إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الطريق إلى طرابلس مليء بالألغام..

منذ فترة طويلة يفوق عمرها عمر ثورة مغدورة كنت هنا. غادرت تونس إلى الجارة الجريحة ليبيا. لم أزر العاصمة الليبية طرابلس منذ سنوات كانت ترزح تحت وطأة الحرب وكنا نشاهد الدمار فيها من وراء شاشات هواتفنا الجوالة أو من خلال التلفزيون.

كان أصدقائي الليبيون يزورون تونس مرارا خلال السنوات الأخيرة.. لكن مهما تكن تلك الحكايات التي اسمعها بليغة فلن تكون ابلغ مما يمكن أن أشاهده بنفسي وأتلمس آثاره بيدي لافهم عمقه بمشاعري.

كنت هنا زمن الثورة، عشت لحظات سقوط الأنظمة كتبت وقتها عن شعب ليبي كان يجوب شوارع مدينة طرابلس يحتفل بسقوط النظام. عدت اليوم لاقف على مرارة ما حصل بعد تلك الفرحة التي يبدو ان طريقها انقطع وتحولت إلى دمعة عائلات ليبية لقيتها اليوم بعد عشرية تلملم جرح الحرب الغائر جدا.

كنت أتجول بين متناقضتين: وسط طرابلس حيث تستمر الحياة في كل ساعات اليوم وجنوب طرابلس الذي تحول إلى مدينة أشباح.

دونت في مواقع التواصل الاجتماعي أنى وصلت الى طرابلس فتهاطلت على أسئلة الأصدقاء: هل تنصحيننا بان نأتي للعمل في ليبيا؟ هل استقر الوضع هناك؟

كان يجب أن اكتشف بنفسي واستجلي حقيقة الوضع. وسط مدينة طرابلس حيث اصطحبني أصدقائي الثلاثة من وكالة الغيمة الليبية بدا هادئا. كان هناك الكثير من النقاط الأمنية التي تختلف تسميتها، فهي خارجيا تتبع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، فأما ما فسره لي الكثيرون فهو ان بعض الميليشيات التي كانت مسلحة حافظت على أسلحتها وبقيت متخفية وراء ستار غير معلن. فالتحدي الأكبر في ليبيا اليوم هو نزع السلاح الذي بقي في أيدي الكثير من الفصائل الليبية.

تجولت بين ثنايا وسط مدينة طرابلس كان كل شيء يسير بشكل عادي باستثناء تيار كهربائي قد ينقطع لساعات طويلة فأما حياة الناس فقد استعادت نسقها بشكل عادي على أمل أن يتجاوزوا محنة عدم وجود دولة قوية تعيد بناء ما ضيعته الحرب من أمان.

أخبرني أصدقائي الليبيون ممن التقيت بهم ان الأوضاع مازالت تحتاج الى الكثير من الوقت ليعم الهدوء السياسي الذي يمكن ان يؤمن البلاد لدخول مرحلة انتخابات. مرحلة تبدو ابعد من أن نضع لها شهر ديسمبر القادم تاريخا لانعقادها. فهذه الحكومة التي بدأت تتخبط للحصول على موارد مالية وميزانية لتصريف أعمالها لازالت تحتاج وقتا لخوض غمار أولويات الانتخابات.

هل بلغت ليبيا مرحلة الثقة في مؤسساتها؟

في طريق العودة إلى التراب التونسي، التقيت أحد المستثمرين التونسيين في مجال البعث العقاري. حدثني الرجل ان الوضع بالنسبة له مازال غير مستقر تماما لان يخوض مغامرة الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية. له في ذلك حجج كثيرة لعل أهمها انه عاش خلال مقامه في طرابلس مغامرات تدل على انه كمستثمر مازال يحتاج الى دراسة الوضع مليا. فقد سمع أثناء الليالي التي قضاها هناك الكثير من إطلاق نار لا يعرف مأتاه كما حدثه اصدقاؤه ان هناك بعضا من العناصر المسلحة التي مازالت تسيطر على بعض مفاصل الدولة وانه إذا وضع أمواله في مشروع ما قد لا يسمح له الوضع بسداد الأطراف الليبية لمستحقاته بالنظر الى ان بعض المستثمرين قد يستغلون حالة الفوضى ولا يسددون له أمواله وليس أمامه مجالات للتقاضي لان الأمور أحيانا تدار بالسلاح وتصفية الحسابات بعيدا عن القانون.

يعتقد الرجل أن هيبة الدولة مازالت مفقودة بالشكل الذي يجعله مطمئنا على استثماراته كما انه يعتقد ان الحكومة الحالية غير دائمة فهي حكومة لتامين مرحلة الانتقال نحو الانتخابات وان أطرافا عديدة ومنها البرلمان الليبي الذي يرى انها حكومة لا تملك صلاحيات التأسيس لشراكات مستقبلية.

وعليه فان بعض من زاروا ليبيا من مستثمرين شاركوا في المنتدى والمعرض الليبي التونسي يعتبرون ان ليبيا لم تبلغ بعد مرحلة نضج الاستقرار السياسي الذي يؤسس لاستقرار اجتماعي واقتصادي يفتح باب الاستثمار فيها على مصراعيه دون أي شوائب قد تؤثر سلبا على سلامة استثماراتهم.

ولكن في المقابل يعتقد البعض ان ليبيا اليوم ابتعدت على مرحلة الخطر وأنها تحتاج فقط بعض الأشهر الأخرى لتصبح مناخا قابلا للاستثمار.

غير ان ما يتفق بشأنه الجميع هو ان عمق العلاقات التاريخية والحضارية والاقتصادية ستؤسس دون أدنى شط لتعاون بين البلدين تونس وليبيا بعد ان يتم ترسيخ الانتقال نحو حكومة دائمة في ليبيا بمؤسسات موحدة في كافة القطر الليبي.

لمشاهدة الفيديو الرجاء الضغط على الرابط التالي...

https://www.youtube.com/watch?v=SMSUqOUPLbg&t=15s

 

الطريق إلى جنوب طرابلس محفوفة بالألغام

كان مقامي وسط العاصمة طرابلس فرصة للاطلاع على ان وسط المدينة أصبح فعلا مكانا شبه آمن للتجول والتبضع ولقاء الأصدقاء. حدثني الزملاء الصحافيون ان الحياة لم تتوقف يوما رغم ما عاشوه من معارك على تخوم مدينة طرابلس. قالوا لي إن الوضع حقيقة كان صعبا لكنهم يعيبون ان الاعلام هول الامر وأبرز فقط ذلك الجزء السوداوي من حياة الليبيين لكنهم نسوا أن يتحدثوا على ان المواطن الليبي كان يواصل حياته ويتعايش مع التحديات الاقتصادية والمعيشية ويتابع الوضع الأمني بحذر. تجولت وسط شوارع العاصمة، زرت مطاعم وسكنت نزلا بدأت تدب فيها الحياة من جديد. بدا الأمر بمثابة مدينة تستفيق لتوها من كابوس سيطر على ليلها الطويل على امتداد سنوات حكمت فيها الحرب على الكثير من الليبيين بمشاكل دفعت بعضهم إلى مغادرة البلاد أو المكوث هناك ومقاومة الوضع الأمني المشوب بكثير من الخوف.

كنت برفقة زملاء صحافيين فقد بعضهم أحد ذويه في المعارك الطاحنة. كنت أرى في وجوههم بعض الحسرة والشعور بالمرارة وقليلا من أمل يأتي ويذهب بمتابعة الوضع السياسي وأداء حكومة الوحدة الوطنية التي أمسكت بزمام الأمور منذ أشهر قليلة. كانت كل الأعين رسمية أو أعين المواطن تتطلع إلى توحيد حقيقي لكل التراب الليبي.

في أثناء جولاتنا اعترضنني سيارات رباعية الدفع، كانت لا تحمل ألواحا منجمية...سيارات يقول الرفقاء انها تعود بالأساس الى عناصر مازالت تحمل سلاحا وتستغل قوة السلاح لتتصرف مثلما يحلو لها وإذا ما عارضها أحدهم فهي تستعمل ضده نفوذ السلاح لا سلطة القانون.

بدت لي طرابلس المدينة هادئة بعض الشيء شعرت فيها بأمان لم أعشه من قبل أثناء تغطيتي لما كان يسمى هناك ثورة منذ أحد عشر عاما.

كنت أتساءل كيف هو الوضع إذا في بقية المدن؟ ما هي الصورة الأخرى تلك التي طالعناها ونحن نشاهد حجم الدمار في جنوب طرابلس عبر تلفزيونات العالم؟

لم تتأخر الإجابة كثيرا فأحد رفقائي شاب اضطر مع عائلته الى النزوح نحو بيتهم الجبلي هربا من المعارك الدائرة في مدينة تاجوراء التي طالتها الة الحرب وشردت سكانها نحو عديد الوجهات.

 

لمشاهدة التقرير المصور الرجاء الضغط على الرابط التالي...

l5.jpg

l6.jpg

 

l4.jpg

l7.jpg

l8.jpg

l9.jpg

l11.jpg

l12.jpg

l10.jpg

سلكنا الطريق إذا نحو مناطق جنوب طرابلس. هنا في منطقة عين زارة التي حلبة الصراع نحو طرابلس وهذه منطقة صلاح الدين وترهونة عين زارة وأبو سليم وتاجوراء والسواني والعزيزية وقصر بن غشير...بدت كلها مدن أشباح يحيط بها الدمار من كل صوب وحدب.

مبان مهدمة بالكامل تعرضت للنهب والسرقة، عمارات مفتوحة على قذائف أسقطتها بالكامل. مدارس ومصحات ومنشآت حكومية أصبحت أثرا بعد عين. كل ما في المكان موحش ومقفر.

بدأنا نتجول في منطقة صلاح الدين، توجه نحونا رجل يريد ان نزور بيته الذي وجده بعد عام من الهروب مهدما بالكامل. لا صوت هنا يعلو فوق صوت الدمار.

دمار تشقه بعض الأحيان انفجارات الغام تركتها الميليشيات المتصارعة مبثوثة وسط الشوارع وداخل الأحياء.

أخبرني الزملاء ان مدنيين بالآلاف خيروا النزوح عن منازلهم. بعضهم عاد اليوم ينفض عنها غبار الحرب والبعض الآخر مازال ينتظر ان يتوفر له جزء من المدد المادي ليحاول ترميم ما تبقى أو إعادة بناء ما تهدم برمته.

تفيد التقديرات المبدئية للمباني المتضررة نتيجة العدوان جنوب العاصمة طرابلس انها قد تجاوزت 125 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى عدد من المقار الحكومية. فأما موجات النزوح الجماعي فقد وصلت الى 130 ألف مواطن ليبي غادروا مساكنهم على امتداد عام من الاشتباكات.

على امتداد الطريق حيطان متهالكة كتب عليها "لا تقترب المكان فيه الغام": مقولة توحي بان الوضع مازال خطيرا وان اليقظة واجبة في ظل الخطر الذي مازال قائما في وجه المواطنين.

 اذ تشير الأرقام مرة أخرى أن جنوب طرابلس شهد المئات من حوادث انفجار الألغام التي خلفت مئات الموتى وعشرات من الجرحى.

كل ما في الأحياء ينذر بالموت، فقد اتهمت حكومة الوفاق الوطني قوات المشير حفتر بزراعة ألغام في كافة المواقع التي دخلتها، وطلبت مساعدة دولية في عمليات نزع الألغام.

ولا تنفك السلطات الرسمية تنذر السكان في المناطق التي شهدت اشتباكات بعدم التسرع للعودة إلى بيوتهم خوفا من انفجارات الألغام.

مبروكة خذير/طرابلس/ماي 2021




الطريق إلى طرابلس مليء بالألغام..

منذ فترة طويلة يفوق عمرها عمر ثورة مغدورة كنت هنا. غادرت تونس إلى الجارة الجريحة ليبيا. لم أزر العاصمة الليبية طرابلس منذ سنوات كانت ترزح تحت وطأة الحرب وكنا نشاهد الدمار فيها من وراء شاشات هواتفنا الجوالة أو من خلال التلفزيون.

كان أصدقائي الليبيون يزورون تونس مرارا خلال السنوات الأخيرة.. لكن مهما تكن تلك الحكايات التي اسمعها بليغة فلن تكون ابلغ مما يمكن أن أشاهده بنفسي وأتلمس آثاره بيدي لافهم عمقه بمشاعري.

كنت هنا زمن الثورة، عشت لحظات سقوط الأنظمة كتبت وقتها عن شعب ليبي كان يجوب شوارع مدينة طرابلس يحتفل بسقوط النظام. عدت اليوم لاقف على مرارة ما حصل بعد تلك الفرحة التي يبدو ان طريقها انقطع وتحولت إلى دمعة عائلات ليبية لقيتها اليوم بعد عشرية تلملم جرح الحرب الغائر جدا.

كنت أتجول بين متناقضتين: وسط طرابلس حيث تستمر الحياة في كل ساعات اليوم وجنوب طرابلس الذي تحول إلى مدينة أشباح.

دونت في مواقع التواصل الاجتماعي أنى وصلت الى طرابلس فتهاطلت على أسئلة الأصدقاء: هل تنصحيننا بان نأتي للعمل في ليبيا؟ هل استقر الوضع هناك؟

كان يجب أن اكتشف بنفسي واستجلي حقيقة الوضع. وسط مدينة طرابلس حيث اصطحبني أصدقائي الثلاثة من وكالة الغيمة الليبية بدا هادئا. كان هناك الكثير من النقاط الأمنية التي تختلف تسميتها، فهي خارجيا تتبع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، فأما ما فسره لي الكثيرون فهو ان بعض الميليشيات التي كانت مسلحة حافظت على أسلحتها وبقيت متخفية وراء ستار غير معلن. فالتحدي الأكبر في ليبيا اليوم هو نزع السلاح الذي بقي في أيدي الكثير من الفصائل الليبية.

تجولت بين ثنايا وسط مدينة طرابلس كان كل شيء يسير بشكل عادي باستثناء تيار كهربائي قد ينقطع لساعات طويلة فأما حياة الناس فقد استعادت نسقها بشكل عادي على أمل أن يتجاوزوا محنة عدم وجود دولة قوية تعيد بناء ما ضيعته الحرب من أمان.

أخبرني أصدقائي الليبيون ممن التقيت بهم ان الأوضاع مازالت تحتاج الى الكثير من الوقت ليعم الهدوء السياسي الذي يمكن ان يؤمن البلاد لدخول مرحلة انتخابات. مرحلة تبدو ابعد من أن نضع لها شهر ديسمبر القادم تاريخا لانعقادها. فهذه الحكومة التي بدأت تتخبط للحصول على موارد مالية وميزانية لتصريف أعمالها لازالت تحتاج وقتا لخوض غمار أولويات الانتخابات.

هل بلغت ليبيا مرحلة الثقة في مؤسساتها؟

في طريق العودة إلى التراب التونسي، التقيت أحد المستثمرين التونسيين في مجال البعث العقاري. حدثني الرجل ان الوضع بالنسبة له مازال غير مستقر تماما لان يخوض مغامرة الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية. له في ذلك حجج كثيرة لعل أهمها انه عاش خلال مقامه في طرابلس مغامرات تدل على انه كمستثمر مازال يحتاج الى دراسة الوضع مليا. فقد سمع أثناء الليالي التي قضاها هناك الكثير من إطلاق نار لا يعرف مأتاه كما حدثه اصدقاؤه ان هناك بعضا من العناصر المسلحة التي مازالت تسيطر على بعض مفاصل الدولة وانه إذا وضع أمواله في مشروع ما قد لا يسمح له الوضع بسداد الأطراف الليبية لمستحقاته بالنظر الى ان بعض المستثمرين قد يستغلون حالة الفوضى ولا يسددون له أمواله وليس أمامه مجالات للتقاضي لان الأمور أحيانا تدار بالسلاح وتصفية الحسابات بعيدا عن القانون.

يعتقد الرجل أن هيبة الدولة مازالت مفقودة بالشكل الذي يجعله مطمئنا على استثماراته كما انه يعتقد ان الحكومة الحالية غير دائمة فهي حكومة لتامين مرحلة الانتقال نحو الانتخابات وان أطرافا عديدة ومنها البرلمان الليبي الذي يرى انها حكومة لا تملك صلاحيات التأسيس لشراكات مستقبلية.

وعليه فان بعض من زاروا ليبيا من مستثمرين شاركوا في المنتدى والمعرض الليبي التونسي يعتبرون ان ليبيا لم تبلغ بعد مرحلة نضج الاستقرار السياسي الذي يؤسس لاستقرار اجتماعي واقتصادي يفتح باب الاستثمار فيها على مصراعيه دون أي شوائب قد تؤثر سلبا على سلامة استثماراتهم.

ولكن في المقابل يعتقد البعض ان ليبيا اليوم ابتعدت على مرحلة الخطر وأنها تحتاج فقط بعض الأشهر الأخرى لتصبح مناخا قابلا للاستثمار.

غير ان ما يتفق بشأنه الجميع هو ان عمق العلاقات التاريخية والحضارية والاقتصادية ستؤسس دون أدنى شط لتعاون بين البلدين تونس وليبيا بعد ان يتم ترسيخ الانتقال نحو حكومة دائمة في ليبيا بمؤسسات موحدة في كافة القطر الليبي.

لمشاهدة الفيديو الرجاء الضغط على الرابط التالي...

https://www.youtube.com/watch?v=SMSUqOUPLbg&t=15s

 

الطريق إلى جنوب طرابلس محفوفة بالألغام

كان مقامي وسط العاصمة طرابلس فرصة للاطلاع على ان وسط المدينة أصبح فعلا مكانا شبه آمن للتجول والتبضع ولقاء الأصدقاء. حدثني الزملاء الصحافيون ان الحياة لم تتوقف يوما رغم ما عاشوه من معارك على تخوم مدينة طرابلس. قالوا لي إن الوضع حقيقة كان صعبا لكنهم يعيبون ان الاعلام هول الامر وأبرز فقط ذلك الجزء السوداوي من حياة الليبيين لكنهم نسوا أن يتحدثوا على ان المواطن الليبي كان يواصل حياته ويتعايش مع التحديات الاقتصادية والمعيشية ويتابع الوضع الأمني بحذر. تجولت وسط شوارع العاصمة، زرت مطاعم وسكنت نزلا بدأت تدب فيها الحياة من جديد. بدا الأمر بمثابة مدينة تستفيق لتوها من كابوس سيطر على ليلها الطويل على امتداد سنوات حكمت فيها الحرب على الكثير من الليبيين بمشاكل دفعت بعضهم إلى مغادرة البلاد أو المكوث هناك ومقاومة الوضع الأمني المشوب بكثير من الخوف.

كنت برفقة زملاء صحافيين فقد بعضهم أحد ذويه في المعارك الطاحنة. كنت أرى في وجوههم بعض الحسرة والشعور بالمرارة وقليلا من أمل يأتي ويذهب بمتابعة الوضع السياسي وأداء حكومة الوحدة الوطنية التي أمسكت بزمام الأمور منذ أشهر قليلة. كانت كل الأعين رسمية أو أعين المواطن تتطلع إلى توحيد حقيقي لكل التراب الليبي.

في أثناء جولاتنا اعترضنني سيارات رباعية الدفع، كانت لا تحمل ألواحا منجمية...سيارات يقول الرفقاء انها تعود بالأساس الى عناصر مازالت تحمل سلاحا وتستغل قوة السلاح لتتصرف مثلما يحلو لها وإذا ما عارضها أحدهم فهي تستعمل ضده نفوذ السلاح لا سلطة القانون.

بدت لي طرابلس المدينة هادئة بعض الشيء شعرت فيها بأمان لم أعشه من قبل أثناء تغطيتي لما كان يسمى هناك ثورة منذ أحد عشر عاما.

كنت أتساءل كيف هو الوضع إذا في بقية المدن؟ ما هي الصورة الأخرى تلك التي طالعناها ونحن نشاهد حجم الدمار في جنوب طرابلس عبر تلفزيونات العالم؟

لم تتأخر الإجابة كثيرا فأحد رفقائي شاب اضطر مع عائلته الى النزوح نحو بيتهم الجبلي هربا من المعارك الدائرة في مدينة تاجوراء التي طالتها الة الحرب وشردت سكانها نحو عديد الوجهات.

 

لمشاهدة التقرير المصور الرجاء الضغط على الرابط التالي...

l5.jpg

l6.jpg

 

l4.jpg

l7.jpg

l8.jpg

l9.jpg

l11.jpg

l12.jpg

l10.jpg

سلكنا الطريق إذا نحو مناطق جنوب طرابلس. هنا في منطقة عين زارة التي حلبة الصراع نحو طرابلس وهذه منطقة صلاح الدين وترهونة عين زارة وأبو سليم وتاجوراء والسواني والعزيزية وقصر بن غشير...بدت كلها مدن أشباح يحيط بها الدمار من كل صوب وحدب.

مبان مهدمة بالكامل تعرضت للنهب والسرقة، عمارات مفتوحة على قذائف أسقطتها بالكامل. مدارس ومصحات ومنشآت حكومية أصبحت أثرا بعد عين. كل ما في المكان موحش ومقفر.

بدأنا نتجول في منطقة صلاح الدين، توجه نحونا رجل يريد ان نزور بيته الذي وجده بعد عام من الهروب مهدما بالكامل. لا صوت هنا يعلو فوق صوت الدمار.

دمار تشقه بعض الأحيان انفجارات الغام تركتها الميليشيات المتصارعة مبثوثة وسط الشوارع وداخل الأحياء.

أخبرني الزملاء ان مدنيين بالآلاف خيروا النزوح عن منازلهم. بعضهم عاد اليوم ينفض عنها غبار الحرب والبعض الآخر مازال ينتظر ان يتوفر له جزء من المدد المادي ليحاول ترميم ما تبقى أو إعادة بناء ما تهدم برمته.

تفيد التقديرات المبدئية للمباني المتضررة نتيجة العدوان جنوب العاصمة طرابلس انها قد تجاوزت 125 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى عدد من المقار الحكومية. فأما موجات النزوح الجماعي فقد وصلت الى 130 ألف مواطن ليبي غادروا مساكنهم على امتداد عام من الاشتباكات.

على امتداد الطريق حيطان متهالكة كتب عليها "لا تقترب المكان فيه الغام": مقولة توحي بان الوضع مازال خطيرا وان اليقظة واجبة في ظل الخطر الذي مازال قائما في وجه المواطنين.

 اذ تشير الأرقام مرة أخرى أن جنوب طرابلس شهد المئات من حوادث انفجار الألغام التي خلفت مئات الموتى وعشرات من الجرحى.

كل ما في الأحياء ينذر بالموت، فقد اتهمت حكومة الوفاق الوطني قوات المشير حفتر بزراعة ألغام في كافة المواقع التي دخلتها، وطلبت مساعدة دولية في عمليات نزع الألغام.

ولا تنفك السلطات الرسمية تنذر السكان في المناطق التي شهدت اشتباكات بعدم التسرع للعودة إلى بيوتهم خوفا من انفجارات الألغام.

مبروكة خذير/طرابلس/ماي 2021




  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews