مازال ملف التشغيل الهش ومواصلة العمل بآليات هشة، في القطاعين العمومي والخاص، الشغل الشاغل لسلطة الإشراف ومختلف الأوساط المعنية بهذه المسألة، دون التوصل بعد إلى الحسم فيها، بما ينسجم مع توجهات الجمهورية الجديدة وتكريس سياسة دولة اجتماعية بامتياز، وفق ما يؤكد على ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد في عديد المناسبات، وقد شكلت هذه المسألة محور لقاءاته الرسمية في عديد المناسبات منذ بداية الشهر الجاري بكل من رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيري الشؤون الاجتماعية كمال المدوري والتشغيل والتكوين المهني لطفي ذياب، وتشديده على ضرورة العمل من أجل القطع مع منظومة آليات التشغيل الهش.
وشدد رئيس الجمهورية في لقائه بالمدوري مؤخرا على ضرورة مراجعة التشريعات والقوانين المعمول بها لاسيما منها التشريعات الخاصة بالتأجير وبالعلاقات الشغلية والتقاعد والتأمين على المرض التي لم تعد تتماشى ومتطلبات المرحلة ومستلزمات الشغالين والأجراء والمتقاعدين على حد السواء وبالتالي كان مطلب سعيد من وزير الشؤون الاجتماعية، في لقائه به وسط الأسبوع، تنقيح مجلة الشغل وإنهاء العمل بعقود المناولة وبالعقود المحدودة في الزمن بهدف ضمان حقوق العمال وإخراجهم من وضعيات غير مقبولة لا تقوم على العدل الاجتماعي ولا تحفظ كرامتهم وذلك تأكيدا لتوجه الدولة للقطع مع آليات التشغيل الهش المعمول بها منذ سنوات.
لكن في تكرار نفس المطالب والدعوات في أكثر من مناسبة تأكيد على عدم التوصل بعد إلى تذليل الصعوبات التي تحول دون التوصل بعد إلى مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للعملية لاسيما في القطاع العمومي باعتبار أنها ما انفكت تطالعنا في الفترة الأخيرة دعوات لتحركات آلاف من العاملين وفق آليات التشغيل الهش للمطالبة بتسوية وضعياتهم الصعبة في ظل الوعود المتكررة في الغرض من أكثر من جهة.
كما شكل نفس الملف محور لقاء رئيس الدولة منذ أيام مع رئيس الحكومة وتشديده على "ضرورة التعجيل بإعداد مشروع قانون لإلغاء المناولة والعقود المحدودة في الزمن، مع التنصيص على مقاييس واضحة وموضوعية وعادلة تحفظ حقوق الذين اشتغلوا في ظل نظام المناولة لمدة سنوات ويتم اليوم استبدالهم بعمال جدد حتى يبقى العامل رهين إرادة مؤجّره في الانتداب المباشر بعد انقضاء مدّة من الزمن"، وفق ما تضمنه البيان الصادر في الغرض على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.
وكانت رئاسة الحكومة قد أعلنت منذ أشهر قليلة عن إحداث لجنة متكونة من ممثلين أخصائيين عن رئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التشغيل والتكوين المهني ووزارة الداخلية بهدف القيام بجرد لعدد العملة وفق آليات التشغيل الهش وتقييم الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمالية لإنهاء العمل بالمناولة في القطاع العمومي. وذلك بعد إصدار نفس الجهة، أي رئاسة الحكومة قرارا في فيفري الماضي يقضي بتحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العموميّ انطلاقا من ذلك التاريخ، مع إلغاء كافة التدابير المخالفة لهذا المبدإ وخاصة منها المنشور عدد 35 المؤرخ في 30 جويلية 1999 المتعلق بالمناولة في الإدارة والمنشآت العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل السّادس والأربعين من الدستور الجديد ينصّ صراحة على أن "العمل حقّ لكلّ مواطن ومواطنة، وتتّخذ الدّولة التّدابير الضّروريّة لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف" وعلى أنّ "لكلّ مواطن ومواطنة الحقّ في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل".
ويذكر أيضا أن الأجر الأدنى الصناعي "Smig" يقدر بـ460 دينارا، حسب المعهد الوطني للإحصاء. وهو رقم تعتمده بعض المؤسسات في القطاعين العمومي والخاص كراتب للعملة والموظفين إلى حدود هذه المرحلة. في المقابل سجلت مستلزمات المعيشة من مواد غذائية ونقل وعلاج وتعليم وملابس ارتفاعا صاروخيا في الأسعار، وذلك وفق أرقام نشرها المعهد الوطني للإحصاء نهاية 2023، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 13.1 %، بسبب ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35 %، واللحم بنسبة 29.8 %، والزيوت الغذائية بنسبة 28 %. وأكد نفس المعهد استقرار نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي لشهر ماي 2024 في مستوى 7,2%. مما يعني أن المشتغلين وفق آليات التشغيل الهش لم يعودوا قادرين اليوم على مجاراة نسق متطلبات المعيشة باعتبار أن 25 % من التونسيين ليس لهم مساكن ويعيشون على وجه الكراء.
وكان وزير التشغيل والتكوين المهني قد أكد على ضرورة القطع مع التشغيل الهشّ والوزارة تعمل حاليا من أجل تحقيق هذا الهدف في سياق توجه رسمي لإعادة النظر في المناولة مؤكدا في نفس الإطار أن العقود الجديدة الخاصة بالإعداد للحياة المهنية بعد إعادة النظر في برنامج التشغيل سيقع إلزام المشغلين بمنح أجور محترمة لهم.
إذ بلغ عدد العاملين بالمناولة في تونس إبان الثورة في حدود 31 ألف عامل تمت تسوية وضعياتهم بموجب الاتفاق المبرم في الغرض بين رئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في أفريل 2011، ليتضاعف رقم العاملين وفق هذه الآلية الهشة ويصبح في حدود 60 ألفا حاليا. وهي وضعيات حالات اجتماعية تستدعي التدخل لوضع حد للمعاناة التي يعشونها. ويعتبر البعض أن لغلق باب الحوار بين سلطة الإشراف والمنظمة الشغيلة دورا في تأزيم وضع هذه الشريحة.
وكان سامي الطاهري مساعد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أكد لـ"الصباح" في حديثه عن دور الاتحاد في القيام بدوره في الدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة، قد حمل المسؤولية إلى وزير الشؤون الاجتماعية السابق مالك الزاهي في المقابل عبر عن تفاؤله بالدور الذي يمكن أن يلعبه الوزير الحالي كمال المدوري على اعتبار أنه على دراية بأهمية وضرورة الحوار الاجتماعي.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
مازال ملف التشغيل الهش ومواصلة العمل بآليات هشة، في القطاعين العمومي والخاص، الشغل الشاغل لسلطة الإشراف ومختلف الأوساط المعنية بهذه المسألة، دون التوصل بعد إلى الحسم فيها، بما ينسجم مع توجهات الجمهورية الجديدة وتكريس سياسة دولة اجتماعية بامتياز، وفق ما يؤكد على ذلك رئيس الجمهورية قيس سعيد في عديد المناسبات، وقد شكلت هذه المسألة محور لقاءاته الرسمية في عديد المناسبات منذ بداية الشهر الجاري بكل من رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيري الشؤون الاجتماعية كمال المدوري والتشغيل والتكوين المهني لطفي ذياب، وتشديده على ضرورة العمل من أجل القطع مع منظومة آليات التشغيل الهش.
وشدد رئيس الجمهورية في لقائه بالمدوري مؤخرا على ضرورة مراجعة التشريعات والقوانين المعمول بها لاسيما منها التشريعات الخاصة بالتأجير وبالعلاقات الشغلية والتقاعد والتأمين على المرض التي لم تعد تتماشى ومتطلبات المرحلة ومستلزمات الشغالين والأجراء والمتقاعدين على حد السواء وبالتالي كان مطلب سعيد من وزير الشؤون الاجتماعية، في لقائه به وسط الأسبوع، تنقيح مجلة الشغل وإنهاء العمل بعقود المناولة وبالعقود المحدودة في الزمن بهدف ضمان حقوق العمال وإخراجهم من وضعيات غير مقبولة لا تقوم على العدل الاجتماعي ولا تحفظ كرامتهم وذلك تأكيدا لتوجه الدولة للقطع مع آليات التشغيل الهش المعمول بها منذ سنوات.
لكن في تكرار نفس المطالب والدعوات في أكثر من مناسبة تأكيد على عدم التوصل بعد إلى تذليل الصعوبات التي تحول دون التوصل بعد إلى مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للعملية لاسيما في القطاع العمومي باعتبار أنها ما انفكت تطالعنا في الفترة الأخيرة دعوات لتحركات آلاف من العاملين وفق آليات التشغيل الهش للمطالبة بتسوية وضعياتهم الصعبة في ظل الوعود المتكررة في الغرض من أكثر من جهة.
كما شكل نفس الملف محور لقاء رئيس الدولة منذ أيام مع رئيس الحكومة وتشديده على "ضرورة التعجيل بإعداد مشروع قانون لإلغاء المناولة والعقود المحدودة في الزمن، مع التنصيص على مقاييس واضحة وموضوعية وعادلة تحفظ حقوق الذين اشتغلوا في ظل نظام المناولة لمدة سنوات ويتم اليوم استبدالهم بعمال جدد حتى يبقى العامل رهين إرادة مؤجّره في الانتداب المباشر بعد انقضاء مدّة من الزمن"، وفق ما تضمنه البيان الصادر في الغرض على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.
وكانت رئاسة الحكومة قد أعلنت منذ أشهر قليلة عن إحداث لجنة متكونة من ممثلين أخصائيين عن رئاسة الحكومة ووزارة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التشغيل والتكوين المهني ووزارة الداخلية بهدف القيام بجرد لعدد العملة وفق آليات التشغيل الهش وتقييم الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمالية لإنهاء العمل بالمناولة في القطاع العمومي. وذلك بعد إصدار نفس الجهة، أي رئاسة الحكومة قرارا في فيفري الماضي يقضي بتحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العموميّ انطلاقا من ذلك التاريخ، مع إلغاء كافة التدابير المخالفة لهذا المبدإ وخاصة منها المنشور عدد 35 المؤرخ في 30 جويلية 1999 المتعلق بالمناولة في الإدارة والمنشآت العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل السّادس والأربعين من الدستور الجديد ينصّ صراحة على أن "العمل حقّ لكلّ مواطن ومواطنة، وتتّخذ الدّولة التّدابير الضّروريّة لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف" وعلى أنّ "لكلّ مواطن ومواطنة الحقّ في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل".
ويذكر أيضا أن الأجر الأدنى الصناعي "Smig" يقدر بـ460 دينارا، حسب المعهد الوطني للإحصاء. وهو رقم تعتمده بعض المؤسسات في القطاعين العمومي والخاص كراتب للعملة والموظفين إلى حدود هذه المرحلة. في المقابل سجلت مستلزمات المعيشة من مواد غذائية ونقل وعلاج وتعليم وملابس ارتفاعا صاروخيا في الأسعار، وذلك وفق أرقام نشرها المعهد الوطني للإحصاء نهاية 2023، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 13.1 %، بسبب ارتفاع أسعار القهوة بنسبة 35 %، واللحم بنسبة 29.8 %، والزيوت الغذائية بنسبة 28 %. وأكد نفس المعهد استقرار نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي لشهر ماي 2024 في مستوى 7,2%. مما يعني أن المشتغلين وفق آليات التشغيل الهش لم يعودوا قادرين اليوم على مجاراة نسق متطلبات المعيشة باعتبار أن 25 % من التونسيين ليس لهم مساكن ويعيشون على وجه الكراء.
وكان وزير التشغيل والتكوين المهني قد أكد على ضرورة القطع مع التشغيل الهشّ والوزارة تعمل حاليا من أجل تحقيق هذا الهدف في سياق توجه رسمي لإعادة النظر في المناولة مؤكدا في نفس الإطار أن العقود الجديدة الخاصة بالإعداد للحياة المهنية بعد إعادة النظر في برنامج التشغيل سيقع إلزام المشغلين بمنح أجور محترمة لهم.
إذ بلغ عدد العاملين بالمناولة في تونس إبان الثورة في حدود 31 ألف عامل تمت تسوية وضعياتهم بموجب الاتفاق المبرم في الغرض بين رئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في أفريل 2011، ليتضاعف رقم العاملين وفق هذه الآلية الهشة ويصبح في حدود 60 ألفا حاليا. وهي وضعيات حالات اجتماعية تستدعي التدخل لوضع حد للمعاناة التي يعشونها. ويعتبر البعض أن لغلق باب الحوار بين سلطة الإشراف والمنظمة الشغيلة دورا في تأزيم وضع هذه الشريحة.
وكان سامي الطاهري مساعد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أكد لـ"الصباح" في حديثه عن دور الاتحاد في القيام بدوره في الدفاع عن حقوق الطبقة الشغيلة، قد حمل المسؤولية إلى وزير الشؤون الاجتماعية السابق مالك الزاهي في المقابل عبر عن تفاؤله بالدور الذي يمكن أن يلعبه الوزير الحالي كمال المدوري على اعتبار أنه على دراية بأهمية وضرورة الحوار الاجتماعي.