وضعت الصرامة التي استهلّ بها أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الصباح عهده وعبّر عنها في أول خطاب له كأمير للبلاد، مجلس الأمّة (البرلمان) في دائرة المسؤولية عمّا سمّاه الشيخ مشعل “إضرارا بمصالح البلاد والعباد”.
وقالت مصادر كويتية إنّ خيار حلّ المجلس بات مطروحا، متوقّعة أن يجري إلغاء قرارات ومراجعة تشريعات تنطوي على إضرار بالمصالح العليا للدولة وكانت قد مُرّرت على عجل خلال الفترة الأخيرة تحت عنوان الوفاق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بينما الحقيقة، بحسب المصادر ذاتها، أنّها أقرّت تحت طائلة الضغط على حكومة الشيخ أحمد النواف الضعيفة والباحثة آنذاك عن الاستقرار بأي ثمن.
وفيما استقالت الحكومة وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال (تصريف العاجل من الأمور وفق التعبير المحلّي)، سارعت جهات نيابية إلى المطالبة بتحديد دقيق للمسؤوليات عن الضرر الذي لحق بالدولة وتحدّث عنه الشيخ مشعل في خطابه
ودعا النائب شعيب المويزري، في هذا السياق، إلى عقد جلسة برلمانية لمعرفة الجهات المتورّطة في الإضرار بمصالح البلاد. ووصف ما ورد في خطاب الأمير في جلسة أداء اليمين بـ”الأمر الجلل والخطير”، قائلا في تعليق نشره على منصّه إكس إنّه “لا يمكن تجاوز بعض ما جاء في الخطاب دون القيام بواجبنا الشرعي والوطني والأخلاقي بطلب عقد جلسه خاصه وعلنيه لمعرفة كل من تعاونوا على الإضرار بالبلاد والعباد وكل من كان طرفا في الصفقة التي ذكرها” الشيخ مشعل.
وكان الأمير قد وجّه انتقادات لاذعة للحكومة والبرلمان قائلا في خطابه “أكدنا في خطاباتنا السابقة أن هناك استحقاقات وطنية ينبغي القيام بها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين، وبالتالي لم نلمس أيّ تغيير أو تصحيح للمسار بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”.
وأشار إلى أنّ “ما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب والتي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف وما حصل كذلك في ملف الجنسية من تغيير للهوية الكويتية وما حصل في ملف العفو وما ترتب عليه من تداعيات وما حصل من تسابق لملف رد الاعتبار لإقراره لهو خير شاهد ودليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد ومكتسباتها الوطنية”
واعتبر أنّ “ما يزيد من الحزن والألم سكوت أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية عن هذا العبث المبرمج بهذه الملفات وغيرها، ما أسبغ عليها صفة الشرعية”.
وكانت أغلب الملفات التي أشار إليها الأمير باعتبارها موضعا للتلاعب ومصدرا للضرر، مدار جزء كبير من العمل البرلماني في الفترة الأخيرة حيث دفع النواب بقوّة باتجاه
إصدار قرارات تتعلّق بها كون المستفيدين منها تربطهم بهم علاقات شخصية أو قبَلية أو حزبية، على غرار العفو عن محكومين في عدّة قضايا يمسّ بعضها أمن البلاد، وتمتيعهم بردّ اعتبارهم.
وفي آخر عهد الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد صدرت مراسيم أميرية بالعفو عن برلمانيين سابقين ومعارضين في الخارج وآخرين مدانين بجرائم إلكترونية. وشمل العفو أيضا أعضاء في ما يعرف بخلية العبدلي التي تم تفكيكها في عام 2015 والذين حكم عليهم بتهمة التجسس لصالح إيران وجماعة حزب الله اللبنانية.
وقبل أقل من شهر أوقف الشيخ مشعل حين كان وليا للعهد قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة بسبب ما اعتراها من شبهات تلاعب ومجاملة بعيدا عن اعتبارات الكفاءة والحاجة الفعلية لخدمات من تمّ تعيينهم.
وقبل رحيل الشيخ نواف دخل نواب مجلس الأمّة في ما يشبه السباق مع الزمن لتمرير قانون انتخابي يفتح الباب لإشهار الأحزاب السياسية وهي فكرة مرفوضة لدى السلطات العليا للبلاد باعتبارها تشرّع لإنشاء مراكز قرار جديدة تنازع الأسرة الحاكمة في البلاد سلطاتها. وفي مؤشّر على رفض أعلى هرم السلطة للقانون الجديد دعت وزارتا العدل والداخلية إلى التريث في تمريره.
وجاء ذلك بعد أن تمكّن النواب من فرض أجندة تشريعية تضمّنت بنودا اجتماعية يتعارض بعضها مع التوجّه لإصلاح الاقتصاد وتخفيف الأعباء المالية عن الموازنة العامّة للبلاد.
وبات مصير مختلف تلك القرارات والمشاريع في حكم المجهول مع بروز إمكانية حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية في ظرف بضعة أشهر.
ونقلت صحيفة “السياسة” المحلية عن مصادر وصفتها بالعليمة أنّ “النية تتجه الى إجراء مراجعات واسعة وجذرية وشاملة للكثير من القرارات التي اتخذت والتشريعات التي صدرت خلال الفترة الماضية”. وقالت إن نوابا يتوقّعون “ذهاب الأمور إلى حل مجلس الأمّة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في مارس المقبل”.
وأوضحت المصادر أنّ “رئيس مجلس الأمّة سيكون شريكا رئيسيا في متابعة تنفيذ توجيهات النطق السامي (خطاب الأمير) وإقناع النواب بضرورة تصحيح المسار التشريعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر مراجعة الأولويات وتقارير اللجان ذات الصلة بقوانين تحسين معيشة المواطنين مع الحكومة الجديدة قبل مناقشتها في قاعة عبدالله السالم (مقرّ البرلمان) لتحاشي أيّ صدام أو تأزيم”.
واستشعر النواب حرج الموقف وحاولوا الدفاع عن مجلسهم مؤكّدين في بيان أنّه “آثر منذ بداية الفصل التشريعي مبدأ التعاون الذي نص عليه الدستور والمبني على خارطة تشريعية قابلة للتنفيذ وبجدول زمني واضح ومعلن”.
وقالوا إنهم بذلوا قصارى جهودهم “لتحقيق غايات الإصلاح المنشود دون ادّعاء الكمال، وأن قطار التشريع الذي انطلق واستبشر الشعب الكويتي به خيرا لا يجب أن يقف بسبب قرارات تنفيذية اختلفت القيادة السياسية في قناعاتها حول جدواها وهي من صميم عملها من خلال وزرائها وذلك إعمالا لمبدأ فصل السلطات وفق المادة خمسين من الدستور”.(العرب)