تونس على أبواب موسم سياحي قياسي سنة 2026
نحو استقبال 11 مليون سائح و8.1 مليارات دينار إيرادات
رغم التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق، تتجه أنظار الفاعلين في القطاع السياحي نحو تونس التي تستعد لمرحلة جديدة من الانتعاش بنهاية سنة 2025 وبداية 2026.
فوفق تقرير المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، يواصل القطاع تسجيل مؤشرات إيجابية تتجاوز كل التوقعات السابقة، ما يعزز آمال تحول السياحة إلى رافعة حقيقية لدعم الاقتصاد الوطني، خاصة مع مؤشرات موسم الشتاء الواعد الذي يتشكل ليكون الأكثر نشاطا منذ سنوات.
مؤشرات إيجابية تؤسس للتفاؤل
وكشف التقرير الأخير للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات والذي تحصلت «الصباح» على نسخة منه، أن القطاع السياحي التونسي واصل أداءه الإيجابي خلال صيف 2025، حيث بلغ عدد الوافدين إلى حدود شهر جويلية حوالي 5.3 ملايين سائح، مسجلا ارتفاعا بنسبة 9.8 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، حين بلغ العدد 4.8 ملايين. كما شهدت العائدات السياحية زيادة ملحوظة لتصل إلى 5.4 مليارات دينار حتى نهاية شهر أوت، أي بارتفاع قدره 8 بالمائة عن السنة الماضية.
وبحسب التقديرات الأولية، يُتوقع أن يصل إجمالي عدد الوافدين إلى قرابة 11 مليون سائح مع نهاية 2025، وأن ترتفع العائدات إلى 7.8 مليارات دينار، على أن تواصل المنحى التصاعدي في 2026 لتلامس 8.1 مليارات دينار، وهو ما يجعل السياحة أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني ومصدرا رئيسيا للعملة الصعبة.
القطاع في مسار تصاعدي رغم المنافسة الإقليمية
أرقام النمو في تونس تكتسب أهمية إضافية بالنظر إلى المشهد السياحي الإقليمي والعالمي. فبحسب بيانات المنظمة العالمية للسياحة، بلغ عدد السياح العالمي سنة 2024 حوالي 1.4 مليار، وهو أعلى مستوى منذ 2019. وقد انعكس هذا التعافي على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ارتفع عدد الوافدين إلى أكثر من 132 مليون سائح.
في هذا السياق، استقبل المغرب نحو 17.4 مليون سائح، فيما جذبت مصر حوالي 15.7 مليونا، بينما نجحت تونس في تجاوز حاجز 10.2 ملايين زائر لأول مرة منذ 2019، وهو ما يؤكد استعادة القطاع لعافيته تدريجيا، وقدرته على المنافسة رغم محدودية الإمكانيات مقارنة بجيرانه.
موسم شتوي غير مسبوق في الأفق
تتجه الأنظار الآن نحو موسم الشتاء 2025-2026 الذي تشير المعطيات إلى أنه سيكون أحد أقوى المواسم السياحية في السنوات الأخيرة. ووفق ما كشفه رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار في تصريحات حديثة لـ»الصباح»، فإن نسبة الحجوزات الشتوية ارتفعت بنحو 8 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، وأن عدد السياح المتوقع قد يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون زائر خلال الفترة الممتدة من ديسمبر 2025 إلى مارس 2026.
وتشمل هذه الزيادة، وفق المعهد العربي، حجوزات مبكرة من الأسواق التقليدية الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب عودة تدريجية للأسواق الجزائرية والليبية، واهتمام متزايد من أسواق جديدة في أوروبا الشرقية والخليج وآسيا. كما شهدت مناطق الجنوب والوسط، مثل توزر ودوز وجربة، انتعاشا في الحجوزات الخاصة بالسياحة الصحراوية والبيئية والعلاجية، ما يعكس تحولا نوعيا في طبيعة الطلب السياحي.
ارتفاع الاستثمارات وتنوّع العروض
أفاد مسؤولو وحدات فندقية في مناطق الساحل وجربة وسوسة لـ«الصباح»، أن نسبة الإشغال خلال النصف الثاني من سنة 2025 بلغت حوالي 70 بالمائة في بعض الفترات، وهو معدل مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية، مع تزايد الطلب على العروض الشاملة والإقامات الطويلة.
ووفق بيانات تحليلية لمنصات الحجز العالمية، سجلت تونس في نهاية صيف 2025 زيادة في عمليات البحث والحجز بنسبة تفوق 12 بالمائة، خاصة نحو الوجهات غير الساحلية، ما يشير إلى تحول في السلوك السياحي نحو التجارب الثقافية والبيئية بدل الاكتفاء بالسياحة الشاطئية.
وفي السياق ذاته، أظهرت تقارير دولية أن الفنادق التونسية متوسطة التصنيف (3 نجوم) تشهد طلبا متزايدا في موسم الشتاء، مدفوعة بانخفاض الأسعار النسبي وتطور البنية التحتية للنقل الجوي نحو المناطق الداخلية. وقد ساهمت شركات الطيران منخفضة التكلفة في تعزيز الوصول إلى مطارات جربة وتوزر والمنستير، مما أعطى دفعة إضافية للحجوزات الشتوية.
السياحة الشتوية كرافعة
اقتصادية جديدة
تُعد السياحة الشتوية إحدى الأوراق الرابحة لتونس في المرحلة المقبلة، إذ تسعى السلطات إلى تحويل الموسم البارد من فترة ركود إلى رافد رئيسي للدخل. ويؤكد خبراء المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن توسيع الموسم السياحي على مدار السنة يتيح توزيع النشاط الاقتصادي ويقلص الفوارق الجهوية، خاصة في المناطق الداخلية التي تمتلك إمكانات طبيعية وثقافية هائلة. ويشير التقرير إلى أن تنويع المنتوج السياحي — من السياحة الصحراوية إلى العلاجية والثقافية — يمكن أن يرفع معدل الإقامة إلى أكثر من 6 ليالٍ للفرد الواحد في بعض الجهات، مقابل متوسط لا يتجاوز 4 ليالٍ في الصيف. كما ينتظر أن تساهم الأنشطة المرافقة كالمهرجانات الشتوية وأسواق الصناعات التقليدية في خلق آلاف مواطن الشغل الموسمية، وتنشيط الحركية التجارية.
أسواق جديدة ووجهات صاعدة
وبالموازاة مع السوق الأوروبية التقليدية، تعمل تونس على التوسع نحو أسواق واعدة. وتشير وزارة السياحة إلى مفاوضات متقدمة لفتح خطوط جوية مباشرة مع بولندا والتشيك والمجر بحلول صيف 2026، إضافة إلى تعزيز الرحلات مع دول الخليج خصوصا قطر والسعودية والإمارات. كما بدأت وكالات أسفار من الهند والصين بإدراج تونس ضمن برامجها الشتوية للعام المقبل، وهو ما قد يشكل نقلة نوعية في تنويع مصادر الوافدين.
اللافت أن السياحة التونسية تواصل تعافيها رغم الصعوبات الاقتصادية، إذ مثّلت السوق الجزائرية نحو 30 بالمائة من إجمالي الوافدين في النصف الأول من 2025، ويتوقع أن تساهم بقرابة 3 ملايين سائح بنهاية العام. أما السياحة الليبية، فقد شهدت عودة تدريجية منذ النصف الثاني من 2024 بفضل تسهيلات العبور وتوسيع شبكة الفنادق الحدودية.
انعكاسات اقتصادية مباشرة
أظهرت البيانات المالية للبنك المركزي التونسي أن العائدات السياحية حتى 10 أكتوبر 2025 تجاوزت 6.5 مليار دينار، وهو رقم قياسي ساهم في تقليص عجز الحساب الجاري وتحسين احتياطي العملة الأجنبية. وتشير تقديرات أولية إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي قد تصل إلى 1.5 بالمائة إضافية بنهاية 2025، بفضل تحسن التدفقات المالية من الأسواق الأوروبية والعربية.
كما أن توسع النشاط الشتوي يعني استمرارية التشغيل في القطاع الفندقي والنقل، مما يقلل من التسريحات الموسمية المعتادة ويضمن مداخيل قارة للعاملين في السياحة والخدمات المرتبطة بها. ويعتبر المعهد العربي أن استقرار المداخيل عبر الفصول يمثل أحد مفاتيح تحسين التوازنات الماكرو-اقتصادية لتونس في المدى المتوسط.
تحديات قائمة وآفاق مفتوحة
رغم هذا النسق الإيجابي، ما تزال عدة تحديات ماثلة أمام القطاع، أبرزها المنافسة القوية من وجهات متوسطية مثل تركيا والمغرب ومصر التي تقدم عروضا بأسعار منخفضة وحملات ترويجية ضخمة. كما تواجه تونس بعض الصعوبات في النقل الجوي مع محدودية الرحلات المباشرة من الأسواق البعيدة، فضلا عن الحاجة إلى تحسين الخدمات الفندقية والرقمنة في منظومة الحجز والدفع.
غير أن التقارير الميدانية تشير إلى تحسن ملحوظ في جودة الخدمات والتجهيزات، خصوصا بعد انخراط عدد من المستثمرين المحليين في برامج التحديث التي أطلقتها وزارة السياحة بالتعاون مع البنك التونسي للتضامن والمؤسسات الخاصة. كما أُطلقت مبادرات رقمية لتوحيد أنظمة الحجز الإلكترونية في القطاع، وهو ما يسهل التتبع الإحصائي ويزيد من شفافية الأداء.
توصيات المعهد العربي لرؤساء المؤسسات
يؤكد المعهد في ختام تقريره على ضرورة استغلال الظرف الإقليمي والعالمي الراهن لتكريس مكانة تونس كوجهة سياحية متكاملة على مدار العام، داعيا إلى الإسراع في الإصلاحات القانونية التي تدعم الاستثمار في السياحة وتقلّص البيروقراطية. كما يشدد على أهمية التحول الرقمي لتطوير التسويق الإلكتروني واستهداف الأسواق الجديدة بأساليب عصرية.
ويوصي المعهد بضرورة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية والفنادق، وبتوسيع برامج التكوين في المهن السياحية لتأهيل اليد العاملة المحلية. كما دعا إلى اعتماد سياسة واضحة لترشيد الدعم وتوجيهه نحو الأنشطة المنتجة، بما يسهم في تدعيم مخزون العملة الصعبة وتقليص العجز التجاري، فضلا عن خلق مواطن شغل مستدامة وتعزيز النمو في الجهات الداخلية.
وبين أرقام جيدة وتوقعات متفائلة، تبدو تونس على موعد مع تحول نوعي في قطاعها السياحي خلال السنتين المقبلتين. فإذا نجحت في تثبيت نسق الأداء الحالي واستثمار الموسم الشتوي القادم، فإن سنة 2026 قد تكون بداية مرحلة جديدة تُكرّس البلاد كوجهة سياحية متوسطية رائدة تجمع بين دفء الشواطئ وسحر الصحراء وتنوع التجارب على مدار العام.
السياحة التونسية، اليوم، لا تراهن فقط على موسم صيفي ناجح، بل على سنة كاملة من الحيوية الاقتصادية المتجددة، تقودها رؤية جديدة تتطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.
سفيان المهداوي
————————
———————
قيمتها بلغت571 مليون دينار إلى موفى سبتمبر 2025
صادرات منتوجات الصيد البحري تصل إلى 23.5 ألف طن
يمثل قطاع الصيد البحري أحد القطاعات الحيوية في تونس، بالنظر إلى قدرته التشغيلية العالية إذ يُوفّر ما يزيد عن 120 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر.
ويُشكّل ديمومة قطاع الصيد البحري ركيزة أساسية للأمن الغذائي وبناء قطاع فلاحي قوي يتميّز بمقوّمات الصمود.
وفي هذا الإطار، أفاد نائب رئيس الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مكلف بالصيد البحري صالح هديدر أن الصادرات التونسية من منتوجات الصيد البحري وتربية الأسماك قد بلغت 23.5 ألف طن بقيمة أكثر من 571 مليون دينار، وذلك خلال الفترة الممتدّة منذ بداية السنة الحالية 2025، إلى غاية موفى سبتمبر، محققة بذلك فائضا في الميزان التجاري للصيد البحري يقدّر بنحو 140 مليون دينار من حيث القيمة. وفي ذات السياق، قال صالح هديدر في تصريح لـ«الصباح»، أنه تم تسجيل تراجع خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفارط 2024، وهو تراجع بـ2.7 ألف طن على مستوى الكمية أي بـ10 بالمائة، و4 بالمائة من حيث القيمة، حيث تم خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024، تسجيل صادرات بقيمة 599.4 مليون دينار، ما يُوافق 26.2 ألف طن، وتحقيق فائض بقيمة 263 مليون دينار.
وأرجع محدثنا أسباب هذا الانخفاض إلى تقلّص مخزون الإنتاج البحري بسبب التلوث، مما يدلّ على وجوب وضع آليات كفيلة برفع الإنتاج، وخلق بيئة نظيفة وتحسين جودة مياه البحر. ويرى صالح هديدر أن الصيد العشوائي يعتبر من العوامل الأخرى التي أدت إلى تراجع الصادرات واستنزاف المخزون البحري، وذلك رغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في سبيل تطبيق القانون وتنظيم التشريعات التي تضبط الروزنامة الخاصة بالصيد المنظم.
واردات بـ63 ألف طن
وفي ما يتعلّق بالواردات، أوضح محدثنا، أنه تم توريد 63 ألف طن بقيمة 435 مليون دينار، إلى موفى شهر سبتمبر 2025، بعد أن كانت الواردات 50.6 ألف طن بقيمة 336 مليون في الفترة نفسها من سنة 2024، وتتعلّق أغلب الواردات بالتن المُخصّص للتعليب.
ودعا صالح هديدر إلى ضرورة التشجيع على تربية الأسماك، باعتبارها تُمثّل أحد نقاط القوة التصديرية لبلادنا في قطاع الصيد البحري، مُشيرا إلى أنه بإمكان بلادنا أن تحتل مكانة وازنة في خارطة سلاسل التصدير العالمية في صورة المراهنة بعمق على تربية الأسماك.
وتستند تونس في مجال الصيد البحري على حرفاء دوليين متنوّعين، إذ بحسب نائب رئيس الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري مكلف بالصيد البحري فإن معظم الصادرات من القشريات والرخويات يقع توجيهها أساسا إلى دول غرب القارة الأوروبية وتحديدا اسبانيا وايطاليا، فيما يقع تصدير أغلب المنتوجات من سلطعون البحر إلى الدول الأسيوية على غرار الصين وإندونيسيا وماليزيا، إلى جانب وجود طلبات مهمة من دول أمريكا الجنوبية من ضمنها فنزويلا، فيما تُورّد دول الخليج العربي وكندا القسط الأكبر من منتوجات تربية الأسماك. ولئن تعدّ الأسواق التصديرية لتونس ثرية فإن ذلك لا يحجب ضرورة التركيز على مزيد النفاذ إلى الأسواق الواعدة، وفي هذا الصدد، بيّن صالح هديدر أن الأسواق الآسيوية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية تعدّ من الأسواق الاستهلاكية الكبرى ويتزايد فيها الطلب على منتوجات الصيد البحري وتربية الأسماك التونسية، إذ على سبيل الذكر يحظى الحوت من نوع التن بإقبال لافت من قبل اليابان، وهو ما ينسحب على سلطعون البحر في الولايات المتحدة الأمريكية.
ضخ الاستثمارات في القطاع
وتسعى تونس إلى تدعيم النهوض بالقطاع عبر حزمة من الإجراءات وهي إجراءات هدفها بدرجة أولى ضخ الاستثمارات واستقطاب المزيد منها، حيث بلغت قيمة الاستثمارات المصرّح بها والمخُصّصة لأنشطة تربية الأسماك والأحياء المائية 27.6 م.د، في حين وصلت هذه الاستثمارات بالنسبة لأنشطة الصيد البحري إلى 22.1 م.د، خلال الثمانية الأشهر الأولى من 2025، وذلك وفق ما ورد في تقرير نشرته وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية حول «نتائج الاستثمار الفلاحي الخاص في الفلاحة والصيد البحري إلى موفى أوت من سنة 2025».
وبيّن ذات المصدر، أن قيمة الاستثمارات المُصادق عليها لتربية الأحياء المائية قد وصلت إلى 58.9 م.د، بعد أن كانت 6.5 م.د موفى أوت 2024، في حين بلغت قيمة الاستثمارات المصادق عليها للصيد البحري 12.9 م.د، خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، مقابل 22.2 م.د خلال نفس الفترة من سنة 2024.
التحديات المناخية والتكنولوجية
ومع، ذلك فإن قطاع الصيد البحري يواجه العديد من التحديات التي يمكن أن تنعكس سلبا على أدائه التصديري والتشغيلي، وهي تحديات مرتبطة بالتلوث البحري الذي ساهم في نفوق أصناف مختلفة من الأسماك، كما أن فئة واسعة من الصيادين مُطالبون بتعصير أدوات الصيد، واعتماد وسائل حديثة من شأنها أن تؤدي إلى طُفرة في الصادرات، لاسيما وأن الصيد بالكيس قد نجم عنه إطلاق كميات كبيرة من مادة الكربون، ولابد من أيجاد حلول للتقليص منه. ويبرز قطاع الصيد البحري كأحد القطاعات المعنية بالتغيرات التكنولوجية التي يشهدها العالم، والتي يمكن أن تلعب دورا محوريا في تحقيق نقلة ملحوظة في تقنيات الإنتاج والتصدير على حدّ السواء.
كما نتج عن التغيرات المناخية في علاقة بالاحتباس الحراري جملة من التحولات الطارئة على قطاع الصيد البحري وفاقمت بالتالي مُعاناة الصيادين وقوّضت البيئة البحرية.
وفرضت هذه التحدّيات انخراط تونس رسميا في العديد من المسارات التي تهتم بالعناية البيئة والتأسيس لبيئة خضراء وهو ما يتنزّل في إطار تطوير منظومة الاقتصاد الأخضر.
وتأتي هذه المسارات مدعومة بشراكات قوية مع العديد من التكتلات من ضمنها الاتحاد الأوروبي لتوفير التمويلات الضرورية لدعم صغار المُنتجين وفتح آفاق واسعة أمامهم للتصدير، حتى تكون لهم القدرة الكافية لمواجهة مختلف المعضلات.
درصاف اللموشي
———————
يختتمها الفنان مارسيل خليفة
«نجع الفن».. دورة جديدة من الإقامات الفنية والإبداع في قلب الصحراء
❞أحد الطقوس الرمزية التي حافظ عليها المهرجان منذ انطلاقه هو عرض «الموسيقى والصمت»❝
❞عدد آخر من الفنانين من تونس وخارجها في الموعد، يجمعهم هاجس التجريب والتجديد❝
أعلنت الهيئة المديرة لمهرجان «نجع الفن»، أمس الخميس 16 أكتوبر الجاري، خلال ندوة صحفية، عن تفاصيل برمجة الدورة الرابعة التي تُقام بمدينة دوز من ولاية قبلي، والتي سيختتمها الفنان اللبناني مارسيل خليفة.
يقوم المهرجان «نجع الفنّ» على فكرة الإقامة الفنية المشتركة، وجمع فنانين من تونس ومن بلدان مختلفة، يعيشون معا تجربة جماعية تقوم على الإبداع، المشاركة، والعيش في قلب الصحراء. وهذه الدورة الرابعة ليست سوى حلقة جديدة في مسار تجربة متواصلة تجمع بين الفن، الصحراء، والإنسان، وفق ما أكده مدير ومؤسس المهرجان رضا بن منصور خلال الندوة الصحفية، الذي ذكر قائلا: «بدأنا بالدورة الأولى كتجربة، أردنا أن نكتشف ما يمكن أن تُخرجه الصحراء من إبداع لدى الفنانين والموسيقيين».
وأضاف: «تلك الدورة الأولى، التي استضافت الفنان محمد علي كمون، كانت بمثابة اختبار للرؤية. ثلاثة أيام فقط من العيش المشترك والإلهام الصحراوي، فتحت الباب لدورات لاحقة أكثر نضجا. ومنها، وُلد التعاون مع الموسيقيين زياد الزواري وكريم الثليبي، اللذين حملا التجربة إلى مستوى جديد من التكامل الفني».
وواصل المتحدث قائلا: «في الدورات السابقة، انطلق العمل على مشروع موسيقي متكامل، تبلورت ملامحه اليوم في الدورة الرابعة تحت عنوان «رملة»، وهو عمل فني يجمع المسرح، الموسيقى، الفنون التشكيلية، وكل أشكال التعبير الممكنة».
ومن بين المشاريع التي ستُقدَّم هذا العام، عرض موسيقي بعنوان «Échos du Désert» أو صدى الصحراء، وهو عمل تونسي - مالي - بوركيني - فرنسي، يجمع بين الإيقاعات الإفريقية والأنغام المغاربية. كما سيتم تقديم مشروع بالشراكة مع جمعية كندية تُعنى بإحياء أصوات الأقليات في العالم، اختارت أن تشتغل على الصوت البدوي النسائي في دوز.
ومن بين أحد الطقوس الرمزية التي حافظ عليها المهرجان منذ انطلاقه هو عرض «الموسيقى والصمت»، حيث يسير الفنانون والجمهور على الأقدام داخل الصحراء، ليلتقوا وسط الظلام بفنانين يؤدّون عروضا مضاءة من بعيد، ثم ينغمس الجميع في لحظة صمت وتأمل قبل العودة إلى المخيم.
وفي هذا السياق، أكد رضا بن منصور في تصريح لـ»الصباح» أنّ هذا الحدث الثقافي ظلّ وفيًّا منذ تأسيسه لفكرته الجوهرية: أن يكون فضاء للتلاقي بين الفنانين، ومنبعا للمشاريع الفنية المشتركة. فالمهرجان لا يقوم على العروض الجاهزة، بل على ورشات عمل وإقامات فنية تمتد أسبوعا كاملا، يعيش خلالها الفنانون معا في المكان ذاته والزمان ذاته، لتولد من تفاعلهم مشاريع فنية أصيلة.
وأضاف: «حافظنا على هذا المبدأ منذ البداية، وما زلنا نتمسك به إلى اليوم. أما الإضافة الأبرز في هذه الدورة الرابعة، فهي إدراج عرض ضخم في الاختتام يقدّمه الفنان الكبير مارسيل خليفة».
ولم يكن هذا العرض، بحسب مدير المهرجان، حدثا عاديا، إذ اشترطت إدارة المهرجان أن يعمل مارسيل خليفة مع موسيقيين تونسيين شبّان تتراوح أعمارهم بين 14 و23 سنة، ممن تدرّبوا وتحمّسوا للمشاركة في هذه التجربة الفريدة.
فقال: «أردنا أن تكون هذه الفرصة رسالة ثقة في شبابنا، ومارسيل خليفة رحّب بالفكرة بكل حماس».
ولهذا الغرض، تم تنظيم إقامتين فنيتين: الأولى بإشراف أشرف بالطيبي لتحضير العرض الموسيقي الرئيسي، والثانية تحت إشراف الفنانة عائدة النياطي لتدريب الكورال الذي سيرافق الأوركستر في الأداء.
وفي هذا الاتجاه، أكدت عائدة النياطي في تصريح لـ«الصباح» أنّ «الدورة الرابعة تمتاز بوجود «روح جديدة ودم جديد» مقارنة بالدورات السابقة، إذ ينخرط فيها عدد آخر من الفنانين من تونس وخارجها، يجمعهم هاجس التجريب والتجديد». وأضافت: «وجود فنان بقيمة مارسيل خليفة يثري المهرجان من حيث البعد الأوركسترالي والأداء الفني، فهو ليس فقط رمزا موسيقيا بل تجربة مدرسية في الإبداع».
وأوضحت المتحدثة قائلة: «تتضمّن هذه الدورة ورشة متخصصة في تقنيات الصوت والأداء، تُوجَّه خصيصا نحو أعمال مارسيل خليفة، وتهدف إلى تطوير مهارات التنفس وتقنيات الأداء الشرقي، في تفاعل مباشر بين المشاركين وبرنامج الفنان اللبناني الكبير».
وسيكون في هذه الدورة مزيد من التشابك بين مختلف الفنون، من الموسيقى إلى التشكيل والمسرح والأداء الحي، مع حضور لافت لفنانين أجانب من أربع دول، إلى جانب موسيقيين تونسيين شبّان يشاركون في عرض مارسيل خليفة.
وحول ذلك، أكد رضا بن منصور أننا «سنشهد تمازجا جميلا بين الثقافات والأجيال، وهو ما يمنح المهرجان نكهته الخاصة».
أما من حيث البعد التشكيلي، فكشفت الفنانة التشكيلية يسر هلول في تصريح لـ»الصباح» أنه سيتمّ «إنجاز مجسم فني ضخم سيتم تركيزه وسط مدينة دوز كأثر دائم يحمل بصمة المهرجان على مدار العام».
وقالت: «لا نريد أن ينتهي المهرجان بانتهاء العروض، بل نريده أن يترك أثرا ماديا ورمزيا يذكّر الزائرين وأهالي دوز بروح الإبداع التي وُلدت هنا».
وأضافت أن «إنتاج هذا العمل التشكيلي سيكون جماعيا، بمشاركة مجموعة من الفنانين من تونس، فرنسا، والسعودية، في تجربة قائمة على الإلهام المتبادل بين المكان والإنسان»، موضحة أن «الفكرة ليست من توقيع فنان واحد، بل في الإبداع الجماعي، في لحظة يذوب فيها الانتماء الفردي داخل تجربة مشتركة نابعة من الصحراء، من تفاعل الفنانين مع سكان دوز ومع الحياة اليومية هنا».
إيمان عبد اللطيف
————————
——————————
شدّد عليه رئيس الجمهورية
القطع مع ممارسات وإخلالات الماضي خيار تونس نحو الإصلاح والعدالة
على وقع إحياء ذكرى عيد الجلاء، وبين الاحتفاء بالأمجاد القديمة واستحضار معاني السيادة، كانت البوصلة واضحة: «لا رجوع إلى الوراء»؛ عبارة اختزل من خلالها رئيس الجمهورية قيس سعيّد عنوان المرحلة. فهي تؤشر إلى المضيّ في المسار الإصلاحي الذي يقطع كليا مع ممارسات وإخلالات الماضي ويفتح الباب أمام البناء والمساءلة والتصدي لكل مظاهر الفساد والمحسوبية، ليكون الطريق نحو بناء دولة عادلة قوية بمؤسساتها، ثابتة في خياراتها وسياساتها.
منال الحرزي
في هذا السياق، جاءت رسالة رئيس الجمهورية قيس سعيّد، لدى إشرافه على موكب إحياء الذكرى 62 لعيد الجلاء، لتؤكد مجددا أن المعركة متواصلة اليوم ضد كل مظاهر الفساد والتهاون والتفريط في السيادة، وضد كل الأساليب والممارسات التي أفرزت تراجعا حادا في منسوب الثقة بين المواطن والدولة.
عقليات وممارسات
لا شك أن عبارة «لا رجوع إلى الوراء» التي اختزلت المشهد، مثّلت في جوهرها عنوانا لمرحلة سياسية قوامها الإصرار على المواصلة والاستمرارية في درب الإصلاح والتغيير، مع عدم السماح بعودة الممارسات التي شوّهت الحياة العامة، وأضعفت مؤسسات الدولة وأربكتها.
فالوراء الذي أشار إليه رئيس الدولة ليس مجرد حقبة زمنية معيّنة، وإنما هو عقليات وممارسات ومنظومات وولاءات كانت تعرقل مفاصل الدولة وتضعف إرادتها في التغيير والمضي قدما نحو الإصلاح.
وعدم الرجوع إلى الوراء هو أيضا إعلان عن قطيعة مع منطق المحاصصة والتجاذبات السياسية، واستعمال السلطة لخدمة مصالح وأغراض شخصية ضيقة أو حزبية.
واليوم، يأتي التأكيد من رئيس الجمهورية قيس سعيّد على أن تونس اختارت طريقها ولن تتراجع، مهما كانت الضغوط والتحديات، ومهما كانت الصعوبات والعراقيل. فكما خاضت تونس بالأمس معركة التحرر الوطني، تخوض اليوم معركة من طراز خاص: معركة من أجل ترسيخ قيم العدل والنزاهة والسيادة الوطنية في القرار.
فالمسار الحالي يسعى، وفقا لرؤية رئيس الدولة، إلى تحرير القرار السياسي والإداري من القيود، وإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة كفضاء لخدمة الصالح العام، لا كفضاء للمحاصصة أو اعتماد منطق الصفقات السياسية على حساب مبادئ العدالة والشفافية. ويهدف ذلك إلى استعادة هيبة الدولة وإعادة رسم العلاقة بين المواطن والسلطة على قاعدة المسؤولية والالتزام، لا الولاء والمصالح الضيقة.
لا رجوع عن الإصلاح
ضمن هذا الإطار، يكتسي ملف مكافحة الفساد أهمية قصوى؛ فالقطع مع ممارسات الماضي يعني عدم التسامح مع أي محاولة لإعادة البارونات وشبكات المصالح الضيقة إلى الواجهة. فالمعركة ضد الفساد ليست ظرفية، بل هي مسار إصلاحي هيكلي وكامل يتطلب نفسا طويلا وإرادة سياسية فعلية.
وفي هذا الاتجاه، تتكامل الرؤية الرئاسية مع الإصلاحات الإدارية والقانونية، في علاقة أساسا بالثورتين التشريعية والإدارية اللتين أكّد رئيس الدولة مرارا وتكرارا على أهمية إرسائهما، حتى يتسنى بلوغ العدالة الاجتماعية.
فالقوانين والتشريعات الجديدة تعبّر في جوهرها عن إرادة واضحة للقطع مع كل أشكال التسيير التي أفرزت البيروقراطية والمحسوبية. فهذه الثورة لا تعني فقط تغيير النصوص أو الأطر القانونية، بل تمثل إعادة صياغة لعلاقة الدولة بمواطنيها على أساس الشفافية والنجاعة والمحاسبة، لتتحوّل بذلك عبارة «لا رجوع إلى الوراء» إلى ممارسة تشريعية ومؤسساتية تعيد الاعتبار للعدالة والإنصاف والمساواة، ولمنطق دولة القانون.
وبعيدا عن الإصلاحات الإدارية والتشريعية التي تعكس في جوهرها قطيعة مع منظومات التسيير السابقة، فإن مبدأ عدم الإفلات من العقاب يعتبر آلية جديدة تعكس التزام الدولة بسيادة القانون.
وفي هذا الإطار، جدير بالذكر أن إحالة كل من أخلّ بمسؤوليته أو استغل منصبه لمصالح شخصية إلى المساءلة ليست مجرد إجراء قضائي، بل هي رسالة واضحة مفادها أن الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن العدالة والمساواة أصبحتا معيارا لا رجعة فيه في التعامل مع المواطنين والمسؤولين على حد سواء. وهذا التوجّه يقطع مع عقلية الماضي ويؤكد أن الإصلاح الحقيقي لا يكتمل إلا بثقافة محاسبة شفافة وشاملة تجعل من القوانين أدوات رئيسية للعدالة، لا للانتقائية أو الحماية.
ثبات الموقف
من جانب آخر، وفي امتداد لهذا المسار الذي يقطع مع كل الممارسات الماضية، فإنه يتسع أيضا ليشمل الموقف التونسي على الساحة الإقليمية والدولية، حيث أصبح الثبات على المبادئ عنوان المرحلة.
فعدم الرجوع إلى الوراء، وفق كثيرين، هو امتداد لثبات الموقف التونسي في القضايا الوطنية الكبرى، وهو تأكيد على التمسك بالسيادة والقرار الوطني المستقل، ورفض كل أشكال الإملاء أو الارتهان للخارج.
فالإصلاح لا يقتصر على الداخل فحسب، بل يطال أيضا طريقة تموقع تونس في محيطها الإقليمي والدولي، كدولة متمسكة بمبادئها وبدورها الريادي في الدفاع عن القضايا العادلة، بما يعكس موقفا استراتيجيا يؤكد أن تونس ماضية في طريقها بثبات، دون تراجع أو تردد، مهما كان حجم الضغوط والتحديات.
مشروع وطني
من جهة أخرى، ولأن القطع مع ممارسات الماضي والمواصلة في المسار الإصلاحي لا يختزلان في مكافحة الفساد أو تفعيل الإصلاح التشريعي والإداري أو الثبات في الموقف، فإن هذا المسار يتّسع ليشمل مجالات أرحب، أبرزها بناء دولة جديدة بروح وثقافة جديدتين.
فالقطع مع الأساليب القديمة يعني في جوهره المضي قدما نحو تجديد منظومة القيم العامة، وترسيخ آليات جديدة، مثل ثقافة العمل والشفافية والمساءلة والرقابة، كركائز أساسية لبناء مجتمع متماسك يتجاوز مظاهر التواكل والمحاباة، ويراهن على الكفاءات الوطنية لبناء اقتصاد منتج، ومجتمع يواكب مستجدات العصر وقادر على المنافسة في شتى المجالات.
فالمعركة ضد الفساد لا تنفصل عن معركة إصلاح التعليم والإدارة والاقتصاد والصحة وغيرها من القطاعات الحيوية، وكلها حلقات مترابطة كعقد إن انفرطت حباته اختل التوازن. ومن هنا يتحول تصريح رئيس الدولة بعدم الرجوع إلى الوراء إلى مشروع وطني متكامل يضمن الإصلاح على أكثر من صعيد: سياسي، واقتصادي، واجتماعي، ويكرّس قيم المواطنة والمسؤولية، ويجعل من السيادة والعدالة ركيزتين أساسيتين لبناء دولة قوية وعادلة.
في هذا الخضم، وبالعودة إلى الرسالة التي بعث بها رئيس الدولة قيس سعيّد على هامش إحيائه لذكرى عيد الجلاء، من خلال تصريحه القاضي بعدم الرجوع إلى الوراء، جدير بالذكر أنها تمثل في جوهرها رفضا كليا لعودة الأساليب التي دمّرت الثقة بين الدولة والمجتمع. فالعبارة لم تُطلق عبثا، وإنما جاءت لتكون بوصلة للمرحلة القادمة، إذ تختصر رؤية سياسية قوامها تجاوز الماضي وتجاوزاته، وتمثل قبل كل شيء دعوة إلى العمل والمثابرة والوعي الجماعي بأن بناء تونس الجديدة لا يحتمل التراجع ولا التأخير.
فالعبارة إعلان عن إرادة وطنية في مواجهة كل ما قد يعيق مسار الإصلاح، وتأكيد أن تونس ماضية بثقة نحو بناء دولة عادلة، ومؤسسات قوية، ومواقف ثابتة في كل القضايا المصيرية. وهي أيضا دعوة للمواطنة الفاعلة، ولتحمّل المسؤولية، وللاستمرار في مسار يربط بين السيادة والعدالة والتنمية: مسار لا يثنيه شيء، لا يقف أمامه عائق، ولا مجال فيه للرجوع إلى الوراء.
——————
——————————
بقرار من مكتب مجلس نواب الشعب
إحالة مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة على اللجان
◄ عضو المكتب حسام محجوب: سيتم تنظيم جلسات مشتركة مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم
◄ جلسة حوارية الاثنين القادم مع رئيسة الحكومة أو من يمثلها حول الوضع في قابس
إضافة إلى إحالة مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى لجنة المالية والميزانية وإقرار توزيع المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 على كلّ اللجان القارّة، تداول مكتب مجلس نواب الشعب أمس حول الوضع في قابس وقرر تنظيم جلسة حوارية يوم الاثنين 20 أكتوبر الجاري مع رئيسة الحكومة أو من يمثلها كما قرر دعوة ندوة الرؤساء للانعقاد يوم الجمعة 24 أكتوبر 2025 وتتركب ندوة الرؤساء وهي هيئة تنسيقية استشارية من مكتب المجلس ورؤساء اللجان القارة ورؤساء الكتل وممثلين عن غير المنتمين إلى كتل. ففي ما يتعلق بالوضع في قابس جاء في بلاغ صادر عن المجلس أن المكتب «تداول في جانب آخر من أشغاله بخصوص تطوّرات الأوضاع بقابس وما تشهده من احتجاجات واحتقان بسبب الوضع البيئي الكارثي الذي تسبّبت فيه وحدات الإنتاج بالمجمع الكيميائي بالجهة وقرّر في هذا الإطار عقد جلسة حوارية مع رئيسة الحكومة أو من يمثّلها وذلك يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025 بداية من الساعة العاشرة صباحا، تعبيرا عن التضامن والتعاطف مع أهالي قابس بخصوص هذا الوضع المتردّي، والتواصل مع الوظيفة التنفيذية لبحث سبل إيجاد الحلول السريعة والناجعة، والقيام بالإصلاحات المستوجبة وتفادي كل الاخلالات بما يضمن القطع النهائي مع مثل هذه الكوارث البيئية». كما نظر مكتب المجلس في الأسئلة الكتابية الموجّهة من النواب إلى أعضاء الحكومة، وقرّر إحالة 101 سؤالا إلى أعضاء الحكومة المعنيّين، وتداول حول مسائل تتصل بالنشاط الدولي لمجلس نواب الشعب.
قال نائب مساعد لرئيس مجلس نواب الشعب مكلف بشؤون التشريع حسام محجوب إن مكتب المجلس المنعقد أمس بقصر باردو أحال مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى لجنة المالية والميزانية، كما قرر توزيع المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 على جميع اللجان القارة.
وبيّن أن المكتب توصّل إلى غاية أمس بوثيقة مشروع قانون المالية ووثيقة مشروع الميزان الاقتصادي، أما بالنسبة إلى بقية الوثائق المتعلقة بالمهمات والمهمات الخاصة بمشروع ميزانية الدولة فلم يقع إرسالها بعد إلى المجلس النيابي. وأشار محجوب إلى أنه، تطبيقا لأحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2024 المؤرخ في 13 سبتمبر 2024 والمتعلق بتنظيم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، ستتم مناقشة مشروع قانون المالية في جلسات مشتركة بين لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب ولجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
كما سيتم، حسب قوله، النظر في المهمات والمهمات الخاصة بمشروع ميزانية الدولة من قبل جميع لجان الغرفتين النيابيتين في جلسات مشتركة. وأوضح أن المرسوم عدد 1 السالف الذكر نصّ على أن تتم المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بميزانية الدولة ومشاريع قوانين المالية من قبل المجلسين النيابيين في جلسات مشتركة.
وبيّن أنه، خلافًا لما حصل خلال السنة الماضية بمناسبة النظر في مشروع ميزانية 2025، سيتم تدارس المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 من قبل مختلف اللجان القارة، وسيقع توزيع هذه المهمات على اللجان حسب اختصاصات كل لجنة، على أن تعقد اللجان اجتماعات مشتركة مع نظيراتها بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
7 محاور
وتضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي بادر عضو مجلس نواب الشعب شكري البحري بنشره على صفحته الرسمية، 57 فصلًا، منها 12 فصلًا تم من خلالها ضبط أحكام الميزانية، أما بقية الفصول فقد تم توزيعها على 7 محاور وهي الآتي ذكرها:
-تكريس الدور الاجتماعي للدولة،
-مساندة المؤسسات الاقتصادية ودعم الاستثمار لتحقيق التنمية العادلة،
-التدخلات الاجتماعية،
- دعم المساهمة الاجتماعية،
- دعم المؤسسات العمومية،
- تدعيم منظومة الانتقال الطاقي والإيكولوجي،
- الإصلاح الجبائي ورقمنة الخدمات.
وفي ما يتعلق بأحكام الميزانية، يمكن الإشارة بالخصوص إلى أنه تم تقدير مداخيل ميزانية العام المقبل بـ 52.560.000.000 دينار، منها 47.773.000.000 دينار مداخيل جبائية، و4.437.000.000 دينار مداخيل غير جبائية، و350.000.000 دينار هبات. أما نفقات الميزانية فهي في حدود 63.575.000.000 دينار.
وبالنسبة إلى سنة 2026، تم الترخيص في استخلاص موارد الخزينة بما قدره 27.064.000.000 دينار، وتستعمل هذه الموارد لتمويل نتيجة ميزانية الدولة وتغطية تكاليف الخزينة كما يلي:
ـ موارد الاقتراض الخارجي: 6.808.000.000 دينار.
ـ موارد الاقتراض الداخلي: 19.056.000.000 دينار.
ـ موارد الخزينة: 1.200.000.000 دينار.
وبخصوص استعمالات مبلغ 27.064.000.000 دينار سالف الذكر، فهي على النحو التالي:
ـ تمويل الميزانية باعتبار الهبات الخارجية والتخصيص والمصادرة: 11.015.000.000 دينار.
ـ تسديد أصل الدين الداخلي: 7.932.000.000 دينار.
ـ تسديد أصل الدين الخارجي: 7.917.000.000 دينار.
ـ قروض وتسبقات الخزينة: 200.000.000 دينار.
وتم ضبط موارد ونفقات المؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها بميزانية الدولة حسب المهمات بالنسبة إلى سنة 2026 بما قدره 1.585.597.000 دينار، أما العدد الجملي للأعوان المرخّص فيهم بعنوان سنة 2026 بالوزارات بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات العمومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيًا بميزانية الدولة، فيبلغ 687 ألف عون.
كما تم ضبط المبلغ الأقصى المرخّص فيه للوزير المكلف بالمالية لمنح قروض الخزينة للمؤسسات العمومية بمقتضى الفصل 62 من مجلة المحاسبة العمومية بما قدره 200 مليون دينار بالنسبة إلى سنة 2026. وتم تحديد المبلغ المرخّص فيه للوزير المكلف بالمالية لمنح ضمان الدولة لإبرام قروض أو إصدار صكوك، وفقًا للتشريع الجاري به العمل، بما قدره 7.000.000.000 دينار بالنسبة إلى سنة 2026.
كما تم التنصيص في الفصل الأخير من باب أحكام ميزانية الدولة لسنة 2026 على أنه، استثناءً لأحكام الفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أفريل 2016 والمتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، يُرخّص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية في حدود مبلغ أقصاه 11.000 مليون دينار. وتمنح هذه التسهيلات دون فائدة موظّفة، وتُسدّد على 15 سنة منها 3 سنوات إمهال. وتُبرم اتفاقية بين الوزير المكلف بالمالية ومحافظ البنك المركزي التونسي تضبط، خاصة، طرق سحب وتسديد التسهيلات الممنوحة.
المحور الأول: تكريس الدور الاجتماعي للدولة
تضمن المحور الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026 جملة من الأحكام الرامية إلى تكريس الدور الاجتماعي للدولة عبر:
.إحداث مواطن الشغل،
. دعم القدرة الشرائية،
. تدعيم المجال الصحي،
. تدعيم أنظمة الضمان الاجتماعي،
. تكريس الحق في السكن،
. تكريس الحق في النقل.
التشغيل والأجور
في ما يتعلق بإحداث مواطن الشغل، نصّ مشروع قانون المالية على فصل يهدف إلى التشجيع على انتداب حاملي شهادات التعليم العالي في القطاع الخاص من خلال تكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي بعنوان الأجر المدفوع لفائدة الأجراء من حاملي شهادات التعليم العالي الذين يتم انتدابهم من قبل مؤسسات القطاع الخاص ابتداءً من غرة جانفي 2026. وتبلغ هذه المساهمة:
100 % خلال السنة الأولى،
80 % خلال السنة الثانية،
60 % خلال السنة الثالثة،
40 % خلال السنة الرابعة،
20 % خلال السنة الخامسة.
وإضافة إلى هذا الإجراء، تم التنصيص على توسيع تدخلات الصندوق الوطني للتشغيل ومنح الأولوية لمن طالت بطالتهم. وفي هذا السياق، يتدخل الصندوق في تمويل البرامج والآليات الرامية إلى الرفع من مؤهلات طالبي الشغل وطلبة السنوات النهائية من التعليم العالي ومتكوني مراكز التكوين المهني.
أما بالنسبة إلى دعم القدرة الشرائية، فنص مشروع قانون المالية على إقرار الترفيع في الأجور والمرتبات في القطاعين العام والخاص، وكذلك الشأن بالنسبة إلى جرايات المتقاعدين بعنوان سنوات 2026 و2027 و2028، على أن يقع ضبط ذلك بمقتضى أمر.
إجراءات تهم الصحة
أما بخصوص الإجراءات الواردة في مشروع قانون المالية الرامية إلى تدعيم المجال الصحي، فهي تتمثل في:
ـ منح الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة امتيازًا يتمثل في توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة بعنوان اقتناءاتها المحلية من الكواشف والمحاليل واللوازم الطبية والآلات والتجهيزات المعدّة لمراقبة الأدوية.
ـ توسيع مجال الامتياز المتمثل في توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة والإعفاء من المعاليم الديوانية المستوجبة عند التوريد الممنوح للتجهيزات الطبية الموردة من قبل المستشفيات والمصحات ليشمل الهياكل الصحية العسكرية.
ـ توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة والإعفاء من المعاليم الديوانية عند التوريد والاقتناء من السوق المحلية للتجهيزات والمعدات والمواد المنجزة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لفائدة مصحات الضمان الاجتماعي ومراكز صنع الآلات المقوّمة للأعضاء الضرورية لنشاطها.
الضمان الاجتماعي
تتمثّل الإجراءات المنصوص عليها في مشروع قانون المالية والهادفة إلى تدعيم أنظمة الضمان الاجتماعي في مواصلة العمل بالأحكام الظرفية للمساهمة الاجتماعية التضامنية، وتعزيز موارد تمويل الصناديق الاجتماعية من خلال:
أوّلًا، الترفيع في معلوم الترسيم العقاري المستوجب بعنوان الهبات بين الأصول والفروع وبين الأزواج.
ثانيًا، إقرار معلوم قدره 20 دينارًا على كراسات الشروط التي لا تخضع لمعلوم طابع جبائي خاص.
ثالثًا، توظيف مبلغ إضافي قدره مائة مليم على كل عملية شحن رصيد الهاتف الجوال تساوي أو تفوق 5 دنانير.
رابعًا، توظيف معلوم على الألعاب والمسابقات التي تتم المشاركة فيها من خلال مختلف وسائل تكنولوجيات الاتصال بنسبة 40 بالمائة من سعر المشاركة في اللعبة أو المسابقة.
خامسًا، توظيف معلوم على الفواتير المسلّمة من قبل المساحات التجارية الكبرى قدره دينار ونصف عن كل فاتورة يتراوح مبلغها بين 50 و100 دينار، وقدره ديناران عن كل فاتورة يفوق مبلغها 100 دينار.
سادسًا، مساهمة تستوجب على البنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التأمين وإعادة التأمين ومشغّلي شبكات الاتصال ووكلاء بيع السيارات، وتُحتسب هذه المساهمة بنسبة 4 بالمائة من الأرباح المعتمدة لاحتساب الضريبة على الشركات التي يحل أجل التصريح بها ابتداءً من سنة 2026، مع حد أدنى بـ 10.000 دينار.
سابعًا، اقتطاع مبلغ دينارين من السعر اليومي لكراء السيارات عن كل سيارة من قبل مؤسسات كراء السيارات.
كما تُرصد لفائدة حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي نسب من المعاليم المستوجبة على الترسيم العقاري لهبات العقارات بين الأصول والفروع وبين الأزواج، وعلى تذاكر البيع المسلّمة للحرفاء، وعلى الطابع الجبائي الموظّف على كراسات الشروط، وعلى الرحلات الجوية والبحرية الدولية، وعلى الإقامة بالمؤسسات السياحية، وعلى أتاوة الدعم الموظّفة على الملاهي والنوادي الليلية غير التابعة لمؤسسة سياحية والكباريهات.
ويرصد لفائدة الحساب نفسه مردود الترفيع في معلوم الطابع الجبائي المستوجب على الفواتير، وفي المعلوم الإضافي الموظف على عمليات شحن رصيد الهاتف الجوال التي تساوي أو تفوق خمسة دنانير، وفي المعلوم على الألعاب والمسابقات التي تتم المشاركة فيها من خلال مختلف وسائل تكنولوجيات الاتصال.
السكن والنقل
تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026 إجراءات تهدف إلى دعم آليات توفير المسكن اللائق من خلال توسيع ميدان تدخل صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء، لكي يساهم في تمويل بناء المساكن وتهيئة المقاسم الاجتماعية المنجزة من قبل الشركة العقارية للبلاد التونسية وفروعها، وشركة النهوض بالمساكن الاجتماعية، والوكالة العقارية للسكنى، حسب شروط وتراتيب يتم ضبطها بأمر.
ولتكريس الحق في التنقّل، تم إقرار إعفاء من الضريبة على الدخل بعنوان خدمات النقل من مقر العمل وإليه التي يتكفّل بها المؤجّر.
تنمية عادلة
وإضافة إلى الأحكام الرامية إلى تكريس الدور الاجتماعي للدولة، تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026 إجراءات لمساندة المؤسسات الاقتصادية ودعم الاستثمار لتحقيق التنمية العادلة، حيث تم بمقتضاه إحداث خط تمويل بمبلغ قدره 15 مليون دينار على موارد الصندوق الوطني للتشغيل، يُخصّص لإسناد قروض بشروط تفاضلية لتمويل أنشطة في مختلف المجالات الاقتصادية حسب مؤشرات التنمية الجهوية، وذلك خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي 2026 إلى 31 ديسمبر 2027.
وتُمنح الأولوية في إسناد القروض للجهات الأقل تنمية. كما تم إقرار إجراءات تهدف إلى دعم تمويل الشركات الأهلية ودفع نسق إحداث هذا الصنف من الشركات.
وهناك إجراء يهدف إلى دعم تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر إحداث خط تمويل بمبلغ قدره 10 ملايين دينار على موارد صندوق التشغيل لفائدة هذه المؤسسات، يُخصّص لتمويل حاجيات التصرف والاستغلال، وتُسند القروض بشروط تفاضلية خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي 2026 إلى 31 ديسمبر 2027.
ولدعم التمويل الذاتي لفائدة باعثي المشاريع والمؤسسات الصغرى، تم التنصيص في مشروع قانون المالية لسنة 2026 على إحداث خط تمويل بمبلغ قدره 23 مليون دينار على موارد الصندوق الوطني للتشغيل، يُخصّص لإسناد قروض دون فائدة ودون اشتراط ضمانات، وذلك بداية من غرة جانفي 2026 إلى 31 ديسمبر 2026.
ولتمويل صغار الفلاحين، تتكفل الدولة بوضع خط تمويل بمبلغ 10 ملايين دينار لفائدة هذه الفئة، وذلك لتمويل قروض موسمية بشروط ميسّرة بالنسبة إلى الموسم الفلاحي 2025 ـ 2026.
كما تضمّن المشروع أحكامًا أخرى تنصّ، بالخصوص، على:
-تكفّل الدولة بالفارق بين النسبة الموظّفة على قروض الاستثمار ومعدل نسبة الفائدة في السوق النقدية لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
-دعم تعليب زيت الزيتون المنتج محليًا من خلال انتفاع المدخلات اللازمة للتعليب بالإعفاء من المعاليم الديوانية وإيقاف العمل بالأداء على القيمة المضافة.
- إعفاء عقود القروض الممنوحة لصغار الفلاحين وصغار الصيادين البحريين من معاليم التسجيل.
-إعفاء مادة البطاطا من المعلوم على الخضر والغلال الموظف لفائدة صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاع الفلاحة والصيد البحري، ومن المعلوم لفائدة صندوق التعويض على الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية.
إدماج اقتصادي
كما تضمّن مشروع قانون المالية لسنة 2026 أحكامًا تتعلق بإحداث صندوق النهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وبكيفية تمويله، وأخرى تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي لهذه الفئة، وكذلك إلى الإحاطة بـ«أطفال القمر» من خلال تمكينهم من منحة مالية شهرية قيمتها 130 دينارًا لكل فرد بعنوان التكفل بجزء من مصاريف اقتناء المستلزمات الوقائية.
ويشمل ذلك أيضًا تخفيف الجباية على الحافلات والعربات السيارة ذات ثمانية أو تسعة مقاعد المقتناة من قبل جمعيات مساعدة هؤلاء الأطفال.
كما يتواصل دعم الإدماج المالي والاقتصادي للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل من خلال إحداث خط تمويل بمبلغ 20 مليون دينار لإسناد قروض دون فائدة لا تتجاوز 10 آلاف دينار للقرض الواحد، لتمويل أنشطة في مختلف المجالات الاقتصادية خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي 2026 إلى 31 ديسمبر 2027، ويتم تسديد هذه القروض على مدة أقصاها ست سنوات، منها سنة إمهال.
محاور أخرى
ولدعم المساهمة الاجتماعية للأفراد والمؤسسات تم من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2026 التنصيص على إتمام بعض أحكام مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات، كما تم توسيع مجال تدخل المساهمات المدفوعة في إطار المسؤولية المجتمعية وذلك من خلال اقتراح إتمام الفصل 13 من قانون المالية لسنة 2025 المتعلق بالمسؤولية المجتمعية. ومن بين المحاور الأخرى التي تضمنها مشروع قانون المالية، ما يتعلق بدعم المؤسسات العمومية وتحديدا شركة فسفاط قفصة والشركة التونسية للسكر إلى جانب دعم الدور التعديلي والخدماتي للديوان التونسي للتجارة، وإعفاء مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية من المعلوم على طلبات الأذون على العرائض والأوامر بالدفع وعرائض للطعون بها، فضلا عن التخفيف في كلفة المشاريع العمومية الممولة بقروض خارجية موظفة.
كما نص مشروع القانون الذي سيتم النظر فيه من قبل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم على إجراءات أخلى تهدف إلى تدعيم منظومة الانتقال الطاقي والإيكولوجي عبر توسيع تدخلات صندوق الانتقال الطاقي ومراجعة المعاليم الديوانية المستوجبة بعنوان توريد اللاقطات الشمسية وتخفيف جباية المدخلات الضرورية لتصنيع بطاريات الليثيوم إلى سبعة بالمائة وتخفيف جباية العربات السيارة المجهزة بمحرك حراري وبمحرك كهربائي قابل للشحن وأجهزة شحن السيارات.
إصلاح جبائي
وفي محور الإصلاح الجبائي ورقمنة الخدمات وهو المحور الأخير بمشروع قانون المالية لسنة 2026، تم التنصيص على إجراءات تهدف إلى مزيد تدعيم العدالة الجبائية بين الأفراد عبر إقرار ضريبة على الثروة بنسبة صفر فاصل خمسة بالمائة على المكاسب التي تتراوح قيمتها بين 3 مليارات و5 مليارات وبنسبة واحد بالمائة على المكاسب التي تفوق قيمتها 5 مليارات ومع مراعاة اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي المبرمة مع البلاد الأخرى تطبق الضريبة على الثروة على العقارات والمنقولات الكائنة بالبلاد التونسية بصرف النظر عن مكان إقامة المطالب بالضريبة، وعلى العقارات والمنقولات سواء كانت كائنة بالبلاد التونسية أو بالخارج إذا كان المطالب بالضريبة مقيما بالبلاد التونسية. وتوظف الضريبة على الثروة على قيمة العقارات والأصول التجارية والمنقولات المكتسبة بجميع أصنافها بما في ذلك الأموال المودعة بالبنوك وبالمؤسسات المالية أو بالبريد التونسي وسندات القيم المنقولة ورؤوس الأموال باستثناء المكاسب الآتي ذكرها: المسكن الرئيسي للمطالب بالضريبة والأثاث المستغل به، العقارات المخصصة للاستعمال المهني والأصول التجارية المستغلة فعليا، العربات غير النفعية التي تساوي أو تقل قوتها الجبائية عن 12 خيلا. وتضبط قيمة المكاسب الخاضعة للضريبة على أساس قيمتها بعد طرح الديون المحملة المنصوص عليها بأحكام مجلة الحقوق العينية باستثناء الضمانات العينية لفائدة الشركات. ويتم التصريح بالضريبة على الثروة في أجل أقصاه موفى شهر جوان من كل سنة وفق أنموذج تعده الإدارة. ويمكن التصريح بهذه الضريبة ودفع المبالغ المستوجبة بعنوانها بالطرق الالكترونية الموثوق بها. وتخضع الضريبة على الثروة بالنسبة إلى التصريح والمراقبة والنزاعات والتقادم والاسترجاع والمخالفات والعقوبات لأحكام مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية، وضبط مشروع القانون كيفية التصريح بالضريبة على الثروة، كما تضمن نفس المشروع إجراءات في اتجاه مراجعة قاعدة احتساب المعلوم مقابل إسداء خدمة التسجيل المستوجب على العقود المتقادمة ليصبح بنسبة ثلاثة بالمائة، وإجراءات للترفيع في المعلوم على نقل ومقاسمة العقارات غير المرسمة بالسجل العقاري من 100 د إلى 200د وإجراءات أخرى لتسوية وضعية المنقولات المحجوزة منذ أكثر من خمس سنوات لدى مصالح الديوانة وذلك بدفع خطية قدرها 20 بالمائة من قيمتها في تاريخ الحجز شريطة تقديم مطلب في الغرض مرفقا بما يفيد الثمن في تاريخ الحجز وذلك في أجل أقصاه موفى شهر جوان 2026، كما تم من خلال مشروع قانون المالية تنقيح الفصل 327 من مجلة الديوانية بهدف مراجعة الآجال القاطعة للتقادم في المادة الديوانية، وتم اقتراح إتمام مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية بهدف تيسير الإجراءات الإدارية بالنسبة إلى التونسيين غير المقيمين بالبلاد التونسية، كما تم اقتراح إتمام مجلة الأداء على القيمة المضافة من أجل توسيع التعامل بالفاتورة الإلكترونية. ولتيسير الخدمات الإدارية تم اقتراح إلغاء الفصل 45 من قانون المالية لسنة 2019 الذي ينص على ما يلي:» أولا، لا يمكن للسلط البلدية المختصة التعريف بإمضاءات الأطراف في العقود المتعلقة بالتفويت بمقابل في العقارات أو الأصول التجارية أو وسائل النقل التي يدفع ثمنها نقدا. كما لا يمكن تسجيل هذه العقود لدى قباضات المالية ولدى المصالح والمؤسسات العمومية المختصة بترسيم الأملاك موضوع التفويت. ولا يمكن لعدول الإشهاد تحرير العقود المنصوص عليها بالفقرة السابقة من هذا الفصل والتي يدفع ثمنها نقدا. وتستثنى من هذا الإجراء : العقود التي لا يفوق فيها مبلغ الثمن المدفوع نقدا 5000 دينار، العقود المحررة تجسيما لعقود وعود بالبيع تتضمن دفوعات نقدا قبل غرة جوان 2019 واكتسبت تاريخا ثابتا قبل هذا التاريخ وذلك في حدود هذه الدفوعات، الدفوعات عينا أو بأية طريقة أخرى من غير الدفع نقدا في إطار العقود المنصوص عليها بالفقرة الفرعية الأولى من هذه الفقرة، البيوعات المنجزة بالتقسيط شريطة التنصيص صراحة على ذلك ضمن العقود المتعلقة بها وعلى مراجع الكمبيالات المتعلقة بخلاص جزء الثمن المقسط والتي يجب أن تكون موطّنة أو مضمّنة بكفالة للخلاص لدى مؤسسة بنكية أو بريدية، حالات القوة القاهرة التي تمنع الأطراف من تصحيح عقودهم وفقا لمقتضيات أحكام هذا الفصل. ثانيا، يضاف إلى مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية الفصل 84 إثنى عشر فيما يلي نصه: يعاقب كل شخص تعمّد التنصيص ضمن العقود المنصوص عليها بالفقرة الأولى من العدد 1 من الفصل 45 من القانون عدد 56 لسنة 2018 المؤرخ في 27 ديسمبر 2018 والمتعلق بقانون المالية لسنة 2019 على مراجع خلاص بوسيلة بنكية أو بريدية مغلوطة أو تحيّل ودفع الثمن أو جزء منه نقدا بمبلغ يفوق 5000 د بخطيّة تساوي 20 بالمائة من المبلغ المدفوع نقدا وذلك دون أن يقل مبلغ هذه الخطية عن 1000 د عن كل عملية نقل. ثالثا، تضاف بالفقرة الثالثة من الفصل 47 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية إثر عبارة «84 عاشرا» عبارة «و84 اثنى عشر»
.سعيدة بوهلال
————————
————————
إجراء 30 عملية زرع أعضاء سنة 2025
17 ألف تونسي يحملون صفة متبرّع على بطاقة التعريف الوطنية
يحمل 17 ألف تونسي صفة «متبرّع» على بطاقات تعريفهم الوطنية، وهو عدد ضعيف للغاية، حسب ما أكدته المنسّقة الوطنية والمسؤولة عن التحسيس بالمركز الوطني لزرع الأعضاء بثينة زنّاد.
وأفادت بثينة زنّاد، في تصريح لـ»الصباح»، أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، تم الحصول على موافقة 10 عائلات تونسية للتبرّع بأعضاء أبنائها الذين كانوا في حالة وفاة دماغية. وبفضل ذلك، تمكنت الفرق الطبية المختصة من إجراء 30 عملية زرع أعضاء، توزعت بين 17 عملية زرع كلى، و7 عمليات زرع كبد، و6 عمليات زرع قلب.
وذكرت زنّاد أن قائمة الانتظار الخاصة بالمرضى الذين هم في حاجة إلى عمليات زرع كِلى تبلغ إلى حد الآن 1530 شخصا، وهي قائمة مرشّحة للارتفاع، باعتبار أن مريض القصور الكلوي له وسيلة علاجية متمثلة في التصفية، مع ما تحمله من إشكاليات وتداعيات صحية.
وأضافت أن فترة انتظار المرضى تمتد في كثير من الأحيان إلى سنوات، وغالبا ما يكون المتبرّع أحد أفراد العائلة. أمّا بالنسبة لمرضى القلب والكبد، فبيّنت أن عدم وجود متبرّع يعني وفاتهم في خضمّ صراعهم مع المرض، مشيرة إلى أنّ هناك سنويا ما بين 50 و60 مريضا في حاجة إلى متبرّع لزرع كبد أو قلب.
وبينت المنسّقة الوطنية والمسؤولة عن التحسيس بالمركز الوطني لزرع الأعضاء أن 16 مؤسسة استشفائية أصبحت اليوم قادرة على أخذ الأعضاء. وحسب الاختصاص، هناك 6 مؤسسات لها ترخيص لزراعة الكلى، و4 مؤسسات لزراعة القلب، و4 مؤسسات لزراعة الكبد.
واعتبرت الدكتورة زنّاد أن ثقافة التبرّع بالأعضاء ما تزال منقوصة للغاية لدى التونسيين، رغم التحسّن النسبي المسجّل. فبالمقارنة مع الدول المجاورة، تُعدّ تونس الدولة الوحيدة التي يسمح قانونها بأخذ الأعضاء من المتوفى دماغيا، في حين أن دولا مثل الجزائر ومصر تقتصر على المتبرّع الحي فقط. وهو ما يعكس أن ثقافة التبرّع بالأعضاء بدأت تتحسن في تونس.
وللإشارة، ووفقا للمعطيات المقدّمة من قبل المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، فقد سمحت 19 عائلة تونسية خلال سنة 2024 بأخذ أعضاء من أبنائها الذين توفوا دماغيا، وهو ما مكّن من القيام بـ52 عملية زرع أعضاء، توزعت بين 11 عملية زرع قلب، و7 عمليات زرع كبد، و34 عملية زرع كلى. ورغم أهمية هذه الأرقام، فإنها تبقى محدودة مقارنة بعدد المرضى الذين ما زالوا في انتظار متبرّع في تونس، فضلًا عن الفارق الكبير مع الدول المتقدمة، حيث ما تزال ثقافة التبرّع ضعيفة في صفوف التونسيين والتونسيات، وكثير من العائلات ترفض السماح بأخذ الأعضاء.
وفي ما يتعلّق بعمليات زراعة الأعضاء المسجّلة سنويا، أوضحت الدكتورة بثينة زنّاد أنه، إضافة إلى عدد العمليات التي يتم إجراؤها بفضل تبرّع المتوفين دماغيا والتي تتراوح بين 12 و15 حالة سنويا، هناك حالات التبرّع الحي التي تخصّ الكلى وجزءا من الكبد. وليس جميع المرضى قادرين على الحصول على متبرّع حي، إذ يشترط في ذلك صلة القرابة، وسلامة المتبرّع، وعدم حمله أمراضا وراثية أو مزمنة قد تتسبب في تعكّر حالته الصحية بعد التبرّع. في المقابل، لا يمكن الحصول على القلب أو القرنية أو غيرها من الأعضاء إلا من شخص في حالة وفاة دماغية.
وتحتفي تونس، على غرار بقية الدول، باليوم العالمي والعربي للتحسيس بالتبرّع بالأعضاء، الذي يتوافق مع يوم 17 أكتوبر من كل سنة. وقد مكّنت الحملات التحسيسية المنتظمة بمناسبته من تسجيل 2000 شخص عبّروا عن نيتهم تسجيل صفة «متبرّع» على بطاقات تعريفهم الوطنية.
ريم سوودي
——————
——————————
والدة طالبة الطب الموقوفة بروسيا لـ«الصباح»:
جلسة التحقيق الأولى لابنتي يوم 23 أكتوبر بعد 7 أشهر من الإيقاف.. وأناشد رئيس الجمهورية التدخل لإنقاذها
أكدت والدة طالبة الطب التونسية الموقوفة في روسيا منذ أشهر، في ندوة صحفية عقدتها العائلة بمقر النقابة الوطنية للصحفيين، أن ابنتها، وبعد أشهر من الإيقاف دون أسباب واضحة، ستخضع لجلسة تحقيق أولى يوم 23 أكتوبر الجاري بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية. كما ستكون هناك جلسة استئناف قبل ذلك بيوم للنظر في قرار إيقافها، بعد أن تم التمديد فيه في جلسة سابقة.
وتقول الأم شيراز الإدريسي: «ابنتي موقوفة منذ 7 أشهر، ومؤخرًا تم منع دخول بعض الأغراض من أكل ولباس إليها... حالتها النفسية تدهورت، وأحلامها في نيل شهادة الطب التي كانت تحلم بها ضاعت. نحن كعائلة لم يبق لنا من أمل سوى تدخل رئيس الجمهورية لإنقاذ ابنتي من الظلم والمصير المأساوي الذي تواجهه».
وتعود قضية الطالبة “س. م” إلى أواخر شهر فيفري الماضي، عندما تم إيقافها في أحد سجون مدينة سانت بطرسبرغ الروسية على خلفية قضية ما تزال تفاصيلها وملابساتها غامضة إلى اليوم. فقد سافرت الطالبة إلى روسيا للدراسة في كلية الطب، لكنها تحوّلت إلى مشتبه بها قيد الإيقاف في أحد السجون الروسية، ووجدت نفسها ضحية مظلمة، وفق ما تؤكده عائلتها المتمسكة ببراءتها وبضرورة تدخل الدولة التونسية لإنقاذ ابنتهم التي تواجه مصيرًا مجهولًا على بعد آلاف الأميال من أرض الوطن.
كيف تحوّل حلم طالبة تونسية إلى كابوس؟ وكيف تم التغرير بها لتتحول من طالبة مجتهدة في كلية الطب بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية، بشهادة المشرفين على الكلية، إلى ملاحقة أمام القضاء الروسي بتهم تحوم حولها شكوك عدّة؟ وماذا فعلت هذه الطالبة لتجد نفسها رهن الإيقاف طيلة أشهر؟
كل هذه الأسئلة لا تجد لها العائلة أجوبة منطقية أو مقنعة، بسبب تضارب الروايات والقرائن في قضية ابنتهم، وبسبب عدم التحرك الفعلي لمصالح وزارة الخارجية في روسيا، كما تؤكد أم الطالبة. وتشير العائلة إلى وجود شكوك قوية في أن تكون القضية مدبّرة بهدف ابتزازهم، والحصول على أموال من قبل شبكات إجرامية تنشط في اصطياد الطلبة واستغلال حاجتهم أحيانًا إلى عمل مؤقت لتأمين مصاريفهم الدراسية والمعيشية في بلد غريب.
7 أشهر من الإيقاف..
بعد إيقاف الطالبة، سافرت والدتها إلى روسيا وبقيت هناك عدة أشهر في محاولة منها لإنقاذ ابنتها عبر المسارات القانونية والقضائية، لكنها فوجئت بكثير من الصعوبات والتعقيدات، وبغياب الوضوح والجدية في التعامل مع القضية.
وتحدثت والدة الطالبة بكثير من الفخر والمرارة أيضًا عن ابنتها، حيث قالت لـ«الصباح»: «ابنتي كانت مجتهدة، وكان حلمها دراسة الطب بعد حصولها على شهادة البكالوريا. نسقنا الأمر مع أحد المكاتب المختصة في مساعدة الطلبة التونسيين على الدراسة في الخارج، وقد ساعدت ابنتي على الالتحاق بكلية الطب في سانت بطرسبرغ. كانت سعيدة بتحقيق حلمها، ومنحتها الجامعة التي تدرس فيها شهادة تثبت اجتهادها وحسن سلوكها. لكن ما راعنا أن ابنتي أصبحت رهن الإيقاف في أحد مراكز الاحتفاظ هناك منذ مارس الماضي بسبب جملة من التهم الغريبة وغير المنطقية».
وتضيف شيراز الإدريسي: «بسبب ما حدث مع ابنتي، تركت عملي وبيتي في تونس والتحقت بها هناك، وتشّتت عائلتنا. بقيت هناك لأشهر أحاول وحدي إيجاد حل لمأساة ابنتي في بلد غريب لا أتقن حتى لغته. أما سبب التهم التي لاحقتها فهو أنها وجدت عرض شغل على الإنترنت من شركة ترغب في توظيف أشخاص في وظيفة توصيل أموال، وهو نشاط مسموح به في سانت بطرسبرغ. لكن بعد ذلك تم إيقافها بسبب هذا النشاط، ووجهت إليها تهم بالتحيل. ورغم تكليف محامٍ روسي وتقديمه كل المؤيدات التي تدحض التهم الموجهة إلى الطالبة، إلا أن تقريره تم تجاهله ولم يُدرج في ملف الأبحاث».
وتؤكد والدة الطالبة أنها لم تتمكن من زيارتها في مركز الإيقاف إلا بعد جهد كبير ولعدد محدود من المرات. كما تشير العائلة إلى صعوبة تفاعل القنصلية التونسية في روسيا مع وضعية ابنتهم إلى اليوم، وإلى أن التعاطي مع قضيتها كان دون المأمول من عائلة كانت تنتظر مساندة البعثة الدبلوماسية التي تمثل كل التونسيين في الخارج وتحميهم من أي إجحاف قد يطالهم.
كما لم تنفِ العائلة تعرضها للابتزاز من أشخاص مجهولين في روسيا مقابل إطلاق سراح ابنتهم، بعد تعثر قضيتها ورفض الإفراج عنها أو حتى إبقائها في حالة سراح إلى حين البت في القضية. إذ اتصل أحد الأشخاص بوالدة الطالبة وطلب منها دفع مليون روبل روسي مقابل إطلاق سراحها، وهو ما عزز شكوك العائلة في أن الإيقاف كان عملية مدبرة هدفها الابتزاز المالي.
موقف وزارة الخارجية
وفي مراسلة سابقة، أكدت وزارة الشؤون الخارجية، في ردها على سؤال «الصباح» حول قضية الطالبة التونسية بموسكو، والتي لم يطرأ أي تغيير على وضعيتها إلى اليوم، أن مصالح السفارة التونسية بموسكو «تقوم بالاتصال بصفة مستمرة بالسلطات الروسية المختصة قصد ضمان ظروف إيقاف ملائمة للمواطنة س. م تحفظ كرامتها في انتظار البت في قضيتها، وأن المصلحة القنصلية للسفارة تعمل على ترتيب زيارة قنصلية لها بمقر الإيقاف، وأن الوزارة ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بضمان تأمين حقوق الطالبة التونسية».
منية العرفاوي
————————
———————
باحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل لـ«الصباح»:
الجمع بين الإصلاح والتفكيك وإعادة البناء الحل الأمثل لأزمة المجمع الكيميائي بقابس
* إصلاح المجمع الكيميائي بقابس يحتاج الى ما بين 500 و700 مليون دولار
* التفكيك وإعادة البناء يتطلب تمويلات بحوالي 2 مليار دولار
* إحداث مجمع جديد سيقلص التلوث بنسبة 90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس
احتجاجات في قابس ومطالب بإيجاد حل عاجل للغازات المنبعثة من المجمع الكيميائي، إثر تتالي حالات الاختناق في صفوف التلاميذ نتيجة الأزمة البيئية والصناعية العميقة الناتجة عن تراكم المشاكل التقنية والتلوث الذي يسببه المجمع الكيميائي التابع للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT). ومن أبرز المطالب التي رفعها المحتجون إيقاف المجمع عن النشاط إلى حين القضاء على أسباب الانبعاثات المتسببة في أضرار صحية وبيئية جسيمة.
«الصباح»، ومن خلال هذا المقال، استطلعت رأي الأستاذ بجامعة «السوربون» والباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل وسام الأسود، بشأن الحلول الممكنة لإنهاء هذا الكابوس الذي يؤرق أهالي قابس وتكلفته على المجموعة الوطنية.
حيث شرح الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية الوضع في قابس قائلا: «إن المجمع الكيميائي يُعد مصدرا رئيسيا للصادرات التونسية، إلا أن ما يتسبب فيه من تسرب لغاز الأمونياك وتراكم الفوسفوجيبس في البحر، وتلوث التربة والمياه، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والسرطانية بين السكان».
واعتبر مصدرنا أن إسداء رئيس الجمهورية تعليماته بتوجيه فريق مشترك من وزارتي الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة البيئة إلى معمل الحامض الفسفوري بالمجمع الكيميائي بقابس لإصلاح ما يجب إصلاحه في أسرع وقت، ومتابعته للوضع بصفة مستمرة، والوقوف على عديد الإخلالات سواء في عمليات الصيانة والتشغيل التي أدت إلى تسربات الغاز أو في مستوى عدم إجراء الاختبارات المطلوبة على المعدات في المواعيد المحددة، وتشديده على الإسراع بوضع خطة استراتيجية لوضع حد نهائي لهذه الكوارث البيئية، يُعد خطوة مهمة جدًا.
وشرح وسام الأسود لـ«الصباح» أن الحكومة التونسية أمام خيارين رئيسيين لمواجهة هذه الأزمة، مع مراعاة التوازن بين الاستدامة البيئية والحفاظ على الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على صناعة الفسفاط.
وأوضح أن الخيار الأول يتمثل في الإصلاح والتحديث الشامل من خلال إصلاح الوحدات الإنتاجية الحالية ورفع كفاءتها، مع تحديث أنظمة السلامة والبيئة وإعادة تشغيل الوحدات المتوقفة.
وقدّر مصدرنا تكلفة هذه العملية بما بين 500 و700 مليون دولار، مؤكدا أن هذا الخيار من شأنه تحسين الوضع نسبيا، خاصة من خلال تركيب أنظمة تصفية لإعادة استعمال المياه وتقليل النفايات. وهو ما خُطط له، وفق الأسود، في مشروع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع شركة فسفاط قفصة، مبينًا أن تكلفة المشروع تُقدر بـ110 ملايين يورو للفترة 2025-2026، وفق تقرير EBRD لسنة 2025.
وبيّن أن هذا الخيار من شأنه أن يحل الأزمة في قابس نسبيا، كما سيجنب فقدان حوالي 27 ألف شخص في قفصة وقابس لوظائفهم.
وفي ما يتعلق بالخيار الثاني، فيتمثل حسب مصدرنا في التفكيك وإعادة البناء الكامل للمجمع الكيميائي بقابس، وفق معايير دولية متقدمة تكنولوجيا وبيئيا.
وقدّر الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية تكلفة المشروع بما بين 1.5 و2 مليار دولار، معتبرا أن الدخول في شراكات استراتيجية مع دول آسيوية مثل الصين، الرائدة في إنتاج الفسفاط، واليابان وكوريا الجنوبية المتخصصتين في التقنيات النظيفة، يمثل أحد أهم الخيارات الاستراتيجية لإحداث مجمع جديد بمواصفات تكنولوجية وتقنية متطورة.
واعتبر أن هذا المشروع قادر على حل أزمة التلوث في قابس من جذورها، عبر معالجة الفوسفوجيبس وخفض الانبعاثات بتكنولوجيا الجيل الثالث، مشيرا إلى أن تجسيد المشروع على أرض الواقع يتطلب تمويلا دوليا، على غرار التمويلات التي يمكن الحصول عليها من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
وأردف الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل مبينا أن المشروع سيتيح إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مما سيعزز عائدات تونس من التصدير.
الجمع بين الخيارين… حل أمثل
واعتبر وسام الأسود، أستاذ وباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، لـ«الصباح» أن الحل الأمثل هو الجمع بين الخيارين، حتى لا تتكبد تونس خسائر بسبب توقف عمل المجمع وخسارة آلاف العمال لوظائفهم.
وأكد في هذا الصدد أهمية الانطلاق الفوري في الإصلاح لتقليص المخاطر البيئية وحماية مواطن الشغل، بالتوازي مع إعداد رؤية انتقالية نحو بناء مجمع جديد نظيف ومتطور. وشدد على أن الجمع بين ما هو عاجل، وهو الإصلاح، وما هو استراتيجي على المدى البعيد، وهو إعادة البناء، هو السبيل الواقعي لتحقيق العدالة البيئية والنجاعة الاقتصادية معًا.
وأكد الباحث أن من أهم الخطوات لإنهاء أزمة التلوث في كل من قابس وقفصة، تجميع كل وحدات المجمع الكيميائي التونسي في مجمع صناعي واحد حديث خارج المناطق السكنية، لضمان السلامة والفعالية، على أن يتم التنفيذ بخطة انتقالية دقيقة وتمويل أخضر يضمن حماية المنطقة من التلوث واستدامة النشاط الصناعي.
وفي شرحه لكل خيار بحساب الأرقام، بيّن أن الإصلاح والتحديث أقل كلفة، إذ يُقدّر بنحو 0.6 مليار دولار، لكنه يحقق فوائد محدودة نسبيا تبلغ 60 نقطة على مقياس الفوائد المجمعة، مع زيادة إنتاجية بين 10 و15 % وتقليص التلوث بنسبة تتراوح بين 20 و30 % دون معالجة جذرية.
وفي المقابل، بيّن أن خيار التفكيك وإعادة البناء يتطلب استثمارًا أكبر بنحو 1.75 مليار دولار، إلا أنه يحقق نتائج باهرة تبلغ 90 نقطة على مقياس الفوائد، مع زيادة في الإنتاجية بين 40 و60 %، وبعائدات سنوية تُقدّر بـ2.7 مليار دولار، بالإضافة إلى تقليص التلوث بنسبة تصل إلى
90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس.
وختم وسام الأسود، الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، مؤكدا أن الخيار الثاني، وهو خيار التفكيك وإعادة الإحداث، ورغم ارتفاع كلفته، يُعد الخيار الأكثر جدوى واستدامة على المدى الطويل بفضل تفوقه البيئي والاقتصادي الواضح، إلا أن الجمع بين الخيارين يبقى ضروريا من أجل تقليص الانبعاثات الضارة من جهة، والحفاظ على مواطن الشغل والعائدات المالية للمجمع من جهة أخرى، مع الانطلاق في إعداد استراتيجيات انتقالية مدروسة لإعادة البناء، بما يحقق تحولاً جذريًا يتماشى مع خطة الحكومة 2025-2030 التي تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 14 مليون طن بحلول سنة 2030.
حنان قيراط
