إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد: غز..ة الفلسطينية في النورماندي !..

 

إذا كان للجغرافيا أحكامها في لعبة المصالح الإستراتيجية الدولية، فان للتاريخ دون شك دروسه التي يعني تجاهلها أو إسقاطها من الذاكرة دفع إلى تكرار الجرائم والفظاعات التي شهدتها الإنسانية في السابق.. نقول هذا الكلام بالتزامن بين اجتماع ما يسمى بقادة العالم الحر في النورماندي للاحتفال بذكرى الإنزال التاريخي لإنهاء فصل دموي من تاريخ الإنسانية الحديث مع هتلر وتهديدات ألمانيا النازية للعالم، ولكن أيضا بالتزامن مع اقتراب حرب الإبادة المفتوحة على غزة من شهرها التاسع على التوالي.. طبعا ندرك جيدا لو أن غزة كانت جزءا من الخارطة الأوروبية لكانت حاضرة في خطاب قادة الغرب، ولكان التعاطي مع الجريمة المفتوحة مختلف تماما، كما ندرك أنه لولا بقية من حياء مصطنع ومخاوف من ردود أفعال الشعوب الحية في الغرب لكان رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب ناتنياهو ربما بين الحضور يخطب عن الأمن والسلم العالميين  ويحاضر حول المحرقة اليهودية ومعاداة السامية..

لسنا في إطار محاكمة النوايا ولكن ما يجري من احتفالات على مدى ثلاثة أيام بشأن الإنزال التاريخي للحلفاء لإحياء الذاكرة بشأن التدخل الأمريكي البريطاني والفرنسي والروسي لصد الاحتلال النازي بعد حربين كونيتين مدمرتين، لا يبدو انه يستحضر المخاطر الكونية إزاء ما يشهده العالم على وقع الحرب الروسية الأوكرانية ولكن أيضا على وقع حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة وحتى في الضفة وفي القدس المحتلة والتي باتت تنذر بتوسع الحرب أكثر في لبنان وسط دعوات قيادات عسكرية إسرائيلية بتوجيه ضربات استباقية إلى إيران والحوثيين ...

لا نريد الانسياق وراء الافتراضات ولكن ما يسجل من مواقف وتصريحات للقادة الكبار في هذه الذكرى المهمة لانتصار الحلفاء التي كان الزعيم بورقيبة استشرف حصولها، يعكس تجاهلا بالتحديات والصراعات التي يمكن أن ينجرف إليها العالم في ظل تعمد الهروب إلى الأمام وتغييب منطق العدالة والشرعية الدولية... ولاشك أن في الحرب الكلامية بين الرئيس بايدن الذي أعلن موافقته على نشر أسلحة أمريكية على الحدود الروسية الأوكرانية، وبين تلويح غريمه بوتين بان العقيدة العسكرية الروسية تشمل كذلك المنظومة النووية ما يدفع إلى استباق الأسوأ..

لا خلاف أننا حتى هذه المرحلة في حصة مزايدات علنية بين واشنطن وموسكو كل حسب أولوياته وكما أن لبايدن حساباته الانتخابية الكبرى فان لبوتين أيضا حساباته الإستراتيجية على أكثر من جبهة سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو سوريا أو إيران أو الصين أو إفريقيا..

يقول الرئيس بايدن في ذكرى إنزال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، إن الديمقراطية معرضة للتهديد الآن أكثر من أي وقت مضى خلال العقود الثمانية الماضية، في المقابل يقول الملك البريطاني شارلز الثالث إنه يجب على الدول الكبرى أن تقف معا ضد الطغيان.. من الواضح أن بايدن كان يشير إلى بوتين وهو يتحدث عن التهديدات التي ستلحق أوروبا بأكملها بسبب الحرب في أوكرانيا..، معتبرا في ذات الوقت أن هناك أشياء تستحق القتال والموت من أجلها وأن "الحرية والديمقراطية تستحق ذلك"... وهو محق في ذلك لولا أنه يعتبر أن هذه الحرية والديموقراطية تبقى حكرا على بعض الشعوب ودون غيرها.. ومن هنا ربما إسقاطه من حساباته أن مختلف شعوب الأرض مهما اختلفت في هويتها وعقيدتها وتاريخها وانتمائها مستعدة للموت ليس حبا في الموت ولكن حبا في الحياة والحرية والبقاء والاستمرار.. وهذا في الحقيقة ما يبدو أن الغرب يتجاهله في احتفالاته بيوم الإنزال التاريخي أو ما يعرف باسم(D- Day) أو إنزال النورماندي والذي يحتفل به في السادس من جوان من كل عام، والذي كان نقطة بداية تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية لمعسكر الحلفاء، الذي ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتى لتحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية. انتصر الغرب على هتلر وعلى النازية والفاشية لكنه وقع للأسف في قبضة الصهيونية وأهوائها وأطماع مؤسسيها من هرتزل إلى بن غوريون وغولدا مائير وشامير وشارون وليفني حتى ناتنياهو وغالانت وبن غفير.. وهذا الغرب عاجز اليوم مستسلم أمام حليفه ناتنياهو المحصن من الملاحقة والمحاسبة والمساءلة والذي يحظى ومنذ أن تمكن الكيان الإسرائيلي بإعلان ميلاده من رحم الأمم المتحدة بالتسليح لفرض هيمنته وتفوقه على مختلف دول منطقة الشرق الأوسط.. لقد كان الاعتراف الوحيد الذي سجل لهذا الكيان بقرار الأمم المتحدة هو قرار التقسيم الذي سيعتمده للتوسع الاستيطاني الاحتلالي إلى حد ابتلاع ما بقي من ارض فلسطين وعدا ذلك فان المؤسسات الدولية والشرعية الدولية تركن على الرفوف وتقبر نزولا عند رغبة إسرائيل..

إنزال النورماندي درس مهم في التاريخ وفي التضامن الإنساني الدولي وانتصار الشعوب الحرة لحقها في الحياة ورفض للنازية.. ولكنه يبقى درسا مبتورا في أبعاده السياسية والقانونية والإنسانية والأخلاقية طالما ارتبط انتصار النورماندي بالسماح لضحية النازية بالأمس ليكرر الجريمة في حق شعب لا دور ولا مسؤولية له في المحرقة النازية.. غزة اليوم تباد وتحرق لأن العالم الحر عاجز عن ردع المعتدي ..

اسيا العتروس

ممنوع من الحياد:   غز..ة الفلسطينية في النورماندي !..

 

إذا كان للجغرافيا أحكامها في لعبة المصالح الإستراتيجية الدولية، فان للتاريخ دون شك دروسه التي يعني تجاهلها أو إسقاطها من الذاكرة دفع إلى تكرار الجرائم والفظاعات التي شهدتها الإنسانية في السابق.. نقول هذا الكلام بالتزامن بين اجتماع ما يسمى بقادة العالم الحر في النورماندي للاحتفال بذكرى الإنزال التاريخي لإنهاء فصل دموي من تاريخ الإنسانية الحديث مع هتلر وتهديدات ألمانيا النازية للعالم، ولكن أيضا بالتزامن مع اقتراب حرب الإبادة المفتوحة على غزة من شهرها التاسع على التوالي.. طبعا ندرك جيدا لو أن غزة كانت جزءا من الخارطة الأوروبية لكانت حاضرة في خطاب قادة الغرب، ولكان التعاطي مع الجريمة المفتوحة مختلف تماما، كما ندرك أنه لولا بقية من حياء مصطنع ومخاوف من ردود أفعال الشعوب الحية في الغرب لكان رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب ناتنياهو ربما بين الحضور يخطب عن الأمن والسلم العالميين  ويحاضر حول المحرقة اليهودية ومعاداة السامية..

لسنا في إطار محاكمة النوايا ولكن ما يجري من احتفالات على مدى ثلاثة أيام بشأن الإنزال التاريخي للحلفاء لإحياء الذاكرة بشأن التدخل الأمريكي البريطاني والفرنسي والروسي لصد الاحتلال النازي بعد حربين كونيتين مدمرتين، لا يبدو انه يستحضر المخاطر الكونية إزاء ما يشهده العالم على وقع الحرب الروسية الأوكرانية ولكن أيضا على وقع حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة وحتى في الضفة وفي القدس المحتلة والتي باتت تنذر بتوسع الحرب أكثر في لبنان وسط دعوات قيادات عسكرية إسرائيلية بتوجيه ضربات استباقية إلى إيران والحوثيين ...

لا نريد الانسياق وراء الافتراضات ولكن ما يسجل من مواقف وتصريحات للقادة الكبار في هذه الذكرى المهمة لانتصار الحلفاء التي كان الزعيم بورقيبة استشرف حصولها، يعكس تجاهلا بالتحديات والصراعات التي يمكن أن ينجرف إليها العالم في ظل تعمد الهروب إلى الأمام وتغييب منطق العدالة والشرعية الدولية... ولاشك أن في الحرب الكلامية بين الرئيس بايدن الذي أعلن موافقته على نشر أسلحة أمريكية على الحدود الروسية الأوكرانية، وبين تلويح غريمه بوتين بان العقيدة العسكرية الروسية تشمل كذلك المنظومة النووية ما يدفع إلى استباق الأسوأ..

لا خلاف أننا حتى هذه المرحلة في حصة مزايدات علنية بين واشنطن وموسكو كل حسب أولوياته وكما أن لبايدن حساباته الانتخابية الكبرى فان لبوتين أيضا حساباته الإستراتيجية على أكثر من جبهة سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو سوريا أو إيران أو الصين أو إفريقيا..

يقول الرئيس بايدن في ذكرى إنزال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، إن الديمقراطية معرضة للتهديد الآن أكثر من أي وقت مضى خلال العقود الثمانية الماضية، في المقابل يقول الملك البريطاني شارلز الثالث إنه يجب على الدول الكبرى أن تقف معا ضد الطغيان.. من الواضح أن بايدن كان يشير إلى بوتين وهو يتحدث عن التهديدات التي ستلحق أوروبا بأكملها بسبب الحرب في أوكرانيا..، معتبرا في ذات الوقت أن هناك أشياء تستحق القتال والموت من أجلها وأن "الحرية والديمقراطية تستحق ذلك"... وهو محق في ذلك لولا أنه يعتبر أن هذه الحرية والديموقراطية تبقى حكرا على بعض الشعوب ودون غيرها.. ومن هنا ربما إسقاطه من حساباته أن مختلف شعوب الأرض مهما اختلفت في هويتها وعقيدتها وتاريخها وانتمائها مستعدة للموت ليس حبا في الموت ولكن حبا في الحياة والحرية والبقاء والاستمرار.. وهذا في الحقيقة ما يبدو أن الغرب يتجاهله في احتفالاته بيوم الإنزال التاريخي أو ما يعرف باسم(D- Day) أو إنزال النورماندي والذي يحتفل به في السادس من جوان من كل عام، والذي كان نقطة بداية تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية لمعسكر الحلفاء، الذي ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتى لتحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية. انتصر الغرب على هتلر وعلى النازية والفاشية لكنه وقع للأسف في قبضة الصهيونية وأهوائها وأطماع مؤسسيها من هرتزل إلى بن غوريون وغولدا مائير وشامير وشارون وليفني حتى ناتنياهو وغالانت وبن غفير.. وهذا الغرب عاجز اليوم مستسلم أمام حليفه ناتنياهو المحصن من الملاحقة والمحاسبة والمساءلة والذي يحظى ومنذ أن تمكن الكيان الإسرائيلي بإعلان ميلاده من رحم الأمم المتحدة بالتسليح لفرض هيمنته وتفوقه على مختلف دول منطقة الشرق الأوسط.. لقد كان الاعتراف الوحيد الذي سجل لهذا الكيان بقرار الأمم المتحدة هو قرار التقسيم الذي سيعتمده للتوسع الاستيطاني الاحتلالي إلى حد ابتلاع ما بقي من ارض فلسطين وعدا ذلك فان المؤسسات الدولية والشرعية الدولية تركن على الرفوف وتقبر نزولا عند رغبة إسرائيل..

إنزال النورماندي درس مهم في التاريخ وفي التضامن الإنساني الدولي وانتصار الشعوب الحرة لحقها في الحياة ورفض للنازية.. ولكنه يبقى درسا مبتورا في أبعاده السياسية والقانونية والإنسانية والأخلاقية طالما ارتبط انتصار النورماندي بالسماح لضحية النازية بالأمس ليكرر الجريمة في حق شعب لا دور ولا مسؤولية له في المحرقة النازية.. غزة اليوم تباد وتحرق لأن العالم الحر عاجز عن ردع المعتدي ..

اسيا العتروس