يتوجه حوالي 61 مليون إيراني اليوم لصناديق الانتخابات لاختيار رئيس جديد لإيران عن طريق التصويت المباشر، خلفا للراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحية يوم 19 ماي الماضي.
وكانت مفوضية الانتخابات في إيران، قد أعلنت صباح أمس، عن يوم صمت انتخابي، والذي لم يكن أقل صخبا من الأيام التي شهدتها الحملة التي انطلقت يوم 12 من جوان الجاري واستمرت 16 يوما، وقضاها المرشحون الستة -الذين اعتمدهم مجلس صيانة الدستور- في عرض برامجهم الانتخابية على شتى الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسة الخارجية.
إذ شهدت إيران عشية الصمت الانتخابي، وفي يومه، انسحاب المرشحين المحافظين أمير حسين قاضي زاده هاشمي مساء أمس الأول، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني صباح أمس.
ويبدو أن هذا الانسحاب يأتي في إطار "حشد" المحافظين لصفوفهم، وخوفا من تشتت أصوات قواعدهم الانتخابية، خصوصا وأن هذه الانتخابات شهدت ترشح 5 محافظين مقابل مرشح إصلاحي وحيد، يبدو قريبا جدا من حسم السباق الرئاسي في مرحلته الأولى.
وباتت القائمة النهائية التي أقرها مجلس صيانة الدستور لرئاسة البلاد تضم 3 مرشحين من التيار المحافظ هم: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بورمحمدي، إضافة إلى مرشح وحيد للتيار الإصلاحي هو وزير الصحة السابق مسعود بزشكيان.
ويبدو أن هذا الأخير هو الأوفر حظا في هذه المرحلة من الانتخابات، حيث أشار استطلاع للرأي، أجراه مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني، إلى حصول بزشكيان على نسبة 23.5% من الأصوات، بحسب وكالة مهر الإيرانية للأنباء التي أوضحت أن قاليباف حصل على المركز الثاني بنسبة 16.9% متقدما على جليلي (16.3%).
ولا يبدو أن هذه النتائج بعيدة عن هواجس الناخب الإيراني، الذي يعاني منذ سنوات من ويلات الانحدار الاقتصادي الذي تشهده إيران، وخصوصا التضخم الذي ألهب الأسعار، بسبب الحصار الاقتصادي الذي تعيش فيه إيران منذ أكثر من عقدين، على خلفية العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والدول الغربية على خلفية برنامجها النووي.
هذا البرنامج الذي يمثل "المحور" الذي تدور حوله السياسة الخارجية الإيرانية، ويحدد الأجندة السياسية لطهران، كما يرسم "الثوابت و"المتحولات" التي تؤثث تكتيكات طهران الإقليمية في الشرق الأوسط، وارتباطاتها ضمن "محور المقاومة" في صراعها ضد الكيان المحتل، من قرارات زيادة التصعيد أو خفضه، حسب ما تفرضه "تحديات" المفاوضات النووية مع دول 5+1 (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا).
ويبدو أن المترشح الإصلاحي بزشكيان، هو الوحيد، من بين نظرائه المحافظين، الذي يسعى إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي الذي أمضاه الرئيس الأسبق حسن روحاني سنة 2015، وهذا ما يفهم على الأقل من إعلان دعم روحاني له، والذي أكد دعمه لهذا المرشح أنه "يتعين علينا التصويت لصالح شخص مصمم على إلغاء أي عقوبة على الشعب الإيراني، أطلب ممن يريدون إرساء علاقات بناءة مع العالم والاعتدال التصويت لصالح الدكتور بزشكيان.. إن هذا المرشح يريد في حال تم انتخابه إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى".
بزشكيان من جهته، دعا إلى تحسين العلاقات مع واشنطن وأوروبا لرفع العقوبات التي تؤثر بشدة على الاقتصاد، وهو ما يختلف حوله المرشحون المحافظون الآخرون الذين يعطون أولوية للتصعيد في الشرق الأوسط ويفرضون وجهة نظر متشددة من المفاوضات النووية، وأن الحل للاقتصاد يكمن في التفتح أكثر على العلاقات الثنائية مع الدول الآسيوية والعمل من خلال منظمة شنغهاي ومنظمة البريكس التي انضمت إليها إيران بداية هذا العام.
وبالرغم من أن اتخاذ القرارات في إيران يبقى من صلاحيات مرشد الثورة الإيرانية، حسب ما يفرضه النظام السياسي الإيراني، إلا أن للرئيس صلاحيات كبيرة تمكنه في الأخير من تحديد التكتيكات وراء الوصول للأهداف التي يحددها النظام الإيراني، والتي تتغير وفق متطلبات كل مرحلة.
ويبدو أن عنوان هذه المرحلة قد يكون "إصلاح الاقتصاد" وانفتاحه وهي مرحلة تفرض رؤية أقل تشددا من رؤية الأصوليين والمحافظين، وأكثر انفتاحا على "الآخر"، ما قد يمكن طهران من الاستفادة من عائدات أكبر من قطاع النفط والغاز، ودخول الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.
ولا يمكن إغفال التحركات التي قام بها المحافظون، في سبيل استمرار حكمهم لإيران، فالانسحاب التكتيكي الذي قام به مرشحان من هذا الجناح، قد توفر بعض الأصوات لصالح بقية المرشحين إلا أن تشتت الأصوات سيصبح أمرا واقعا، خصوصا فيما يتعلق بالمرشحين علي جليلي ومحمد باقر قاليباف الذين يظلان متقاربين في نوايا التصويت، في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.
وبالرغم من أنهما يبدوان مركزين على جذب أصوات الفئات العمرية المتقدمة والأكثر محافظة في إيران، إلا أنهما يصدمان بقوة تأثير خطاب الإصلاحي مسعود بزشكيان على الفئات الشابة، وخصوصا فيما يتعلق بالمقاربات الحقوقية، التي تمثل مطالب ملحة بالنسبة للشباب الإيراني الذي أطلق "انتفاضة واسعة" سنة 2022 كانت شعاراتها تتعلق بالحريات الأساسية وخصوصا فيما يتعلق بلبس الحجاب بالنسبة للمرأة وحرية التعبير والرأي، والتي انطلقت عقبَ مقتل الشابّة الإيرانيّة من أصل كردي مهسا أميني بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق بسبب "عدم ارتدائها الحجاب على الطريقة الإسلامية الصحيحة"، حسب تبرير جهاز الشرطة الإيرانية.
ويبدو أن هذه النقطة التي لعب على وترها بزشكيان، حيث انتقد –خلال حملته الانتخابية- السياسة المتشددة بشأن الحجاب، وتعهد بدعم حقوق المرأة وتحسين أوضاعها، واصفا مشروع البرلمان لفرض قواعد جديدة للحجاب إثر احتجاجات مهسا أميني بـ"الظلامي"، مضيفا خلال تجمع مع نساء إيرانيات "إذا جاءت النساء والفتيات الإيرانيات وأولئك الذين قاطعوا صناديق الاقتراع إلى صناديق الاقتراع، يمكننا على الأقل منع الاستبداد والنظرة الضيقة للطرف الآخر".
هذا القانون الجديد، الذي انتقده بزشكيان، كان محل دعم من المرشحين المحافظين الآخرين، وهذا يدل على "التباعد" الكبير، بين التيارين السياسيين، الإصلاحي والمحافظ، في وقت يبدو أن إيران تحتاج لـ"توحيد الجبهة الداخلية" لمواجهة التحديات الخارجية والمتمثلة –بجانب محورية الملف النووي- على لمواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتفق فيه جميع المترشحين، الذين عبروا عن دعمهم لرد إيران العسكري على اغتيال تل أبيب لـ16 مسؤولا في استهدافها للقنصلية الإيرانية بدمشق.
نزار مقني
يتوجه حوالي 61 مليون إيراني اليوم لصناديق الانتخابات لاختيار رئيس جديد لإيران عن طريق التصويت المباشر، خلفا للراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحية يوم 19 ماي الماضي.
وكانت مفوضية الانتخابات في إيران، قد أعلنت صباح أمس، عن يوم صمت انتخابي، والذي لم يكن أقل صخبا من الأيام التي شهدتها الحملة التي انطلقت يوم 12 من جوان الجاري واستمرت 16 يوما، وقضاها المرشحون الستة -الذين اعتمدهم مجلس صيانة الدستور- في عرض برامجهم الانتخابية على شتى الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسة الخارجية.
إذ شهدت إيران عشية الصمت الانتخابي، وفي يومه، انسحاب المرشحين المحافظين أمير حسين قاضي زاده هاشمي مساء أمس الأول، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني صباح أمس.
ويبدو أن هذا الانسحاب يأتي في إطار "حشد" المحافظين لصفوفهم، وخوفا من تشتت أصوات قواعدهم الانتخابية، خصوصا وأن هذه الانتخابات شهدت ترشح 5 محافظين مقابل مرشح إصلاحي وحيد، يبدو قريبا جدا من حسم السباق الرئاسي في مرحلته الأولى.
وباتت القائمة النهائية التي أقرها مجلس صيانة الدستور لرئاسة البلاد تضم 3 مرشحين من التيار المحافظ هم: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بورمحمدي، إضافة إلى مرشح وحيد للتيار الإصلاحي هو وزير الصحة السابق مسعود بزشكيان.
ويبدو أن هذا الأخير هو الأوفر حظا في هذه المرحلة من الانتخابات، حيث أشار استطلاع للرأي، أجراه مركز الأبحاث التابع لمجلس الشورى الإيراني، إلى حصول بزشكيان على نسبة 23.5% من الأصوات، بحسب وكالة مهر الإيرانية للأنباء التي أوضحت أن قاليباف حصل على المركز الثاني بنسبة 16.9% متقدما على جليلي (16.3%).
ولا يبدو أن هذه النتائج بعيدة عن هواجس الناخب الإيراني، الذي يعاني منذ سنوات من ويلات الانحدار الاقتصادي الذي تشهده إيران، وخصوصا التضخم الذي ألهب الأسعار، بسبب الحصار الاقتصادي الذي تعيش فيه إيران منذ أكثر من عقدين، على خلفية العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والدول الغربية على خلفية برنامجها النووي.
هذا البرنامج الذي يمثل "المحور" الذي تدور حوله السياسة الخارجية الإيرانية، ويحدد الأجندة السياسية لطهران، كما يرسم "الثوابت و"المتحولات" التي تؤثث تكتيكات طهران الإقليمية في الشرق الأوسط، وارتباطاتها ضمن "محور المقاومة" في صراعها ضد الكيان المحتل، من قرارات زيادة التصعيد أو خفضه، حسب ما تفرضه "تحديات" المفاوضات النووية مع دول 5+1 (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا).
ويبدو أن المترشح الإصلاحي بزشكيان، هو الوحيد، من بين نظرائه المحافظين، الذي يسعى إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي الذي أمضاه الرئيس الأسبق حسن روحاني سنة 2015، وهذا ما يفهم على الأقل من إعلان دعم روحاني له، والذي أكد دعمه لهذا المرشح أنه "يتعين علينا التصويت لصالح شخص مصمم على إلغاء أي عقوبة على الشعب الإيراني، أطلب ممن يريدون إرساء علاقات بناءة مع العالم والاعتدال التصويت لصالح الدكتور بزشكيان.. إن هذا المرشح يريد في حال تم انتخابه إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى".
بزشكيان من جهته، دعا إلى تحسين العلاقات مع واشنطن وأوروبا لرفع العقوبات التي تؤثر بشدة على الاقتصاد، وهو ما يختلف حوله المرشحون المحافظون الآخرون الذين يعطون أولوية للتصعيد في الشرق الأوسط ويفرضون وجهة نظر متشددة من المفاوضات النووية، وأن الحل للاقتصاد يكمن في التفتح أكثر على العلاقات الثنائية مع الدول الآسيوية والعمل من خلال منظمة شنغهاي ومنظمة البريكس التي انضمت إليها إيران بداية هذا العام.
وبالرغم من أن اتخاذ القرارات في إيران يبقى من صلاحيات مرشد الثورة الإيرانية، حسب ما يفرضه النظام السياسي الإيراني، إلا أن للرئيس صلاحيات كبيرة تمكنه في الأخير من تحديد التكتيكات وراء الوصول للأهداف التي يحددها النظام الإيراني، والتي تتغير وفق متطلبات كل مرحلة.
ويبدو أن عنوان هذه المرحلة قد يكون "إصلاح الاقتصاد" وانفتاحه وهي مرحلة تفرض رؤية أقل تشددا من رؤية الأصوليين والمحافظين، وأكثر انفتاحا على "الآخر"، ما قد يمكن طهران من الاستفادة من عائدات أكبر من قطاع النفط والغاز، ودخول الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.
ولا يمكن إغفال التحركات التي قام بها المحافظون، في سبيل استمرار حكمهم لإيران، فالانسحاب التكتيكي الذي قام به مرشحان من هذا الجناح، قد توفر بعض الأصوات لصالح بقية المرشحين إلا أن تشتت الأصوات سيصبح أمرا واقعا، خصوصا فيما يتعلق بالمرشحين علي جليلي ومحمد باقر قاليباف الذين يظلان متقاربين في نوايا التصويت، في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية.
وبالرغم من أنهما يبدوان مركزين على جذب أصوات الفئات العمرية المتقدمة والأكثر محافظة في إيران، إلا أنهما يصدمان بقوة تأثير خطاب الإصلاحي مسعود بزشكيان على الفئات الشابة، وخصوصا فيما يتعلق بالمقاربات الحقوقية، التي تمثل مطالب ملحة بالنسبة للشباب الإيراني الذي أطلق "انتفاضة واسعة" سنة 2022 كانت شعاراتها تتعلق بالحريات الأساسية وخصوصا فيما يتعلق بلبس الحجاب بالنسبة للمرأة وحرية التعبير والرأي، والتي انطلقت عقبَ مقتل الشابّة الإيرانيّة من أصل كردي مهسا أميني بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق بسبب "عدم ارتدائها الحجاب على الطريقة الإسلامية الصحيحة"، حسب تبرير جهاز الشرطة الإيرانية.
ويبدو أن هذه النقطة التي لعب على وترها بزشكيان، حيث انتقد –خلال حملته الانتخابية- السياسة المتشددة بشأن الحجاب، وتعهد بدعم حقوق المرأة وتحسين أوضاعها، واصفا مشروع البرلمان لفرض قواعد جديدة للحجاب إثر احتجاجات مهسا أميني بـ"الظلامي"، مضيفا خلال تجمع مع نساء إيرانيات "إذا جاءت النساء والفتيات الإيرانيات وأولئك الذين قاطعوا صناديق الاقتراع إلى صناديق الاقتراع، يمكننا على الأقل منع الاستبداد والنظرة الضيقة للطرف الآخر".
هذا القانون الجديد، الذي انتقده بزشكيان، كان محل دعم من المرشحين المحافظين الآخرين، وهذا يدل على "التباعد" الكبير، بين التيارين السياسيين، الإصلاحي والمحافظ، في وقت يبدو أن إيران تحتاج لـ"توحيد الجبهة الداخلية" لمواجهة التحديات الخارجية والمتمثلة –بجانب محورية الملف النووي- على لمواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتفق فيه جميع المترشحين، الذين عبروا عن دعمهم لرد إيران العسكري على اغتيال تل أبيب لـ16 مسؤولا في استهدافها للقنصلية الإيرانية بدمشق.