مع انطلاق موسم حصاد وتجميع صابة الحبوب، بالمساحات المخصصة للزراعات الكبرى بمختلف ولايات الجمهورية، وما يرافقه من إجراءات وتدابير، بكل ما يتعلق بالحصاد والتجميع والتخزين، لتجنب تكرار سيناريوهات السنوات الماضية، في ضياع نسبة هامة من الصابة، تبدو الاستعدادات للموسم الفلاحي المقبل انطلاقا من الآن أكثر من مهمة، لاسيما في ظل أزمة الحبوب التي عاشت على وقعها تونس، على مدى الأشهر الماضية، وما تتطلبه من إستراتيجية واضحة ومدروسة، تقطع مع أخطاء الماضي، وتؤسس لخيار جديد، يحفز على الإنتاج، ويشجع على الاستثمار في هذا القطاع الهام.
وبعيدا عن التوقعات والأرقام، حول صابة هذه السنة، التي أجمعت كل التقديرات على أنها ستكون متوسطة، مما يزيد من حجم وارداتنا من الحبوب، فإن المطلوب في ظل هذه الوضعية، وما يجب العمل عليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة اتخاذ قرارات وإجراءات غير مسبوقة، تعيد الاعتبار لـ"مطمورة روما"، التي كانت توفر الغذاء من الحبوب للإمبراطورية الرومانية المترامية، بما ينسينا مشاهد تلك الطوابير الطويلة أمام المخابز، والصور الصادمة داخل الفضاءات التجارية، لنطوي تلك الصفحة بمتاعبها ومخاوفها.
نعلم جيدا أن النّهوض بقطاع الحبوب، والرفع من الإنتاج الوطني، ليس بالأمر الهين في ظل التغيرات المناخية، وشح المياه، وعزوف آلاف الفلاحين عن هذا النشاط الحيوي، إلا أنه بالإرادة وتعديل سياسات الدولة، يمكن التغلب على التحديات وكسب الرهانات، عبر توفير كل المتطلبات والتشجيعات، بما يمكن من بلوغ هدف التوسع في المساحات والرفع من المردودية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الطاقات الإنتاجية.
وتبدو دعوة وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية، الشبان الراغبين في الاستثمار في الحبوب السقوية بولاية تطاوين، إلى الاستفادة من حزمة تمويلات، بارقة أمل لتغيير السياسات، وتوفير الدعم وتحفيز الفئة الشبابية على خوض تجربة الإنتاج، ويبدو أن تعميم هذه الفرصة، وفتح المجال أمام شباب بقية الولايات عبر مختلف خطوط التمويل، من شأنه أن يخلق انخراطا واسعا، و"ثورة" زراعية، نحن في أمس الحاجة إليها، لتحسين إنتاج الحبوب، وتحقيق قفزة عملاقة في هذا المجال.
لاشك أن آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة متروكة، أهملها أصحابها لقلة ذات اليد، وارتفاع تكاليف الإنتاج، بينما مازالت آلاف الهكتارات الأخرى، منسية ومترامية في مختلف الجهات، دون الاستفادة من خيراتها، في وقت يفرض إيجاد صيغة لاستغلالها، بما يمكن من زراعة مساحات جديدة، والترفيع في الإنتاج.
من البديهي أن قطاع الحبوب له مكانة هامة في منظومات الإنتاج في بلادنا، تستوجب القطع مع السياسات والخيارات الفاشلة، التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على مدى العشرية "السوداء"، حتى لا نظل نواجه نفس المعوقات، ونفس الإشكاليات، ليجد الفلاح نفسه أمام سيناريوهات المواسم الماضية، يواجه مشاكل البذور، وغياب الأسمدة، في غياب التشجيعات والتحفيز.
اليوم لا يمكن الحديث عن السيادة الوطنية دون تحقيق السيادة الغذائية، وهي مسألة حسّاسة وإستراتيجية، تتطلب إرادة سياسية، وإجراءات عملية، وقرارات ثورية، من أجل خيارات جديدة، لا تحتمل مزيدا من التأخير، بل إن الرهان يقتضي تفعيل القرارات والإجراءات اليوم قبل الغد، إذا كنا نرنو فعلا الى تجاوز أزمة الحبوب، التي طالما مثلت لبلادنا كابوسا مزعجا.
إن الإسراع بإيجاد حلول جذرية للأراضي الاشتراكية، والمساحات المنسية، ومخططات لمعالجة تأثيرات التغيرات المناخية، سيحقق القفزة النوعية المرجوة، ويحول تونس الى "جنة" خضراء.
محمد صالح الربعاوي
مع انطلاق موسم حصاد وتجميع صابة الحبوب، بالمساحات المخصصة للزراعات الكبرى بمختلف ولايات الجمهورية، وما يرافقه من إجراءات وتدابير، بكل ما يتعلق بالحصاد والتجميع والتخزين، لتجنب تكرار سيناريوهات السنوات الماضية، في ضياع نسبة هامة من الصابة، تبدو الاستعدادات للموسم الفلاحي المقبل انطلاقا من الآن أكثر من مهمة، لاسيما في ظل أزمة الحبوب التي عاشت على وقعها تونس، على مدى الأشهر الماضية، وما تتطلبه من إستراتيجية واضحة ومدروسة، تقطع مع أخطاء الماضي، وتؤسس لخيار جديد، يحفز على الإنتاج، ويشجع على الاستثمار في هذا القطاع الهام.
وبعيدا عن التوقعات والأرقام، حول صابة هذه السنة، التي أجمعت كل التقديرات على أنها ستكون متوسطة، مما يزيد من حجم وارداتنا من الحبوب، فإن المطلوب في ظل هذه الوضعية، وما يجب العمل عليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة اتخاذ قرارات وإجراءات غير مسبوقة، تعيد الاعتبار لـ"مطمورة روما"، التي كانت توفر الغذاء من الحبوب للإمبراطورية الرومانية المترامية، بما ينسينا مشاهد تلك الطوابير الطويلة أمام المخابز، والصور الصادمة داخل الفضاءات التجارية، لنطوي تلك الصفحة بمتاعبها ومخاوفها.
نعلم جيدا أن النّهوض بقطاع الحبوب، والرفع من الإنتاج الوطني، ليس بالأمر الهين في ظل التغيرات المناخية، وشح المياه، وعزوف آلاف الفلاحين عن هذا النشاط الحيوي، إلا أنه بالإرادة وتعديل سياسات الدولة، يمكن التغلب على التحديات وكسب الرهانات، عبر توفير كل المتطلبات والتشجيعات، بما يمكن من بلوغ هدف التوسع في المساحات والرفع من المردودية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الطاقات الإنتاجية.
وتبدو دعوة وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية، الشبان الراغبين في الاستثمار في الحبوب السقوية بولاية تطاوين، إلى الاستفادة من حزمة تمويلات، بارقة أمل لتغيير السياسات، وتوفير الدعم وتحفيز الفئة الشبابية على خوض تجربة الإنتاج، ويبدو أن تعميم هذه الفرصة، وفتح المجال أمام شباب بقية الولايات عبر مختلف خطوط التمويل، من شأنه أن يخلق انخراطا واسعا، و"ثورة" زراعية، نحن في أمس الحاجة إليها، لتحسين إنتاج الحبوب، وتحقيق قفزة عملاقة في هذا المجال.
لاشك أن آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة متروكة، أهملها أصحابها لقلة ذات اليد، وارتفاع تكاليف الإنتاج، بينما مازالت آلاف الهكتارات الأخرى، منسية ومترامية في مختلف الجهات، دون الاستفادة من خيراتها، في وقت يفرض إيجاد صيغة لاستغلالها، بما يمكن من زراعة مساحات جديدة، والترفيع في الإنتاج.
من البديهي أن قطاع الحبوب له مكانة هامة في منظومات الإنتاج في بلادنا، تستوجب القطع مع السياسات والخيارات الفاشلة، التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على مدى العشرية "السوداء"، حتى لا نظل نواجه نفس المعوقات، ونفس الإشكاليات، ليجد الفلاح نفسه أمام سيناريوهات المواسم الماضية، يواجه مشاكل البذور، وغياب الأسمدة، في غياب التشجيعات والتحفيز.
اليوم لا يمكن الحديث عن السيادة الوطنية دون تحقيق السيادة الغذائية، وهي مسألة حسّاسة وإستراتيجية، تتطلب إرادة سياسية، وإجراءات عملية، وقرارات ثورية، من أجل خيارات جديدة، لا تحتمل مزيدا من التأخير، بل إن الرهان يقتضي تفعيل القرارات والإجراءات اليوم قبل الغد، إذا كنا نرنو فعلا الى تجاوز أزمة الحبوب، التي طالما مثلت لبلادنا كابوسا مزعجا.
إن الإسراع بإيجاد حلول جذرية للأراضي الاشتراكية، والمساحات المنسية، ومخططات لمعالجة تأثيرات التغيرات المناخية، سيحقق القفزة النوعية المرجوة، ويحول تونس الى "جنة" خضراء.