إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. زغاريد النجاح..

 

رغم تواتر العقود ومرور السنوات، ورغم تعاقب الحكومات وتغير المنظومات، لم تفقد شهادة الباكالوريا بريقها ومكانتها، وهي التي تطوي 133 سنة من تاريخها، باعتبار أن اجتياز أول امتحان باكالوريا يعود الى سنة 1891، ورغم التقلبات وتغير المحطات مازال الإحراز على هذه الشهادة، يمثل حدثا محوريا، ومنعرجا هاما، في حياة الفرد والأسرة في تونس، وفي ظل المكانة التي مازالت تتمتع بها، يترقب أكثر من 140 ألف مترشح نتائج الدورة الرئيسية لامتحان هذا العام، بشغف كبير، وعلى أحر من الجمر.

ومع انطلاق وزارة التربية، صباح اليوم، في إرسال نتائج امتحان الباكالوريا عبر الإرساليات القصيرة، ستدوي كالعادة زغاريد النجاح، في كامل أرجاء الوطن، وتعيش آلاف الأسر التونسية، على إيقاع الأفراح، وبهجة النجاح، في محطة حاسمة، ويوم موعود ومشهود، تتصدر أخباره التلفزات والإذاعات، وتنتظره المواقع والمنصات.

ويبدو الشعور بسعادة عارمة وفرحة غامرة، في مثل هذه المناسبات، منطقيا ومشروعا ومفهوما، لأن لا شيء يعادل سعادة أسرة بنجاح ابنها أو ابنتها، بعد تعب وسهر وإرهاق سنة دراسية كاملة، ومعاناة طويلة، ورحلة مكابدة ونضال، من أجل بلوغ هذا الهدف، الذي يبقى حلما غاليا، لاسيما في ظل ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، ومعضلة الدروس الخصوصية، وتردي المقدرة الشرائية.

وفي انتظار ظهور الملامح الأولى لنتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا، التي أكدت وزيرة التربية سلوى العباسي أمس أنها، مشرفة، ومهما كانت التفاصيل ولغة الأرقام، فإن المنظومة التربوية "المترنحة"، تحتاج الى الإسراع بالإصلاح التربوي، للإبقاء على التعليم العمومي كمصعد اجتماعي، لاسيما أن المدرسة العمومية ركيزة أساسية في العملية التربوية، وهو ما يتطلب العمل في عديد الاتجاهات من أجل معالجة الإخلالات التي من أهمها:

أولا: انهيار المنظومة التربوية يتطلب معالجات عميقة، واستراتيجيات مدروسة، ولا يحتمل المزيد من الحلول الترقيعية، حتى تكون المدرسة عنصرا جاذبا، ومستقطبا وتكون المؤسسة التربوية جاذبة للتلميذ لا منفرة له.

ثانيا: التعليم العمومي يجب أن يبقى مصعدا اجتماعياً، للعائلات المهمشة والفقيرة، لاسيما أن العدالة الاجتماعية تتلاشى سنة بعد أخرى، بتوسع "رقعة انتشار" المدارس والجامعات الخاصة بعديد الجهات.

ثالثا: معالجة عدم التوازن بين الجهات، بعد أن أظهرت آخر نتائج الباكالوريا تباينا، بلغ مداه ثلاثة أضعاف، بين الجهات المتصدرة والمتذيلة للترتيب.

رابعا: ضرورة وضع حد لتنامي الهوة بين العائلات الميسورة وأسر الطبقات الضعيفة والمهمشة والمعدومة، إذ لاح الفرق واضحا بين من يقدر على تأمين دروس خصوصية لأبنائه في مختلف المواد، وبين من يعجز عن توفير المستلزمات الضرورية للعملية التعليمية.

خامسا: لابد من إيجاد حلول جذرية للصراعات المتواصلة بين الوزارة والنقابات، التي كانت سببا في هدر آلاف ساعات التدريس، وساهمت في زعزعة استقرار المدرسة العمومية، وتراجع مكانتها وهيبتها.

سادسا: يجب سد الشغورات قبل انطلاق السنة الدراسية المقبلة، لأن مئات الفصول تظل دون معلمين وأساتذة لأسابيع وأشهر، وهو ما يؤثر على التحصيل العلمي وعلى جودة التعليم.

سابعا: تونس لا تملك غازا ولا بترولا ولا مناجم ذهب، لكن رأس مالها الزاد البشري الذهبي بما توفره المؤسسات التربوية من "أدمغة" وهذا الرصيد هو الذي هندس وخطط وصنع حداثتها، مما يستدعي دعم هذا التوجه.

ثامنا: ضرورة الاستثمار في الذكاء التونسي، ولن يكون ذلك ممكنا إلا باعتبار التربية والتعليم أولوية مطلقة، بل إن هذا الهدف المنشود لا يتجسد إلا بإرادة حقيقية.

تاسعا: يجب إيجاد الحلول والصيغ والأساليب الضرورية لمعالجة جودة التعليم، لاسيما بعد تراجع تصنيف تونس عالميا وفق المؤشر الفرعي "المستوى التعليمي" واحتلالها المرتبة 117 سنة 2023.

عاشرا: منح الأولوية لتهيئة وصيانة البنية التحتية للمؤسسات التربوية، لأنه لا حديث عن تطوير المنظومة التربوية بقاعات متداعية للسقوط، وبنية تحتية متهالكة، مع ضرورة مراجعة الزمن المدرسي، حتى يتسنى لمئات آلاف التلاميذ تعاطي أنشطة رياضية وثقافية وفنية، كما يتحتم على سلطة الإشراف إعادة النظر في الخارطة المدرسية لتجاوز مشكل الاكتظاظ، مع توفير العدد الكافي من المطاعم المدرسية، والنقل المدرسي.

والمحصلة أن معالجة الإشكاليات المتشعبة والمعضلات المزمنة، التي تعاني منها المنظومة التربوية، وكانت سببا في تهاوي التعليم العمومي، أصبحت ضرورة ملحة، لا تحتمل التأجيل ولا التردد.

محمد صالح الربعاوي

 

 

رغم تواتر العقود ومرور السنوات، ورغم تعاقب الحكومات وتغير المنظومات، لم تفقد شهادة الباكالوريا بريقها ومكانتها، وهي التي تطوي 133 سنة من تاريخها، باعتبار أن اجتياز أول امتحان باكالوريا يعود الى سنة 1891، ورغم التقلبات وتغير المحطات مازال الإحراز على هذه الشهادة، يمثل حدثا محوريا، ومنعرجا هاما، في حياة الفرد والأسرة في تونس، وفي ظل المكانة التي مازالت تتمتع بها، يترقب أكثر من 140 ألف مترشح نتائج الدورة الرئيسية لامتحان هذا العام، بشغف كبير، وعلى أحر من الجمر.

ومع انطلاق وزارة التربية، صباح اليوم، في إرسال نتائج امتحان الباكالوريا عبر الإرساليات القصيرة، ستدوي كالعادة زغاريد النجاح، في كامل أرجاء الوطن، وتعيش آلاف الأسر التونسية، على إيقاع الأفراح، وبهجة النجاح، في محطة حاسمة، ويوم موعود ومشهود، تتصدر أخباره التلفزات والإذاعات، وتنتظره المواقع والمنصات.

ويبدو الشعور بسعادة عارمة وفرحة غامرة، في مثل هذه المناسبات، منطقيا ومشروعا ومفهوما، لأن لا شيء يعادل سعادة أسرة بنجاح ابنها أو ابنتها، بعد تعب وسهر وإرهاق سنة دراسية كاملة، ومعاناة طويلة، ورحلة مكابدة ونضال، من أجل بلوغ هذا الهدف، الذي يبقى حلما غاليا، لاسيما في ظل ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، ومعضلة الدروس الخصوصية، وتردي المقدرة الشرائية.

وفي انتظار ظهور الملامح الأولى لنتائج الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا، التي أكدت وزيرة التربية سلوى العباسي أمس أنها، مشرفة، ومهما كانت التفاصيل ولغة الأرقام، فإن المنظومة التربوية "المترنحة"، تحتاج الى الإسراع بالإصلاح التربوي، للإبقاء على التعليم العمومي كمصعد اجتماعي، لاسيما أن المدرسة العمومية ركيزة أساسية في العملية التربوية، وهو ما يتطلب العمل في عديد الاتجاهات من أجل معالجة الإخلالات التي من أهمها:

أولا: انهيار المنظومة التربوية يتطلب معالجات عميقة، واستراتيجيات مدروسة، ولا يحتمل المزيد من الحلول الترقيعية، حتى تكون المدرسة عنصرا جاذبا، ومستقطبا وتكون المؤسسة التربوية جاذبة للتلميذ لا منفرة له.

ثانيا: التعليم العمومي يجب أن يبقى مصعدا اجتماعياً، للعائلات المهمشة والفقيرة، لاسيما أن العدالة الاجتماعية تتلاشى سنة بعد أخرى، بتوسع "رقعة انتشار" المدارس والجامعات الخاصة بعديد الجهات.

ثالثا: معالجة عدم التوازن بين الجهات، بعد أن أظهرت آخر نتائج الباكالوريا تباينا، بلغ مداه ثلاثة أضعاف، بين الجهات المتصدرة والمتذيلة للترتيب.

رابعا: ضرورة وضع حد لتنامي الهوة بين العائلات الميسورة وأسر الطبقات الضعيفة والمهمشة والمعدومة، إذ لاح الفرق واضحا بين من يقدر على تأمين دروس خصوصية لأبنائه في مختلف المواد، وبين من يعجز عن توفير المستلزمات الضرورية للعملية التعليمية.

خامسا: لابد من إيجاد حلول جذرية للصراعات المتواصلة بين الوزارة والنقابات، التي كانت سببا في هدر آلاف ساعات التدريس، وساهمت في زعزعة استقرار المدرسة العمومية، وتراجع مكانتها وهيبتها.

سادسا: يجب سد الشغورات قبل انطلاق السنة الدراسية المقبلة، لأن مئات الفصول تظل دون معلمين وأساتذة لأسابيع وأشهر، وهو ما يؤثر على التحصيل العلمي وعلى جودة التعليم.

سابعا: تونس لا تملك غازا ولا بترولا ولا مناجم ذهب، لكن رأس مالها الزاد البشري الذهبي بما توفره المؤسسات التربوية من "أدمغة" وهذا الرصيد هو الذي هندس وخطط وصنع حداثتها، مما يستدعي دعم هذا التوجه.

ثامنا: ضرورة الاستثمار في الذكاء التونسي، ولن يكون ذلك ممكنا إلا باعتبار التربية والتعليم أولوية مطلقة، بل إن هذا الهدف المنشود لا يتجسد إلا بإرادة حقيقية.

تاسعا: يجب إيجاد الحلول والصيغ والأساليب الضرورية لمعالجة جودة التعليم، لاسيما بعد تراجع تصنيف تونس عالميا وفق المؤشر الفرعي "المستوى التعليمي" واحتلالها المرتبة 117 سنة 2023.

عاشرا: منح الأولوية لتهيئة وصيانة البنية التحتية للمؤسسات التربوية، لأنه لا حديث عن تطوير المنظومة التربوية بقاعات متداعية للسقوط، وبنية تحتية متهالكة، مع ضرورة مراجعة الزمن المدرسي، حتى يتسنى لمئات آلاف التلاميذ تعاطي أنشطة رياضية وثقافية وفنية، كما يتحتم على سلطة الإشراف إعادة النظر في الخارطة المدرسية لتجاوز مشكل الاكتظاظ، مع توفير العدد الكافي من المطاعم المدرسية، والنقل المدرسي.

والمحصلة أن معالجة الإشكاليات المتشعبة والمعضلات المزمنة، التي تعاني منها المنظومة التربوية، وكانت سببا في تهاوي التعليم العمومي، أصبحت ضرورة ملحة، لا تحتمل التأجيل ولا التردد.

محمد صالح الربعاوي