير المشترك.. إذ يُشكل الجانب الإنساني جوهر هذه العلاقة المتينة، باعتباره الأساس الحقيقي والقوي للتواصل والتضامن بين البلدين الشقيقين. وشدد على ضرورة مواصلة العمل من أجل تكييف وتطوير الإطار القانوني لتنقل وإقامة الأفراد بين الجانبين، وتشجيع التواصل الثقافي في مختلف أشكاله وصوره، وتكثيف التظاهرات العلمية والثقافية والرياضية، فضلاً عن تعزيز التبادل الطلابي.
واعتبر الوزير الأول الجزائري أن إعادة تشغيل خط السكة الحديدية بين عنابة وتونس في أوت 2024، بعد انقطاع دام سنوات طويلة، يُشكل فرصة سانحة للتأكيد على أهمية تكثيف التعاون في مجال النقل وتيسير التواصل بين البلدين، وتوفير شروط ديمومته وتحسين الخدمات المرتبطة به.
وأضاف أن موافقة الجانبين على إنشاء «مركز ثقافي» لكل بلد لدى الآخر، سيساهم في تعميق التقارب، ودليل إضافي على العناية التي توليها حكومتا البلدين للبعد الثقافي في علاقاتهما الثنائية.
وفي نفس الإطار، قال الوزير الأول الجزائري إن هذه المحاور الاستراتيجية الواعدة لتعزيز العلاقات بين البلدين تتطلب تبني خارطة طريق واضحة المعالم، يتم من خلالها وضع آليات عملية وفق برنامج زمني محدد لتجسيد مشاريع التعاون في القطاعات الحيوية وذات الأولوية، فضلاً عن تلك التي تتيحها الفرص الهامة للشراكة والاستثمار، وخاصة تلك التي سبق اقتراحُها من قبل «لجنة التفكير والاستشراف»، خلال اجتماعها الأول، المنعقد بتونس في 8 مارس 2024، فيما يتعلق بالتعاون في مجالات الأمن الغذائي، وإنتاج القمح، وتحلية مياه البحر، وتطوير النقل، وهي مشاريع جديرة بأن يبدأ البلدان في تجسيدها.
كما أكد أهمية التفكير بجدية في تطوير آليات التعاون التقليدية من خلال النظر في ترشيد عملها وتكييفها وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع الآفاق الاقتصادية في البلدين.
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية، قال الوزير الأول الجزائري: «إن هذا الزخم الذي تشهده علاقات التعاون والتضامن بين البلدين يجد أيضًا سندَه في التطابق التام لوجهات نظر البلدين إزاء العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتمسكهما بالدفاع عن المبادئ والقيم التي تنظم المجتمع الدولي وتحمي النظام متعدد الأطراف من الانهيار... ففي ظل الأزمات والمآسي التي يعيشها العالم العربي، يقف البلدان بقوة إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة ومحاولات الإجهاز على قضيته من قبل الاحتلال الغاصب، ويُساندان نضاله لنيل حقوقه وبناء دولته المستقلة وعاصمته القدس. كما يتقاسم البلدان نفس الموقف إزاء ما يدور في لبنان وسوريا، البلدان الشقيقان اللذان ما زالا يتعرضان لاعتداءات سافرة من الاحتلال الإسرائيلي... هذا ويدعم بلدانا تسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا الشقيقة، من خلال تمكين الأشقاء الليبيين أنفسهم من تحقيق المصالحة الوطنية والإسراع في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، تُفضي إلى بناء مؤسسات موحدة وشرعية وقوية، بما يحقق أمن واستقرار ووحدة هذا البلد الشقيق، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وبما يحفظ ثرواته ويضمن تسخيرها في خدمة رفاهية الشعب الليبي الشقيق... كما يسعى البلدان إلى جانب مصر الشقيقة، لبعث المساهمة بشكل جماعي في مرافقة الأشقاء الليبيين على هذا الدرب، كما تم تأكيده جليًا خلال الاجتماع الأخير للآلية الوزارية الثلاثية بالجزائر يوم 6 نوفمبر 2025... وضمن ذات التوجه، يتفق البلدان على أهمية استعادة الوئام في السودان الشقيق والحفاظ على وحدته وسيادته وحقن دماء أبنائه وحماية ثرواته... وعلى ضوء هذا التوافق والانسجام، يتعين تعميق التنسيق والتشاور حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية التي تهم بلدينا، في عالم يموج بالتقلبات والتطورات المضطربة، قصد المساهمة في الحفاظ على استقرار منطقتنا وتعزيز مناعة بلدينا أمام مختلف التحديات والمخاطر».
اتفاقيات ومذكرة تفاهم بين البلدين تشمل العديد من المجالات
تم خلال أشغال اللجنة الكبرى المشتركة التونسية - الجزائرية إمضاء 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، حيث تم إمضاء مذكرة تفاهم بين الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس والمعهد الدبلوماسي والعلاقات الدولية بالجزائر، ومذكرة تفاهم بين مؤسسة التلفزة التونسية والمؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، ومذكرة تفاهم بين وكالة تونس إفريقيا للأنباء ووكالة الأنباء الجزائرية، واتفاقية توأمة وتعاون بين الإذاعة التونسية والمؤسسة الجزائرية العمومية للإذاعة المسموعة.
واتفاقية تعاون بين وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري للجمهورية التونسية ووزارة الري للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، واتفاقية بين المركز الوطني لتكوين المكونين وهندسة التكوين بتونس؛ المعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين «قاسي الطاهر» بالأبيار بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والبرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي بين وزارة الشؤون الثقافية للجمهورية التونسية ووزارة الثقافة والفنون للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
وبرنامج تنفيذي لاتفاقية التعاون في قطاع الصحة بين وزارة الصحة للجمهورية التونسية ووزارة الصحة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية للسنوات 2026-2028.
كما تم إمضاء اتفاق توأمة بين الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية بتونس والمفتشية العامة للعمل بالجزائر، ومذكرة تفاهم للتعاون في ميادين الطاقة والطاقات الجديدة والمتجددة بين وزارة الصناعة والمناجم والطاقة بالجمهورية التونسية ووزارة الطاقة والطاقات المتجددة بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الشباب للفترة 2026-2027، وبرنامج تنفيذي لاتفاقية التعاون في مجال النهوض بالمرأة والأسرة والطفولة وكبار السن للفترة 2026-2028.
واتفاق التعاون في مجال التشغيل بين الجمهورية التونسية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، واتفاقية تعاون في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل في قطاع التأمينات، ومذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتأمين للجمهورية التونسية ولجنة الإشراف على التأمينات بوزارة المالية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في مجال تبادل المعلومات والرقابة والإشراف على قطاع التأمين.
كما تم إمضاء مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة بالجمهورية التونسية ووزارة الصناعة الصيدلانية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في مجال الصناعة الصيدلانية، واتفاقية تعاون في مجال الاعتماد بين المجلس الوطني للاعتماد والهيئة الجزائرية للاعتماد، واتفاقية تعاون بين المجمع المهني المشترك لمنتجات الصيد البحري التونسي والغرفة الجزائرية للصيد البحري وتربية المائيات، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الرياضة للفترة 2026-2027.
واتفاقية إطارية للتعاون بين الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والجزائرية للمياه، واتفاق استغلال مشترك لخطوط نقل دولي منتظم للأشخاص على الطرقات بين الشركة الوطنية للنقل بين المدن بتونس والمؤسسة العمومية الاقتصادية الجامعة للنقل والخدمات بالجزائر، ومذكرة تفاهم بين الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية، وبرنامج تنفيذي لمذكرة تفاهم بين الهيئة التونسية للاستثمار للجمهورية التونسية لسنتي 2026-2027 والوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ومذكرة تعاون بين المعهد العالي للتربية الخاصة بتونس والمدرسة العليا لأساتذة الصم والبكم بالجزائر.
هذا وتم أيضًا إمضاء اتفاقية تعاون بين الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة للجمهورية التونسية في مجال التمثيل المتبادل، ومحضر اجتماع الدورة الثالثة والعشرون للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية.
◗ أميرة الدريدي
◄ رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري: اجتماع اللجنة محطّة هامة لمتابعة ما تحقق من إنجازات في مختلف مجالات التعاون المشترك وتقييم مساراته
◄ الوزير الأول الجزائري سيفي غريب: وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدها البلدان تشكّل حافزًا للشروع في تجسيد العديد من المشاريع المشتركة
اختتمت أمس الجمعة 12 ديسمبر 2025 أشغال الدورة الثالثة والعشرين للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية، وذلك بقصر الحكومة بالقصبة تحت إشراف رئيسة الحكومة سارة الزعفراني والوزير الأول الجزائري سيفي غريب.
وخلال الجلسة الافتتاحية لأشغال الدورة الثالثة والعشرين للجنة الكبرى المشتركة التونسية - الجزائرية، بحضور الوزير الأول الجزائري سيفي غريب وعدد من الوزراء في البلدين، قالت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري إن هذا الحدث يُعدّ مناسبة لتجسيم حرص رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبّون على مزيد تطوير علاقات الأخوّة والتعاون والجوار بين تونس والجزائر، والارتقاء بها إلى أعلى المراتب، وتحقيق إنجازات ملموسة ترتقي بماضيها المجيد وتستجيب لتطلّعات شعبينا الشقيقين، وتضع الأُسس المتينة لتعزيز دعائم المستقبل الزاهر الذي نصبو إليه.
وأكدت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري أن تونس، التي اختارت التعويل على قدراتها الذاتية واعتماد سياسة اجتماعية واقتصادية بناءً على خياراتها الوطنية، تواصل بخطى ثابتة إنجاز مسارها الإصلاحي الشامل من أجل تعزيز مقوّمات سيادتها الوطنية ومناعتها الاقتصادية وتوطيد أمنها واستقرارها، رغم كلّ التحديات الماثلة. وأضافت: «وإذ نؤكد وعينا بحجم هذه التحديات، فإننا مصممون على تجاوزها بالإرادة الصادقة والعزيمة وبذل أقصى جهودنا في تحقيق ما يتطلع إليه التونسيون والتونسيات من عدالة وحريّة وكرامة وطنية وتعافي اقتصادي وتقدّم في شتى المجالات. فإرادة شعبنا والتفافه حول قيادته يزيدان من عزمنا على المضي قدما في هذا المسار من أجل تحقيق انتظارات مواطنينا ومواطناتنا... كما نُشيد، في نفس السياق، ونعرب عن اعتزازنا بالإصلاحات الهيكلية والمؤسّساتية العميقة في مسار بناء الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، ونُنوّه بمختلف المشاريع التنموية التي تحققت في شتى المجالات وفي ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في البلاد».
كما قالت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري: «إن رؤيتنا للمستقبل واضحة، فكلّ مكسب تنموي تحققه تونس والجزائر يشكل لبنة أساسية لخدمة الهدف الأسمى، وهو التقدّم في تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والشراكة المتضامنة بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، ودعامةً للأمن والاستقرار والازدهار في فضاء انتمائنا المغاربي».
كما أفادت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري بأن اجتماع اللجنة العليا المشتركة يعتبر محطة هامة لمتابعة ما تحقق من إنجازات في مختلف مجالات التعاون المشترك وتقييم مساراته، واستشراف آفاق جديدة لتعزيزه وتطوير آلياته من أجل مزيد من النجاعة والسرعة. وأعربت في هذا الإطار عن الارتياح لما يشهده التعاون الثنائي بين البلدين، خلال السنوات الأخيرة، من ديناميكية إيجابية ونتائج مرضية، وما تحقق من إنجازات ملموسة خلال الدورات السابقة للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية.
وثمّنت رئيسة الحكومة روح المسؤولية التي طبعت عمل مختلف اللجان القطاعية والفنية التحضيرية لهذه اللجنة، والتي عكست الإرادة المشتركة والصادقة لأعضاء وفدي البلدين من أجل تحويل التوصيات المنبثقة عنها إلى خطوات عملية حقيقية، مؤكدة أهمية المتابعة المتواصلة وتجسيم مختلف هذه التوصيات بما يُسهم في تطوير التعاون الثنائي في مجالات التجارة والطاقة والنقل والأمن وتنمية المناطق الحدودية وإدارة المياه والسياحة والتعليم العالي، وغيرها من القطاعات الحيوية.
وفي هذا الإطار، ثمّنت مخرجات اجتماع لجنة المتابعة برئاسة وزيري الشؤون الخارجية للبلدين، بما خلُصت إليه من توصيات واتفاقات وبرامج عمل جديدة سيتمّ التوقيع عليها في ختام أشغال اللجنة الكبرى المشتركة.
كما نوّهت رئيسة الحكومة بالتنسيق والتشاور المتواصلين على المستوى الدبلوماسي في ما يتعلق بملفات التعاون الثنائي، ومتابعة المستجدات الإقليمية والدولية، داعية إلى مواصلة هذا النسق البنّاء من التنسيق المشترك من خلال العمل على تجسيم التوافقات المشتركة ببرمجة اجتماعات وزارية قطاعية في المجالات ذات الأولوية للبلدين، على غرار التجارة والأمن وتنمية المناطق الحدودية والطاقة والموارد المائية والنقل، ورفع توصيات عملية بشأنها إلى قيادتي الدولتين، بما يُكرّس التنسيق الاستراتيجي الدائم بين البلدين خدمةً لمصالحهما المشتركة.
تثمين التبادل التجاري بين البلدين...
وفي سياق آخر، قالت رئيسة الحكومة: «إنّ تونس تعتبر الجزائر الشقيقة شريكا اقتصاديا كبيرا، علاوة على مكانتها المتميّزة لدى الشعب التونسي، وتؤمن بأن أمام بلدينا آفاقا واسعة وفرص استثمار واعدة لتعميق التعاون الثنائي والارتقاء به إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المنشودة، مما يقتضي مزيدا من التنسيق والتكامل في الرؤى والجهود، وتكثيف العمل المشترك لتجاوز الصعوبات التي قد تعترض بعض القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها التجارة، بما يضمن انسيابية المبادلات التجارية وتطوير التعاون الاقتصادي».
وأشارت إلى «أهمية التبادل التجاري القائم بين تونس والجزائر، والذي بلغ قيمة ما يُقارب 7740 مليون دينار تونسي في سنة 2024، فإنه بإمكاننا تحقيق الأفضل بكثير عبر تكثيف الجهود المشتركة لرفع مختلف المعوقات التي تحول دون انسياب التجارة البينية، والعمل على تبسيط الإجراءات الجمركية وتحسين البنية التحتية للمنافذ البرية التجارية وتيسير انسياب السلع والخدمات، بما يساهم في رفع حجم المبادلات التجارية ويُدعم التعاون الاقتصادي كرافعة حقيقية للشراكة الاستراتيجية بين تونس والجزائر».
وشدّدت رئيسة الحكومة على ضرورة مواصلة المشاورات بين الجانبين واستكمالها في أقرب الآجال الممكنة، لدفع نسق المبادلات البينية عبر مراجعة الاتفاق التجاري التفاضلي بما يتماشى مع التطوّرات التي يشهدها اقتصادا البلدين، ويساهم في تطوير الامتيازات التعريفية المتبادلة وتوسيع قائمة المنتجات المشمولة به، ويعزّز الانسياب التجاري بين البلدين، لبلوغ هدفنا المشترك في إرساء شراكة اقتصادية استراتيجية أكثر عمقًا وفاعلية.
كما ثمّنت التطوّر المسجّل في حجم الاستثمارات الجزائرية النشطة في تونس، حيث بلغ عدد المؤسسات الصناعية ذات المساهمة الجزائرية ثمانية عشر مؤسسة تنشط في مجالات متنوّعة، على غرار الصناعات الغذائية والميكانيكية ومواد البناء والنسيج والملابس والجلود. ورغم ما تحقق من مؤشرات إيجابية، فما زال القطاع في حاجة إلى مزيد من الجرأة الاستثمارية والتكامل الصناعي لتحقيق ما نصبو إليه من اندماج اقتصادي حقيقي.
ودعت إلى عقد الاجتماع الحادي عشر للجنة المشتركة التونسية الجزائرية لتقييم ومتابعة التعاون الصناعي في أقرب الآجال الممكنة، إضافة إلى تفعيل البرامج التنفيذية المتفق عليها في إطار اتفاقات التعاون المبرمة بين المراكز الفنية التونسية ونظيراتها الجزائرية والانطلاق في بلورة تصور لبرنامج تعاون نموذجي مشترك بين وكالة النهوض بالصناعة والتجديد كجهة مشرفة على الشبكة الوطنية لمحاضن المؤسسات التونسية، والهيكل المشرف على محاضن المؤسسات الجزائرية، يتمّ التركيز من خلاله خاصة على عنصري ريادة الأعمال المجددة وريادة الأعمال النسائية.
وأضافت رئيسة الحكومة : «لا يفوتنا الإشادة في هذا الإطار بالحصيلة الإيجابية للمنتدى الاقتصادي التونسي - الجزائري، الذي توزعت أنشطته بين الأمس واليوم بمشاركة عدد هام من الفاعلين الاقتصاديين ورجال الأعمال من البلدين الشقيقين، بما من شأنه أن يسهم في تعزيز دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الثنائي من خلال مزيد تشبيك المصالح المشتركة وإرساء شراكات فاعلة، ولا سيّما في القطاعات الواعدة كالصناعات التحويلية والطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة، بما يُساهم في خلق ديناميكية اقتصادية جديدة تُترجم في مشاريع واقعية تدعم التنمية وتعود بالنفع المباشر على الشعبين الشقيقين».
كما أكدت أن التعاون الطاقي بين تونس والجزائر يكتسي أهمية استراتيجية، باعتباره أحد الركائز الحيوية للعلاقات الثنائية، مؤكدة على أهمية إنجاح المفاوضات بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز وشركة سوناطراك الجزائرية لمراجعة السعر التعاقدي لشراء الغاز للفترة الممتدة من سنة 2026 إلى سنة 2028، بما يتماشى مع استقرار الأسعار العالمية وتمكين بلادنا من كميات فوق تعاقدية عند الحاجة.
وثمنت أهمية تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الطاقات المتجددة والربط الكهربائي وتطوير بنية تحتية طاقية متكاملة، بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة ويعزز مكانة تونس والجزائر كشريكين أساسيين في هذا المجال الحيوي. وفي هذا الإطار، دعت إلى عقد اجتماع اللجنة المشتركة التونسية الجزائرية للتعاون في مجال الطاقة التي لم تنعقد منذ سنة 2022.
وشددت رئيسة الحكومة على ضرورة مواصلة العمل المشترك وتبادل المعلومات والتجارب في مجالات استغلال الموارد المائية المشتركة وإدارة المياه السطحية والتصرّف في مياه السدود وتطوير مشاريع فلاحية نموذجية، ودعم البحث العلمي والابتكار والاستثمار المشترك في مجال الأمن الغذائي، بما يسهم في تعزيز قدرة بلدينا على مجابهة الأزمات وتحقيق الاكتفاء الذاتي وترسيخ روح التضامن والتكامل بين البلدين.
كما أفادت أنّ للتعاون السياحي دورا هاما في دعم العلاقات الثنائية وتعزيز التقارب بين الشعبين الشقيقين. وفي هذا الإطار، قالت: «نسجّل بكل ارتياح النسق التصاعدي الذي تعرفه الحركة السياحية بين البلدين، إذ سجلت تونس إلى حدود موفى شهر أكتوبر 2025 توافد ثلاثة ملايين سائح جزائري بنسبة ارتفاع بلغت 8.2 % مقارنة بعدد الوافدين خلال نفس الفترة من سنة 2024، مما يؤكد المكانة المميزة التي تحتلّها تونس لدى أشقائنا الجزائريين وعمق الروابط الأخوية بين الشعبين، ويجسّد النجاح المشترك ليصبح التعاون السياحي نموذجًا للتكامل والازدهار في الفضاء المغاربي.»
وانطلاقا من أهمية تعزيز التعاون بين تونس والجزائر في المجالات الثقافية والرياضية والشبابية والتربوية، باعتبارها أساسية لترسيخ التقارب الإنساني وتعزيز الروابط الحضارية العريقة التي تجمع الشعبين الشقيقين، دعت إلى تطوير برامج عملية مشتركة في هذه المجالات، تُعنى بتشجيع المبادرات الشبابية وتعزيز التبادل بين الجمعيات والهياكل الرياضية في البلدين، بما يُسهم في توطيد روح الأخوة بين الأجيال الصاعدة، مُشددة على أهمية تكثيف الشراكات الأكاديمية وتبادل الطلبة والأساتذة والباحثين وإرساء مشاريع علمية مشتركة في مجالات الابتكار والتكنولوجيات الحديثة، إيمانًا منا بأنّ الاستثمار في رأس المال البشري والمعرفة هو السبيل الأمثل لبناء مستقبل مشترك أكثر ازدهارًا ووحدة بين تونس والجزائر.
واعتبرت رئيسة الحكومة أن العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع شعبينا الشقيقين تؤكد على ضرورة إيلاء عناية فائقة بجاليتينا على مختلف الأصعدة، مضيفة: «ولعلّ من أوكد الأولويات اليوم الإسراع بتحيين اتفاقية الإقامة الموقّعة منذ سنة 1963، بما يتلاءم مع التحوّلات التي شهدتها تونس والجزائر وتطلعات مواطنيهما، وذلك في اتجاه تحسين ظروف الإقامة وتنقيح الإجراءات ذات العلاقة بالتملّك والعمل ونقل الأموال والإقامة، فضلاً عن تيسير تنقل الأشخاص والعمال والطلبة والمستثمرين. كما ندعو إلى اعتماد مقاربة جديدة تراعي خصوصية الروابط العائلية والاجتماعية بين الشعبين، بما ينعكس إيجابا على ترسيخ أسس الشراكة والتكامل بين تونس والجزائر».
وقالت رئيسة الحكومة: «يُمثل التنسيق والتشاور المتواصل بين قيادتي دولتينا حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية رافدًا أساسيًا لمزيد تعزيز علاقاتنا الثنائية. وإننا ننوه في هذا الإطار بتطابق وجهات نظر بلدينا بخصوص العديد من القضايا، مُذكرة في هذا السياق بموقف تونس الدائم والمبدئي والثابت الداعم للشعب الليبي حتى يتمكن من تحقيق طموحاته في إعادة الأمن والاستقرار في كامل ربوع ليبيا والحفاظ على سيادته في كنف الوحدة الوطنية، والدعوة إلى انتهاج الحوار السياسي سبيلا أوحد للحل بين أشقائنا الليبيين تحت الرعاية الأممية».
وعلى صعيد متصل، رحبت رئيسة الحكومة بمخرجات الاجتماع الثلاثي الثاني حول ليبيا المنعقد بالجزائر بتاريخ 6 نوفمبر 2025، والذي شكّل محطة هامة في مسار دعم الجهود الإقليمية الرامية إلى تعزيز الاستقرار في ليبيا ومساندة مسار الحل السياسي الشامل تحت رعاية الأمم المتحدة، مُؤكدة في هذا الإطار على أهمية تواصل النسق الحثيث لهذه الآلية الدبلوماسية لما تُتيحه من إطار تشاوري فعّال لتنسيق المواقف وتبادل الرؤى حول مجمل التطورات في ليبيا. وأضافت: «نُعرب عن تطلّعنا إلى مشاركة جزائرية ومصرية فاعلة في الاجتماع الثلاثي القادم الذي ستستضيفه تونس في مطلع سنة 2026، تأكيدا على وحدة المقاربة بين دول الجوار المباشر لليبيا ودورها المحوري في دعم الاستقرار الدائم فيها وتعزيز الأمن في المنطقة المغاربية والعربية.»
فرصة مواتية للوقوف على واقع علاقات التعاون والشراكة
من جانبه، قال الوزير الأول الجزائري سيفي غريب في افتتاح أشغال اللجنة العليا المشتركة التونسية-الجزائرية إن هذا الاجتماع يُمثل فرصة مواتية للوقوف معًا على واقع علاقات التعاون والشراكة بين تونس والجزائر، وبحث راهنها ومستقبلها، وخاصة من خلال تقييم ما تم تجسيده منذ الدورة الأخيرة للجنة المشتركة الكبرى للتعاون، بالجزائر يوم 4 أكتوبر 2023، والتي تُعتبر الآلية المحورية لمتابعة ومرافقة الحركية الهامة التي تعرفها علاقات التعاون بين بلدينا الشقيقين.
وعبّر الوزير الأول الجزائري عن أمله في أن تكون هذه الدورة محطة متميزة على درب تعزيز التعاون والشراكة والتضامن بين الجزائر وتونس، لترقى إلى مستوى الإرادة السياسية لقائدي البلدين، وتكون عند حسن ظن وتطلعات الشعبين الشقيقين. وأضاف: «لقد بلغت علاقات تعاوننا وشراكتنا درجة من النضج والتجربة، تُمكننا من التخاطب كإخوة وجيران، بالموضوعية الضرورية التي تضمن تعزيز وتكريس كل ما هو إيجابي ومفيد للطرفين، وتصويب وتقويم كل ما هو دون ذلك، من خلال وضع آليات مبتكرة ومكيَّفة تسمح بتذليل أي عقبات تعترض تجسيد طموحاتنا المشتركة في مختلف المجالات.»
كما نوه الوزير الأول الجزائري بالنتائج الإيجابية التي تحققت في العديد من قطاعات التعاون، مشيرا إلى التنسيق المتواصل بين البلدين لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية، لاسيما في مجال تأمين الحدود المشتركة، من أجل الحد من مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة السرية والتهريب بمختلف أشكاله والاتجار بالمخدرات. وأضاف: «لا زال التعاون بين البلدين في هذا المجال يخطو خطوات ثابتة وتبعث على الارتياح، كما أكدته مخرجات الاجتماع الثاني للجنة الأمنية المشتركة المنعقدة بالجزائر يومي 14 و15 جويلية 2025، الذي تم خلاله تقييم الوضع الأمني بالمنطقة ودول الجوار وتداعياته على أمن البلدين.»
وثمن توقيع البلدين مؤخرا على اتفاق للتعاون في المجال العسكري في أكتوبر 2025، والذي يشكل لبنة إضافية في صرح التعاون الثنائي في هذا المجال الهام.
وفي مجال الطاقة، الذي يمثل حلقة أساسية في التعاون الثنائي، قال الوزير الأول الجزائري: «نسجل بارتياح مساهمة الصادرات الطاقوية الجزائرية في تلبية الطلب الداخلي في تونس على الغاز الطبيعي والكهرباء، ونطمح إلى تعزيز التعاون في هذا المجال من خلال تجسيد المشاريع المهيكلة الرامية لتعزيز الربط الكهربائي الثلاثي.»
وأضاف أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين شهد ارتفاعا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ 2.30 مليار دولار سنة 2024، حيث يُهيمن قطاع المحروقات على تركيبته السلعِيَّة، مستطردًا: «ورغم أن تونس تحتل المرتبة الثانية إفريقيًا من بين الشركاء التجاريين للجزائر، إلا أن البيانات الإحصائية تُشير إلى أن المبادلات البينية تبقى دون مستوى قدرات البلدين»، مؤكدًا ضرورة العمل من أجل دفع التعاون والشراكة نحو المزيد من التكامل والاندماج، عبر توفير الشروط المناسبة لرفع التبادل التجاري خارج المحروقات، ولاسيما من خلال إزالة جميع المعوقات البُنيَويَّة أو الظرفية التي تقف حاجزًا أمام تطوير وانسيابية حركة المبادلات التجارية.
وفي هذا الإطار، أكد الوزير الأول الجزائري بشكل خاص على أهمية عقد اجتماعات اللجان التقنية الفرعية لمرافقة التبادل التجاري، ووضع الأطر التنظيمية المناسبة لتسهيل انسياب السلع والخدمات بين البلدين، وتكريس الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين من الجانبين، معتبرا أن «تعزيز التبادل التجاري يجب أن يرتبط بحركية مشابهة على مستوى ترقية الشراكة الاستثمارية بين البلدين، وهو ما تتجلى معه الحاجة الملحة لتكثيف التواصل بين المستثمرين ورواد الأعمال من البلدين، ووضع أطر مؤسساتية وقانونية تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والتحولات الدولية، وتساهم في بعث ديناميكية فعلية للشراكة بين البلدين.»
وقال الوزير الأول الجزائري إن وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدها البلدان والفُرص الكثيرة التي يُتيحها التزامهما ببناء شراكة متكاملة ومُندمجة، تُشكل حافزًا أساسيًا للشروع في تجسيد العديد من المشاريع المشتركة. وأضاف: «لعل عدد المشاريع المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمارات ناهزت قيمتها 350 مليون دولار، ونوايا الاستثمار التي تكاد تقارب هذا المبلغ، كلها مؤشرات تبعث على التفاؤل بمستقبل الشراكة وتبعث على مواصلة العمل من أجل الدفع بها قدمًا.»
شراكة واعدة بين البلدين
وفي هذا السياق، أفاد الوزير الأول الجزائري أن الآفاق الواعدة للشراكة التي تم استعراضها أول أمس خلال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي تؤكد حجم الفرص المتاحة للتعاون، ما يستوجب تكثيف التنسيق من أجل مرافقة المتعاملين المعنيين وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتجسيد مشاريعهم ومنح علاقاتنا الثنائية المحتوى الاقتصادي الذي طالما شدد قائدا بلدينا على أهمية الرقي به وتعزيزه.
كما أكد الوزير الأول الجزائري أن العلاقات الجزائرية-التونسية تتميز بالترابط المتجذر بين شعبين تجمعهما الثقافة والتاريخ واللغة والدين، فضلا عن تاريخ نضالي مشترك وإيمان راسخ أيضًا بالمصير المشترك.. إذ يُشكل الجانب الإنساني جوهر هذه العلاقة المتينة، باعتباره الأساس الحقيقي والقوي للتواصل والتضامن بين البلدين الشقيقين. وشدد على ضرورة مواصلة العمل من أجل تكييف وتطوير الإطار القانوني لتنقل وإقامة الأفراد بين الجانبين، وتشجيع التواصل الثقافي في مختلف أشكاله وصوره، وتكثيف التظاهرات العلمية والثقافية والرياضية، فضلاً عن تعزيز التبادل الطلابي.
واعتبر الوزير الأول الجزائري أن إعادة تشغيل خط السكة الحديدية بين عنابة وتونس في أوت 2024، بعد انقطاع دام سنوات طويلة، يُشكل فرصة سانحة للتأكيد على أهمية تكثيف التعاون في مجال النقل وتيسير التواصل بين البلدين، وتوفير شروط ديمومته وتحسين الخدمات المرتبطة به.
وأضاف أن موافقة الجانبين على إنشاء «مركز ثقافي» لكل بلد لدى الآخر، سيساهم في تعميق التقارب، ودليل إضافي على العناية التي توليها حكومتا البلدين للبعد الثقافي في علاقاتهما الثنائية.
وفي نفس الإطار، قال الوزير الأول الجزائري إن هذه المحاور الاستراتيجية الواعدة لتعزيز العلاقات بين البلدين تتطلب تبني خارطة طريق واضحة المعالم، يتم من خلالها وضع آليات عملية وفق برنامج زمني محدد لتجسيد مشاريع التعاون في القطاعات الحيوية وذات الأولوية، فضلاً عن تلك التي تتيحها الفرص الهامة للشراكة والاستثمار، وخاصة تلك التي سبق اقتراحُها من قبل «لجنة التفكير والاستشراف»، خلال اجتماعها الأول، المنعقد بتونس في 8 مارس 2024، فيما يتعلق بالتعاون في مجالات الأمن الغذائي، وإنتاج القمح، وتحلية مياه البحر، وتطوير النقل، وهي مشاريع جديرة بأن يبدأ البلدان في تجسيدها.
كما أكد أهمية التفكير بجدية في تطوير آليات التعاون التقليدية من خلال النظر في ترشيد عملها وتكييفها وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع الآفاق الاقتصادية في البلدين.
وفيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية، قال الوزير الأول الجزائري: «إن هذا الزخم الذي تشهده علاقات التعاون والتضامن بين البلدين يجد أيضًا سندَه في التطابق التام لوجهات نظر البلدين إزاء العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتمسكهما بالدفاع عن المبادئ والقيم التي تنظم المجتمع الدولي وتحمي النظام متعدد الأطراف من الانهيار... ففي ظل الأزمات والمآسي التي يعيشها العالم العربي، يقف البلدان بقوة إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة ومحاولات الإجهاز على قضيته من قبل الاحتلال الغاصب، ويُساندان نضاله لنيل حقوقه وبناء دولته المستقلة وعاصمته القدس. كما يتقاسم البلدان نفس الموقف إزاء ما يدور في لبنان وسوريا، البلدان الشقيقان اللذان ما زالا يتعرضان لاعتداءات سافرة من الاحتلال الإسرائيلي... هذا ويدعم بلدانا تسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا الشقيقة، من خلال تمكين الأشقاء الليبيين أنفسهم من تحقيق المصالحة الوطنية والإسراع في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، تُفضي إلى بناء مؤسسات موحدة وشرعية وقوية، بما يحقق أمن واستقرار ووحدة هذا البلد الشقيق، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وبما يحفظ ثرواته ويضمن تسخيرها في خدمة رفاهية الشعب الليبي الشقيق... كما يسعى البلدان إلى جانب مصر الشقيقة، لبعث المساهمة بشكل جماعي في مرافقة الأشقاء الليبيين على هذا الدرب، كما تم تأكيده جليًا خلال الاجتماع الأخير للآلية الوزارية الثلاثية بالجزائر يوم 6 نوفمبر 2025... وضمن ذات التوجه، يتفق البلدان على أهمية استعادة الوئام في السودان الشقيق والحفاظ على وحدته وسيادته وحقن دماء أبنائه وحماية ثرواته... وعلى ضوء هذا التوافق والانسجام، يتعين تعميق التنسيق والتشاور حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية التي تهم بلدينا، في عالم يموج بالتقلبات والتطورات المضطربة، قصد المساهمة في الحفاظ على استقرار منطقتنا وتعزيز مناعة بلدينا أمام مختلف التحديات والمخاطر».
اتفاقيات ومذكرة تفاهم بين البلدين تشمل العديد من المجالات
تم خلال أشغال اللجنة الكبرى المشتركة التونسية - الجزائرية إمضاء 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين، حيث تم إمضاء مذكرة تفاهم بين الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس والمعهد الدبلوماسي والعلاقات الدولية بالجزائر، ومذكرة تفاهم بين مؤسسة التلفزة التونسية والمؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري، ومذكرة تفاهم بين وكالة تونس إفريقيا للأنباء ووكالة الأنباء الجزائرية، واتفاقية توأمة وتعاون بين الإذاعة التونسية والمؤسسة الجزائرية العمومية للإذاعة المسموعة.
واتفاقية تعاون بين وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري للجمهورية التونسية ووزارة الري للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، واتفاقية بين المركز الوطني لتكوين المكونين وهندسة التكوين بتونس؛ المعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين «قاسي الطاهر» بالأبيار بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والبرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي بين وزارة الشؤون الثقافية للجمهورية التونسية ووزارة الثقافة والفنون للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
وبرنامج تنفيذي لاتفاقية التعاون في قطاع الصحة بين وزارة الصحة للجمهورية التونسية ووزارة الصحة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية للسنوات 2026-2028.
كما تم إمضاء اتفاق توأمة بين الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية بتونس والمفتشية العامة للعمل بالجزائر، ومذكرة تفاهم للتعاون في ميادين الطاقة والطاقات الجديدة والمتجددة بين وزارة الصناعة والمناجم والطاقة بالجمهورية التونسية ووزارة الطاقة والطاقات المتجددة بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الشباب للفترة 2026-2027، وبرنامج تنفيذي لاتفاقية التعاون في مجال النهوض بالمرأة والأسرة والطفولة وكبار السن للفترة 2026-2028.
واتفاق التعاون في مجال التشغيل بين الجمهورية التونسية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، واتفاقية تعاون في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل في قطاع التأمينات، ومذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتأمين للجمهورية التونسية ولجنة الإشراف على التأمينات بوزارة المالية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في مجال تبادل المعلومات والرقابة والإشراف على قطاع التأمين.
كما تم إمضاء مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة بالجمهورية التونسية ووزارة الصناعة الصيدلانية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في مجال الصناعة الصيدلانية، واتفاقية تعاون في مجال الاعتماد بين المجلس الوطني للاعتماد والهيئة الجزائرية للاعتماد، واتفاقية تعاون بين المجمع المهني المشترك لمنتجات الصيد البحري التونسي والغرفة الجزائرية للصيد البحري وتربية المائيات، وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الرياضة للفترة 2026-2027.
واتفاقية إطارية للتعاون بين الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والجزائرية للمياه، واتفاق استغلال مشترك لخطوط نقل دولي منتظم للأشخاص على الطرقات بين الشركة الوطنية للنقل بين المدن بتونس والمؤسسة العمومية الاقتصادية الجامعة للنقل والخدمات بالجزائر، ومذكرة تفاهم بين الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار ووكالة النهوض بالاستثمار الخارجي التونسية، وبرنامج تنفيذي لمذكرة تفاهم بين الهيئة التونسية للاستثمار للجمهورية التونسية لسنتي 2026-2027 والوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ومذكرة تعاون بين المعهد العالي للتربية الخاصة بتونس والمدرسة العليا لأساتذة الصم والبكم بالجزائر.
هذا وتم أيضًا إمضاء اتفاقية تعاون بين الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة للجمهورية التونسية في مجال التمثيل المتبادل، ومحضر اجتماع الدورة الثالثة والعشرون للجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية.