إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ضحاياها بالجملة.. الشعوذة جريمة تستنزف المجتمع.. ساهم في انتشارها الفراغ التشريعي

 

انتصاب مئات العرافين..ومقاطع فيديو تكشف سحرة المقابر

تونس - الصباح

ازدهر سوق الدجل خلال السنوات الأخيرة وسهلت العولمة مهام هؤلاء حيث لم يعد الأمر يكلفهم سوى "دكانا" افتراضيا دوّن عليه أرقام هواتف الدجال ومن ثمة تنطلق عملية الاستقطاب حيث يعمل بعضهم تحت غطاء ديني ويقدمون أنفسهم على انهم رقاة أو علماء روحانيين ولهم قدرة خارقة على "جلب الحبيب" وفتح النصيب ومداواة العاقر وازدهار التجارة وإعادة المطلقة وغيرها..وقد سهلت منصات التواصل الاجتماعي مهام هؤلاء حيث بات يتهافت ضعفاء النفوس على الدجالين والمشعوذين المتحيلين ومن هناك كانت الشرارة الأولى لـ"خراب البيوت" وانتهاك الأعراض وهدر الأموال التي اشتروا مقابلها أوهاما.

مفيدة القيزاني

آخر "النجوم" في عالم الشعوذة والدجل امرأة تنشط بجهة منوبة وتقدم نفسها على أن لها قدرات خارقة لاستحضار الجن وتطويعه لاستخراج الكنوز من باطن الأرض.

أحد ضحاياها كشف أن تلك المشعوذة سلبته 350 ألف دينار سلمها لها على مراحل حيث كانت تطلب منه في كل مرة ان يسلمها مبلغا معينا لشراء معدات يطلبها "الجان" لاستخراج الكنوز بعد أن قامت بتمثيلية في استخراج سبيكة ذهبية اللون أمامه وإيهامه بإمكانية استخراج المزيد حال تحقيق رغباتهما ، كما أكّد بقية المتضررين أنها تسلّمت منهم مبالغ مالية ناهزت الـ 150 ألف دينار بذات الطريقة.

وقد تمكّنت الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية بمنوبة من القبض عليها وتبين انها تحيلت على أربعة أشخاص بعد إيهامهم بإمكانياتها استحضار الجان واستخراج الكنوز من باطن الأرض بمساعدة ثلاثة أشخاص من جنسيات مختلفة.

وبالتنقّل إلى منزلها بعد التنسيق مع النيابة العمومية تم العثور على وثائق مخفية "عقدي بيع لسيارة وقطعة أرض، هاتف جوال، شهادة اشتراك في الملكية، صك بنكي بقيمة 31 ألف دينار ووثيقة مكتوبة بخط اليد (عقد قران) وسيارة رباعية الدفع".

وباستشارة ممثل النيابة العمومية، أذن بالاحتفاظ بها بعد اعترافها بعمليات التحيل المذكورة كما تم القبض على اثنين من مساعديها وإدراج مشارك لها بالتفتيش.

حملات للتصدي للمشعوذين..

في وقت سابق غصت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديوهات تكشف عمليات سحر وشعوذة في المقابر وقام شباب متطوعون بحملات تنظيف الكثير من القبور وإخراج صور لأشخاص كتب على ظهورها طلاسم وغيرها من الأشياء التي تشير الى وجود أسحار في تلك القبور.

كما سبق وأن أصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين 7 بطاقات إيداع بالسجن في حق مشعوذ خطير يكنى "الشيطان".

هو ليس المشعوذ الوحيد الذي ألقي عليه القبض حيث تمكنت الوحدات الأمنية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بالقصرين من الإطاحة بخمسة مشعوذين آخرين وقد حجزت لدى "الشيطان" ما يزيد عن مائتي صورة لمواطنين ، وفنانين، ورياضيين، ومحامين، وأطباء، وإعلاميين، ورجال أعمال، وشبان وفتيات، إلى جانب كتب، ووثائق، وأعشاب، وعقاقير وأعضاء حيوانيّة تستعمل في السحر والشعوذة ومن أجل جلب الحبيب أو التفريق بين الأزواج والأشقاء والأقارب وقد تقدم بعضهم بشكايات ضده وبموجبها صدرت فيه بطاقات إيداع بالسجن.

كما تمكنت مصلحة شرطة النجدة بالقصرين من القبض على مشعوذين أثنين إثر عملية مداهمة لمنزلهما الكائن بحي الزهور في القصرين المدينة.

وألقت وحدات منطقة الأمن الوطني بالقصرين إثر جملة من المداهمات في حي النور بالقصرين المدينة القبض على امرأة مغربية الجنسية تمارس أعمال الشعوذة بمقابل مالي، علما وأنها كانت متزوجة على خلاف الصيغ القانونية، وقد تبين أن زوجها صادرة في حقه أربعة مناشير تفتيش من أجل جرائم مختلفة وحجز عندها عدد من كتب السحر وأنواع مختلفة من البخور وأوراق بها كتابات شعوذة.

حكاية "بلقاسم"..

قضية عرفت لدى الرأي العام بقضية "بلقاسم" وهي تتعلق كذلك بمشعوذ تحيل على ضحاياه من النساء واعتدى عليهن وقبلها تمكن أعوان فرقة الشرطة العدلية بمنطقة الأمن الوطني بتاجروين من ولاية الكاف، من القبض على شيخ فى عقده السادس صادرة في حقه ثلاثة مناشير تفتيش بتهمة التحيل والسرقة وقد انتحل الشيخ المذكور صفة عراف مغربي مقيم في بلادنا ويمارس الشعوذة.

وقد أقدم في مناسبتين على اغتصاب اثنتين من حريفاته علاوة على تحرشه بعدد آخر من الضحايا.

وتعلقت بالمشعوذ تهم تحيل أخرى حيث كان يعمد أحيانا إلى انتحال صفة محام ويعد ضحاياه بالتدخل لفائدتهم لدى القضاء والمحاكم وقام بإقناع عدد من متساكني المنطقة بأن له قدرة على استخراج الكنوز مقابل مده بمبالغ مالية كبيرة.

بالعودة الى ما عرف بملف المشعوذ بلقاسم الذي تناقلته وسائل إعلام محلية وعربية قال الجهاز الأمني إن المشعوذ المعروف باسم بلقاسم بلغت معلومات حوله لأعوان وإطارات الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية بالقرجاني مفادها تعمد شخص يستغل حسابا على شبكة الفيسبوك إلى استدراج الفتيات للاعتداء عليهن جنسيا بتعلة معالجتهن روحانيا وبعد جملة من التحريات الميدانية المكثفة وبسماع عدد من الضحايا،تم التوصل إلى معرفة هويته وتبين انه قاطن بجهة اريانة وهو من مواليد 1969 وبتفتيش منزله اثر التنسيق مع النيابة العمومية باريانة تم العثور على هاتفين وجهاز كاميرا تبين احتواؤها على مقاطع فيديو يظهر فيها المظنون فيه بصدد ممارسة الجنس مع الضحايا.

وبتعميق الأبحاث في الموضوع اعترف بلقاسم بما نسب اليه مؤكدا ايهام ضحاياه بإتباع طريقة المعالجة الروحانية لإشباع رغباته الجنسية.. وقد تمت الإحاطة النفسيه بالمتضررات في مرحلة أولى من قبل ضباط مختصين في علم النفس التابعين لجهاز الشرطة العدلية وفي مرحلة ثانية تم تسخير أخصائيين من خارج الجهاز.

مشعوذ "المنستير"..

وفي ذات السياق سجلت في وقت سابق بولاية المنستير حادثة مشابهة ذات أطوار صادمة حيث تحول فيها شاب يعاني من الحرمان والكبت الجنسي على الأرجح الى عرّاف يتظاهر بتفسير الأحلام واصطياد المعجبات بصفحته الفايسبوكية ومتابعاتها بدعوى قدرته على علاجهن ثم يستغل الفرصة للعبث بأجسادهن والاعتداء على شرفهن واغتصابهن داخل محل عمله بدعوى إخراج الجن من أجسادهن، الى ان تحرّكت في الأخير إحدى ضحاياه وكسرت القيود المعنوية التي كبلها بها واشتكته..

هي فتاة أصيلة إحدى مناطق الوطن القبلي كانت ذات يوم تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عندما أبحرت في صفحة على موقع الفايسبوك تعتني بتفسير الأحلام ثم تواصلت مع صاحبها حتى تعمقا في الحديث وروت له بكل عفوية معاناتها بحثا عن إمكانية مساعدتها فتظاهر بالتفاعل والتعاطف مع حالتها وضرب لها موعدا للقدوم الى محله الذي يفتحه منذ مدة خلسة لممارسة التدجيل والشعوذة.

انطلت الحيلة على الفتاة وتحولت الى ولاية المنستير حسب الموعد المتفق عليه مع العرّاف حيث التقته في محله، وهناك داخل غرفة تظاهر بتشخيص مرضها، فاستفسرها حول ما يخالجها ومما تعاني وما يقلقها وأجابت بكل عفوية، ثم انطلق في استعمال المؤثرات المعروفة لدى عموم المشعوذين لجعل ضحاياهم في حالة ضعف وخلص الى إعلامها بأن جنا يسكن جسدها.

بعد ان ارهبها.. حاول لاحقا تهوين الأمر بإيهامها بقدرته الخارقة على علاجها وإخراج الجن من جسدها وطرده نهائيا من حياتها، فاطمأن قلب الفتاة بعض الشيء للأمر وتعلقت بالأمل الذي أوهمها به وتركته يعالجها فتظاهر في البداية بقراءة بعض الآيات القرآنية ثم بدأ في مخاطبة ما يزعم انه الجن الساكن في جسدها حتى اقترب من الفتاة وأوهمها بانه من الضروري ان يواقعها حتى يخرج الجن من جسدها، فاستغل ضعفها وسيطرته المعنوية عليها وغيابها عن الوعي ونزع ملابسها وواقعها وعندما قضى وطره منها واسترجعت الوعي أوهمها بأن الجن غادر فعلا.

عادت الفتاة الى مسقط رأسها وظلت لأيام وليال حبيسة الصدمة دون ان تتجرأ على فضح ما تعرضت له خوفا على سمعتها وشرف عائلتها، ولكن بعد أشهر من الواقعة تفطنت الى كونها حاملا، فاستجمعت قواها وقررت فضح الممارسات الشاذة للمشعوذ واعتداءاته وتتبعه عدليا، لذلك عادت مجددا الى المنستير حيث تقدمت بشكاية في الغرض الى الفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل بمنطقة الأمن الوطني بالجهة وروت على مسامع الأعوان ما تعرضت له.

بالسرعة القصوى تحرك المحققون، وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير داهموا محل المشتبه به وهو شاب في التاسعة والثلاثين من العمر حيث القوا عليه القبض وحجزوا بعض البخور والأوراق وكانونا ومصحفا وقوارير بها سوائل تستعمل في التدجيل ثم اقتادوه الى المقر الأمني حيث بالتحري معه اعترف بما نسب اليه، واكد انه واقع زاعمة المضرة إضافة لثلاث فتيات أخريات بعد ايهامهن بإخراج الجن من أجسادهن.

الفشل في تحقيق الأحلام..

أكد أستاذ علم الاجتماع منير السعيداني في تقرير نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء في وقت سابق أن أنشطة المشعوذين تتطور حين يفقد الناس أملهم في بلوغ احتياجاتهم في الصحة والعلاج والعمل، مشيرا إلى أن عدم انتفاع المواطنين بأنظمة صحية تحل مشاكلهم يمكن أن يدفع بهم إلى البحث عن مسوغات للعلاج ولو على أيدي السحرة.

ويرى أن الفشل في تحقيق التطلعات ومواجهة المشاكل الاجتماعية والمادية كالإحباط إزاء الشعور بعدم النجاح في المسار الدراسي وتأخر سن الزواج والبطالة، كلّها حجج يتعلّل بها زبائن المنجمين.

وأضاف السعيداني أن ظاهرة الإقبال على المنجمين تنتشر لدى الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا والتي تتسم بثقافة تقليدية، وتستند في ارتيادها لمحلات المنجمين إلى حجج دينية تؤكد وجود السحر وأثره في حين أن ثقافتها الدينية سطحية، معتبرا “أن ظاهرة الشعوذة تجاوزت مجرد الاعتقاد وتحولت إلى نظام اقتصادي مهيكل ومرخص له من قبل الدولة”.

وأوضح المختص في علم الاجتماع أن انتصاب المئات من العرافين والعرّافات في البلاد منهم من يتخذ يافطة النشاط ضمن ما يعرف بـ”الطب الروحاني”، يؤكد وجود هذا النظام الاقتصادي في وقت بدأ المجتمع التونسي يتحسس الطريق شيئا فشيئا نحو حل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى أن التوجه إلى العرافين ينقسم إلى مظهرين اثنين، يتمثل أولهما في الاعتقاد البسيط لدى الأشخاص الذين يملكون إيمانا ضعيفا بالظاهرة لكنهم مستعدون للتخلي عنها بإيعاز من آخرين، في حين يتمثل المظهر الثاني في وجود اعتقاد راسخ لأناس طالت أزماتهم.

الشعوذة والمشرع..

ويرى عدد من أساتذة القانون أن هناك فراغا تشريعيا ساهم في انتشار ظاهرة السحر والشعوذة حتى أصبحت تمارس بشكل علني داخل المجتمع وأمام أعين الدولة خاصة في المناطق الشعبية، حتى أصبحت مصدرا للاسترزاق وتجارة ربحية.

ولم يخص المشرع فصلا خاصا بجريمة الشعوذة وإنما أدرج أفعال الشعوذة والدجل ضمن جرائم التحيل، وتنطبق على هذه الأفعال مقتضيات الفصل 291 من المجلة الجزائية، المنقح بالأمر المؤرخ في 8 أكتوبر 1935، ووفق القاضي والدكتور في القانون جابر غنيمي فإن جريمة التّحيّل جريمة تتكون من ركن مادي وركن معنوي.

فأما الركن المادي فهو يستوجب استعمال طرق احتياليّة وخزعبلات تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للمتحيل بوجه غير شرعي فقد يكون موضوع التحيل أموالا أو منقولات أو رقاعا أو أوراقا ماليّة أو وصولات أو شهادات إبراء أو عقارات أو وعود تحصل عليها الجاني من المجني عليه بعد أن أقنعه زيفا بوجود مشاريع وهميّة أو بوجود نفوذ أو اعتماد وهمي أو باستعمال اسم مدلس أو صفات غير صحيحة والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء موضوع التّحيّل بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات موضوعيّة تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة.

والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاثة عناصر وهي:

أولا استخدام وسيلة من وسائل الخداع المبينة بالنص المذكور.

 ثانيا تحقيق طرق الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو اعتماد أو مشروع وهمي.

 وثالثا الاستيلاء على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.

فهو يستوجب استخدام طرق احتياليّة تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للجاني بوجه غير شرعي.

وقد يكون موضوع التحيل نقودا أو عقارات أو أوراقا ماليّة حصل عليها المتهم من الضحية بعد أن خدعه بوجود مشروعات وهميّة أو بوجود سلطة. والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة.

والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاث عناصر وهي:

أولا، استعمال طريقة من طرق الخداع بالنص المذكور.

وثانيا، تحقيق وسائل الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو مشروع وهمي.

وثالثا، الحصول على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.

الركن المعنوي ..

يتمثل في انصراف عزم المتحيل للحصول على أموال المجني عليه باطلا باستخدام الاحتيال والوهم بالرغْم من علمه، وتكون عقوبة التحيل في القانون التونسي على ذلك الفعل (القصد الجنائي العام) أي إدراك الجاني لحقيقة أفعاله وعواقبها ووعيه باستخدام وسائل غير شرعيّة بهدف الاستيلاء على أموال الغير باطلا ويشترط أيضا تعمد المتهم سلب مكاسب المجني عليه دون وجه حق.

عقوبة التحيل..

تعرض القانون التونسي لهذه الجريمة في المادة 291 من المجلة الجزائية الذي جاء فيه أن عقوبة التحيل في القانون التونسي بالسجن فترة خمس سنوات وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار، كل من استخدم مواصفات غير صحيحة أو لجأ للحيل لإقناع الغير بوجود مشروعات لا وجود لها على أرض الواقع أو نفوذ أو مشروع وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل، في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية ويكون قد تسلم أموالا أو منقولات أو ممتلكات أو أوراقا مالية أو وعودا أو وصولات أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير.

 

 

 

 

ضحاياها بالجملة..  الشعوذة جريمة تستنزف المجتمع.. ساهم في انتشارها الفراغ التشريعي

 

انتصاب مئات العرافين..ومقاطع فيديو تكشف سحرة المقابر

تونس - الصباح

ازدهر سوق الدجل خلال السنوات الأخيرة وسهلت العولمة مهام هؤلاء حيث لم يعد الأمر يكلفهم سوى "دكانا" افتراضيا دوّن عليه أرقام هواتف الدجال ومن ثمة تنطلق عملية الاستقطاب حيث يعمل بعضهم تحت غطاء ديني ويقدمون أنفسهم على انهم رقاة أو علماء روحانيين ولهم قدرة خارقة على "جلب الحبيب" وفتح النصيب ومداواة العاقر وازدهار التجارة وإعادة المطلقة وغيرها..وقد سهلت منصات التواصل الاجتماعي مهام هؤلاء حيث بات يتهافت ضعفاء النفوس على الدجالين والمشعوذين المتحيلين ومن هناك كانت الشرارة الأولى لـ"خراب البيوت" وانتهاك الأعراض وهدر الأموال التي اشتروا مقابلها أوهاما.

مفيدة القيزاني

آخر "النجوم" في عالم الشعوذة والدجل امرأة تنشط بجهة منوبة وتقدم نفسها على أن لها قدرات خارقة لاستحضار الجن وتطويعه لاستخراج الكنوز من باطن الأرض.

أحد ضحاياها كشف أن تلك المشعوذة سلبته 350 ألف دينار سلمها لها على مراحل حيث كانت تطلب منه في كل مرة ان يسلمها مبلغا معينا لشراء معدات يطلبها "الجان" لاستخراج الكنوز بعد أن قامت بتمثيلية في استخراج سبيكة ذهبية اللون أمامه وإيهامه بإمكانية استخراج المزيد حال تحقيق رغباتهما ، كما أكّد بقية المتضررين أنها تسلّمت منهم مبالغ مالية ناهزت الـ 150 ألف دينار بذات الطريقة.

وقد تمكّنت الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية بمنوبة من القبض عليها وتبين انها تحيلت على أربعة أشخاص بعد إيهامهم بإمكانياتها استحضار الجان واستخراج الكنوز من باطن الأرض بمساعدة ثلاثة أشخاص من جنسيات مختلفة.

وبالتنقّل إلى منزلها بعد التنسيق مع النيابة العمومية تم العثور على وثائق مخفية "عقدي بيع لسيارة وقطعة أرض، هاتف جوال، شهادة اشتراك في الملكية، صك بنكي بقيمة 31 ألف دينار ووثيقة مكتوبة بخط اليد (عقد قران) وسيارة رباعية الدفع".

وباستشارة ممثل النيابة العمومية، أذن بالاحتفاظ بها بعد اعترافها بعمليات التحيل المذكورة كما تم القبض على اثنين من مساعديها وإدراج مشارك لها بالتفتيش.

حملات للتصدي للمشعوذين..

في وقت سابق غصت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديوهات تكشف عمليات سحر وشعوذة في المقابر وقام شباب متطوعون بحملات تنظيف الكثير من القبور وإخراج صور لأشخاص كتب على ظهورها طلاسم وغيرها من الأشياء التي تشير الى وجود أسحار في تلك القبور.

كما سبق وأن أصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين 7 بطاقات إيداع بالسجن في حق مشعوذ خطير يكنى "الشيطان".

هو ليس المشعوذ الوحيد الذي ألقي عليه القبض حيث تمكنت الوحدات الأمنية التابعة لمنطقة الأمن الوطني بالقصرين من الإطاحة بخمسة مشعوذين آخرين وقد حجزت لدى "الشيطان" ما يزيد عن مائتي صورة لمواطنين ، وفنانين، ورياضيين، ومحامين، وأطباء، وإعلاميين، ورجال أعمال، وشبان وفتيات، إلى جانب كتب، ووثائق، وأعشاب، وعقاقير وأعضاء حيوانيّة تستعمل في السحر والشعوذة ومن أجل جلب الحبيب أو التفريق بين الأزواج والأشقاء والأقارب وقد تقدم بعضهم بشكايات ضده وبموجبها صدرت فيه بطاقات إيداع بالسجن.

كما تمكنت مصلحة شرطة النجدة بالقصرين من القبض على مشعوذين أثنين إثر عملية مداهمة لمنزلهما الكائن بحي الزهور في القصرين المدينة.

وألقت وحدات منطقة الأمن الوطني بالقصرين إثر جملة من المداهمات في حي النور بالقصرين المدينة القبض على امرأة مغربية الجنسية تمارس أعمال الشعوذة بمقابل مالي، علما وأنها كانت متزوجة على خلاف الصيغ القانونية، وقد تبين أن زوجها صادرة في حقه أربعة مناشير تفتيش من أجل جرائم مختلفة وحجز عندها عدد من كتب السحر وأنواع مختلفة من البخور وأوراق بها كتابات شعوذة.

حكاية "بلقاسم"..

قضية عرفت لدى الرأي العام بقضية "بلقاسم" وهي تتعلق كذلك بمشعوذ تحيل على ضحاياه من النساء واعتدى عليهن وقبلها تمكن أعوان فرقة الشرطة العدلية بمنطقة الأمن الوطني بتاجروين من ولاية الكاف، من القبض على شيخ فى عقده السادس صادرة في حقه ثلاثة مناشير تفتيش بتهمة التحيل والسرقة وقد انتحل الشيخ المذكور صفة عراف مغربي مقيم في بلادنا ويمارس الشعوذة.

وقد أقدم في مناسبتين على اغتصاب اثنتين من حريفاته علاوة على تحرشه بعدد آخر من الضحايا.

وتعلقت بالمشعوذ تهم تحيل أخرى حيث كان يعمد أحيانا إلى انتحال صفة محام ويعد ضحاياه بالتدخل لفائدتهم لدى القضاء والمحاكم وقام بإقناع عدد من متساكني المنطقة بأن له قدرة على استخراج الكنوز مقابل مده بمبالغ مالية كبيرة.

بالعودة الى ما عرف بملف المشعوذ بلقاسم الذي تناقلته وسائل إعلام محلية وعربية قال الجهاز الأمني إن المشعوذ المعروف باسم بلقاسم بلغت معلومات حوله لأعوان وإطارات الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بإدارة الشرطة العدلية بالقرجاني مفادها تعمد شخص يستغل حسابا على شبكة الفيسبوك إلى استدراج الفتيات للاعتداء عليهن جنسيا بتعلة معالجتهن روحانيا وبعد جملة من التحريات الميدانية المكثفة وبسماع عدد من الضحايا،تم التوصل إلى معرفة هويته وتبين انه قاطن بجهة اريانة وهو من مواليد 1969 وبتفتيش منزله اثر التنسيق مع النيابة العمومية باريانة تم العثور على هاتفين وجهاز كاميرا تبين احتواؤها على مقاطع فيديو يظهر فيها المظنون فيه بصدد ممارسة الجنس مع الضحايا.

وبتعميق الأبحاث في الموضوع اعترف بلقاسم بما نسب اليه مؤكدا ايهام ضحاياه بإتباع طريقة المعالجة الروحانية لإشباع رغباته الجنسية.. وقد تمت الإحاطة النفسيه بالمتضررات في مرحلة أولى من قبل ضباط مختصين في علم النفس التابعين لجهاز الشرطة العدلية وفي مرحلة ثانية تم تسخير أخصائيين من خارج الجهاز.

مشعوذ "المنستير"..

وفي ذات السياق سجلت في وقت سابق بولاية المنستير حادثة مشابهة ذات أطوار صادمة حيث تحول فيها شاب يعاني من الحرمان والكبت الجنسي على الأرجح الى عرّاف يتظاهر بتفسير الأحلام واصطياد المعجبات بصفحته الفايسبوكية ومتابعاتها بدعوى قدرته على علاجهن ثم يستغل الفرصة للعبث بأجسادهن والاعتداء على شرفهن واغتصابهن داخل محل عمله بدعوى إخراج الجن من أجسادهن، الى ان تحرّكت في الأخير إحدى ضحاياه وكسرت القيود المعنوية التي كبلها بها واشتكته..

هي فتاة أصيلة إحدى مناطق الوطن القبلي كانت ذات يوم تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عندما أبحرت في صفحة على موقع الفايسبوك تعتني بتفسير الأحلام ثم تواصلت مع صاحبها حتى تعمقا في الحديث وروت له بكل عفوية معاناتها بحثا عن إمكانية مساعدتها فتظاهر بالتفاعل والتعاطف مع حالتها وضرب لها موعدا للقدوم الى محله الذي يفتحه منذ مدة خلسة لممارسة التدجيل والشعوذة.

انطلت الحيلة على الفتاة وتحولت الى ولاية المنستير حسب الموعد المتفق عليه مع العرّاف حيث التقته في محله، وهناك داخل غرفة تظاهر بتشخيص مرضها، فاستفسرها حول ما يخالجها ومما تعاني وما يقلقها وأجابت بكل عفوية، ثم انطلق في استعمال المؤثرات المعروفة لدى عموم المشعوذين لجعل ضحاياهم في حالة ضعف وخلص الى إعلامها بأن جنا يسكن جسدها.

بعد ان ارهبها.. حاول لاحقا تهوين الأمر بإيهامها بقدرته الخارقة على علاجها وإخراج الجن من جسدها وطرده نهائيا من حياتها، فاطمأن قلب الفتاة بعض الشيء للأمر وتعلقت بالأمل الذي أوهمها به وتركته يعالجها فتظاهر في البداية بقراءة بعض الآيات القرآنية ثم بدأ في مخاطبة ما يزعم انه الجن الساكن في جسدها حتى اقترب من الفتاة وأوهمها بانه من الضروري ان يواقعها حتى يخرج الجن من جسدها، فاستغل ضعفها وسيطرته المعنوية عليها وغيابها عن الوعي ونزع ملابسها وواقعها وعندما قضى وطره منها واسترجعت الوعي أوهمها بأن الجن غادر فعلا.

عادت الفتاة الى مسقط رأسها وظلت لأيام وليال حبيسة الصدمة دون ان تتجرأ على فضح ما تعرضت له خوفا على سمعتها وشرف عائلتها، ولكن بعد أشهر من الواقعة تفطنت الى كونها حاملا، فاستجمعت قواها وقررت فضح الممارسات الشاذة للمشعوذ واعتداءاته وتتبعه عدليا، لذلك عادت مجددا الى المنستير حيث تقدمت بشكاية في الغرض الى الفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل بمنطقة الأمن الوطني بالجهة وروت على مسامع الأعوان ما تعرضت له.

بالسرعة القصوى تحرك المحققون، وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير داهموا محل المشتبه به وهو شاب في التاسعة والثلاثين من العمر حيث القوا عليه القبض وحجزوا بعض البخور والأوراق وكانونا ومصحفا وقوارير بها سوائل تستعمل في التدجيل ثم اقتادوه الى المقر الأمني حيث بالتحري معه اعترف بما نسب اليه، واكد انه واقع زاعمة المضرة إضافة لثلاث فتيات أخريات بعد ايهامهن بإخراج الجن من أجسادهن.

الفشل في تحقيق الأحلام..

أكد أستاذ علم الاجتماع منير السعيداني في تقرير نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء في وقت سابق أن أنشطة المشعوذين تتطور حين يفقد الناس أملهم في بلوغ احتياجاتهم في الصحة والعلاج والعمل، مشيرا إلى أن عدم انتفاع المواطنين بأنظمة صحية تحل مشاكلهم يمكن أن يدفع بهم إلى البحث عن مسوغات للعلاج ولو على أيدي السحرة.

ويرى أن الفشل في تحقيق التطلعات ومواجهة المشاكل الاجتماعية والمادية كالإحباط إزاء الشعور بعدم النجاح في المسار الدراسي وتأخر سن الزواج والبطالة، كلّها حجج يتعلّل بها زبائن المنجمين.

وأضاف السعيداني أن ظاهرة الإقبال على المنجمين تنتشر لدى الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا والتي تتسم بثقافة تقليدية، وتستند في ارتيادها لمحلات المنجمين إلى حجج دينية تؤكد وجود السحر وأثره في حين أن ثقافتها الدينية سطحية، معتبرا “أن ظاهرة الشعوذة تجاوزت مجرد الاعتقاد وتحولت إلى نظام اقتصادي مهيكل ومرخص له من قبل الدولة”.

وأوضح المختص في علم الاجتماع أن انتصاب المئات من العرافين والعرّافات في البلاد منهم من يتخذ يافطة النشاط ضمن ما يعرف بـ”الطب الروحاني”، يؤكد وجود هذا النظام الاقتصادي في وقت بدأ المجتمع التونسي يتحسس الطريق شيئا فشيئا نحو حل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. وأشار إلى أن التوجه إلى العرافين ينقسم إلى مظهرين اثنين، يتمثل أولهما في الاعتقاد البسيط لدى الأشخاص الذين يملكون إيمانا ضعيفا بالظاهرة لكنهم مستعدون للتخلي عنها بإيعاز من آخرين، في حين يتمثل المظهر الثاني في وجود اعتقاد راسخ لأناس طالت أزماتهم.

الشعوذة والمشرع..

ويرى عدد من أساتذة القانون أن هناك فراغا تشريعيا ساهم في انتشار ظاهرة السحر والشعوذة حتى أصبحت تمارس بشكل علني داخل المجتمع وأمام أعين الدولة خاصة في المناطق الشعبية، حتى أصبحت مصدرا للاسترزاق وتجارة ربحية.

ولم يخص المشرع فصلا خاصا بجريمة الشعوذة وإنما أدرج أفعال الشعوذة والدجل ضمن جرائم التحيل، وتنطبق على هذه الأفعال مقتضيات الفصل 291 من المجلة الجزائية، المنقح بالأمر المؤرخ في 8 أكتوبر 1935، ووفق القاضي والدكتور في القانون جابر غنيمي فإن جريمة التّحيّل جريمة تتكون من ركن مادي وركن معنوي.

فأما الركن المادي فهو يستوجب استعمال طرق احتياليّة وخزعبلات تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للمتحيل بوجه غير شرعي فقد يكون موضوع التحيل أموالا أو منقولات أو رقاعا أو أوراقا ماليّة أو وصولات أو شهادات إبراء أو عقارات أو وعود تحصل عليها الجاني من المجني عليه بعد أن أقنعه زيفا بوجود مشاريع وهميّة أو بوجود نفوذ أو اعتماد وهمي أو باستعمال اسم مدلس أو صفات غير صحيحة والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء موضوع التّحيّل بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات موضوعيّة تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة.

والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاثة عناصر وهي:

أولا استخدام وسيلة من وسائل الخداع المبينة بالنص المذكور.

 ثانيا تحقيق طرق الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو اعتماد أو مشروع وهمي.

 وثالثا الاستيلاء على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.

فهو يستوجب استخدام طرق احتياليّة تنتهي بتسليم المال أو المنقول أو العقار موضوع التّحيّل للجاني بوجه غير شرعي.

وقد يكون موضوع التحيل نقودا أو عقارات أو أوراقا ماليّة حصل عليها المتهم من الضحية بعد أن خدعه بوجود مشروعات وهميّة أو بوجود سلطة. والنّتيجة في جميع ذلك تسليم الشيء بصفة إراديّة معنى ذلك وجوب توفّر علامات تقنع الإنسان البسيط بالمشروع الوهمي الذي لا وجود له في الحقيقة.

والمقصود بذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاث عناصر وهي:

أولا، استعمال طريقة من طرق الخداع بالنص المذكور.

وثانيا، تحقيق وسائل الخداع لإقناع المتضرر بوجود نفوذ أو مشروع وهمي.

وثالثا، الحصول على مكاسب الغير بصفة إرادية وهو ما يميزها عن جريمة السرقة.

الركن المعنوي ..

يتمثل في انصراف عزم المتحيل للحصول على أموال المجني عليه باطلا باستخدام الاحتيال والوهم بالرغْم من علمه، وتكون عقوبة التحيل في القانون التونسي على ذلك الفعل (القصد الجنائي العام) أي إدراك الجاني لحقيقة أفعاله وعواقبها ووعيه باستخدام وسائل غير شرعيّة بهدف الاستيلاء على أموال الغير باطلا ويشترط أيضا تعمد المتهم سلب مكاسب المجني عليه دون وجه حق.

عقوبة التحيل..

تعرض القانون التونسي لهذه الجريمة في المادة 291 من المجلة الجزائية الذي جاء فيه أن عقوبة التحيل في القانون التونسي بالسجن فترة خمس سنوات وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار، كل من استخدم مواصفات غير صحيحة أو لجأ للحيل لإقناع الغير بوجود مشروعات لا وجود لها على أرض الواقع أو نفوذ أو مشروع وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل، في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية ويكون قد تسلم أموالا أو منقولات أو ممتلكات أو أوراقا مالية أو وعودا أو وصولات أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير.