إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

دخل المصطلح إلى قاموس الاستعمالات.. "الرفاه البيئي" نعم.. لكن لمن "استطاع إليه سبيلا"

  

تونس- الصباح

صار العالم يتحدث كثيرا في السنوات الأخيرة عن حماية البيئة وعن ضرورة التصدي لآثار التحولات المناخية المتسارعة.

 وتونس ليست بمعزل عن هذه المتغيرات التي بدأت تؤثر على نوعية الحياة وتفرض استنباط حلول للتأقلم مع تطرف الطبيعة وخاصة مع الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة الذي  يحذر منه العلماء والخبراء ويعتبرونه مصدرا لكل المخاطر. ومن بين هذه المخاطر، مثلا، الجفاف الشديد والفيضانات وموجات تسونامي غالى جانب فرضية ارتفاع مساحات الحرائق وانتشار الأوبئة والفيروسات الخطيرة والمجاعات وصعوبة الوصول إلى الماء الصالح للشراب.

 كل ذلك يتهدد البشر طبعا إذا لم يتم التوفق إلى حلول تقلص من نسق نسبة الاحترار العالمي وإذا لم تتفق الدول على طرق عمل جدية وناجعة لمقاومة الآثار السلبية للتحولات المناخية.

فالكل يتحدث في مؤتمرات المناخ العالمية وفي كل المناسبات البيئية عن ضرورة التكيف مع تطرف الطبيعة، لكن قلة تمر إلى الفعل. وكثيرة هي الهياكل الأممية والدولية الناشطة في مجال البيئة وكثيرة تلك الأموال التي تضخ من أجل مشاريع بيئية.

حماسة الدول الفقيرة

والواضح أن البلدان الفقيرة تظهر حماسة لقضايا البيئة أكثر مما نلاحظه في البلدان الصناعية والغنية. ويبدو أن هذه البلدان التي التزمت بتوفير المبالغ المالية التي طالبتها بها الدول الفقيرة للمساعدة في التخفيف من حدة هذه المتغيرات، تعتقد أن دورها يقف عند توفير المال. فهي تستمر في استنزاف الطاقات الملوثة بشكل كبير وتحافظ على نفس السياسات الاقتصادية التي تزيد في تفاقم أزمة التلوث وكل ما ينتج عنها من مشاكل للصحة والبيئة واختلال التوازن البيئي، وتضع بذلك بقية بلدان العالم تحت الأمر الواقع. وجدير بالتذكير أنه تم منذ فترة الإعلان عن رصد 116مليار دولار، لتستجيب أخيرا الدول الصناعية لمطلب ألحت عليه الدول الفقيرة منذ مؤتمر المناخ بكوبنهاغن الدنمارك 2009، في إطار سعيها إلى دفع الدول الصناعية والغنية التي تتسبب بدرجة كبرى في تلوث الكون لتحمل مسؤوليتها إزاء ما يحدث.

تونس في قلب المعمعة

وبلادنا التي تقع في الجزء الشمالي من القارة الإفريقية الذي يواجه أكثر من غيره خطر الشح المائي، وهي أيضا في قلب المتوسط الذي تتهدده موجات تسونامي ويتربص الجفاف بأغلب بلدانه، هي اليوم  في قلب المعمعة. صحيح، تستفيد تونس والكثير من البلدان المماثلة أو الشبيهة بوضعها، من الاعتمادات التي ترصدها الصناديق والهياكل الدولية الناشطة في مجال البيئة لتشجيع الدول على تبني سياسات داعمة للبيئة، لكن البلدان الصناعية والغنية لم تترك لتونس وللبقية خيارات كثيرة. فهي، أي البلدان الأقل مساهمة في تلوث الكون، وأن كانت في الأصل ضحية، فإنها مضطرة للتحرك من أجل مواجهة الوضع. وقد انخرطت تونس مثلا، منذ سنوات في الحراك الدولي من أجل حماية البيئة وصادقت على اغلب الاتفاقيات الإطارية الدولية وأمضت على اتفاقيات شراكة مع العديد من الهياكل الأممية أو الدولية الناشطة من أجل البيئة.

 واحتفلت بلادنا مؤخرا باليوم العالمي للبيئة الموافق لـ 5 جوان من كل سنة منذ 1973، ودارت الاحتفالات هذا العام تحت شعار:"إصلاح الأراضي ومكافحة التصحّر والقدرة على التكيّف مع الجفاف أرضنا مستقبلنا، معا نستعيد كوكبنا". ومثلت هذه المناسبة فرصة كي تذكّر وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي بأبرز عناصر الإستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولوجي التي وضعتها بلادنا منذ السنة الفارطة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق العالمي للطبيعة، مكتب تونس وشمال إفريقيا.

وتحدثت الوزيرة التي أقامت مراسم احتفال باليوم العالمي للبيئة في مكان له رمزية خاصة ويتعلق الأمر بمنتزه النحلي وهو من المنتزهات الأولى التي أحدثت في البلاد، وكان ذلك بحضور وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي ووزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، آمال بلحاج موسى ووزير الشباب والرياضة كمال دقيش وممثلين عن عدد من الوزارات  وممثلين عن المجتمع المدني وعن الشركاء وفق ما جاء في بلاغ رسمي حول الموضوع.

وعددت وزيرة البيئة بالمناسبة  الخطوات التي قامت بها تونس سواء في إطار الميزانية العامة للدولة أو في إطار شراكات مع هيئات أممية وهياكل دولية ناشطة في مجال البيئة وذكّرت بالخصوص بان كل الخطوات (تثمين الموارد المائية واستصلاح الأراضي وتشجيع الاقتصاد الأزرق والتقليص من استعمال المبيدات الكيمياوية ومقاومة البلاستيك وحملات التشجير وحملات التنظيف وغيرها) تهدف إلى تحقيق "الرفاه المادي واللامادي للأجيال الحالية والقادمة في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة وشاملة ذات قدرة على الصمود إزاء الأزمات والكوارث".

فعلا، ولكن

كل ذلك جميل ولا ننكر أن بلادنا واعية بالمخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي وبمخاطر التصحر وقد حاولت من قبل وليس فقط بداية من اليوم مقاومة تقدم الصحراء بتشجير مساحات منها جنوبي البلاد، (المجموعة البشرية تفقد سنويا مساحات متزايدة من الأراضي الصالحة وفق تأكيد الهيئات الأممية المختصة). بلادنا تسعى لمواجهة خطر الشح المائي ودخلنا في مرحلة استغلال  المياه المعالجة ( لدينا وفق أرقام رسمية،  30 محطة مجهزة بمنظومة المعالجة الثلاثية في انتظار التحاق بقية المحطات بنفس المنظومة) وتونس تنفذ خطة لمقاومة انتشار مادة البلاستيك انطلقت بمنع الأكياس البلاستيكية في المخابز والمغازات العامة - كانت توزع مجانا- وأعلنت وزارة البيئة السنة الفارطة سنة للنظافة في تونس لتتواصل هذا العام وأطلقت الوزارة حملة لتخليص المدن العتيقة من البلاستيك وتقوم بحملات لتنظيف الشواطئ الخ. وهذا كله جيد، بل هناك محور خاص بالتوعية والتثقيف في الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي ويذكّر المتحدثون باسم وزارة البيئة دائما، بأنه إن كانت الوزارة تقود الجهود في المجال، فإن قضية البيئة تبقى قضية كل الوزارات وكل أفراد المجتمع. وقد أعلنت وزارة البيئة في يوم الاحتفال باليوم العالمي للبيئة عن إطلاق "دليل التربية البيئية الموجّه للطفولة المبكّرة الذي تم إعداده بالتعاون مع وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن"، في انتظار دليل بيداغوجي مماثل بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة. كل ذلك جيد، لكن كيف تصير الأمور على مستوى الواقع؟

ما هو واضح هو المسألة البيئية موجودة على أجندة الدولة التونسية وهي مطروحة من قبل (لنا تاريخ مثلا مع لبيب صديق البيئة وتحمل العديد من الشوارع في البلاد اسم شارع البيئة) لكن الجديد هو أن الخطاب البيئي أصبح في الصدارة بعد أن كان ثانويا. وما نخشاه هو أن يخلق هذا الخطاب الذي "يبيع" اليوم فكرة الرفاه البيئي، نوعا آخر من التمييز بين فئات المجتمع خاصة داخل المجتمعات التي تعاني فيها نسب عالية من الفقر والتهميش.

فقضايا البيئة تتطلب وعيا كبيرا والوعي لا يتوفر عند أغلب فئات المجتمع، لذلك رغم كل الجهود نعتبر أن مسألة الوعي بهذه القضايا في تونس مسألة تناقش خاصة في ظل انشغال المواطنين عموما بتوفير ضروريات الحياة التي أصبحت صعبة في بلادنا خاصة مع الارتفاع الشديد في الأسعار وتقلص القدرة الشرائية وكل صعوبات الحياة.

صحيح، نركز على مستوى الخطاب على مصطلحات مثل التنمية المستدامة، تلك التي تخلق الثروة دون المساس من الطبيعة، ونتحدث عن الرفاه للجميع، بل صرنا نتحدث عن الرفاه البيئي، لكن من يمكنه أن يستفيد من ذلك؟ هل يمكن للمواطن الذي بالكاد تتوفر له فرصة نادرة -لأسباب مادية بدرجة أولى- لقضاء يوم مع عائلته في شاطئ من شواطئ البلاد، والصيف أصبح لا يرحم في الأعوام الأخيرة، أن يكون لديه أي استعداد للإنصات لخطاب حول سلامة البيئة البحرية مثلا.

هل يمكن لمن يعيش في حي شعبي أو في مجمع سكني (إقامة تتكون من مجموعة عمارات) أن يقتنع كثيرا بشيء اسمه قضايا البيئة، في وقت تتكدس فيه الفضلات في الشوارع والأزقة وأمام العمارات حيث يكفي أن تنفخ الريح قليلا حتى تملأ الروائح الكريهة الشقق والمنازل دون أن نتحدث عن التلوث السمعي (الضجيج) وغياب المساحات الخضراء وكثرة الحيوانات التي تعبث حول المناطق السوداء وطبعا دون أن ننسى الحشرات التي تحول حياة المواطنين وخاصة في الصيف، إلى جحيم.

استهلاك المنتوج البيولوجي لكن بأي ثمن؟

وفعلا، هناك توجه اليوم في العالم نحو استهلاك المنتوج البيولوجي (Bio) الذي لا يستعمل فيه أصحابه المواد الكيمياوية أو الصناعية، ويمكن أن نجد في بعض المغازات الكبرى وأيضا في المعارض أجنحة خاصة بالمنتوجات الفلاحية والغذائية وحتى مواد التجميل منصوص عليها طبيعية 100 بالمائة، لكن كم ثمن هذه المنتوجات؟

هي باهظة جدا وليست في متناول متوسطي الدخل في تونس، فما بالك بالفقراء. إذن المسألة مسألة إمكانيات أيضا ونخشى أن يكرس الخطاب البيئي خاصة في كل ما يتعلق بتغيير السلوك والممارسات والعادات الاستهلاكية وأساسا الغذائية (كم ثمن اسماك البحر في تونس اليوم مقارنة بسمك الأحواض؟)  وان كانت النوايا طيبة، الأمر الواقع وان يكون هذا "الرفاه"الذي يبشر به هذا الخطاب،  فقط لمن استطاع إليه سبيلا. 

حياة السايب

دخل المصطلح إلى قاموس الاستعمالات..   "الرفاه البيئي" نعم.. لكن لمن "استطاع إليه سبيلا"

  

تونس- الصباح

صار العالم يتحدث كثيرا في السنوات الأخيرة عن حماية البيئة وعن ضرورة التصدي لآثار التحولات المناخية المتسارعة.

 وتونس ليست بمعزل عن هذه المتغيرات التي بدأت تؤثر على نوعية الحياة وتفرض استنباط حلول للتأقلم مع تطرف الطبيعة وخاصة مع الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة الذي  يحذر منه العلماء والخبراء ويعتبرونه مصدرا لكل المخاطر. ومن بين هذه المخاطر، مثلا، الجفاف الشديد والفيضانات وموجات تسونامي غالى جانب فرضية ارتفاع مساحات الحرائق وانتشار الأوبئة والفيروسات الخطيرة والمجاعات وصعوبة الوصول إلى الماء الصالح للشراب.

 كل ذلك يتهدد البشر طبعا إذا لم يتم التوفق إلى حلول تقلص من نسق نسبة الاحترار العالمي وإذا لم تتفق الدول على طرق عمل جدية وناجعة لمقاومة الآثار السلبية للتحولات المناخية.

فالكل يتحدث في مؤتمرات المناخ العالمية وفي كل المناسبات البيئية عن ضرورة التكيف مع تطرف الطبيعة، لكن قلة تمر إلى الفعل. وكثيرة هي الهياكل الأممية والدولية الناشطة في مجال البيئة وكثيرة تلك الأموال التي تضخ من أجل مشاريع بيئية.

حماسة الدول الفقيرة

والواضح أن البلدان الفقيرة تظهر حماسة لقضايا البيئة أكثر مما نلاحظه في البلدان الصناعية والغنية. ويبدو أن هذه البلدان التي التزمت بتوفير المبالغ المالية التي طالبتها بها الدول الفقيرة للمساعدة في التخفيف من حدة هذه المتغيرات، تعتقد أن دورها يقف عند توفير المال. فهي تستمر في استنزاف الطاقات الملوثة بشكل كبير وتحافظ على نفس السياسات الاقتصادية التي تزيد في تفاقم أزمة التلوث وكل ما ينتج عنها من مشاكل للصحة والبيئة واختلال التوازن البيئي، وتضع بذلك بقية بلدان العالم تحت الأمر الواقع. وجدير بالتذكير أنه تم منذ فترة الإعلان عن رصد 116مليار دولار، لتستجيب أخيرا الدول الصناعية لمطلب ألحت عليه الدول الفقيرة منذ مؤتمر المناخ بكوبنهاغن الدنمارك 2009، في إطار سعيها إلى دفع الدول الصناعية والغنية التي تتسبب بدرجة كبرى في تلوث الكون لتحمل مسؤوليتها إزاء ما يحدث.

تونس في قلب المعمعة

وبلادنا التي تقع في الجزء الشمالي من القارة الإفريقية الذي يواجه أكثر من غيره خطر الشح المائي، وهي أيضا في قلب المتوسط الذي تتهدده موجات تسونامي ويتربص الجفاف بأغلب بلدانه، هي اليوم  في قلب المعمعة. صحيح، تستفيد تونس والكثير من البلدان المماثلة أو الشبيهة بوضعها، من الاعتمادات التي ترصدها الصناديق والهياكل الدولية الناشطة في مجال البيئة لتشجيع الدول على تبني سياسات داعمة للبيئة، لكن البلدان الصناعية والغنية لم تترك لتونس وللبقية خيارات كثيرة. فهي، أي البلدان الأقل مساهمة في تلوث الكون، وأن كانت في الأصل ضحية، فإنها مضطرة للتحرك من أجل مواجهة الوضع. وقد انخرطت تونس مثلا، منذ سنوات في الحراك الدولي من أجل حماية البيئة وصادقت على اغلب الاتفاقيات الإطارية الدولية وأمضت على اتفاقيات شراكة مع العديد من الهياكل الأممية أو الدولية الناشطة من أجل البيئة.

 واحتفلت بلادنا مؤخرا باليوم العالمي للبيئة الموافق لـ 5 جوان من كل سنة منذ 1973، ودارت الاحتفالات هذا العام تحت شعار:"إصلاح الأراضي ومكافحة التصحّر والقدرة على التكيّف مع الجفاف أرضنا مستقبلنا، معا نستعيد كوكبنا". ومثلت هذه المناسبة فرصة كي تذكّر وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي بأبرز عناصر الإستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولوجي التي وضعتها بلادنا منذ السنة الفارطة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والصندوق العالمي للطبيعة، مكتب تونس وشمال إفريقيا.

وتحدثت الوزيرة التي أقامت مراسم احتفال باليوم العالمي للبيئة في مكان له رمزية خاصة ويتعلق الأمر بمنتزه النحلي وهو من المنتزهات الأولى التي أحدثت في البلاد، وكان ذلك بحضور وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي ووزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، آمال بلحاج موسى ووزير الشباب والرياضة كمال دقيش وممثلين عن عدد من الوزارات  وممثلين عن المجتمع المدني وعن الشركاء وفق ما جاء في بلاغ رسمي حول الموضوع.

وعددت وزيرة البيئة بالمناسبة  الخطوات التي قامت بها تونس سواء في إطار الميزانية العامة للدولة أو في إطار شراكات مع هيئات أممية وهياكل دولية ناشطة في مجال البيئة وذكّرت بالخصوص بان كل الخطوات (تثمين الموارد المائية واستصلاح الأراضي وتشجيع الاقتصاد الأزرق والتقليص من استعمال المبيدات الكيمياوية ومقاومة البلاستيك وحملات التشجير وحملات التنظيف وغيرها) تهدف إلى تحقيق "الرفاه المادي واللامادي للأجيال الحالية والقادمة في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة وشاملة ذات قدرة على الصمود إزاء الأزمات والكوارث".

فعلا، ولكن

كل ذلك جميل ولا ننكر أن بلادنا واعية بالمخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي وبمخاطر التصحر وقد حاولت من قبل وليس فقط بداية من اليوم مقاومة تقدم الصحراء بتشجير مساحات منها جنوبي البلاد، (المجموعة البشرية تفقد سنويا مساحات متزايدة من الأراضي الصالحة وفق تأكيد الهيئات الأممية المختصة). بلادنا تسعى لمواجهة خطر الشح المائي ودخلنا في مرحلة استغلال  المياه المعالجة ( لدينا وفق أرقام رسمية،  30 محطة مجهزة بمنظومة المعالجة الثلاثية في انتظار التحاق بقية المحطات بنفس المنظومة) وتونس تنفذ خطة لمقاومة انتشار مادة البلاستيك انطلقت بمنع الأكياس البلاستيكية في المخابز والمغازات العامة - كانت توزع مجانا- وأعلنت وزارة البيئة السنة الفارطة سنة للنظافة في تونس لتتواصل هذا العام وأطلقت الوزارة حملة لتخليص المدن العتيقة من البلاستيك وتقوم بحملات لتنظيف الشواطئ الخ. وهذا كله جيد، بل هناك محور خاص بالتوعية والتثقيف في الإستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي ويذكّر المتحدثون باسم وزارة البيئة دائما، بأنه إن كانت الوزارة تقود الجهود في المجال، فإن قضية البيئة تبقى قضية كل الوزارات وكل أفراد المجتمع. وقد أعلنت وزارة البيئة في يوم الاحتفال باليوم العالمي للبيئة عن إطلاق "دليل التربية البيئية الموجّه للطفولة المبكّرة الذي تم إعداده بالتعاون مع وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن"، في انتظار دليل بيداغوجي مماثل بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة. كل ذلك جيد، لكن كيف تصير الأمور على مستوى الواقع؟

ما هو واضح هو المسألة البيئية موجودة على أجندة الدولة التونسية وهي مطروحة من قبل (لنا تاريخ مثلا مع لبيب صديق البيئة وتحمل العديد من الشوارع في البلاد اسم شارع البيئة) لكن الجديد هو أن الخطاب البيئي أصبح في الصدارة بعد أن كان ثانويا. وما نخشاه هو أن يخلق هذا الخطاب الذي "يبيع" اليوم فكرة الرفاه البيئي، نوعا آخر من التمييز بين فئات المجتمع خاصة داخل المجتمعات التي تعاني فيها نسب عالية من الفقر والتهميش.

فقضايا البيئة تتطلب وعيا كبيرا والوعي لا يتوفر عند أغلب فئات المجتمع، لذلك رغم كل الجهود نعتبر أن مسألة الوعي بهذه القضايا في تونس مسألة تناقش خاصة في ظل انشغال المواطنين عموما بتوفير ضروريات الحياة التي أصبحت صعبة في بلادنا خاصة مع الارتفاع الشديد في الأسعار وتقلص القدرة الشرائية وكل صعوبات الحياة.

صحيح، نركز على مستوى الخطاب على مصطلحات مثل التنمية المستدامة، تلك التي تخلق الثروة دون المساس من الطبيعة، ونتحدث عن الرفاه للجميع، بل صرنا نتحدث عن الرفاه البيئي، لكن من يمكنه أن يستفيد من ذلك؟ هل يمكن للمواطن الذي بالكاد تتوفر له فرصة نادرة -لأسباب مادية بدرجة أولى- لقضاء يوم مع عائلته في شاطئ من شواطئ البلاد، والصيف أصبح لا يرحم في الأعوام الأخيرة، أن يكون لديه أي استعداد للإنصات لخطاب حول سلامة البيئة البحرية مثلا.

هل يمكن لمن يعيش في حي شعبي أو في مجمع سكني (إقامة تتكون من مجموعة عمارات) أن يقتنع كثيرا بشيء اسمه قضايا البيئة، في وقت تتكدس فيه الفضلات في الشوارع والأزقة وأمام العمارات حيث يكفي أن تنفخ الريح قليلا حتى تملأ الروائح الكريهة الشقق والمنازل دون أن نتحدث عن التلوث السمعي (الضجيج) وغياب المساحات الخضراء وكثرة الحيوانات التي تعبث حول المناطق السوداء وطبعا دون أن ننسى الحشرات التي تحول حياة المواطنين وخاصة في الصيف، إلى جحيم.

استهلاك المنتوج البيولوجي لكن بأي ثمن؟

وفعلا، هناك توجه اليوم في العالم نحو استهلاك المنتوج البيولوجي (Bio) الذي لا يستعمل فيه أصحابه المواد الكيمياوية أو الصناعية، ويمكن أن نجد في بعض المغازات الكبرى وأيضا في المعارض أجنحة خاصة بالمنتوجات الفلاحية والغذائية وحتى مواد التجميل منصوص عليها طبيعية 100 بالمائة، لكن كم ثمن هذه المنتوجات؟

هي باهظة جدا وليست في متناول متوسطي الدخل في تونس، فما بالك بالفقراء. إذن المسألة مسألة إمكانيات أيضا ونخشى أن يكرس الخطاب البيئي خاصة في كل ما يتعلق بتغيير السلوك والممارسات والعادات الاستهلاكية وأساسا الغذائية (كم ثمن اسماك البحر في تونس اليوم مقارنة بسمك الأحواض؟)  وان كانت النوايا طيبة، الأمر الواقع وان يكون هذا "الرفاه"الذي يبشر به هذا الخطاب،  فقط لمن استطاع إليه سبيلا. 

حياة السايب