اختارت الكتابة السردية نهجا لمسيرتها مع الأدب والثقافة والفكر ... وراهنت في هذه الكتابات على أن تكون استثنائية في كل ما تتناوله وتطرحه وتكشف عنه في هذه الكتابات فكان أن جعلت من المرأة قضيتها الأساسية,,, المرأة المتعلقة والمنصهرة في جذورها وأصولها في ظل واقع متحرك غير ثابت.
صمدت حبيبة المحرزي ورفعت بكل ثبات لواء الانتصار للمرأة المكافحة في كامل ربوع هذه الرقعة الجميلة من الوطن العربي الكبير، غاصت بنا حبيبة المحرزي بلغة سلسة بسيطة وممتعة من خلال سردياتها في عوالم المراة المتناقضة هنا وهناك كاشفة هذه التناقضات وهذا التوق للانتصار على الاوجاع مهما طالت.
حبيبة المحرزي لها مع السرد والشعر حكاية انطلقت أولى فصولها من الحي الذي ولدت وتربت فيه بالقيروان وهذه بقية التفاصيل..
حوار: محسن بن احمد
* ماذا بقي في الذاكرة عن البداية مع الكتابة؟
لا يمكن للكتابة أن تكون حدثا فجئيًا مباغتا بل هي تعهًد ضمنيً يقرب من القرار غير المعلن. قد يكون منذ الطًفولة الأولى. بدأت الكتابة وأنا ألوب بين الأسطر والقصص الًتي كنت أقرؤها بشيء من الاعتزاز والتًكبًر العفويً. كنت أقرأ وفي قرارة نفسي أشعر أنًني مختلفة عن ابنة الجيران الًتي لا تقرأ وكي يزداد اختلافي عنها وتفاعلها مع ما كنت اقرأ فقد كنت اختلق قصة أحاول الاً تكون تقليدا لأحداث يسردها طه حسين في أيًامه أو فدوى طوقان في رحلتها الجبليًة الصًعبة أو حيوانات كليلة ودمنة. وكنت حال انتهائي من القصًة أضعها في محفظتي وقد عقدت العزم على أن أطلع عليها إحدى الصًديقات ولم لا معلًمي "سالم الشعباني" الًذي جعلني أعشق العربيًة بعمق ووله نادرين لكنًني لم أمرً إلى الفعل أبدا رهبة وخوفا من ألاً تكون في مستوى مقبول أو ربًما أصبح محلً سخريّة فتظل قصصي رهينة الرًفوف حتًى تهمل.
*أيً تأثير للطًفولة في تحديد مسارك مع الكتابة الإبداعيًة ؟
الطًفولة هي السّارية الًتي تقوم عليها حياتنا اللاًحقة بكلً تشكًلاتها وتعرًجاتها النًفسيًة والاجتماعيًة والثًقافيًة.ما عشته زمن الطًفولة في الأسرة بين أبي وامًي وإخوتي وفي الحيً وفي المدرسة هو الذي كيًف مساري الأدبيً الإبداعيً بطرق مختلفة بعضها تأثًرا وبعضها استحسانا والبعض الآخر انتقاما .ولو فصًلت هذه الثلاثيًة لقلت : إنً التًأثًر كان نتيجة الأحداث المأساويًة الًتي واكبتها ولو عرضا كموت ابن الجيران فجأة أو الفيضانات التي جرفت البيوت وقتلت ودمًرت أو جهلا حين يموت رضيع وجدًه يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم ويمنع الأب من أخذه الى المستشفى نتيجة إصابته بالحمًى الشديدة "يخدّم" استحسانا هي تلك الحركات أو الأفعال البسيطة أو المعقًدة المكلفة التي تقدّمها امًي لكلً محتاج أو عمل جماعي بين النساء لمساعدة امرأة مريضة أو نفساء أو تمرً بأزمة ما ... أمًا انتقاما فقد كنت أنقم على جارنا الًذي يضرب زوجته وأنقم عليها هي أكثر لأنّها لا تهجره ولا تشتكيه إلى المحكمة أو آخر يمنع أبنته من الذًهاب إلى المدرسة لأنها "عمارة الغير" أو على معلًم يعنًف الأطفال الصًغار ... كنت أكتب هذه الأحداث في كرًاس أو على ورق قد لا أعود إليه أبدا لكنًني اليوم وجدت أنً القبض على تلك الأحداث وصوغها بطريقة ما وعلى ورقة بيضاء في ذلك الوقت هي التي جعلتني اليوم استرجع تلك الأحداث بكل تفاصيلها وحيثيًاتها .حتًى أصوات الشًخصيًات وملابسها وألوانها لم أنسها وقد ترسًخت في ركن ما من ذاكرة طفلة كانت قلقة غير راضية عن كلً ما يجري حولها فاستنجدت بالذاكرة علًها تكون لها عونا على التذكًر وفتح مغالق نسيها الناس ومرًوا بها دون اهتمام.
*اخترت الرًواية كمنهج لمسيرتك الإبداعيًة. من هو المحدًد في ذلك؟
بداياتي الإبداعيّة كانت مع القصًة القصيرة الًتي وجدت فيها ضالًتي خاصًة بعد أن قرأت روائع نعيمة "أكابر" و"كان ماكان" و "أبو بطّة" لكنًني وفي قرارة نفسي كنت أشعر بالاختناق لأنًني لا أتخلًص فيها من كلً عناء نفسيّ أو اجتماعيّ فغصت في متاهات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدًوس ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة وجبران . George Sand و. Henri Charrière و Victor Hugo وغيرهم الذين فتحوا أمامي مغاليق الإبحار في الرواية بكلً حرًية .
* كيف تحدًدين منهجك وماهي تقنيًاتك الًتي تختصًين بها في كتاباتك السًرديًة؟ أحدًد منهجي في الكتابة بتجميع ألأحداث الكبرى الرًئيسيًة في ذهني مدًة من الزمن قد تتجاوز السًنة أو السًنتين مثلا رواية كفًارة ظللت أجمًع أحداثها في ذهني دن أن أكتب حرفا واحدا.
كنت أتعايش مع الشًخصيًات وكأنها معي حتًى تكتمل الصًورة وتتوضًح الفكرة ونسق الحكي الًذي سأتوخاه هل هو سرد خطي ام استرجاع واستباق.... وقد اغير وأتراجع أثناء الكتابة عن بعض ما نويته قبل البدء.بالنسبة إلى التقنيًات السًرديًة فانًني أسعى إلى الإدهاش وتقريب الشخصيات الدرامية من القارئ فيتفاعل معها ومع قضاياها التي عادة ما تكون عيّنة ومثالا متواترا معروفا أو غريبا شاذا الفت إليه الأنظار واحاول جعله قضية نتحاور حولها بطريقة إبداعية شفًافة بين باثً ومتلقً. في القصة القصيرة والقصيرة جدا اشتغل على التكثيف والتأثير بأحداث برقيًة عنيفة منطقية معقولة وخاتمة صدمة تجعل المتلقّي يعيد تشكيل الأحداث في ذهنه بحثا عن الأسباب والنتائج والحبكة التي أنتجت هذا الإدهاش ...
*لمن تتوجًهين بكتاباتك القصصيًة والرًوائيّة؟
أتوجًه بكتاباتي القصصيًة والرًوائيًة إلى كلً شرائح المجتمع. إلى المرأة التي تكافح من أجل الحفاظ على كيان الأسرة المستقرًة النًاجحة. أكتب للرجل ذي الفكر النيًر والذي يتوق إلى حياة أفضل قوامها العمل والجدً والوفاء والالتزام بالقضايا الإنسانية. أكتب للشابً الذي يؤسّس لحياته ويطمح إلى غد أفضل يؤثًثه الانفتاح على العلوم والثقافات وفهم أسباب رقيً مجتمعات أخرى صارت مثالا يحتذى.
إجمالا أكتب للمثقًف ذي الفكر النيًر لنقف معا على مساوئ الرًجعيًة والتًكلًس الفكريً وكي لا نبني ثقافتنا وحضارتنا بعيدا عن التًقليد الأعمى للآخر أيضا.
*هناك ظاهرة انتشرت بشكل كبير تتمثّل في "هجرة " الشًعراء إلى الرًواية والقصًة بمختلف أنواعها ..ألا تنتظرين "هجرة" معاكسة من الروائيين إلى الشًعر ؟
ظاهرة هجرة الشعراء إلى الرواية أو القصة ظاهرة منتشرة منذ مدًة ولا يمكن أن أبتً في مدى نجاحها أو فشلها وأوكل الأمر للقارئ كي يميًز بين الغثً والسًمين والحال أنً البعض منهم نجح في أن يكون روائيا وشاعرا مثل الاديب علي لفتة سعيد العراقي وهو روائيً متميز وله أشعار رائعة وراقية. ومنهم من لم ينجح في ذلك فلم يستطع نزع جبًة الشاعر فادًعى أنًه يكتب رواية في حين أنًه يكتب شعرا بطريقة مشوًهة. دون أن أنتظر فظاهرة هجرة بعض الروائيين إلى الشعر ممكنة وصارت من الواقع وانا اكتب قصيدة النثر عادة لأعبًر عن حالة نفسيًة مستعصية على السًرد فأبثها هكذا ربًما بحثا عن الإيقاع التًأثيريً أو محاولة للتخلًص من أزمة أو حالة ارتباك ما لكنني لست شاعرة. تلك حدودي لا اتخطًاها. فأنا ساردة ولست شاعرة.
* هل كان بالإمكان أن تكوني شاعرة؟
كان بالإمكان أن أكون شاعرة عندما كنت تلميذة في الثانوي واكتشفت المتنبي والعبًاس ابن الأحنف وبشار بن برد وعنترة والمعلًقات. عندها كدت أجنً وأنا أتقلًب بين تلك القصائد المشحونة بالحبً والعشق والكبرياء والشموخ مثمًنة خصال الفتى العربيً حينا والخيبة والهزيمة حينا آخر في قصائد الشًكوى والحنين. لكنً وجود المكتبة الوطنية في دار الثقافة قرب معهد ابن رشيق للفتيات في القيروان لوى عنان مسار الشعر بعيدا وفتح لي عوالم الرواية والقصة "فسكنت " فيها ووصل بي الشوق للقراءة المكثفة إلى سرقة بعض الرًوايات التي لا أستطيع أخذها علنا لتجاوزي الاقتراض الممكن "كتابان " فقط لأعيدها بعد يوم او يومين إلى مكانها خفية كما أخذتها وقبل أن تتفطن المسؤولة إلى اختفائها.
*في مجموعتك القصصيًة "شيطان وحجاب" برزت المرأة كفاعل أساسيً في المجموعة ..هل هذا نابع عن إحساس بالغبن أم أنً في ذلك سعي لإثبات وجود المرأة ككائن لا مجال للاستغناء عنه؟
المرأة هي عماد الأسرة وإذا صلح حالها صلح المجتمع. المرأة التي تكافح وتسعى إلى خير الأسرة إن كانت عاملة مثقفة أوربة بيت فهي التي يقع عليها الحمل الأكبر لذا فمن حقها أن تنصف وتثمًن جهودها وألا تظلم أو تتعرًض لأشكال العنف والاستنقاص من شأنها. وان كانت المرأة في تونس تنعم بكل ما ينعم به الإنسان من حرية وحق في طلب العلم والمعرفة والعمل فإن المرأة في عوالم أخرى عربية وغير عربية مازالت مضطهدة تباع وتشترى وتستغل أشنع استغلال من قبل مجتمعات ذكورية متجبًرة فتقصى من المدرسة لتتزوج أو تعمل خادمة في البيوت أو في مآرب أخرى فظيعة جدا .لهذا فإنًني اكتب عن المرأة بإطناب ودون تخاذل.
** في مؤلفك "وقلت كل شيء ... محكي من حياتنا" أشرت إلى أنً العمل هو "سيرة روائيًة". كيف يمكن أن يصوغ المبدع سيرته روائيا دون السّقوط في "الأنا" المفرطة؟
"وقلت كلً شيء" هي سيرة روائية حيث تناولت فيها أحداثا من حياتي الخاصًة داخل أسرتي ومدرستي وفي نفس الوقت تواجدت شخوص من المجتمع وهي فاعلة ومؤثًرة في النًسق السًردي إلى حد يسمح بالتًخييل وتكهًن ما وراء تلك الشًخصيًات وما تبطًن من أسرار واهتزازات سلوكية لا تتفرد بها هي فقط بل هي شخصية قد تتواجد هنا او هناك وبأفعال مماثلة أو مشابهة بحيث تكون ناقلة لعقلية سائدة في ذلك الوقت. وان كتبت سيرتي ومن معي فلأنني أعلم انً عديد السلوكيات والممارسات كانت سببا في نجاحنا وأنً المعلمين الذين استماتوا في أنجاح المنظومة التعليمية والجهود المبذولة في الصحًة العموميًة أو من جهة أخرى البطالة والفقر والانحراف وتحجر السلطة الأبوية وانعدام الحوار الذي سيقود ابنة الجيران إلى الهرب مع حبيبها وغيرها من القضايا التي مازالت تنخر مجتمعنا وتشتًت طاقاته هدرا. لم استأثر بـ"البطولة" بل هي موزعة بيننا بالعدل وفق فاعليًة كلً منًا .
*من وجهة نظرك هل من الضروري العودة إلى الماضي لصياغة نص روائيً؟
نحن لا نعيش بمعزل عن الزًمن والتراكمات الحياتيًة. والماضي هو الثًابت قبل الحاضر والمستقبل. وهو مسترسل مستمرً. اللحظة التي اكتب فيها الأن صارت ماضيا حال رفع القلم. لذا لا يمكن لأي مبدع أن يتملًص من الماضي الًذي هو الحاوي والمخزًن لهويًتنا الإنسانية والاجتماعيًة والفكريًة والعقائديّة. والعودة إلى الماضي ليست رجعيًة وبكاء على الأطلال بل إثراء وعمقا في التجربة الإنسانية مهما كانت مرجعتيها وانتماؤها.
*كيف تبدو لك علاقة النًقد بالكتابة السّرديّة في المشهد الثًقافي التًونسيً اليوم؟
علاقة النًقد بالكتابة السّرديًة في المشهد الثًقافيً التًونسيً اليوم. علاقة تسودها المحاباة فالناقد يتناول بالدًرس والنًقد مؤلًف صديقه او أحد معارفه. أو بضغط من متنفًذ في مركز ما. وعده بتناول مؤلًفه نقديًا وهذه القراءات عادة ما لا ترتقي إلى النًقد الحقيقي الًذي يقف على الإيجابيات والسلبيات. لابدً للنقد أن يكون منصفا ومعدًلا للأثر الأدبيً لا لكاتبه. لكن ورغم ذلك فأن بعض النقًاد يكتبون عن النصً بحياد رغم أنً صاحبه من المعارف أو المشاهير.
*هل أنصف النقد تجربتك السًرديًة؟
تجربتي السًرديًة كتب عنها نقًاد من العالم العربي على غرار محمد يونس محمد وحمدي العطار وعلي لفتة سعيد وقاسم مشكور ومن تونس على سبيل الذكر لا الحصر كتبت الأساتذة: مفيدة الجلاصي وطارق العمراوي وجليلة طريطر والزًاهي بالعيد وشفيع بالزين ومحمد مطران صميدة وعبد الدائم عمري وبشير الجلجلي وغيرهم قراءات قيًمة نشرت في الصحف الورقية وفي مجلة الحياة الثقافية أو في المجلات الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعيً. ..لكن يظل المبدع متعطشا لما يكتشفه النقًاد في نصًه ومدى تفاعلهم مع تجربته الإبداعية
حبيبة المحرزي.. سيرة موجزة
حبيبة المحرزي متخرجة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة عضوة في نادي توفيق بكار وعضوة في نادي قراءات ابن عرفة وعضوة في اتحاد الكتاب التونسيين كذلك هي باحثة في المدارس النقدية ومحكمة في مسابقات عربية في القصة القصيرة والقصيرة جدا والرواية
صدر لها:الوزر رواية عن الأطلسية للنشر سنة 2000 _قرار اخرس مجموعة قصصية سنة 2020 عن دار النخبة مصر _سبع فتات رواية عن دار وشمة للنشر سنة 2021 _كفارة الحبس للنساء.عن دار نقوش عربية سنة 2022 _شيطان وحجاب مجموعة قصصية عن دار خريف سنة 2024 _وقلت كل شيء سيرة روائية عن دار نقوش عربية سنة 2024. _وسبع لفتات ..طبعة ثانية عن دار خريف سنة 2024.
قصة قصيرة لحبيبة المحرزي.. عروس في الطائرة
صعدت الطّائرة مزهوّة بثوبها الأبيض الًذي صمًمته كي يكون مناسبا للتّنقًل والحركة والوقوف في الطًابور وفي الطًائرة دون أن تدوس عليه أرجل... المسافرين. الأعناق مشرئبًة تتفرّج على عروس في الطّائرة. منهم من تعمًد الذًهاب إلى الحمّام كي يتأمًل هذه العروس الجميلة بتاجها الفضًيً وشعرها الذّهبيً المتماوج. أمّها سوًدت عيشها "لقد فاتك القطار. كلً لداتك تزوًجن... سددت الطّريق على أخواتك... لا أحد يتقدًم لخطبة الصًغريات قبل أن تتزوًج الكبرى. ماذا فعلت بالشّهادات والماجستير وتكسير الدًماغ؟؟؟ تأخذها إلى الأفراح والمناسبات بعد أن تبالغ في تزيينها وتشتري لها فستانا جديدا وحذاء بكعب عال لتبدو جميلة فارعة الطًول . تسحبها إلى الحلبة. تطلب منها أن ترقص باحتشام. أخيرا جاءتها خالة زوج ابنة عمً أمًها تطلب يدها لابنها المهاجر. وافقت الأمً والأب والإخوة دون شروط. ووافقت هي لمًا عاينت البهجة الًتي طفحت على وجوههم، لكنً العريس اعتذر عن حضور حفل الخطوبة لكثرة مشاغله وأعماله. أمًه ألبستها الذًهب والخاتمة البرًاق. حدّدوا موعدا لكتب الكتاب. العريس مستعجل وأمًها توشوش لها عندما لاحظت تبرًمها من هذا الاستعجال "احمدي ربًك أنًك وجدت من يلمًك. على الأقلً تستطيعين إنجاب طفل أو طفلين قبل أن تتيبّس أرحامك وتظلّين طول العمر تتحسًرين على عدم الخلقة وتقضين بقيًة حياتك وحيدة ملقاة في دار للمسنًين. أنا وأبوك لن نظلً حولك طول العمر." في فناء دارهم سأل المأذون عن العريس فمدً أبوه توكيلا رسميًا من ابنه يخوًل له النًيابة عنه في عقد قرانه على الفتاة الجميلة المؤدًبة لأنّ العريس ممنوع من دخول البلاد لأسباب أمنيًة. ليلة السًفر، دار بالكاميرا في أرجاء البيت الصًغير الجميل.شقًة بأثاث بنًيً لمًاع ونوافذ أسدلت عليها ستائر أرجوانيّة جميلة. وزًع الشّموع في غرفة النّوم وعلى المنضدة. فتح الدّولاب. فساتين وملابس نوم برّاقة. شعرت بخجل ممتزج بسعادة قصوى. أخيرا حلًت عقدتها. حمدت الله في سرًها وتمنًت أن تتزوًج أخواتها في وقت وجيز كي تنجو من تهمة تعطيل مكتوبهنً. تبرًعت بكلً ما جمّعته أمًها من جهاز. ليست في حاجة له.ستعيش في الخارج وستحضر أفراحهنً وستأتيهنّ بهدايا كثيرة. لمحته في آخر الرواق وبيده باقة ورد حمراء مثلما وعدها. مشت نحوه رافعة يدها بمشموم الفلّ الفوًاح الًذي يحمل ريحة البلاد. ركنت عربة البضائع جانبا. ركضت نحوه فاتحة ذراعيها. تراجع وابتعد بعد أن قذف بباقة الورد جانبا. تعثّرت في تلابيب الفستان الأبيض شمًرته بيدها الأخرى بعد أن علّقت محفظتها اليدويًة على كتفها. أتكون شبًهت عليه وليس هو؟ اقتربت منه أكثر. تراجع ولم يسلًم عليها. فتحت فما يابسا: _مراد . أنا درًة ...ألم تعرفني؟ _عرفت نصفك الأعلى المقبول ولم أعرف نصفك الأسفل البدين المترهًل...أحبً القوام الممشوق. لا يمكن أن أستلمك. لم تستفق إلاً والنًاس حولها يمسحون على وجهها بالماء وقليلا من العطر ويجمعون ما تناثر من الفلً الفوًاح، بينما مدً أحدهم قبًعته للمسافرين كي يتبرًعوا لها بثمن تذكرة العودة في الطًائرة نفسها وبالفستان الأبيض ذاته.
تونس-الصباح
اختارت الكتابة السردية نهجا لمسيرتها مع الأدب والثقافة والفكر ... وراهنت في هذه الكتابات على أن تكون استثنائية في كل ما تتناوله وتطرحه وتكشف عنه في هذه الكتابات فكان أن جعلت من المرأة قضيتها الأساسية,,, المرأة المتعلقة والمنصهرة في جذورها وأصولها في ظل واقع متحرك غير ثابت.
صمدت حبيبة المحرزي ورفعت بكل ثبات لواء الانتصار للمرأة المكافحة في كامل ربوع هذه الرقعة الجميلة من الوطن العربي الكبير، غاصت بنا حبيبة المحرزي بلغة سلسة بسيطة وممتعة من خلال سردياتها في عوالم المراة المتناقضة هنا وهناك كاشفة هذه التناقضات وهذا التوق للانتصار على الاوجاع مهما طالت.
حبيبة المحرزي لها مع السرد والشعر حكاية انطلقت أولى فصولها من الحي الذي ولدت وتربت فيه بالقيروان وهذه بقية التفاصيل..
حوار: محسن بن احمد
* ماذا بقي في الذاكرة عن البداية مع الكتابة؟
لا يمكن للكتابة أن تكون حدثا فجئيًا مباغتا بل هي تعهًد ضمنيً يقرب من القرار غير المعلن. قد يكون منذ الطًفولة الأولى. بدأت الكتابة وأنا ألوب بين الأسطر والقصص الًتي كنت أقرؤها بشيء من الاعتزاز والتًكبًر العفويً. كنت أقرأ وفي قرارة نفسي أشعر أنًني مختلفة عن ابنة الجيران الًتي لا تقرأ وكي يزداد اختلافي عنها وتفاعلها مع ما كنت اقرأ فقد كنت اختلق قصة أحاول الاً تكون تقليدا لأحداث يسردها طه حسين في أيًامه أو فدوى طوقان في رحلتها الجبليًة الصًعبة أو حيوانات كليلة ودمنة. وكنت حال انتهائي من القصًة أضعها في محفظتي وقد عقدت العزم على أن أطلع عليها إحدى الصًديقات ولم لا معلًمي "سالم الشعباني" الًذي جعلني أعشق العربيًة بعمق ووله نادرين لكنًني لم أمرً إلى الفعل أبدا رهبة وخوفا من ألاً تكون في مستوى مقبول أو ربًما أصبح محلً سخريّة فتظل قصصي رهينة الرًفوف حتًى تهمل.
*أيً تأثير للطًفولة في تحديد مسارك مع الكتابة الإبداعيًة ؟
الطًفولة هي السّارية الًتي تقوم عليها حياتنا اللاًحقة بكلً تشكًلاتها وتعرًجاتها النًفسيًة والاجتماعيًة والثًقافيًة.ما عشته زمن الطًفولة في الأسرة بين أبي وامًي وإخوتي وفي الحيً وفي المدرسة هو الذي كيًف مساري الأدبيً الإبداعيً بطرق مختلفة بعضها تأثًرا وبعضها استحسانا والبعض الآخر انتقاما .ولو فصًلت هذه الثلاثيًة لقلت : إنً التًأثًر كان نتيجة الأحداث المأساويًة الًتي واكبتها ولو عرضا كموت ابن الجيران فجأة أو الفيضانات التي جرفت البيوت وقتلت ودمًرت أو جهلا حين يموت رضيع وجدًه يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم ويمنع الأب من أخذه الى المستشفى نتيجة إصابته بالحمًى الشديدة "يخدّم" استحسانا هي تلك الحركات أو الأفعال البسيطة أو المعقًدة المكلفة التي تقدّمها امًي لكلً محتاج أو عمل جماعي بين النساء لمساعدة امرأة مريضة أو نفساء أو تمرً بأزمة ما ... أمًا انتقاما فقد كنت أنقم على جارنا الًذي يضرب زوجته وأنقم عليها هي أكثر لأنّها لا تهجره ولا تشتكيه إلى المحكمة أو آخر يمنع أبنته من الذًهاب إلى المدرسة لأنها "عمارة الغير" أو على معلًم يعنًف الأطفال الصًغار ... كنت أكتب هذه الأحداث في كرًاس أو على ورق قد لا أعود إليه أبدا لكنًني اليوم وجدت أنً القبض على تلك الأحداث وصوغها بطريقة ما وعلى ورقة بيضاء في ذلك الوقت هي التي جعلتني اليوم استرجع تلك الأحداث بكل تفاصيلها وحيثيًاتها .حتًى أصوات الشًخصيًات وملابسها وألوانها لم أنسها وقد ترسًخت في ركن ما من ذاكرة طفلة كانت قلقة غير راضية عن كلً ما يجري حولها فاستنجدت بالذاكرة علًها تكون لها عونا على التذكًر وفتح مغالق نسيها الناس ومرًوا بها دون اهتمام.
*اخترت الرًواية كمنهج لمسيرتك الإبداعيًة. من هو المحدًد في ذلك؟
بداياتي الإبداعيّة كانت مع القصًة القصيرة الًتي وجدت فيها ضالًتي خاصًة بعد أن قرأت روائع نعيمة "أكابر" و"كان ماكان" و "أبو بطّة" لكنًني وفي قرارة نفسي كنت أشعر بالاختناق لأنًني لا أتخلًص فيها من كلً عناء نفسيّ أو اجتماعيّ فغصت في متاهات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدًوس ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة وجبران . George Sand و. Henri Charrière و Victor Hugo وغيرهم الذين فتحوا أمامي مغاليق الإبحار في الرواية بكلً حرًية .
* كيف تحدًدين منهجك وماهي تقنيًاتك الًتي تختصًين بها في كتاباتك السًرديًة؟ أحدًد منهجي في الكتابة بتجميع ألأحداث الكبرى الرًئيسيًة في ذهني مدًة من الزمن قد تتجاوز السًنة أو السًنتين مثلا رواية كفًارة ظللت أجمًع أحداثها في ذهني دن أن أكتب حرفا واحدا.
كنت أتعايش مع الشًخصيًات وكأنها معي حتًى تكتمل الصًورة وتتوضًح الفكرة ونسق الحكي الًذي سأتوخاه هل هو سرد خطي ام استرجاع واستباق.... وقد اغير وأتراجع أثناء الكتابة عن بعض ما نويته قبل البدء.بالنسبة إلى التقنيًات السًرديًة فانًني أسعى إلى الإدهاش وتقريب الشخصيات الدرامية من القارئ فيتفاعل معها ومع قضاياها التي عادة ما تكون عيّنة ومثالا متواترا معروفا أو غريبا شاذا الفت إليه الأنظار واحاول جعله قضية نتحاور حولها بطريقة إبداعية شفًافة بين باثً ومتلقً. في القصة القصيرة والقصيرة جدا اشتغل على التكثيف والتأثير بأحداث برقيًة عنيفة منطقية معقولة وخاتمة صدمة تجعل المتلقّي يعيد تشكيل الأحداث في ذهنه بحثا عن الأسباب والنتائج والحبكة التي أنتجت هذا الإدهاش ...
*لمن تتوجًهين بكتاباتك القصصيًة والرًوائيّة؟
أتوجًه بكتاباتي القصصيًة والرًوائيًة إلى كلً شرائح المجتمع. إلى المرأة التي تكافح من أجل الحفاظ على كيان الأسرة المستقرًة النًاجحة. أكتب للرجل ذي الفكر النيًر والذي يتوق إلى حياة أفضل قوامها العمل والجدً والوفاء والالتزام بالقضايا الإنسانية. أكتب للشابً الذي يؤسّس لحياته ويطمح إلى غد أفضل يؤثًثه الانفتاح على العلوم والثقافات وفهم أسباب رقيً مجتمعات أخرى صارت مثالا يحتذى.
إجمالا أكتب للمثقًف ذي الفكر النيًر لنقف معا على مساوئ الرًجعيًة والتًكلًس الفكريً وكي لا نبني ثقافتنا وحضارتنا بعيدا عن التًقليد الأعمى للآخر أيضا.
*هناك ظاهرة انتشرت بشكل كبير تتمثّل في "هجرة " الشًعراء إلى الرًواية والقصًة بمختلف أنواعها ..ألا تنتظرين "هجرة" معاكسة من الروائيين إلى الشًعر ؟
ظاهرة هجرة الشعراء إلى الرواية أو القصة ظاهرة منتشرة منذ مدًة ولا يمكن أن أبتً في مدى نجاحها أو فشلها وأوكل الأمر للقارئ كي يميًز بين الغثً والسًمين والحال أنً البعض منهم نجح في أن يكون روائيا وشاعرا مثل الاديب علي لفتة سعيد العراقي وهو روائيً متميز وله أشعار رائعة وراقية. ومنهم من لم ينجح في ذلك فلم يستطع نزع جبًة الشاعر فادًعى أنًه يكتب رواية في حين أنًه يكتب شعرا بطريقة مشوًهة. دون أن أنتظر فظاهرة هجرة بعض الروائيين إلى الشعر ممكنة وصارت من الواقع وانا اكتب قصيدة النثر عادة لأعبًر عن حالة نفسيًة مستعصية على السًرد فأبثها هكذا ربًما بحثا عن الإيقاع التًأثيريً أو محاولة للتخلًص من أزمة أو حالة ارتباك ما لكنني لست شاعرة. تلك حدودي لا اتخطًاها. فأنا ساردة ولست شاعرة.
* هل كان بالإمكان أن تكوني شاعرة؟
كان بالإمكان أن أكون شاعرة عندما كنت تلميذة في الثانوي واكتشفت المتنبي والعبًاس ابن الأحنف وبشار بن برد وعنترة والمعلًقات. عندها كدت أجنً وأنا أتقلًب بين تلك القصائد المشحونة بالحبً والعشق والكبرياء والشموخ مثمًنة خصال الفتى العربيً حينا والخيبة والهزيمة حينا آخر في قصائد الشًكوى والحنين. لكنً وجود المكتبة الوطنية في دار الثقافة قرب معهد ابن رشيق للفتيات في القيروان لوى عنان مسار الشعر بعيدا وفتح لي عوالم الرواية والقصة "فسكنت " فيها ووصل بي الشوق للقراءة المكثفة إلى سرقة بعض الرًوايات التي لا أستطيع أخذها علنا لتجاوزي الاقتراض الممكن "كتابان " فقط لأعيدها بعد يوم او يومين إلى مكانها خفية كما أخذتها وقبل أن تتفطن المسؤولة إلى اختفائها.
*في مجموعتك القصصيًة "شيطان وحجاب" برزت المرأة كفاعل أساسيً في المجموعة ..هل هذا نابع عن إحساس بالغبن أم أنً في ذلك سعي لإثبات وجود المرأة ككائن لا مجال للاستغناء عنه؟
المرأة هي عماد الأسرة وإذا صلح حالها صلح المجتمع. المرأة التي تكافح وتسعى إلى خير الأسرة إن كانت عاملة مثقفة أوربة بيت فهي التي يقع عليها الحمل الأكبر لذا فمن حقها أن تنصف وتثمًن جهودها وألا تظلم أو تتعرًض لأشكال العنف والاستنقاص من شأنها. وان كانت المرأة في تونس تنعم بكل ما ينعم به الإنسان من حرية وحق في طلب العلم والمعرفة والعمل فإن المرأة في عوالم أخرى عربية وغير عربية مازالت مضطهدة تباع وتشترى وتستغل أشنع استغلال من قبل مجتمعات ذكورية متجبًرة فتقصى من المدرسة لتتزوج أو تعمل خادمة في البيوت أو في مآرب أخرى فظيعة جدا .لهذا فإنًني اكتب عن المرأة بإطناب ودون تخاذل.
** في مؤلفك "وقلت كل شيء ... محكي من حياتنا" أشرت إلى أنً العمل هو "سيرة روائيًة". كيف يمكن أن يصوغ المبدع سيرته روائيا دون السّقوط في "الأنا" المفرطة؟
"وقلت كلً شيء" هي سيرة روائية حيث تناولت فيها أحداثا من حياتي الخاصًة داخل أسرتي ومدرستي وفي نفس الوقت تواجدت شخوص من المجتمع وهي فاعلة ومؤثًرة في النًسق السًردي إلى حد يسمح بالتًخييل وتكهًن ما وراء تلك الشًخصيًات وما تبطًن من أسرار واهتزازات سلوكية لا تتفرد بها هي فقط بل هي شخصية قد تتواجد هنا او هناك وبأفعال مماثلة أو مشابهة بحيث تكون ناقلة لعقلية سائدة في ذلك الوقت. وان كتبت سيرتي ومن معي فلأنني أعلم انً عديد السلوكيات والممارسات كانت سببا في نجاحنا وأنً المعلمين الذين استماتوا في أنجاح المنظومة التعليمية والجهود المبذولة في الصحًة العموميًة أو من جهة أخرى البطالة والفقر والانحراف وتحجر السلطة الأبوية وانعدام الحوار الذي سيقود ابنة الجيران إلى الهرب مع حبيبها وغيرها من القضايا التي مازالت تنخر مجتمعنا وتشتًت طاقاته هدرا. لم استأثر بـ"البطولة" بل هي موزعة بيننا بالعدل وفق فاعليًة كلً منًا .
*من وجهة نظرك هل من الضروري العودة إلى الماضي لصياغة نص روائيً؟
نحن لا نعيش بمعزل عن الزًمن والتراكمات الحياتيًة. والماضي هو الثًابت قبل الحاضر والمستقبل. وهو مسترسل مستمرً. اللحظة التي اكتب فيها الأن صارت ماضيا حال رفع القلم. لذا لا يمكن لأي مبدع أن يتملًص من الماضي الًذي هو الحاوي والمخزًن لهويًتنا الإنسانية والاجتماعيًة والفكريًة والعقائديّة. والعودة إلى الماضي ليست رجعيًة وبكاء على الأطلال بل إثراء وعمقا في التجربة الإنسانية مهما كانت مرجعتيها وانتماؤها.
*كيف تبدو لك علاقة النًقد بالكتابة السّرديّة في المشهد الثًقافي التًونسيً اليوم؟
علاقة النًقد بالكتابة السّرديًة في المشهد الثًقافيً التًونسيً اليوم. علاقة تسودها المحاباة فالناقد يتناول بالدًرس والنًقد مؤلًف صديقه او أحد معارفه. أو بضغط من متنفًذ في مركز ما. وعده بتناول مؤلًفه نقديًا وهذه القراءات عادة ما لا ترتقي إلى النًقد الحقيقي الًذي يقف على الإيجابيات والسلبيات. لابدً للنقد أن يكون منصفا ومعدًلا للأثر الأدبيً لا لكاتبه. لكن ورغم ذلك فأن بعض النقًاد يكتبون عن النصً بحياد رغم أنً صاحبه من المعارف أو المشاهير.
*هل أنصف النقد تجربتك السًرديًة؟
تجربتي السًرديًة كتب عنها نقًاد من العالم العربي على غرار محمد يونس محمد وحمدي العطار وعلي لفتة سعيد وقاسم مشكور ومن تونس على سبيل الذكر لا الحصر كتبت الأساتذة: مفيدة الجلاصي وطارق العمراوي وجليلة طريطر والزًاهي بالعيد وشفيع بالزين ومحمد مطران صميدة وعبد الدائم عمري وبشير الجلجلي وغيرهم قراءات قيًمة نشرت في الصحف الورقية وفي مجلة الحياة الثقافية أو في المجلات الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الاجتماعيً. ..لكن يظل المبدع متعطشا لما يكتشفه النقًاد في نصًه ومدى تفاعلهم مع تجربته الإبداعية
حبيبة المحرزي.. سيرة موجزة
حبيبة المحرزي متخرجة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة عضوة في نادي توفيق بكار وعضوة في نادي قراءات ابن عرفة وعضوة في اتحاد الكتاب التونسيين كذلك هي باحثة في المدارس النقدية ومحكمة في مسابقات عربية في القصة القصيرة والقصيرة جدا والرواية
صدر لها:الوزر رواية عن الأطلسية للنشر سنة 2000 _قرار اخرس مجموعة قصصية سنة 2020 عن دار النخبة مصر _سبع فتات رواية عن دار وشمة للنشر سنة 2021 _كفارة الحبس للنساء.عن دار نقوش عربية سنة 2022 _شيطان وحجاب مجموعة قصصية عن دار خريف سنة 2024 _وقلت كل شيء سيرة روائية عن دار نقوش عربية سنة 2024. _وسبع لفتات ..طبعة ثانية عن دار خريف سنة 2024.
قصة قصيرة لحبيبة المحرزي.. عروس في الطائرة
صعدت الطّائرة مزهوّة بثوبها الأبيض الًذي صمًمته كي يكون مناسبا للتّنقًل والحركة والوقوف في الطًابور وفي الطًائرة دون أن تدوس عليه أرجل... المسافرين. الأعناق مشرئبًة تتفرّج على عروس في الطّائرة. منهم من تعمًد الذًهاب إلى الحمّام كي يتأمًل هذه العروس الجميلة بتاجها الفضًيً وشعرها الذّهبيً المتماوج. أمّها سوًدت عيشها "لقد فاتك القطار. كلً لداتك تزوًجن... سددت الطّريق على أخواتك... لا أحد يتقدًم لخطبة الصًغريات قبل أن تتزوًج الكبرى. ماذا فعلت بالشّهادات والماجستير وتكسير الدًماغ؟؟؟ تأخذها إلى الأفراح والمناسبات بعد أن تبالغ في تزيينها وتشتري لها فستانا جديدا وحذاء بكعب عال لتبدو جميلة فارعة الطًول . تسحبها إلى الحلبة. تطلب منها أن ترقص باحتشام. أخيرا جاءتها خالة زوج ابنة عمً أمًها تطلب يدها لابنها المهاجر. وافقت الأمً والأب والإخوة دون شروط. ووافقت هي لمًا عاينت البهجة الًتي طفحت على وجوههم، لكنً العريس اعتذر عن حضور حفل الخطوبة لكثرة مشاغله وأعماله. أمًه ألبستها الذًهب والخاتمة البرًاق. حدّدوا موعدا لكتب الكتاب. العريس مستعجل وأمًها توشوش لها عندما لاحظت تبرًمها من هذا الاستعجال "احمدي ربًك أنًك وجدت من يلمًك. على الأقلً تستطيعين إنجاب طفل أو طفلين قبل أن تتيبّس أرحامك وتظلّين طول العمر تتحسًرين على عدم الخلقة وتقضين بقيًة حياتك وحيدة ملقاة في دار للمسنًين. أنا وأبوك لن نظلً حولك طول العمر." في فناء دارهم سأل المأذون عن العريس فمدً أبوه توكيلا رسميًا من ابنه يخوًل له النًيابة عنه في عقد قرانه على الفتاة الجميلة المؤدًبة لأنّ العريس ممنوع من دخول البلاد لأسباب أمنيًة. ليلة السًفر، دار بالكاميرا في أرجاء البيت الصًغير الجميل.شقًة بأثاث بنًيً لمًاع ونوافذ أسدلت عليها ستائر أرجوانيّة جميلة. وزًع الشّموع في غرفة النّوم وعلى المنضدة. فتح الدّولاب. فساتين وملابس نوم برّاقة. شعرت بخجل ممتزج بسعادة قصوى. أخيرا حلًت عقدتها. حمدت الله في سرًها وتمنًت أن تتزوًج أخواتها في وقت وجيز كي تنجو من تهمة تعطيل مكتوبهنً. تبرًعت بكلً ما جمّعته أمًها من جهاز. ليست في حاجة له.ستعيش في الخارج وستحضر أفراحهنً وستأتيهنّ بهدايا كثيرة. لمحته في آخر الرواق وبيده باقة ورد حمراء مثلما وعدها. مشت نحوه رافعة يدها بمشموم الفلّ الفوًاح الًذي يحمل ريحة البلاد. ركنت عربة البضائع جانبا. ركضت نحوه فاتحة ذراعيها. تراجع وابتعد بعد أن قذف بباقة الورد جانبا. تعثّرت في تلابيب الفستان الأبيض شمًرته بيدها الأخرى بعد أن علّقت محفظتها اليدويًة على كتفها. أتكون شبًهت عليه وليس هو؟ اقتربت منه أكثر. تراجع ولم يسلًم عليها. فتحت فما يابسا: _مراد . أنا درًة ...ألم تعرفني؟ _عرفت نصفك الأعلى المقبول ولم أعرف نصفك الأسفل البدين المترهًل...أحبً القوام الممشوق. لا يمكن أن أستلمك. لم تستفق إلاً والنًاس حولها يمسحون على وجهها بالماء وقليلا من العطر ويجمعون ما تناثر من الفلً الفوًاح، بينما مدً أحدهم قبًعته للمسافرين كي يتبرًعوا لها بثمن تذكرة العودة في الطًائرة نفسها وبالفستان الأبيض ذاته.