رغم أن تونس تعتبر من البلدان الرائدة في مجال احترام حقوق المرأة وإعطائها مكانة هامة من خلال سن قوانين تحفظ حقوقها وتدافع عنها بدءا من مجلة الأحوال الشخصية وصولا إلى قانون مناهضة العنف ضد المرأة، إلا أن العديد من النساء لازلنَ يعانين في صمت وجهرا من العنف المادي والمعنوي المسلط عليهن من قبل أزواجهن، عنف وصل في العديد من الأحيان إلى حد القتل.
صباح الشابي
فقد جدت ثاني أيام عيد الأضحى جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها امرأة في الثلاثينات من عمرها وأم لطفلين.
حيث استقبلت وحدة الأغالبة للاختصاصات الجراحية التابعة للمستشفى الجامعي ابن الجزّار بالقيروان خلال الليلة الفاصلة بين يومي الأحد والاثنين جثة إمرأة تبلغ من العمر 30 سنة وهي أم لطفلين، توفيت نتيجة تعرضها إلى عملية ذبح وتلقيها عدة طعنات على مستوى البطن من قبل زوجها الذي طاردها في الطريق العام ونفذ جريمته البشعة.
وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان بالاحتفاظ به.
وحسب المعطيات الأولية فإن خلافا نشب بين الزوجين فجر ثاني أيام العيد، فعمد الزوج إلى الاعتداء بالعنف المادي والمعنوي على زوجته الهالكة ورغم انها فرت خارج المنزل إلا انه التحق بها وسدد لها عديد الطعنات المتفرقة بكامل جسدها وانتهى بذبحها.
وتطرح هذه الجريمة النكراء مرة أخرى ظاهرة العنف الزوجي الذي ينتهي في بعض الأحيان إلى جريمة قتل تكون لها تبعات وأثار نفسية مأساوية على الأبناء الذين يدفعون ثمن أخطاء أبائهم.
هذه الجرائم التي يكون فيها الزوج هو القاتل ليست بالأولى إذ سبق وأن قتلت نساء على يد أزواجهن، على غرار الهالكة رفقة الشارني المرأة الشابة والأم لطفل قتلت بدم بارد على يد زوجها الذي يعمل بسلك الحرس الوطني، إذ قتلها بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في منطقة الكاف بالشمال الغربي لتونس، وغيرها من جرائم القتل التي تكون الضحية فيها الزوجة والجاني هو الزوج، فقد سبق أن عمد زوج بولاية نابل في العقد الثالث من عمره على وضع حد لحياة زوجته خنقا بواسطة "كابل" بإحدى قرى معتمدية الحميدة، وحسب المعطيات الأولية فإن الحادثة تتمثل في تعمد الزوج خنق زوجته بواسطة سلك كهربائي إثر خلاف نشب بينهما.
وقد عاين ممثل النيابة العمومية جثة الهالكة وهي إمراة في العشرينات من العمر وأذن بنقلها إلى قسم التشريح بالمستشفى الجهوي الطاهر المعموري بنابل.
ظاهرة تقتيل النساء..
لقد باتت هذه الظاهرة تؤرق المنظمات النسوية وتهدد استقرار المجتمع التونسي.
وكانت وزراة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن نشرت تقريرا وصفياّ بهدف الرصد الأوّليّ للخصائص الاجتماعيّة والاقتصاديّة للنساء ضحايا جرائم القتل ولملامح القائمين بالجريمة خلال الفترة الممتدّة بين جانفي 2018 و30 جوان 2023.
وسجل هذا التقرير 69 جريمة قتل نساء ارتكبت في 19 ولاية خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي 2018 إلى 30 جوان 2023. ووقعت جل هذه الجرائم في المنزل بنسب بلغ أدناها 57 بالمائة سنة 2020 وأقصاها 93 بالمائة سنة 2021. ويعتبر الزوج هو القائم بالجريمة بنسبة 71 بالمائة من جرائم قتل النساء.
وكانت جرائم تقتيل النساء أثارت ولا تزال تثير قلق منظمات وجمعيات حقوقية ونسوية وسط تسجيل 25 جريمة في سنة 2023 وفق التقرير السنوي الأخير حول جرائم قتل النساء لكل من جمعيتي "أصوات نساء" وجمعية "المرأة والمواطنة بالكاف".
وكانت كل من جمعية "أصوات نساء" وجمعية "المرأة والمواطنة بالكاف" أعلنت عن تسجيل 25 جريمة قتل نساء خلال سنة 2023، وذلك في ندوة صحفية كانت انتظمت بالعاصمة، لتقديم التقرير السنوي المنجز حول جرائم قتل النساء لسنة 2023.
ودعت كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف، في تقريرهما، إلى اعتماد مصطلح تقتيل النساء من قبل المشرع التونسي، كجريمة قائمة بحد ذاتها، لخصوصية هذه الجريمة ولرد الاعتبار لضحايا هذه الظاهرة والمساهمة في الحد من هذه الجرائم وتعزيز الوعي بمخاطر جرائم العنف ضد المرأة.
وفي محور “إحصائيات مرعبة وغياب سياسات عمومية ناجعة” ذكّر التقرير ببعض الأرقام والمعطيات التي نشرتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تقريرها حول الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للنساء ضحايا جرائم القتل وملامح القائمين بالجريمة في الفترة المتراوحة بين جانفي 2018 و30 جوان 2023.
ويدعو المختصون إلى ترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي لمحاولة الحد من هذه الجرائم البشعة.
الظاهرة من منظور إجتماعي..
المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين يعتبر أن العنف الزوجي الذي ينتهي بقتل الأزواج التونسيين لزوجاتهم لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة و التواتر ، ولكن ما يلفت الانتباه حسب رأيه ان هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الاعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد و تتوسع.
في الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول أن الامن العام بات مهددا والأسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ2015 .
الجو العام غذى الجرائم..
عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها.
ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات ( حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي من اختصاص ذكوري بحت ،أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.
العدوانية..
من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية ،كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روح من أجل سبب تافه، وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.
كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع ،إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي وأتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التباهي والاستعراض.
الأسباب..
من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية، تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الأسرية التي تجمعهم.
كما تسربت ثقافة العنف صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا ،هذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش و لعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لإثبات الذات وإبرازها.
في بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية. بالتالي أصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة بل امست بؤرة لإنتاجها.من ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وفضاء للعنف.
كذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين،
ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.
كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح" بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيدهم من خلال أغاني " الراب" و أصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة.كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل و تكوين أسرة و يعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الإحساس بـ" الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.
غياب مشروع مجتمعي..
وأضاف المختص في علم الاجتماع بأننا ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله ،غياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع ،كل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواء من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل بالتالي كل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته إلى أن نصل إلى حدود الجريمة والقتل.
واعتبر أن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تقتضي ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة وإصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية و الادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الأزمات بشكل فعال ومجدي.
تونس-الصباح
رغم أن تونس تعتبر من البلدان الرائدة في مجال احترام حقوق المرأة وإعطائها مكانة هامة من خلال سن قوانين تحفظ حقوقها وتدافع عنها بدءا من مجلة الأحوال الشخصية وصولا إلى قانون مناهضة العنف ضد المرأة، إلا أن العديد من النساء لازلنَ يعانين في صمت وجهرا من العنف المادي والمعنوي المسلط عليهن من قبل أزواجهن، عنف وصل في العديد من الأحيان إلى حد القتل.
صباح الشابي
فقد جدت ثاني أيام عيد الأضحى جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها امرأة في الثلاثينات من عمرها وأم لطفلين.
حيث استقبلت وحدة الأغالبة للاختصاصات الجراحية التابعة للمستشفى الجامعي ابن الجزّار بالقيروان خلال الليلة الفاصلة بين يومي الأحد والاثنين جثة إمرأة تبلغ من العمر 30 سنة وهي أم لطفلين، توفيت نتيجة تعرضها إلى عملية ذبح وتلقيها عدة طعنات على مستوى البطن من قبل زوجها الذي طاردها في الطريق العام ونفذ جريمته البشعة.
وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقيروان بالاحتفاظ به.
وحسب المعطيات الأولية فإن خلافا نشب بين الزوجين فجر ثاني أيام العيد، فعمد الزوج إلى الاعتداء بالعنف المادي والمعنوي على زوجته الهالكة ورغم انها فرت خارج المنزل إلا انه التحق بها وسدد لها عديد الطعنات المتفرقة بكامل جسدها وانتهى بذبحها.
وتطرح هذه الجريمة النكراء مرة أخرى ظاهرة العنف الزوجي الذي ينتهي في بعض الأحيان إلى جريمة قتل تكون لها تبعات وأثار نفسية مأساوية على الأبناء الذين يدفعون ثمن أخطاء أبائهم.
هذه الجرائم التي يكون فيها الزوج هو القاتل ليست بالأولى إذ سبق وأن قتلت نساء على يد أزواجهن، على غرار الهالكة رفقة الشارني المرأة الشابة والأم لطفل قتلت بدم بارد على يد زوجها الذي يعمل بسلك الحرس الوطني، إذ قتلها بخمس طلقات من سلاحه الوظيفي في منطقة الكاف بالشمال الغربي لتونس، وغيرها من جرائم القتل التي تكون الضحية فيها الزوجة والجاني هو الزوج، فقد سبق أن عمد زوج بولاية نابل في العقد الثالث من عمره على وضع حد لحياة زوجته خنقا بواسطة "كابل" بإحدى قرى معتمدية الحميدة، وحسب المعطيات الأولية فإن الحادثة تتمثل في تعمد الزوج خنق زوجته بواسطة سلك كهربائي إثر خلاف نشب بينهما.
وقد عاين ممثل النيابة العمومية جثة الهالكة وهي إمراة في العشرينات من العمر وأذن بنقلها إلى قسم التشريح بالمستشفى الجهوي الطاهر المعموري بنابل.
ظاهرة تقتيل النساء..
لقد باتت هذه الظاهرة تؤرق المنظمات النسوية وتهدد استقرار المجتمع التونسي.
وكانت وزراة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن نشرت تقريرا وصفياّ بهدف الرصد الأوّليّ للخصائص الاجتماعيّة والاقتصاديّة للنساء ضحايا جرائم القتل ولملامح القائمين بالجريمة خلال الفترة الممتدّة بين جانفي 2018 و30 جوان 2023.
وسجل هذا التقرير 69 جريمة قتل نساء ارتكبت في 19 ولاية خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي 2018 إلى 30 جوان 2023. ووقعت جل هذه الجرائم في المنزل بنسب بلغ أدناها 57 بالمائة سنة 2020 وأقصاها 93 بالمائة سنة 2021. ويعتبر الزوج هو القائم بالجريمة بنسبة 71 بالمائة من جرائم قتل النساء.
وكانت جرائم تقتيل النساء أثارت ولا تزال تثير قلق منظمات وجمعيات حقوقية ونسوية وسط تسجيل 25 جريمة في سنة 2023 وفق التقرير السنوي الأخير حول جرائم قتل النساء لكل من جمعيتي "أصوات نساء" وجمعية "المرأة والمواطنة بالكاف".
وكانت كل من جمعية "أصوات نساء" وجمعية "المرأة والمواطنة بالكاف" أعلنت عن تسجيل 25 جريمة قتل نساء خلال سنة 2023، وذلك في ندوة صحفية كانت انتظمت بالعاصمة، لتقديم التقرير السنوي المنجز حول جرائم قتل النساء لسنة 2023.
ودعت كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف، في تقريرهما، إلى اعتماد مصطلح تقتيل النساء من قبل المشرع التونسي، كجريمة قائمة بحد ذاتها، لخصوصية هذه الجريمة ولرد الاعتبار لضحايا هذه الظاهرة والمساهمة في الحد من هذه الجرائم وتعزيز الوعي بمخاطر جرائم العنف ضد المرأة.
وفي محور “إحصائيات مرعبة وغياب سياسات عمومية ناجعة” ذكّر التقرير ببعض الأرقام والمعطيات التي نشرتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تقريرها حول الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للنساء ضحايا جرائم القتل وملامح القائمين بالجريمة في الفترة المتراوحة بين جانفي 2018 و30 جوان 2023.
ويدعو المختصون إلى ترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي لمحاولة الحد من هذه الجرائم البشعة.
الظاهرة من منظور إجتماعي..
المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين يعتبر أن العنف الزوجي الذي ينتهي بقتل الأزواج التونسيين لزوجاتهم لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة و التواتر ، ولكن ما يلفت الانتباه حسب رأيه ان هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الاعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد و تتوسع.
في الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول أن الامن العام بات مهددا والأسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ2015 .
الجو العام غذى الجرائم..
عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا تتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها.
ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات ( حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي من اختصاص ذكوري بحت ،أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات.
العدوانية..
من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية ،كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روح من أجل سبب تافه، وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.
كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع ،إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي وأتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التباهي والاستعراض.
الأسباب..
من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية، تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الأسرية التي تجمعهم.
كما تسربت ثقافة العنف صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا ،هذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش و لعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لإثبات الذات وإبرازها.
في بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية. بالتالي أصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة بل امست بؤرة لإنتاجها.من ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وفضاء للعنف.
كذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين،
ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.
كما تفشت ظاهرة غريبة تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح" بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيدهم من خلال أغاني " الراب" و أصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة.كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل و تكوين أسرة و يعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله ما يبعث فيه الإحساس بـ" الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.
غياب مشروع مجتمعي..
وأضاف المختص في علم الاجتماع بأننا ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله ،غياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع ،كل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواء من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل بالتالي كل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته إلى أن نصل إلى حدود الجريمة والقتل.
واعتبر أن مواجهة الجريمة بما في ذلك الجريمة العائلية تقتضي ترسيخ مشروع مجتمعي يضم كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة وإصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية و الادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الأزمات بشكل فعال ومجدي.