إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الجامعية والباحثة في الموسيقى عائشة القلالي لـ"الصباح": نفتقد نقادا مختصين في الموسيقى في تونس نتيجة افتقارنا لتكوين متخصص في هذا المجال بمعاهد الموسيقى ومعهد الصحافة

تونس-الصباح

لا يمكن تصور نمو الحركة الإبداعية عامة والمجال الموسيقي على وجه الخصوص دون تحديد مستويات العلاقة بين الموسيقى والصحافة والإعلام..

وإن بدت العلاقة بين الأطراف الثلاثة متينة من حيث مواكبة الأنشطة الثقافية والموسيقية خاصة، فإن المقالات والبحوث المقتضبة حولها تفتقد عنصر الاختصاص، ما أفضى الى غياب تقييم الأعمال الموسيقية وبيان قيمتها الجمالية وبالتالي عدم إفادة الجماهير الواسعة المتابعين لهذا المجال، كما الفنانين، لأن غياب مناهج النقد واسسه العلمية من شأنه أن يطمس الوظائف الهامة للاعمال الموسيقية على غرار توجيه الجمهور من حيث عملية الاستهلاك وتقييم مدى استجابة الأعمال للمقاييس الذوقية للمجتمع.. وهو ما أكدته الجامعية والباحثة في الموسيقى عائشة القلالي لـ"الصباح" في حوار خاص باعتبارها أول مؤلفة لعمل أكاديمي علمي حول النقد الموسيقي في تونس.. حوار حاولنا من خلاله الوقوف عند علاقة النقد بالاعمال الابداعية، أسباب غياب المختصين في هذا المجال والحلول لتجاوز السياسات البالية.. وفي ما يلي نص الحوار:

حاورها: وليد عبداللاوي

* كمختصة في البحوث الموسيقية، ما تعريفك للنقد الموسيقي، ولماذا نفتقد نقادا في هذا المجال تحديدا؟

- النقد الموسيقي هو قراءة الأعمال الموسيقية من جوانب ومقاربات مختلفة وبيان نقاط القوة ونقاط الضعف في أي عمل أو ظاهرة موسيقية. وتتطلب عملية النقد دراية واسعة بالمعارف الموسيقية التي تسهل قراءة وتحليل الأعمال الموسيقية. كما يتطلب النقد معرفة بتاريخ الموسيقى وإلمام بتطورات وتحولات الممارسات الموسيقية في العالم بصفة عامة.

نفتقد للنقاد المختصين في الموسيقى في تونس لأننا نفتقر لتكوين متخصص في هذا المجال في معاهد الموسيقى كما في معهد الصحافة. كما أنه جرت العادة في تونس أن يتحدث عن الموسيقى الذين يعلمون والذين لا يعلمون. بمعنى أن الجميع يسمح لنفسه بالحديث عن الموسيقى ونقد الأعمال حسب الأهواء الخاصة وهو ما يجعل الخطاب العام والاعمال الصحفية حول الموسيقى انطباعية وغير مبنية على أسس موضوعية.

+هل كان لإصدار كتابك "تجربة النقد الموسيقي في تونس" وقعا في الساحة الفنية؟

كتابي "تجربة النقد الموسيقي في تونس" هو أول عمل أكاديمي علمي حول النقد الموسيقي ولقي ترحابا كبيرا في تونس وخارجها وتم استدعائي لمعهد الصحافة وعلوم الإخبار للاحتفاء بالكتاب ولكن لا أنتظر أن يكون له وقع في الساحة الفنية لأنه ليس موجها لذلك، وإنما هو موجه للقراء الجادين وللصحفيين المهتمين بالكتابة عن الموسيقى والذين يبحثون عن دليل لقراءة الأعمال الموسيقية.

*كيف ترين الكتابة الصحفية المهتمة بالمجال الموسيقي في تونس؟

- الكتابة الصحفية حول الموسيقى في تونس ضعيفة جدا ولا تقدم خطابا جادا وموضوعيا وإنما بقيت في مستوى الوصف والقراءات السطحية. وبعض الصحفيين يبالغون في الاحتفاء بأعمال موسيقية معينة ناجحة جماهيريا وتجاريا ولكنها على المستوى الموسيقي ضعيفة جدا وأحيانا رديئة. في حين أن النقد يؤدي وظيفة توعوية ويوجه المتلقي في عملية استهلاك الموسيقى. فالاستهلاك الموسيقي يجب أن واعيا وليس اعتباطيا وعلى الصحفيين والإعلاميين أن يساهموا في توعية المتلقي وتوجيه الأذواق عن طريق التحاليل النقدية الجادة والخطاب المتوازن والموضوعي.

* الممارسة النقدية والعملية الإبداعية خطان متوازنان، الى أي مدى يمكن تأكيد ذلك، في ظل غياب البحوث النقدية ؟

- الإبداع والنقد عمليتان متوازيتان. فالمبدع يوفر المادة الفنية للناقد والناقد يوفر القراءة والتحليل للمبدع. ويجب أن يبنى الخطاب النقدي على مقاربات علمية وموضوعية تساعد على تفكيك العمل الموسيقي وتنزيله في إطاره وتفسيره للمتلقي. وعلى المبدع أن يتقبل النقد بكل سماحة لأنه يساعد على تطوير الممارسة الإبداعية وهو عملية ضرورية لفهم المشهد الموسيقي بصفة عامة. وغياب الكتابات العلمية حول هذا الموضوع يمثل ثغرة كبيرة لأن النقد ليس في متناول أي كان ويتطلب بعض المعارف الضرورية في المجالين الصحفي والموسيقي. ومن هنا جاء اهتمامي بهذا المجال وأنا بصدد تحرير دليل علمي للنقد الموسيقي والكتابة الصحفية حول الموسيقى سيكون الأول من نوعه في هذا المجال.

*هناك العديد من المشاكل التي طالت المجال الموسيقي في تونس والحال أنها تزخر بالكثير من الطاقات الإبداعية، بم تفسرين الهوة بين الواقعين؟

- مشاكل المجال الموسيقي كثيرة جدا وذلك يعود إلى عدم إيلاء المجال الجدية اللازمة وانعدام الجرأة في أخذ القرارات على مستوى السلطة. المجال الموسيقي يعود تنظيميا وهيكليا إلى وزارة الشؤون الثقافية وإلى بعض الأطراف الأخرى المتدخلة مثل نقابات المهن الموسيقية وغيرها. ولا توجد في القطاع تقاليد التنسيق بين الأطراف وإنما تعود الجميع على العمل بطريقة فردية دون إشراك غيره وفي النهاية لا نصل إلى نتيجة تغير الواقع أو تحسن الظروف العامة للممارسة الموسيقية. ووزارة الشؤون الثقافية لا تتبع أي استراتيجيا للنهوض بمجال الصناعة الموسيقية ولا تشرك الخبراء في هذا المجال لتقديم التصورات أو الاستشارات الجادة. تكتفي الوزارة بتنظيم المهرجانات وتقديم الدعم دون أي نية في الإصلاح والتغيير ولا تقوم بعملية التقييم والنقد الذاتي. حصرت نفسها في دور منظم الاحتفالات فقط وهو ليس دورها. لذلك أقول أنه على وزارة الشؤون الثقافية اليوم أن تغير منوال السياسة الثقافية وتنفتح أكثر على التجارب العالمية المتقدمة فمنوال السياسة الثقافية المتبع منذ الاستقلال لم يعد مناسبا لتحولات المجالات الإبداعية والفنية. والسوق العالمية للموسيقى كبيرة ومفتوحة ويمكن لتونس أن تكون عنصرا فاعلا فيها نظرا لثراء رصيدنا الموسيقي وانفتاح الأجيال الجديدة والقديمة على التطورات الحاصلة في الموسيقى على مستوى العالم.

يجب على الدولة أن تشرع فورا في مراجعة منظومة دعم الأعمال الفنية واستبدال الدعم بالاستثمار. نحن في حاجة اليوم لخلق ثروة اقتصادية من المجال الموسيقي من خلال تنظيم الممارسات الموسيقية وحسن توجيه واستغلال الموارد المالية العمومية الموجهة للإنتاج الموسيقي وإلا فإن الوزارة ستواصل نفس منهج الدعم التقليدي الذي أثبت فشله. إدراج المجال الموسيقي في المنظومة الاقتصادية هو الحل الوحيد أمامنا لتطوير المجال الموسيقي وخلق الثروة الفنية من ناحية والاقتصادية من ناحية أخرى والمساهمة في التنمية الشاملة تبدأ من هنا. يجب أن تؤمن وزارة الشؤون الثقافية أن المجال الموسيقي يمكن أن يكون فاعلا في التنمية وذلك عن طريق خلق فرص الشغل باحتواء المشاريع الموسيقية الجديدة والاستثمار فيها لضمان استدامتها على المدى الطويل. فدور الوزارة ليس توفير الدعم للإنتاج وإنما توفير موارد الاستثمار وهنا يجب أن تغير الوزارة نظرتها إلى المشاريع الموسيقية وتعتبرها مشاريع فنية واقتصادية وليست فقط ترفيهية وإبداعية. فالإبداع يمكن أن يتحول إلى مهنة تخلق الثروة إذا وفرنا له التأطير الضروري.

*لماذا لم تحظ الموسيقى التونسية الى الٱن بالأهمية التي تتمتع بها الموسيقى العربية والغربية على مستوى الترويج ؟

*لم تحظ الموسيقى التونسية بالترويج اللازم لأن السوق الموسيقية غير متوفرة في تونس. حتى نضمن الرواج على المستويين العربي والعالمي يجب أن نوفر السوق أولا. أي أن يصبح المجال الموسيقي صناعة منتجة لها هياكل واستثمارات ونصوص منظمة. كيف سنفعل كل هذا ونحن نتبع سياسة دعم لم تقع مراجعتها منذ الاستقلال؟ وقانون الفنان ملقى في مجلس النواب منذ أكثر من سبع سنوات في نسخة رديئة وغير دقيقة. بالإضافة إلى غياب شركات الإنتاج التي تمثل النواة الأساسية للصناعة الموسيقية. في مصر ولبنان مثلا  الصناعة الموسيقية قطاع منظم له هياكل وقوانين وشركات إنتاج ضخمة تستثمر في المشاريع الموسيقية وتخلق الثروة. في تونس نفتقر لهذا الشيء فمن الطبيعي أن تبقى الإنتاجات الموسيقى في هذا المستوى من الضعف الكمي ومن المحلية المفرطة.

* هلف من مؤاخذات إزاء المهرجانات الموسيقية في تونس؟

- المهرجانات الموسيقية ملف كبير جدا لا يمكن تلخيصه في بعض الكلمات. ولكن باختصار سأقول أن الدولة تهدر أموالا عمومية طائلة على تظاهرات واحتفالات موسيقية لا ترتقي لمستوى المهرجانات لا في التنظيم ولا في البرمجة ولا في المردود المالي أو النفعية المعنوية. فالمهرجانات الموسيقية يجب أن تعود بالنفع على الجمهور بتوفير عنصري الترفيه والتثقيف. وأن تعود بالنفع على المستوى المالي بأن تصبح منتجة للثروة وأن تكون قادرة على تمويل نفسها بذاتها. وهذا يدخل في إطار الاستراتيجيا الوطنية للنهوض بالمجال الموسيقي وتحويله إلى صناعة. يجب العمل على تغيير سياسة المهرجانات وتقديم تصور مالي واقتصادي جديد وعصري يقلل من تعويل المهرجانات على الدعم العمومي ويحولها إلى تظاهرات منتجة ولا يكون ذلك إلا بوضع إدارات تسييرية قارة للمهرجانات وأن لا يترك مصيرها للصدفة ولتعيينات سياسية أكثر منها فنية مختصة. فتعيين الهيئات المديرة للمهرجانات لا يكون على قاعدة موضوعية جادة وإنما هي تعيينات سياسية لذلك يجب التخلي عن سياسة الهيئات والشروع في تركيز إدارات مهرجانات تحتوي على كفاءات مختصة في مجالات القوانين والمالية والوساطة الثقافية والإعلام الثقافي وتشتغل هذه الإدارات بصفة قارة ومتواصلة مع ضرورة التداول على الإدارة الفنية من طرف الكفاءات الشابة التي تواكب تطورات الصناعة الموسيقية في العالم. ويجب أن تتخلى وزارة الشؤون الثقافية عن عادة تعيين فنان أو موسيقي أو جامعي على رأس الهيئات الفنية للمهرجانات لأن الفنان والموسيقي والجامعي لا يكتسب بالضرورة مهارات التسيير الإداري والمالي وقد كلفتنا هذه العادة خسائر فادحة على مر السنوات. لذلك أرى أنه من الضروري تركيز هياكل مسيرة قارة ومختصة في المجالات المتعلقة بالمهرجانات مع تعيين إدارة فنية وموسيقة لتقديم البرمجة الفنية فقط.

وهذا الأمر يتطلب الكثير من الجرأة. لأن التغيير ليس سهلا. ولكن المنوال الذي أقترحه سيعطي نتائج إيجابية في المدى المتوسط والبعيد، وسيساعد المهرجانات على الخروج من الاعتباطية والارتجالية التي تكبلها منذ سنوات

الجامعية والباحثة في الموسيقى عائشة القلالي لـ"الصباح":  نفتقد نقادا مختصين في الموسيقى في تونس نتيجة افتقارنا لتكوين متخصص في هذا المجال بمعاهد الموسيقى ومعهد الصحافة

تونس-الصباح

لا يمكن تصور نمو الحركة الإبداعية عامة والمجال الموسيقي على وجه الخصوص دون تحديد مستويات العلاقة بين الموسيقى والصحافة والإعلام..

وإن بدت العلاقة بين الأطراف الثلاثة متينة من حيث مواكبة الأنشطة الثقافية والموسيقية خاصة، فإن المقالات والبحوث المقتضبة حولها تفتقد عنصر الاختصاص، ما أفضى الى غياب تقييم الأعمال الموسيقية وبيان قيمتها الجمالية وبالتالي عدم إفادة الجماهير الواسعة المتابعين لهذا المجال، كما الفنانين، لأن غياب مناهج النقد واسسه العلمية من شأنه أن يطمس الوظائف الهامة للاعمال الموسيقية على غرار توجيه الجمهور من حيث عملية الاستهلاك وتقييم مدى استجابة الأعمال للمقاييس الذوقية للمجتمع.. وهو ما أكدته الجامعية والباحثة في الموسيقى عائشة القلالي لـ"الصباح" في حوار خاص باعتبارها أول مؤلفة لعمل أكاديمي علمي حول النقد الموسيقي في تونس.. حوار حاولنا من خلاله الوقوف عند علاقة النقد بالاعمال الابداعية، أسباب غياب المختصين في هذا المجال والحلول لتجاوز السياسات البالية.. وفي ما يلي نص الحوار:

حاورها: وليد عبداللاوي

* كمختصة في البحوث الموسيقية، ما تعريفك للنقد الموسيقي، ولماذا نفتقد نقادا في هذا المجال تحديدا؟

- النقد الموسيقي هو قراءة الأعمال الموسيقية من جوانب ومقاربات مختلفة وبيان نقاط القوة ونقاط الضعف في أي عمل أو ظاهرة موسيقية. وتتطلب عملية النقد دراية واسعة بالمعارف الموسيقية التي تسهل قراءة وتحليل الأعمال الموسيقية. كما يتطلب النقد معرفة بتاريخ الموسيقى وإلمام بتطورات وتحولات الممارسات الموسيقية في العالم بصفة عامة.

نفتقد للنقاد المختصين في الموسيقى في تونس لأننا نفتقر لتكوين متخصص في هذا المجال في معاهد الموسيقى كما في معهد الصحافة. كما أنه جرت العادة في تونس أن يتحدث عن الموسيقى الذين يعلمون والذين لا يعلمون. بمعنى أن الجميع يسمح لنفسه بالحديث عن الموسيقى ونقد الأعمال حسب الأهواء الخاصة وهو ما يجعل الخطاب العام والاعمال الصحفية حول الموسيقى انطباعية وغير مبنية على أسس موضوعية.

+هل كان لإصدار كتابك "تجربة النقد الموسيقي في تونس" وقعا في الساحة الفنية؟

كتابي "تجربة النقد الموسيقي في تونس" هو أول عمل أكاديمي علمي حول النقد الموسيقي ولقي ترحابا كبيرا في تونس وخارجها وتم استدعائي لمعهد الصحافة وعلوم الإخبار للاحتفاء بالكتاب ولكن لا أنتظر أن يكون له وقع في الساحة الفنية لأنه ليس موجها لذلك، وإنما هو موجه للقراء الجادين وللصحفيين المهتمين بالكتابة عن الموسيقى والذين يبحثون عن دليل لقراءة الأعمال الموسيقية.

*كيف ترين الكتابة الصحفية المهتمة بالمجال الموسيقي في تونس؟

- الكتابة الصحفية حول الموسيقى في تونس ضعيفة جدا ولا تقدم خطابا جادا وموضوعيا وإنما بقيت في مستوى الوصف والقراءات السطحية. وبعض الصحفيين يبالغون في الاحتفاء بأعمال موسيقية معينة ناجحة جماهيريا وتجاريا ولكنها على المستوى الموسيقي ضعيفة جدا وأحيانا رديئة. في حين أن النقد يؤدي وظيفة توعوية ويوجه المتلقي في عملية استهلاك الموسيقى. فالاستهلاك الموسيقي يجب أن واعيا وليس اعتباطيا وعلى الصحفيين والإعلاميين أن يساهموا في توعية المتلقي وتوجيه الأذواق عن طريق التحاليل النقدية الجادة والخطاب المتوازن والموضوعي.

* الممارسة النقدية والعملية الإبداعية خطان متوازنان، الى أي مدى يمكن تأكيد ذلك، في ظل غياب البحوث النقدية ؟

- الإبداع والنقد عمليتان متوازيتان. فالمبدع يوفر المادة الفنية للناقد والناقد يوفر القراءة والتحليل للمبدع. ويجب أن يبنى الخطاب النقدي على مقاربات علمية وموضوعية تساعد على تفكيك العمل الموسيقي وتنزيله في إطاره وتفسيره للمتلقي. وعلى المبدع أن يتقبل النقد بكل سماحة لأنه يساعد على تطوير الممارسة الإبداعية وهو عملية ضرورية لفهم المشهد الموسيقي بصفة عامة. وغياب الكتابات العلمية حول هذا الموضوع يمثل ثغرة كبيرة لأن النقد ليس في متناول أي كان ويتطلب بعض المعارف الضرورية في المجالين الصحفي والموسيقي. ومن هنا جاء اهتمامي بهذا المجال وأنا بصدد تحرير دليل علمي للنقد الموسيقي والكتابة الصحفية حول الموسيقى سيكون الأول من نوعه في هذا المجال.

*هناك العديد من المشاكل التي طالت المجال الموسيقي في تونس والحال أنها تزخر بالكثير من الطاقات الإبداعية، بم تفسرين الهوة بين الواقعين؟

- مشاكل المجال الموسيقي كثيرة جدا وذلك يعود إلى عدم إيلاء المجال الجدية اللازمة وانعدام الجرأة في أخذ القرارات على مستوى السلطة. المجال الموسيقي يعود تنظيميا وهيكليا إلى وزارة الشؤون الثقافية وإلى بعض الأطراف الأخرى المتدخلة مثل نقابات المهن الموسيقية وغيرها. ولا توجد في القطاع تقاليد التنسيق بين الأطراف وإنما تعود الجميع على العمل بطريقة فردية دون إشراك غيره وفي النهاية لا نصل إلى نتيجة تغير الواقع أو تحسن الظروف العامة للممارسة الموسيقية. ووزارة الشؤون الثقافية لا تتبع أي استراتيجيا للنهوض بمجال الصناعة الموسيقية ولا تشرك الخبراء في هذا المجال لتقديم التصورات أو الاستشارات الجادة. تكتفي الوزارة بتنظيم المهرجانات وتقديم الدعم دون أي نية في الإصلاح والتغيير ولا تقوم بعملية التقييم والنقد الذاتي. حصرت نفسها في دور منظم الاحتفالات فقط وهو ليس دورها. لذلك أقول أنه على وزارة الشؤون الثقافية اليوم أن تغير منوال السياسة الثقافية وتنفتح أكثر على التجارب العالمية المتقدمة فمنوال السياسة الثقافية المتبع منذ الاستقلال لم يعد مناسبا لتحولات المجالات الإبداعية والفنية. والسوق العالمية للموسيقى كبيرة ومفتوحة ويمكن لتونس أن تكون عنصرا فاعلا فيها نظرا لثراء رصيدنا الموسيقي وانفتاح الأجيال الجديدة والقديمة على التطورات الحاصلة في الموسيقى على مستوى العالم.

يجب على الدولة أن تشرع فورا في مراجعة منظومة دعم الأعمال الفنية واستبدال الدعم بالاستثمار. نحن في حاجة اليوم لخلق ثروة اقتصادية من المجال الموسيقي من خلال تنظيم الممارسات الموسيقية وحسن توجيه واستغلال الموارد المالية العمومية الموجهة للإنتاج الموسيقي وإلا فإن الوزارة ستواصل نفس منهج الدعم التقليدي الذي أثبت فشله. إدراج المجال الموسيقي في المنظومة الاقتصادية هو الحل الوحيد أمامنا لتطوير المجال الموسيقي وخلق الثروة الفنية من ناحية والاقتصادية من ناحية أخرى والمساهمة في التنمية الشاملة تبدأ من هنا. يجب أن تؤمن وزارة الشؤون الثقافية أن المجال الموسيقي يمكن أن يكون فاعلا في التنمية وذلك عن طريق خلق فرص الشغل باحتواء المشاريع الموسيقية الجديدة والاستثمار فيها لضمان استدامتها على المدى الطويل. فدور الوزارة ليس توفير الدعم للإنتاج وإنما توفير موارد الاستثمار وهنا يجب أن تغير الوزارة نظرتها إلى المشاريع الموسيقية وتعتبرها مشاريع فنية واقتصادية وليست فقط ترفيهية وإبداعية. فالإبداع يمكن أن يتحول إلى مهنة تخلق الثروة إذا وفرنا له التأطير الضروري.

*لماذا لم تحظ الموسيقى التونسية الى الٱن بالأهمية التي تتمتع بها الموسيقى العربية والغربية على مستوى الترويج ؟

*لم تحظ الموسيقى التونسية بالترويج اللازم لأن السوق الموسيقية غير متوفرة في تونس. حتى نضمن الرواج على المستويين العربي والعالمي يجب أن نوفر السوق أولا. أي أن يصبح المجال الموسيقي صناعة منتجة لها هياكل واستثمارات ونصوص منظمة. كيف سنفعل كل هذا ونحن نتبع سياسة دعم لم تقع مراجعتها منذ الاستقلال؟ وقانون الفنان ملقى في مجلس النواب منذ أكثر من سبع سنوات في نسخة رديئة وغير دقيقة. بالإضافة إلى غياب شركات الإنتاج التي تمثل النواة الأساسية للصناعة الموسيقية. في مصر ولبنان مثلا  الصناعة الموسيقية قطاع منظم له هياكل وقوانين وشركات إنتاج ضخمة تستثمر في المشاريع الموسيقية وتخلق الثروة. في تونس نفتقر لهذا الشيء فمن الطبيعي أن تبقى الإنتاجات الموسيقى في هذا المستوى من الضعف الكمي ومن المحلية المفرطة.

* هلف من مؤاخذات إزاء المهرجانات الموسيقية في تونس؟

- المهرجانات الموسيقية ملف كبير جدا لا يمكن تلخيصه في بعض الكلمات. ولكن باختصار سأقول أن الدولة تهدر أموالا عمومية طائلة على تظاهرات واحتفالات موسيقية لا ترتقي لمستوى المهرجانات لا في التنظيم ولا في البرمجة ولا في المردود المالي أو النفعية المعنوية. فالمهرجانات الموسيقية يجب أن تعود بالنفع على الجمهور بتوفير عنصري الترفيه والتثقيف. وأن تعود بالنفع على المستوى المالي بأن تصبح منتجة للثروة وأن تكون قادرة على تمويل نفسها بذاتها. وهذا يدخل في إطار الاستراتيجيا الوطنية للنهوض بالمجال الموسيقي وتحويله إلى صناعة. يجب العمل على تغيير سياسة المهرجانات وتقديم تصور مالي واقتصادي جديد وعصري يقلل من تعويل المهرجانات على الدعم العمومي ويحولها إلى تظاهرات منتجة ولا يكون ذلك إلا بوضع إدارات تسييرية قارة للمهرجانات وأن لا يترك مصيرها للصدفة ولتعيينات سياسية أكثر منها فنية مختصة. فتعيين الهيئات المديرة للمهرجانات لا يكون على قاعدة موضوعية جادة وإنما هي تعيينات سياسية لذلك يجب التخلي عن سياسة الهيئات والشروع في تركيز إدارات مهرجانات تحتوي على كفاءات مختصة في مجالات القوانين والمالية والوساطة الثقافية والإعلام الثقافي وتشتغل هذه الإدارات بصفة قارة ومتواصلة مع ضرورة التداول على الإدارة الفنية من طرف الكفاءات الشابة التي تواكب تطورات الصناعة الموسيقية في العالم. ويجب أن تتخلى وزارة الشؤون الثقافية عن عادة تعيين فنان أو موسيقي أو جامعي على رأس الهيئات الفنية للمهرجانات لأن الفنان والموسيقي والجامعي لا يكتسب بالضرورة مهارات التسيير الإداري والمالي وقد كلفتنا هذه العادة خسائر فادحة على مر السنوات. لذلك أرى أنه من الضروري تركيز هياكل مسيرة قارة ومختصة في المجالات المتعلقة بالمهرجانات مع تعيين إدارة فنية وموسيقة لتقديم البرمجة الفنية فقط.

وهذا الأمر يتطلب الكثير من الجرأة. لأن التغيير ليس سهلا. ولكن المنوال الذي أقترحه سيعطي نتائج إيجابية في المدى المتوسط والبعيد، وسيساعد المهرجانات على الخروج من الاعتباطية والارتجالية التي تكبلها منذ سنوات