*الشاعر نزّاع إلى استكانه لكائنات الصوامت والبوح بخباياها . فيصبح الشعر صرخة الكائنات ولغة الشاعر موسيقاها التي على العالم أن يصغي إليها
*بقلم: د.الحبيب المبروك
تونس-الصباح
يقف الناظر في مدونة شمس الدين العوني الشعرية علي كتابة تضرب في مهمة اللغة وتنفذ إلى عميق الدلالات تشكلها على أنحاء متفردة تمنح النص وجود الجدة والإطراف. ومن آياتها ديوانه البكر "أمجد الهذيان" الذي نزع فيه إلى التعبير عن هموم الذات وهواجس الأمة بلغة لا تسكن إلى المألوف وتأبى إيقاع التفعيلة وتخيل الصور المتداولة للذائقة التقليدية بها، وإن استرفد بعضا مما جادت به قريحة رواد الشعر العربي الحديث .
وقد مكن هذا الديوان البكر صوت الشاعر من البروز في زمن سادت فيه أصوات شعرية تونسية وعربية متميزة .
إن الشاعر ينتفض على مقومات البيان كما عهدناها في البلاغة التقليدية ليجعل الكلام الشعري قادرا على كسر أطواق السائد وارتياد فضاء الجنون الخلاق: فينحت للهذيان الذي ترفضه النظم السائدة والسنن المتكلسة سبيلا إلى بوتقة الأدب ويصبح الهذيان رديفا للقول الحكيم وهكذا يسهم الشعر في تغيير المفاهيم والمشاعر في قلب المعادلات وإعادة بناء العالم .
اما في ديوانه الأخير "حدائق الشمس" إنما نتبين منزعا مختلفا في خلق "كوسموغونيا " جديدة وإنشاء عوالم ممكنة متخيلة تتداخل فيها عناصر الطبيعة وتتقاطع .
يجمع في لغة استعارية بين الخصب والنور.. جمعا يدعوك إلى رؤية الكون بعين الرؤيا فترفع عنك غشاوة الالفة والمعتاد وتفتق من الطبيعة عناصر جديدة ذات أبعاد أسطورية للشمس في نظام الشاعر التخييلي.. حدائق تجعلها بمرتبة الفضاء الفردوسي الذي طغى بنوره على الكوني .
و لايخفي على من قرأ دواوين "العوني" منجمة أو مجتمعة هذا الخيط الرهيف الذي لا ينجلي إلا بعد القراءة الفاحصة المتدبرة ومداره على إيحاء الشجر ومفرداته ومعانيه الثواني المعطوفة على القدسي الفردوسي، والظلال الملاذ والخصب الولود، والتجذر في الثرى رسوخا في التاريخ و البعث.
و هذه الدلالات مبثوثة في قصائده تشدها إلى قاع أسطوري و تضفي عليها جمالية لا تخلو من متعة و إلذاذٍ.
وهاهنا معقد الاشتغال على ديوانه المرتقب "من سيرة البستاني". فكيفما كانت المداخل اليها طالعك "الشعر معجما وتصويرا وتدلالاً ورمزا يحتكم القصيدة نسيجها ومبناها مثلما قد يكون لبنة لا غير من لبنات النص تثريه وتفتحه على أفاق متشعبة . و من الصنف الأقل يمكن أن نشير إلى قصيدة ومضة التي وسمها بعنوان "الشجرة "عنوان صيغ على هيئة العبارة المعرفة بالاف واللام الاستعرافية الاطلاقية للدلالة على جوهر لا عرض جوهر الشعر منذ القدم .
إن العنوان على انجازه يكثف الدلالة وينتج الإيحاء الذي يرسم افق التوقع ويستدعي ذائقة التقبل الى الانتباه الى الوشائج القائمة بين العنوان والمتن.
و قد يذهب في الظن أن القصيدة من فئة القصائد الموجهة للاطفال ولكن انعام البحث في طبقاتها يمنحك اليقين بانها تجبر عن تراجيديا موغلة في القدم "مثل جدة قديمة " "الشجرة تحكي شجنها للاغصان"
"تقص نواحها الخافت على الاوراق
هي تفعل كل ذلك
بينما حطابون ينعمون بموسيقى الفؤوس "
و اللافت أن الشاعر يخلع على الشجر بعض خواص الانسان "تحكي" و "تقص" فيؤنسنها ويمنحها القدرة على التعبير عن العواطف والاحاسيس في غنائية قوامها البوح بالمأساة .
و تشف عن هذا المعنى معبارات من قبيل "شجن" " نواح" "الحافت"، ولعل هذا الخفوت يعبر من عجز الشعر عن العبارة فتتعلق على ذاتها وتظل ماساتها حبيسة الاغصان والاوراق لا تتجاوزها إلى غيرها، ان هذا الصوت المكتوم ينطقه الشاعر في فضاء القصيدة فتعدو مجالا لمكاشفة محنة الكائنات الطبيعية في عالم يقهره الانسان وتغزوه المنافع والمطامع فيصبح الشعر نبض الالوان .
و هكذا تبنى جمالية القصيدة المماثلة أولى بين الشجرة و الجدة عنوان عراقة وأصالة ورسوخ في تربة الذاكرة والتاريخ، وعلى مقابلة ثانية بين قطبين متضادين الطبيعة والانسان، والحياة والموت، والخصوبة الجدب، والجمال والقبح.
إن شمس الدين العوني لا يهتم كثيرا بتزويق العبارة وتجميل الخطاب بفنون البلاغة والبديع بل يهمه ايقاع الصور وموسيقى الافكار، ولعله بذلك يوعز للقارئ العربي اليوم الى التعامل النقدي مع النص الشعري بذائقة مختلفة يحتفي بطرائق تشكيل المعني والنفاذ إلى طبقاته العميقة دون الهوس بجمال العبارة واللعب اللغوي والتمني في التصوير حد التصنيع .
و قيمة هذا الأسلوب في الكتابة انه يعبر عن مشاغل العصر والقضايا الحارقة الراهنة بلغة العصر باعتماد التكثيف والانحناء والترميز اعتمادا استهدى بفن الاقصوصة، ولاتخلو القصيدة من سردية أسهمت في بناء النص وخلقت دلالات معاصرة مفادها الصراع بين الطبيعة والانسان .
ان هذه القصيدة اللتي تحكي تراجيديا الشعر تحاورها في الديوان قصيدة بعنوان "قالت أمي (فاطمة)" تمثل منها الوجه الاخر انها الملحمة ملحمة الانسان في الوجود يقول :
"كن لحنا ابديًا
مثل أمك و أبيك
لا تدع قلبك نهر حجر
جهز ضلالك للاخرين
و كمن حليف الشجرة "
يتفرد هذا النص على إيجازه وقرب العبارة فيه ودلالة اللفظ على المعنى دون مواربة أوغموض اتخذه شكل القصيدة الوصية" هي بمثابة الشعار يرفعه صوت الشاعر صرخة مدوية للانسانية جمعاء .
لا تعنى الشجرة علامة على الطبيعة والبيئة فقط بل هي رمز لمعان شتى متراكبة متضافرة ينشد بعضها اللا رقاب بعض . الخصوبة والحياة والولادة والرعاية والحماية والجمال والقداسة والالفة بين الالاّف .
و متى يهمنا الى الصنف الثاني من القصائد حيث الشجرة مكون من مكونات الكون الشعري وعنصر من عناصره العديدة انتبهنا الى تواتر صورة شعرية يضفي بمقتضاها على الشجر مشاعر الالم والالتياع . يطالعنا قوله في "من يسأل ؟"
من بوسعه ان يسأل عصفورا
عن احواله
بستانيا عن أيامه
طفلا عن لعبه
و من في وسعه أن يسأل
فأسا عن دموعها و عن
أشجان الشجرة "
يبدو الشاعر كلفا بصورة الشجر المتألم و كأنها تعبر في تقديره عن مأساة العالم . وكأننا بالشاعر نزّاع الى استكانه لكائنات الصوامت و البوح بخباياها . فيصبح الشعر صرخة الكائنات ولغة الشاعر موسيقاها التي على العالم ان يصغي اليها .
أوانظره في نص انبنى على افتراض ممتنع "ماذا لو ..." " أن تتخيل شجرة تحظر مسرحية وبأغصانها لوعة الفراق"
صورة شعرية طريفة غريبة تكاد تلامس العجيب وتزفك في عوالم الفانتستيكي وهذا نهج في نحت القول الشعري تعزز في الدواوين الاخيرة للشاعر حتى الفيناه يبحث عن الاتيان بصور غريبة تسم النص بالغموض وتلك من خصائص الحداثة الشعرية لاريب .
و الذي شدنا في قصيدة عنوانها مبتور "يعزف " الجمع بين الصمت والشجر على نحو لا يجعل القراءة ميسورة من الوهلة الاولى " هو يعزف أبجديات الصمت
يبحث لها عن وطن في جسده
ينحت لها جاهدا
شجرة يسميها احيانا الوقت"
في الظاهر يعسر ان نجد الروابط بين الصمت وشجرة الوقت ولكن رفع الحجب عن المداليل المعجمية إلى المعاني الرمزية الحافلة بالايحاء قد يفضي بنا إلى أن عازف أبجديات الصمت يبحث عن وطن لهذه اللغة الجديدة وعن عائلة لها وأصل وتاريخ . فالصمت لا يعني عند الشاعر الاستكانة والخضوع والعجز عن الكلام والمواجهة بل هو ضرب من ضروب الإقامة في الكون ورؤيته الى العالم .
ألم يقل في ديوانه "سيكون هناك سبب"
"الصمت نصف المعجزة " و في مقام اخر يمجد الصمت
" لا أجد أرحب من الصمت في هذا ... الضيق"
هذه اطلالة اولى ابينا فيها الصمت عن جمالية الخطاب الشعري الذي يكتبه "شمس الدين العوني " بلغة متفردة تنحو منحى قصيدة النشر . و لكنها لا تعني تجاوز الكثير من مأزقها و مشاقها .
يهتم بالايقاع ولكنه يحفل اكثر بايقاع الفكرة و موسيقى المعاني .
و ميزة ما يكتب نفاذه الى بناء تصاوير مخيلة تسبر اغوار الكائنات وتقيم بينها علاقات لا يقدر على استبانتها واستشفافها الا الشعراء ديوان جدير بالقراءة والمحاورة و النقد .
*الشاعر نزّاع إلى استكانه لكائنات الصوامت والبوح بخباياها . فيصبح الشعر صرخة الكائنات ولغة الشاعر موسيقاها التي على العالم أن يصغي إليها
*بقلم: د.الحبيب المبروك
تونس-الصباح
يقف الناظر في مدونة شمس الدين العوني الشعرية علي كتابة تضرب في مهمة اللغة وتنفذ إلى عميق الدلالات تشكلها على أنحاء متفردة تمنح النص وجود الجدة والإطراف. ومن آياتها ديوانه البكر "أمجد الهذيان" الذي نزع فيه إلى التعبير عن هموم الذات وهواجس الأمة بلغة لا تسكن إلى المألوف وتأبى إيقاع التفعيلة وتخيل الصور المتداولة للذائقة التقليدية بها، وإن استرفد بعضا مما جادت به قريحة رواد الشعر العربي الحديث .
وقد مكن هذا الديوان البكر صوت الشاعر من البروز في زمن سادت فيه أصوات شعرية تونسية وعربية متميزة .
إن الشاعر ينتفض على مقومات البيان كما عهدناها في البلاغة التقليدية ليجعل الكلام الشعري قادرا على كسر أطواق السائد وارتياد فضاء الجنون الخلاق: فينحت للهذيان الذي ترفضه النظم السائدة والسنن المتكلسة سبيلا إلى بوتقة الأدب ويصبح الهذيان رديفا للقول الحكيم وهكذا يسهم الشعر في تغيير المفاهيم والمشاعر في قلب المعادلات وإعادة بناء العالم .
اما في ديوانه الأخير "حدائق الشمس" إنما نتبين منزعا مختلفا في خلق "كوسموغونيا " جديدة وإنشاء عوالم ممكنة متخيلة تتداخل فيها عناصر الطبيعة وتتقاطع .
يجمع في لغة استعارية بين الخصب والنور.. جمعا يدعوك إلى رؤية الكون بعين الرؤيا فترفع عنك غشاوة الالفة والمعتاد وتفتق من الطبيعة عناصر جديدة ذات أبعاد أسطورية للشمس في نظام الشاعر التخييلي.. حدائق تجعلها بمرتبة الفضاء الفردوسي الذي طغى بنوره على الكوني .
و لايخفي على من قرأ دواوين "العوني" منجمة أو مجتمعة هذا الخيط الرهيف الذي لا ينجلي إلا بعد القراءة الفاحصة المتدبرة ومداره على إيحاء الشجر ومفرداته ومعانيه الثواني المعطوفة على القدسي الفردوسي، والظلال الملاذ والخصب الولود، والتجذر في الثرى رسوخا في التاريخ و البعث.
و هذه الدلالات مبثوثة في قصائده تشدها إلى قاع أسطوري و تضفي عليها جمالية لا تخلو من متعة و إلذاذٍ.
وهاهنا معقد الاشتغال على ديوانه المرتقب "من سيرة البستاني". فكيفما كانت المداخل اليها طالعك "الشعر معجما وتصويرا وتدلالاً ورمزا يحتكم القصيدة نسيجها ومبناها مثلما قد يكون لبنة لا غير من لبنات النص تثريه وتفتحه على أفاق متشعبة . و من الصنف الأقل يمكن أن نشير إلى قصيدة ومضة التي وسمها بعنوان "الشجرة "عنوان صيغ على هيئة العبارة المعرفة بالاف واللام الاستعرافية الاطلاقية للدلالة على جوهر لا عرض جوهر الشعر منذ القدم .
إن العنوان على انجازه يكثف الدلالة وينتج الإيحاء الذي يرسم افق التوقع ويستدعي ذائقة التقبل الى الانتباه الى الوشائج القائمة بين العنوان والمتن.
و قد يذهب في الظن أن القصيدة من فئة القصائد الموجهة للاطفال ولكن انعام البحث في طبقاتها يمنحك اليقين بانها تجبر عن تراجيديا موغلة في القدم "مثل جدة قديمة " "الشجرة تحكي شجنها للاغصان"
"تقص نواحها الخافت على الاوراق
هي تفعل كل ذلك
بينما حطابون ينعمون بموسيقى الفؤوس "
و اللافت أن الشاعر يخلع على الشجر بعض خواص الانسان "تحكي" و "تقص" فيؤنسنها ويمنحها القدرة على التعبير عن العواطف والاحاسيس في غنائية قوامها البوح بالمأساة .
و تشف عن هذا المعنى معبارات من قبيل "شجن" " نواح" "الحافت"، ولعل هذا الخفوت يعبر من عجز الشعر عن العبارة فتتعلق على ذاتها وتظل ماساتها حبيسة الاغصان والاوراق لا تتجاوزها إلى غيرها، ان هذا الصوت المكتوم ينطقه الشاعر في فضاء القصيدة فتعدو مجالا لمكاشفة محنة الكائنات الطبيعية في عالم يقهره الانسان وتغزوه المنافع والمطامع فيصبح الشعر نبض الالوان .
و هكذا تبنى جمالية القصيدة المماثلة أولى بين الشجرة و الجدة عنوان عراقة وأصالة ورسوخ في تربة الذاكرة والتاريخ، وعلى مقابلة ثانية بين قطبين متضادين الطبيعة والانسان، والحياة والموت، والخصوبة الجدب، والجمال والقبح.
إن شمس الدين العوني لا يهتم كثيرا بتزويق العبارة وتجميل الخطاب بفنون البلاغة والبديع بل يهمه ايقاع الصور وموسيقى الافكار، ولعله بذلك يوعز للقارئ العربي اليوم الى التعامل النقدي مع النص الشعري بذائقة مختلفة يحتفي بطرائق تشكيل المعني والنفاذ إلى طبقاته العميقة دون الهوس بجمال العبارة واللعب اللغوي والتمني في التصوير حد التصنيع .
و قيمة هذا الأسلوب في الكتابة انه يعبر عن مشاغل العصر والقضايا الحارقة الراهنة بلغة العصر باعتماد التكثيف والانحناء والترميز اعتمادا استهدى بفن الاقصوصة، ولاتخلو القصيدة من سردية أسهمت في بناء النص وخلقت دلالات معاصرة مفادها الصراع بين الطبيعة والانسان .
ان هذه القصيدة اللتي تحكي تراجيديا الشعر تحاورها في الديوان قصيدة بعنوان "قالت أمي (فاطمة)" تمثل منها الوجه الاخر انها الملحمة ملحمة الانسان في الوجود يقول :
"كن لحنا ابديًا
مثل أمك و أبيك
لا تدع قلبك نهر حجر
جهز ضلالك للاخرين
و كمن حليف الشجرة "
يتفرد هذا النص على إيجازه وقرب العبارة فيه ودلالة اللفظ على المعنى دون مواربة أوغموض اتخذه شكل القصيدة الوصية" هي بمثابة الشعار يرفعه صوت الشاعر صرخة مدوية للانسانية جمعاء .
لا تعنى الشجرة علامة على الطبيعة والبيئة فقط بل هي رمز لمعان شتى متراكبة متضافرة ينشد بعضها اللا رقاب بعض . الخصوبة والحياة والولادة والرعاية والحماية والجمال والقداسة والالفة بين الالاّف .
و متى يهمنا الى الصنف الثاني من القصائد حيث الشجرة مكون من مكونات الكون الشعري وعنصر من عناصره العديدة انتبهنا الى تواتر صورة شعرية يضفي بمقتضاها على الشجر مشاعر الالم والالتياع . يطالعنا قوله في "من يسأل ؟"
من بوسعه ان يسأل عصفورا
عن احواله
بستانيا عن أيامه
طفلا عن لعبه
و من في وسعه أن يسأل
فأسا عن دموعها و عن
أشجان الشجرة "
يبدو الشاعر كلفا بصورة الشجر المتألم و كأنها تعبر في تقديره عن مأساة العالم . وكأننا بالشاعر نزّاع الى استكانه لكائنات الصوامت و البوح بخباياها . فيصبح الشعر صرخة الكائنات ولغة الشاعر موسيقاها التي على العالم ان يصغي اليها .
أوانظره في نص انبنى على افتراض ممتنع "ماذا لو ..." " أن تتخيل شجرة تحظر مسرحية وبأغصانها لوعة الفراق"
صورة شعرية طريفة غريبة تكاد تلامس العجيب وتزفك في عوالم الفانتستيكي وهذا نهج في نحت القول الشعري تعزز في الدواوين الاخيرة للشاعر حتى الفيناه يبحث عن الاتيان بصور غريبة تسم النص بالغموض وتلك من خصائص الحداثة الشعرية لاريب .
و الذي شدنا في قصيدة عنوانها مبتور "يعزف " الجمع بين الصمت والشجر على نحو لا يجعل القراءة ميسورة من الوهلة الاولى " هو يعزف أبجديات الصمت
يبحث لها عن وطن في جسده
ينحت لها جاهدا
شجرة يسميها احيانا الوقت"
في الظاهر يعسر ان نجد الروابط بين الصمت وشجرة الوقت ولكن رفع الحجب عن المداليل المعجمية إلى المعاني الرمزية الحافلة بالايحاء قد يفضي بنا إلى أن عازف أبجديات الصمت يبحث عن وطن لهذه اللغة الجديدة وعن عائلة لها وأصل وتاريخ . فالصمت لا يعني عند الشاعر الاستكانة والخضوع والعجز عن الكلام والمواجهة بل هو ضرب من ضروب الإقامة في الكون ورؤيته الى العالم .
ألم يقل في ديوانه "سيكون هناك سبب"
"الصمت نصف المعجزة " و في مقام اخر يمجد الصمت
" لا أجد أرحب من الصمت في هذا ... الضيق"
هذه اطلالة اولى ابينا فيها الصمت عن جمالية الخطاب الشعري الذي يكتبه "شمس الدين العوني " بلغة متفردة تنحو منحى قصيدة النشر . و لكنها لا تعني تجاوز الكثير من مأزقها و مشاقها .
يهتم بالايقاع ولكنه يحفل اكثر بايقاع الفكرة و موسيقى المعاني .
و ميزة ما يكتب نفاذه الى بناء تصاوير مخيلة تسبر اغوار الكائنات وتقيم بينها علاقات لا يقدر على استبانتها واستشفافها الا الشعراء ديوان جدير بالقراءة والمحاورة و النقد .