فلسفة العطلة الصيفية ليست اعتباطية وهي ليست معدّة فقط للراحة
بقلم: ريم بالخذيري
عطلة الصيف في تونس تمتدّ تقريبا على ثلاثة أشهر وتفوق ذلك عند البعض من المستويات التعليمية وهي تعادل ثلث السنة الدراسية وبالتالي فهي مهمةّ جداّ من حيث استغلالها الاستغلال الأمثل فهي علميا ينظر اليها أنها ضرورية لأسباب سنأتي على ذكرها لاحقا. في حين تعتبرها عدد من الدراسات النفسية تحمل من المضار أكثر مما تحمل من المنافع على التلاميذ اذا لم يتم استغلالها جيدا فيما ينفعهم و ليس أن يتمّ استغلالهم في العمل .وهو موضوعنا الرئيسي الذي سنتحدث عنه بعد أن تحوّل الى ظاهرة خطيرة في تونس .
فلسفة العطلة الصيفية
كلّ الدول بلا استثناء تمكن تلاميذها وطلبتها ومدرسيها من عطلة صيفية تتباين في مدتها بين دولة وأخرى لكن معدّلها يتراوح بين الشهرين والثلاثة أشهر ففي فرنسا مثلا تبدأ العطلة الصيفية من 8 جويلية وإلى غاية 4 سبتمبر أما ألمانيا والنمسا والمملكة المتحدة فالعطلة الصيفية تحدّد حسب كلّ منطقة وخصوصياتها المناخية .
ويتمتع تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية في معظم أنحاء دول شرق أوربا بعطلة صيفية قد تمتد بين 12 و13 أسبوعا، وهي نفس المدة التي يستفيد منها التلاميذ خلال فصل الصيف في إيطاليا والبرتغال واسبانيا وعدد من دول البلقان.
ويتراوح متوسط عدد أسابيع العطلة الصيفية في المملكة المتحدة بين 6 و9 أسابيع، أي أقل بكثير مما هو عليه الحال في اسبانيا أو إيطاليا. أما عطلة التلاميذ الصيفية في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية فتتراوح بين 8 و9 أسابيع، بينما تصل إلى 7 أسابيع في مقاطعة ويلز.
وتعد العطلة في هولندا والدنمارك الأقصر بالمقارنة مع بقية الجيران في القارة الأوروبية حيث يتمتع التلاميذ بسبعة أسابيع فقط، وقد تتقلص العطلة إلى ستة أسابيع في بعض الأحيان.
وفي الدول العربية تتقارب مدة عطلة الصيف وهي تترواح بين ثلاثة أشهر و وثلاثة أشهر ونصف .
وفلسفة العطلة الصيفية ليست اعتباطية وهي ليس معدّة للراحة في حد ذاتها بل هي جزء لا يتجزّأ من نجاح المنظومة التربوية . ففيها يبتعد التلاميذ عن الروتين المدرسي ، وضغط الواجبات ، والتخفيف من أثر الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي قد يتعرض لها. كما تعدّ العطلة المدرسية فرصة للمّ الشمل العائلي وقضاء أطول وقت ممكن بين الأبناء وأوليائهم وحتى بين الأشقاء أنفسهم .
*العطلة في تونس
ينظر التونسيون الى العطلة الصيفية لأبنائهم من زوايا مختلفة حيث يدرك الأقلية قيمتها وتأثيرها النفسي على التلاميذ ولذلك يقومون ببرمجة أنشطة ترفيهية فيها سواء عبر تسجيلهم في نواد رياضية وثقافية وعلمية سواء بتحفيزهم على المطالعة وكذلك بمنحهم قسطا مهما من الترفيه كزيارة المعالم الأثرية والمدن السياحية .
أمّا الأغلبية من التونسيين فيعتبرون العطلة الصيفية مصدر إزعاج لهم بسبب حالة الفراغ التي يرمون فيها أبنائهم وهو ما يضطر هؤلاء الى الانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي ليلا ونهارا مع ينتج عن ذلك من مشاحنات عائلية. وبالتالي لا يستفيد هؤلاء التلاميذ من العطلة شيئا وهو ما يؤثر على حسن عودتهم الدراسية بعدها.
أمّا العائلات الميسورة فينظرون للعطلة الصيفية لأبنائهم على انها كثير من الترفيه وقليل من المراجعة والاستعداد للسنة الدراسية المقبلة.
لكن أخطر ما يتعرّض له التلاميذ في عطلة الصيف هو إجبارهم على العمل وإخراجهم مبكرا من بيئتهم الطبيعية والزج بهم في بيئة محفوفة بالمخاطر حتى لو كان العمل مع الأولياء أنفسهم. وتبرز هذه الظاهرة خاصة في المجتمعات والأوساط البيئية الفقيرة حيث تسعى الأسر الى استغلال أطفالها للعمل كما يتم استغلال هذه الفرص من طرف أٍرباب العمل الذين يشغّلون الأطفال فترة أطول وبأجر أقّل فضلا عن مختلف الاعتداءات التي يتعرضون لها تصل حدّ التحرّش والاغتصاب .
وتعدّ العطلة الصيفية فرصة للكثير من العائلات لتشغيل أبنائهم في مختلف المهن الصعبة والخطيرة تصل الى صيد العقارب والثعابين. والعمل تحت أشعة الشمس الحارقة وفي الورشات ومحطات الاستخلاص وعلى الطرقات. وقد تمّ تسجيل عديد الحوادث القاتلة ضحاياها أطفال مكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة والفضاءات العلمية والرياضية والثقافية كما ذكرنا. ولا تبرّر حاجة الأولياء الى المال ليلقوا بأبنائهم في التهلكة فضلا على أن تعوّد التلميذ على العمل في العطل يفقده الرغبة في الدراسة ويتسبب المال الذي يجنيه في تشجيعه على تعاطي التدخين والممنوعات .
والواقع أن التونسيين يقدمون على تشغيل أبنائهم لسببين على الأقل وفق دراسة ميدانية أعدتها المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط .
أولها: الحاجة للقليل من المال الذي يجنونه من وراء تشغيل أبنائهم. ومخاطره أكثر من منافعه .
ثانيها: ثقافة خاطئة وهي ضرورة أن يتعلّم الطفل "صنعة" بالتوازي مع دراسته ويتمّ الحاق هؤلاء بورش السيارات أو المخابز أو غيرها فيقضون الساعات الطوال في اليوم ولكن يتم استغلالهم وتشغيلهم في أشياء أخرى لا علاقة لها بالتعلّم. ويتحوّل هؤلاء الى خدم وعبيد عند أرباب العمل دون أن يكون لهم القدرة على الرفض خوفا من الوالدين.
تشغيلهم جريمة
من المعلوم أنّ كل أشكال تشغيل الأطفال مهما كانت دوافعها مرفوضة ومجرّمة بالقانون التونسي بل أنّ واجب الإشعار عن عمل الأطفال وتعرّضهم للانتهاكات محمول على كل مواطن وبالتالي التستر عن ذلك موجب للعقاب. وهو ما اقره الفصل 31 من مجلة حماية الطفل الذي جاء فيه: على كل شخص، بمن في ذلك الخاضع للسر المهني واجب إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك ما يهدّد صحة الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية.. ويكون إشعار مندوب حماية الطفولة وجوبا في جميع الحالات الصعبة (أبرزها تشغيل الأطفال والاتجار بهم) إذا كان الشخص الذي تفطّن لوجود هذه الحالة ممن يتولّى بحكم مهنته العناية بالأطفال ورعايتهم، كالمربين والأطباء وأعوان العمل الاجتماعي وغيرهم ممن تعهد لهم بوجه خاص وقاية الطفل وحمايته من كل ما من شأنه أن يهدد صحته أو سلامته البدنية أو المعنوية.
وبالتالي فمسؤولية التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة هي مسؤولية المجتمع كلّه. وتبقى المسؤولية الأهم ملقاة على عاتق الأولياء الذين وجب محاسبتهم بدورهم دفع أبنائهم الى مخاطر العمل ومشاقه. فالتعويل على الوعي وحده لم يعد كافيا. فالأولياء عليهم ان يدركوا أنّ أبناءهم أمانة المجتمع عندهم وليسوا ملكية فردية يتصرفون فيها كيفما يشاءون.
وعلى من يشغلهم أن يعي بأنه بصدد ارتكاب جريمة تصل الى تهمة الاتجار بالبشر.
فلسفة العطلة الصيفية ليست اعتباطية وهي ليست معدّة فقط للراحة
بقلم: ريم بالخذيري
عطلة الصيف في تونس تمتدّ تقريبا على ثلاثة أشهر وتفوق ذلك عند البعض من المستويات التعليمية وهي تعادل ثلث السنة الدراسية وبالتالي فهي مهمةّ جداّ من حيث استغلالها الاستغلال الأمثل فهي علميا ينظر اليها أنها ضرورية لأسباب سنأتي على ذكرها لاحقا. في حين تعتبرها عدد من الدراسات النفسية تحمل من المضار أكثر مما تحمل من المنافع على التلاميذ اذا لم يتم استغلالها جيدا فيما ينفعهم و ليس أن يتمّ استغلالهم في العمل .وهو موضوعنا الرئيسي الذي سنتحدث عنه بعد أن تحوّل الى ظاهرة خطيرة في تونس .
فلسفة العطلة الصيفية
كلّ الدول بلا استثناء تمكن تلاميذها وطلبتها ومدرسيها من عطلة صيفية تتباين في مدتها بين دولة وأخرى لكن معدّلها يتراوح بين الشهرين والثلاثة أشهر ففي فرنسا مثلا تبدأ العطلة الصيفية من 8 جويلية وإلى غاية 4 سبتمبر أما ألمانيا والنمسا والمملكة المتحدة فالعطلة الصيفية تحدّد حسب كلّ منطقة وخصوصياتها المناخية .
ويتمتع تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية في معظم أنحاء دول شرق أوربا بعطلة صيفية قد تمتد بين 12 و13 أسبوعا، وهي نفس المدة التي يستفيد منها التلاميذ خلال فصل الصيف في إيطاليا والبرتغال واسبانيا وعدد من دول البلقان.
ويتراوح متوسط عدد أسابيع العطلة الصيفية في المملكة المتحدة بين 6 و9 أسابيع، أي أقل بكثير مما هو عليه الحال في اسبانيا أو إيطاليا. أما عطلة التلاميذ الصيفية في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية فتتراوح بين 8 و9 أسابيع، بينما تصل إلى 7 أسابيع في مقاطعة ويلز.
وتعد العطلة في هولندا والدنمارك الأقصر بالمقارنة مع بقية الجيران في القارة الأوروبية حيث يتمتع التلاميذ بسبعة أسابيع فقط، وقد تتقلص العطلة إلى ستة أسابيع في بعض الأحيان.
وفي الدول العربية تتقارب مدة عطلة الصيف وهي تترواح بين ثلاثة أشهر و وثلاثة أشهر ونصف .
وفلسفة العطلة الصيفية ليست اعتباطية وهي ليس معدّة للراحة في حد ذاتها بل هي جزء لا يتجزّأ من نجاح المنظومة التربوية . ففيها يبتعد التلاميذ عن الروتين المدرسي ، وضغط الواجبات ، والتخفيف من أثر الاضطرابات السلوكية والانفعالية التي قد يتعرض لها. كما تعدّ العطلة المدرسية فرصة للمّ الشمل العائلي وقضاء أطول وقت ممكن بين الأبناء وأوليائهم وحتى بين الأشقاء أنفسهم .
*العطلة في تونس
ينظر التونسيون الى العطلة الصيفية لأبنائهم من زوايا مختلفة حيث يدرك الأقلية قيمتها وتأثيرها النفسي على التلاميذ ولذلك يقومون ببرمجة أنشطة ترفيهية فيها سواء عبر تسجيلهم في نواد رياضية وثقافية وعلمية سواء بتحفيزهم على المطالعة وكذلك بمنحهم قسطا مهما من الترفيه كزيارة المعالم الأثرية والمدن السياحية .
أمّا الأغلبية من التونسيين فيعتبرون العطلة الصيفية مصدر إزعاج لهم بسبب حالة الفراغ التي يرمون فيها أبنائهم وهو ما يضطر هؤلاء الى الانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي ليلا ونهارا مع ينتج عن ذلك من مشاحنات عائلية. وبالتالي لا يستفيد هؤلاء التلاميذ من العطلة شيئا وهو ما يؤثر على حسن عودتهم الدراسية بعدها.
أمّا العائلات الميسورة فينظرون للعطلة الصيفية لأبنائهم على انها كثير من الترفيه وقليل من المراجعة والاستعداد للسنة الدراسية المقبلة.
لكن أخطر ما يتعرّض له التلاميذ في عطلة الصيف هو إجبارهم على العمل وإخراجهم مبكرا من بيئتهم الطبيعية والزج بهم في بيئة محفوفة بالمخاطر حتى لو كان العمل مع الأولياء أنفسهم. وتبرز هذه الظاهرة خاصة في المجتمعات والأوساط البيئية الفقيرة حيث تسعى الأسر الى استغلال أطفالها للعمل كما يتم استغلال هذه الفرص من طرف أٍرباب العمل الذين يشغّلون الأطفال فترة أطول وبأجر أقّل فضلا عن مختلف الاعتداءات التي يتعرضون لها تصل حدّ التحرّش والاغتصاب .
وتعدّ العطلة الصيفية فرصة للكثير من العائلات لتشغيل أبنائهم في مختلف المهن الصعبة والخطيرة تصل الى صيد العقارب والثعابين. والعمل تحت أشعة الشمس الحارقة وفي الورشات ومحطات الاستخلاص وعلى الطرقات. وقد تمّ تسجيل عديد الحوادث القاتلة ضحاياها أطفال مكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة والفضاءات العلمية والرياضية والثقافية كما ذكرنا. ولا تبرّر حاجة الأولياء الى المال ليلقوا بأبنائهم في التهلكة فضلا على أن تعوّد التلميذ على العمل في العطل يفقده الرغبة في الدراسة ويتسبب المال الذي يجنيه في تشجيعه على تعاطي التدخين والممنوعات .
والواقع أن التونسيين يقدمون على تشغيل أبنائهم لسببين على الأقل وفق دراسة ميدانية أعدتها المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط .
أولها: الحاجة للقليل من المال الذي يجنونه من وراء تشغيل أبنائهم. ومخاطره أكثر من منافعه .
ثانيها: ثقافة خاطئة وهي ضرورة أن يتعلّم الطفل "صنعة" بالتوازي مع دراسته ويتمّ الحاق هؤلاء بورش السيارات أو المخابز أو غيرها فيقضون الساعات الطوال في اليوم ولكن يتم استغلالهم وتشغيلهم في أشياء أخرى لا علاقة لها بالتعلّم. ويتحوّل هؤلاء الى خدم وعبيد عند أرباب العمل دون أن يكون لهم القدرة على الرفض خوفا من الوالدين.
تشغيلهم جريمة
من المعلوم أنّ كل أشكال تشغيل الأطفال مهما كانت دوافعها مرفوضة ومجرّمة بالقانون التونسي بل أنّ واجب الإشعار عن عمل الأطفال وتعرّضهم للانتهاكات محمول على كل مواطن وبالتالي التستر عن ذلك موجب للعقاب. وهو ما اقره الفصل 31 من مجلة حماية الطفل الذي جاء فيه: على كل شخص، بمن في ذلك الخاضع للسر المهني واجب إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك ما يهدّد صحة الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية.. ويكون إشعار مندوب حماية الطفولة وجوبا في جميع الحالات الصعبة (أبرزها تشغيل الأطفال والاتجار بهم) إذا كان الشخص الذي تفطّن لوجود هذه الحالة ممن يتولّى بحكم مهنته العناية بالأطفال ورعايتهم، كالمربين والأطباء وأعوان العمل الاجتماعي وغيرهم ممن تعهد لهم بوجه خاص وقاية الطفل وحمايته من كل ما من شأنه أن يهدد صحته أو سلامته البدنية أو المعنوية.
وبالتالي فمسؤولية التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة هي مسؤولية المجتمع كلّه. وتبقى المسؤولية الأهم ملقاة على عاتق الأولياء الذين وجب محاسبتهم بدورهم دفع أبنائهم الى مخاطر العمل ومشاقه. فالتعويل على الوعي وحده لم يعد كافيا. فالأولياء عليهم ان يدركوا أنّ أبناءهم أمانة المجتمع عندهم وليسوا ملكية فردية يتصرفون فيها كيفما يشاءون.
وعلى من يشغلهم أن يعي بأنه بصدد ارتكاب جريمة تصل الى تهمة الاتجار بالبشر.