إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

النزاهة.. الكفاءة والخبرة.. ثلاثي "برمودا" المخيف في تونس

 

تونس- الصباح

تتواتر أخبار إقالات المسؤولين في مناصب سامية بالدولة، حتى أن بعضهم لا يصمد كثيرا في موقعه وتقع إزاحته بسرعة ويعتبر نسق إقالة المسؤولين في الفترة الأخيرة مرتفعا نسبيا، ومثيرا للاهتمام، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن يعلن عن إقالات جديدة أو تحويرات في بعض المناصب السامية (ولاة، معتمدون ومدراء عامون ومسؤولون أمنيون وغيرهم)، وقد بات الأمر ملفتا للانتباه، لأنه إن كنا ندرك أن عمل مؤسسات الدولة لا يتوقف على مسؤول بعينه، فإن شيئا من الاستقرار على رأس بعض الهياكل قد يكون ضروريا لضمان أداء أفضل في العمل والتسيير.

وعلى ما يبدو فإن هناك عوامل موضوعية جعلت البلاد في حالة بحث مستمرة عن العصفور النادر في الإدارة وخاصة في باب المسؤوليات العليا والسامية.

وإذا ما عدنا الى ما شدد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال لقائه بوزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية (الثلاثاء 18 جوان بقصر الجمهورية بقرطاج) من ضرورة توفر ثلاث خصال في المسؤولين وهي النزاهة-في المقام الأول– والكفاءة والخبرة، فإننا نفهم لماذا تتكرر أخبار الإقالات ولماذا تظل هناك شغورات في بعض المناصب –الهامة أحيانا- لفترة تطول نسبيا. المشكل إذن يكمن في أنه قلما تجتمع الخصال الثلاث المذكورة في شخص واحد. فهل أن بلادنا تفتقر الى هذا الحد للكفاءات التي تتوفر فيها كل الشروط المطلوبة؟

طبعا لا يمكن أن يكون الأمر كذلك في المطلق ومعروف أن تونس أرض ولادة للكفاءات ومن شيد دولة الاستقلال، إن لم يكن أبناؤها الذين بنوها بالفكر والساعد، لكن المشكل يكمن في أن نظرتنا للمسؤولية تغيرت ولنقلها صراحة، لقد فقدت المسؤولية الكثير من هيبتها وأصبح أي كان يطمح لاحتلال موقع متقدم دون أن تكون لديه المؤهلات الكافية لذلك.

طبعا علماء الاجتماع يمكنهم أن يفسروا ذلك، لكن ما هو واضح هو أن من يتصدر المسؤولية في تونس اليوم ليس دائما الرجل المناسب في المكان المناسب، وإن توفرت في الشخص بعض الشروط، فإن شروطا أخرى كثيرا ما لا تكون موجودة. ولا يمكن لمسؤول أن ينجح فقط لأنه نزيه، على أهمية هذا الشرط، ولا يمكن لمسؤول غير نزيه أن ينجح مهما كانت إمكانياته.

رواسب السياسات السابقة

إنها معضلة حقيقية، لكن ما كان لنا أن نجد أنفسنا في هذا الوضع، لولا السياسات التي تبنتها البلاد طيلة عقود من الزمن وفتحت فيها النوافذ ليقفز منها غير الأكفاء والمفتقرون للحد الأدنى للنزاهة الى موقع المسؤولية.

بلادنا رسخت مع الأعوام ثقافة الولاء والمحسوبية ولم تكتف بفتح الشبابيك أمام منعدمي الكفاءة، بل فتحت أمامهم الأبواب مشرعة لتحمل مسؤوليات هامة، وفي المقابل ضيقت على أصحاب الكفاءات الحقيقية وأغلقت أمامهم المنافذ باعتماد أساليب الترهيب المتعددة، حتى تفشى لدينا داء العزوف عن المسؤولية في صفوف الكفاءات دون أن نتحدث عن هجرة الكفاءات الشابة وحتى من هم أقل شبابا بحثا عن فرصة منعدمة في تونس وممكنة في الخارج.

ولنا أن نشير الى أنه ليس سهلا في العموم اقتناص الكفاءات الحقيقية، لذلك تعول الكثير من البلدان القوية على مراكز التفكير"Think Tank " وتلهث دائما وراء الخبرات وتبحث عنها خارج حدودها وفي أقاصي العالم إن لزم الأمر، لكن في الحالة التونسية، فإن الموضوع مختلف.

ما بعد دولة الاستقلال

فنحن في تونس، وقد وجب الاعتراف بذلك، ليس لدينا ثقافة تقدر الكفاءات الحقيقية- إلا ما ندر- وإن كنا نعاني من التخلف، فإن ذلك يعود بنسبة كبيرة الى إبعاد الكفاءات الحقيقية وترك المجال واسعا أمام الفاشلين والانتهازيين وأصحاب المصالح الضيقة. وفي تونس لا تمنح المسؤولية دائما لمن يستحقها، وقد ظل الأمر على حاله لعقود طويلة. ربما كانت فترة تأسيس دولة الاستقلال مختلفة نسبيا. لأن البلاد كانت قد فتحت أيديها للجميع، بما في ذلك من كان حظه في التعليم قليلا وقد كانت الإرادة السياسية حينها تسعى للاستفادة من كل القدرات والخبرات والكفاءات بكل قوة فسخرت الإمكانيات من أجل استقطاب كل من يأنس في نفسه القدرة على المساهمة في البناء. ونجحت في وضع أسس صلبة لدولة فتية وطموحة على الرغم من قلة الإمكانيات وقلة الكفاءات حينها، لكن الأمور تغيرت جذريا، في ما بعد، وتغيرت للأسف نحو الأسوإ تحت تأثير المطامع الشخصية التي كانت تملي على الدولة سياستها. بعد فترة البناء، عدنا على أعقابنا وأرسينا سياسات تقوم على الولاء وعلى المحسوبية التي تحولت الى ثقافة متوارثة.

وقد انتظر التونسيون طويلا حتى تعلن الدولة الحرب على الفساد. لكن هذه الحرب التي أعلنت رسميا منذ سنوات لم توظف دائما بالشكل الذي يضمن عودة الأمور الى نصابها وعانت بلادنا بعد أحداث 14 جانفي 2011، من التجاذبات السياسية في وقت كان التونسيون يتوقعون التخلص من سياسة المحاباة والمحسوبية بعد سقوط النظام الديكتاتوري في البلاد، وعانت بالخصوص من المحاصصة الحزبية التي كانت كارثة بالنسبة للإدارة في تونس حيث تعمقت المحسوبية وتم تكريس ثقافة الولاء على حساب الكفاءة والقدرة على التسيير. كل ذلك ترك مخلفاته وليس سهلا اليوم -مهما كانت النوايا صادقة- التخلص من رواسب هذه السياسات، خاصة دون برنامج عملي يسعى لإعادة الثقة للمسؤول والهيبة للمسؤولية وما نعيشه من خيبات أمل على مستوى التسيير هو من بين الأدلة على ذلك.

تونس تعاني اليوم من مخلفات سياسات إقصاء الكفاءات وتهميشها ودفعها قسرا الى الانكفاء على الذات أو البحث عن فرصة خارج حدود الوطن لذلك من الطبيعي أن تتصدر المشهد شخصيات تفتقر في العموم الى الخصال المطلوبة في المسؤول.

صحيح هناك استثناءات ولم تخل إدارتنا أبدا من مسؤولين في مستوى المسؤولية، لكن يبقى هؤلاء أقلية ويحدث أن يشعروا بالغربة في محيط عام يقمع الإرادة الصادقة في الإصلاح. وقد لا نبالغ عندما نقول إن الخصال الثلاث التي ذكرها رئيس الجمهورية في لقائه مع وزيرة المالية وهو يتحدث عن سد الشغورات في بعض البنوك، وهي النزاهة والكفاءة والخبرة،-مع العلم أن رئيس الدولة وضع النزاهة في المقام الأول- هي اليوم عبارة عن مثلث برمودا (منطقة في شكل مثلث في المحيط الأطلسي يقال إنها تبتلع السفن)، المخيف.

الحرب ضد الكفاءات في الواقع التونسي

نحن لا نرفض فقط أي شخص تتوفر فيه هذه الخصال، وإنما هناك حروبا تشن ضده. في تونس التي تحول فيها الولاء والمحسوبية الى ثقافة راسخة ممتدة العروق، ترفض (برفع التاء) الشخصية النزيهة التي لا تدخل في منطق المحسوبية، وتأبى أن تذعن للأمر الواقع. في تونس يرفض المسؤول الكفء الذي لا يقيم حسابا إلا للكفاءة وفي بلادنا لا نحترم أصحاب الخبرات، هذا إن لم نحولهم الى مصدر للتهكم خاصة مع تفشي ثقافة جديدة تقوم على فكرة إبعاد الخبرات لترك المجال واسعا أمام الوافدين الجدد. نحن لا نتحدث في هذا السياق عن سنّة التداول وفق أطر قانونية واضحة، وطبيعي أن يكون هناك تداول على المسؤوليات، وإنما نتحدث عن ثقافة وافدة مبتذلة وإقصائية، تسعى لإزاحة من يعترض طريقها في سبيل تحقيق غايات شخصية وأحلام ذاتية وتقدم أفكارها الهدامة على أنها فكر تقدمي خلاق ومجدد.

إن المسألة أعمق من تسمية شخصية في موقع المسؤولية أو تقلدها مسؤولية سامية، قد تنجح أو قد لا تنجح فيها، وإنما المسألة هي التخلص من ثقافة راسخة، تستسهل المسؤولية وتطوعها لخدمة أغراض ذاتية خارج منطق خدمة الصالح العام. المسألة مسألة تنقية تربتنا مما علق بها من أعشاب طفيلية غطت، لكثرتها، على الجذور الأصلية.

حياة السايب

 

 

 

النزاهة.. الكفاءة والخبرة..   ثلاثي "برمودا" المخيف في تونس

 

تونس- الصباح

تتواتر أخبار إقالات المسؤولين في مناصب سامية بالدولة، حتى أن بعضهم لا يصمد كثيرا في موقعه وتقع إزاحته بسرعة ويعتبر نسق إقالة المسؤولين في الفترة الأخيرة مرتفعا نسبيا، ومثيرا للاهتمام، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن يعلن عن إقالات جديدة أو تحويرات في بعض المناصب السامية (ولاة، معتمدون ومدراء عامون ومسؤولون أمنيون وغيرهم)، وقد بات الأمر ملفتا للانتباه، لأنه إن كنا ندرك أن عمل مؤسسات الدولة لا يتوقف على مسؤول بعينه، فإن شيئا من الاستقرار على رأس بعض الهياكل قد يكون ضروريا لضمان أداء أفضل في العمل والتسيير.

وعلى ما يبدو فإن هناك عوامل موضوعية جعلت البلاد في حالة بحث مستمرة عن العصفور النادر في الإدارة وخاصة في باب المسؤوليات العليا والسامية.

وإذا ما عدنا الى ما شدد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد، خلال لقائه بوزيرة المالية، سهام البوغديري نمصية (الثلاثاء 18 جوان بقصر الجمهورية بقرطاج) من ضرورة توفر ثلاث خصال في المسؤولين وهي النزاهة-في المقام الأول– والكفاءة والخبرة، فإننا نفهم لماذا تتكرر أخبار الإقالات ولماذا تظل هناك شغورات في بعض المناصب –الهامة أحيانا- لفترة تطول نسبيا. المشكل إذن يكمن في أنه قلما تجتمع الخصال الثلاث المذكورة في شخص واحد. فهل أن بلادنا تفتقر الى هذا الحد للكفاءات التي تتوفر فيها كل الشروط المطلوبة؟

طبعا لا يمكن أن يكون الأمر كذلك في المطلق ومعروف أن تونس أرض ولادة للكفاءات ومن شيد دولة الاستقلال، إن لم يكن أبناؤها الذين بنوها بالفكر والساعد، لكن المشكل يكمن في أن نظرتنا للمسؤولية تغيرت ولنقلها صراحة، لقد فقدت المسؤولية الكثير من هيبتها وأصبح أي كان يطمح لاحتلال موقع متقدم دون أن تكون لديه المؤهلات الكافية لذلك.

طبعا علماء الاجتماع يمكنهم أن يفسروا ذلك، لكن ما هو واضح هو أن من يتصدر المسؤولية في تونس اليوم ليس دائما الرجل المناسب في المكان المناسب، وإن توفرت في الشخص بعض الشروط، فإن شروطا أخرى كثيرا ما لا تكون موجودة. ولا يمكن لمسؤول أن ينجح فقط لأنه نزيه، على أهمية هذا الشرط، ولا يمكن لمسؤول غير نزيه أن ينجح مهما كانت إمكانياته.

رواسب السياسات السابقة

إنها معضلة حقيقية، لكن ما كان لنا أن نجد أنفسنا في هذا الوضع، لولا السياسات التي تبنتها البلاد طيلة عقود من الزمن وفتحت فيها النوافذ ليقفز منها غير الأكفاء والمفتقرون للحد الأدنى للنزاهة الى موقع المسؤولية.

بلادنا رسخت مع الأعوام ثقافة الولاء والمحسوبية ولم تكتف بفتح الشبابيك أمام منعدمي الكفاءة، بل فتحت أمامهم الأبواب مشرعة لتحمل مسؤوليات هامة، وفي المقابل ضيقت على أصحاب الكفاءات الحقيقية وأغلقت أمامهم المنافذ باعتماد أساليب الترهيب المتعددة، حتى تفشى لدينا داء العزوف عن المسؤولية في صفوف الكفاءات دون أن نتحدث عن هجرة الكفاءات الشابة وحتى من هم أقل شبابا بحثا عن فرصة منعدمة في تونس وممكنة في الخارج.

ولنا أن نشير الى أنه ليس سهلا في العموم اقتناص الكفاءات الحقيقية، لذلك تعول الكثير من البلدان القوية على مراكز التفكير"Think Tank " وتلهث دائما وراء الخبرات وتبحث عنها خارج حدودها وفي أقاصي العالم إن لزم الأمر، لكن في الحالة التونسية، فإن الموضوع مختلف.

ما بعد دولة الاستقلال

فنحن في تونس، وقد وجب الاعتراف بذلك، ليس لدينا ثقافة تقدر الكفاءات الحقيقية- إلا ما ندر- وإن كنا نعاني من التخلف، فإن ذلك يعود بنسبة كبيرة الى إبعاد الكفاءات الحقيقية وترك المجال واسعا أمام الفاشلين والانتهازيين وأصحاب المصالح الضيقة. وفي تونس لا تمنح المسؤولية دائما لمن يستحقها، وقد ظل الأمر على حاله لعقود طويلة. ربما كانت فترة تأسيس دولة الاستقلال مختلفة نسبيا. لأن البلاد كانت قد فتحت أيديها للجميع، بما في ذلك من كان حظه في التعليم قليلا وقد كانت الإرادة السياسية حينها تسعى للاستفادة من كل القدرات والخبرات والكفاءات بكل قوة فسخرت الإمكانيات من أجل استقطاب كل من يأنس في نفسه القدرة على المساهمة في البناء. ونجحت في وضع أسس صلبة لدولة فتية وطموحة على الرغم من قلة الإمكانيات وقلة الكفاءات حينها، لكن الأمور تغيرت جذريا، في ما بعد، وتغيرت للأسف نحو الأسوإ تحت تأثير المطامع الشخصية التي كانت تملي على الدولة سياستها. بعد فترة البناء، عدنا على أعقابنا وأرسينا سياسات تقوم على الولاء وعلى المحسوبية التي تحولت الى ثقافة متوارثة.

وقد انتظر التونسيون طويلا حتى تعلن الدولة الحرب على الفساد. لكن هذه الحرب التي أعلنت رسميا منذ سنوات لم توظف دائما بالشكل الذي يضمن عودة الأمور الى نصابها وعانت بلادنا بعد أحداث 14 جانفي 2011، من التجاذبات السياسية في وقت كان التونسيون يتوقعون التخلص من سياسة المحاباة والمحسوبية بعد سقوط النظام الديكتاتوري في البلاد، وعانت بالخصوص من المحاصصة الحزبية التي كانت كارثة بالنسبة للإدارة في تونس حيث تعمقت المحسوبية وتم تكريس ثقافة الولاء على حساب الكفاءة والقدرة على التسيير. كل ذلك ترك مخلفاته وليس سهلا اليوم -مهما كانت النوايا صادقة- التخلص من رواسب هذه السياسات، خاصة دون برنامج عملي يسعى لإعادة الثقة للمسؤول والهيبة للمسؤولية وما نعيشه من خيبات أمل على مستوى التسيير هو من بين الأدلة على ذلك.

تونس تعاني اليوم من مخلفات سياسات إقصاء الكفاءات وتهميشها ودفعها قسرا الى الانكفاء على الذات أو البحث عن فرصة خارج حدود الوطن لذلك من الطبيعي أن تتصدر المشهد شخصيات تفتقر في العموم الى الخصال المطلوبة في المسؤول.

صحيح هناك استثناءات ولم تخل إدارتنا أبدا من مسؤولين في مستوى المسؤولية، لكن يبقى هؤلاء أقلية ويحدث أن يشعروا بالغربة في محيط عام يقمع الإرادة الصادقة في الإصلاح. وقد لا نبالغ عندما نقول إن الخصال الثلاث التي ذكرها رئيس الجمهورية في لقائه مع وزيرة المالية وهو يتحدث عن سد الشغورات في بعض البنوك، وهي النزاهة والكفاءة والخبرة،-مع العلم أن رئيس الدولة وضع النزاهة في المقام الأول- هي اليوم عبارة عن مثلث برمودا (منطقة في شكل مثلث في المحيط الأطلسي يقال إنها تبتلع السفن)، المخيف.

الحرب ضد الكفاءات في الواقع التونسي

نحن لا نرفض فقط أي شخص تتوفر فيه هذه الخصال، وإنما هناك حروبا تشن ضده. في تونس التي تحول فيها الولاء والمحسوبية الى ثقافة راسخة ممتدة العروق، ترفض (برفع التاء) الشخصية النزيهة التي لا تدخل في منطق المحسوبية، وتأبى أن تذعن للأمر الواقع. في تونس يرفض المسؤول الكفء الذي لا يقيم حسابا إلا للكفاءة وفي بلادنا لا نحترم أصحاب الخبرات، هذا إن لم نحولهم الى مصدر للتهكم خاصة مع تفشي ثقافة جديدة تقوم على فكرة إبعاد الخبرات لترك المجال واسعا أمام الوافدين الجدد. نحن لا نتحدث في هذا السياق عن سنّة التداول وفق أطر قانونية واضحة، وطبيعي أن يكون هناك تداول على المسؤوليات، وإنما نتحدث عن ثقافة وافدة مبتذلة وإقصائية، تسعى لإزاحة من يعترض طريقها في سبيل تحقيق غايات شخصية وأحلام ذاتية وتقدم أفكارها الهدامة على أنها فكر تقدمي خلاق ومجدد.

إن المسألة أعمق من تسمية شخصية في موقع المسؤولية أو تقلدها مسؤولية سامية، قد تنجح أو قد لا تنجح فيها، وإنما المسألة هي التخلص من ثقافة راسخة، تستسهل المسؤولية وتطوعها لخدمة أغراض ذاتية خارج منطق خدمة الصالح العام. المسألة مسألة تنقية تربتنا مما علق بها من أعشاب طفيلية غطت، لكثرتها، على الجذور الأصلية.

حياة السايب