قال الدكتور في علم الاجتماع المولدي القسومي أن انتفاضة العقول والجامعات الغربية سيكون لها تأثير على مسار القضية الفلسطينية في المستقبل.
وأكد القسومي، في حوار لـ"الصباح"، حول وجهة نظر علم الاجتماع لانتفاضة الجامعات في العالم، وتأثيرها على القضية الفلسطينية بعد حرب غزة، أن ما يحدث في العالم اليوم يشكل "صدمة المستقبل".
كما فسر القسومي، أسباب انتفاضة الجامعات في العالم وخمول الجامعات في العالم العربي، مشيرا إلى أن استمرارية انتفاضة العقول ستستمر على المدى المتوسط، وستأتي بثمارها مع الضغط المسلط على الكيان الصهيوني من الداخل والتي سترجح في الأخير كفة الفلسطينيين.
حاوره: نزار مقني
*من وجهة نظر علم الاجتماع هل هناك تأثير لما يحدث من انتفاضات طلابية و"ثورة عقول" في الجامعات الدولية على مسار القضية الفلسطينية؟
-ما يحدث اليوم في العالم هو "صدمة المستقبل" وإن كان ذلك عنوانا لكتاب لـ"آلفان توفلير كابه" سنة 1975، وتحدث فيه عن الصدمة التي ستحدثها "الميديا" الجديدة وهو من أول من تحدث عماّ سيحدثه الذكاء الاصطناعي وفضاءات الميديا الجديدة.
اليوم نجد أن صدمة المستقبل تأخذ شكلا جديدا وتأتي من نصاب مختلف تماما عما تحدث عنه توفلير سنة 1975، تلك الصدمة القادمة من غزة لترتد في أفق زمني ومستقبلي واضح المعالم بناء على النقطة الجدلية، لأنه بصدد البناء على تصحيح ما هو غائم في التاريخ.
ما كان سائدا قبل العدوان على غزة، كانت هناك ديناميكية معرفية من داخل الكيان الصهيوني في حد ذاته، ففي سنة 1986 تشكلت مدرسة المؤرخين الجدد داخل الكيان الصهيوني وبتمويل حكومي إسرائيلي، ومن ضمن المؤرخين شلومو ساتند وكيث بنتام وألان بابيه وآخرون غيرهم، وبمنسوب كتابي مختلف، وأشهرهم شلومو ساند وبابيه وخاصة ساند الذي حمل السلاح ضد الفلسطينيين.
بتمويل من مخابر علمية للقيام بحفريات تاريخية وأركيولوجية من أجل تثبيت الأسطورة التاريخية التوراتية، فتم نسفها تماما.
ولما نجد أن مؤرخا كشلومو ساند كتاب من فئة "اختراع اشعيا اليهودي"، واختراع أرض إسرائيل ويكتبه للقراء العرب، وكأنه يخاطب العرب من منطلق الاعتذار.
بدأت العملية في مراجعة التاريخ من هذه النقطة، واليوم ما يحدث في غزة سرع في حركة الوعي بالقضية الفلسطينية على المستوى الكوني.
اليوم عندما نرى الديناميكية الطلابية التي تشكل 254 مليون طالب، ومع عنصر الديناميكية والحركية المجالية لهؤلاء الطلبة بين جامعات العالم، والتي يشكل قوامها 6.4 مليون نسمة.
هؤلاء تحولوا إلى محاليل متنقلة لتصحيح الوعي بالقضية الفلسطينية، وهذا ما يحملنا إلى أفق ونتائج هذه الحركية، والتي تعني ضرورة التفكير أن جامعة مثل جامعة أوكسفورد مثلا، التي تخرج منها 42 رئيسا للوزراء في العالم.
لو طبقنا هذا المبدأ على غيرها من الجامعات مثل جامعة يال وستندفورد وشيكاغو وغيرها، والتي يشكل خريجوها سادة القرار في المستقبل، وهؤلاء يشكلون عادة ما بين 10 و15 في المائة من الطبقة التي تتحكم في القرارات السيادية في العالم.
*هل ستستمر هذه الحركة أم أنها ظرفية حسب رأيك؟
-هذه الحركة ستستمر في المستقبل، هي الآن في عنفوانها، وتتشكل من شباب عمره ما بين 20 إلى 25 سنة، قاموا بتلك الحركة الانتفاضية ومن داخل جامعات عريقة، مثل جامعة يال التي كانت محسوبة أنها موالية للكيان الصهيوني، وهارفارد التي لديها ميزانية للبحث العلمي تقدر بـ 30 مليار دولار، بتمويلات من شركات مرتبطة بالكيان الصهيوني، اليوم تنتفض من الداخل وتفتك تلك القلاع.
وهي قلاع لأناس لم يصححوا علاقتهم بالقضية الفلسطينية، نتيجة ديماغوجيا أو عملية تعبئة أيديولوجية، بل بمخابر علمية استأنست بعملية تصحيح التاريخ التوراتي، ثم جسدت ذلك على مستوى الحراك الطلابي، فظهرت حركة مثل تلك ظهرت في سنة 1968 لكن في صيغة جديدة، ولكن بصيغة أفقها كوني، وذلك لعدة أسباب أهمها أن القضية الفلسطينية هي آخر القضايا ذات العمق الإنساني الكوني، وهي آخر القضايا الاستعمارية الاحتلالية من نوعها.
فالاستعمار الاحتلالي الصهيوني أتى ليستأصل أصحاب الأرض ويحل محلهم، وهو استعمار فريد من نوعه، استعمار يعيدنا إلى القرون الوسطى وهو الأمر الذي لا يمكن استيعابه اليوم حتى من قبل الامبريالية في طور الهيمنة القطبية الشاملة، والتي تعمل على استعمار العالم دون قوة عسكرية. هنا نجد أن العالم يحتضن حالة استعمار احلالي متخلف.
إذن الحركة الطلابية استوعبت هذا الموقف، وهو العمق الوعي بأصل القضية والمبني أساسا على التصحيح.
لذاك نقول أنها ستستمر على مستويين: أولا على دينامكية "المجتمع العالم" وعلاقته بالقضية الفلسطينية وعلاقته بالصهيونية أساسا، والتي لم تعد مسألة مقبولة وتستصاغ بشكل عادي، رغم أننا هنا يجب مراعاة أنه من باب سذاجة وحدود معرفتهم بالتاريخ الإنساني، فبعضها يعتبر أن "معاداة السامية تعني معاداة الصهيونية"، وهذه سذاجة معرفية، واليوم أتت الفرصة أن تصحح هذه المعلومات، ولم يتم تصحيحها من قلاع المخابر العلمية وقلاع صناعة العلم، إذن ضمانات استمراريتها في المستقبل.
وثانيا في مستوى النخب التي ستصبح سادة القرار في العالم في المستقبل.
اليوم أغلب جامعات العالم تنادت لتصحيح وعيها بهذه القضية، وغدا سادة قرار العالم سيرثون المعطيات العلمية والمعرفية الجديدة التي رسختها ديناميكية المجتمع المعرفي.
*ولكن هذه الاستمرارية ستستمر على أي مدى زمني؟
-كنا ننتظر المدى البعيد الذي ستتحرر فيه فلسطين، والمدى البعيد الذي سيتم خلال تصحيح الوعي في أصل القضية، واليوم يبدو لي أنه من باب التهور أن نقول أنه في المدى القريب.
ولكن ما حصل اليوم في مستوى "المجتمع العالم" سيظل في المدى المتوسط، الذي سيحدث فيه أمرين: يهود العالم غير الإسرائيليين وغير المتصهينين سيقفون على حقيقة أنهم متضررين من الحركة الصهيونية، وهذه أول نكسة بالنسبة لها، وسيتحولون إلى حركة ضغط، وقبل ما يحدث في غزة، وعيهم بذلك كان يقف عند حدود لا يشكلون حركة ضغط على الكيان الصهيوني، وهم فقط يعيشون في مجتمعاتهم الطبيعية ولكن اليوم عندما تحولوا إلى حركة ضغط، إضافة إلى الحركة التي يشكلها المؤرخون الجدد والتي بدورها ستشكل وطيدة علمية ناتئة التي سيرتكز عليها يهود غير الصهاينة، لتشكيل حركة الضغط من داخل فلسطين المحتلة وخارجها لتصحيح هذا المسار.
وهذا التصحيح معطى مهم، وهو لو بقي اليهود في مجتمعاتهم الطبيعية على ما يملكونه من قوة إعلام، واقتصاد وقوة مالية، لكانوا يحكمون العالم دون أن يحتلوه، وهذا ما يشتغلون عليه لعودة اليهود إلى مجتمعاتهم الطبيعية ممن صححوا وعيهم بالمسألة الفلسطينية، أو استبطان فكرة الدولة العلمانية، والتي يمكن أن تصبح في المستقبل مع حق عودة كل الفلسطينيين، والتي سترجح كفة النمو الديمغرافي لصالحهم، والتي من الأفكار التي يطرحها شلومو ساند، لأنها فكرة فيها الكثير من الذكاء.
وهذا المعطى الفلسطيني، وعلى المدى المتوسط، خلال جيل أو جيلين، بين 20 و30 سنة، والتي تعني أن الكفة الديمغرافية ستعيد فلسطين إلى الفلسطينيين، مع ضمان تعايش كل الملل والنحل بأديانها المختلفة.
*التحول على المستوى الاجتماعي هل يمكن أن يشكل تأثيرا على مستوى الصراع الجيوسياسي في العالم؟
-على المستوى الجيوسياسي، ذلك يعني عودة طور النخب اليوم في العالم، أنت رأيت تلك الشعبويات التي نتحدث عنها في كل المجالات، القضية الفلسطينية هي أكبر اختبار لنهاية الشعبوية.
فهذه القضية لم تبدأ طور الانتصار فيها إلا بعودة النخب للعب دورها، لأننا حتى ننتصر في هذه القضية لا يكفي المقاومة فقط وهي التي بدأت المعركة ولكن مقاومة المقاومة باعتبارها جزءا من معركة العضلات القتالية يلزمها عقل.
وثانيا، نحن نعيش في إقليم يقع تحت وطأة أسلحة الردع النووي، وهنا أتساءل أين دور مصر أو دول الطوق الفلسطيني، لا يوجد لها أي دور، وهذا ما حفز الفلسطينيين أن يعولوا على أنفسهم، ضرورة العودة للمقاومة، وهي بوابة الانفتاح على المعارك الأخرى، وأبرزها معركة العضلات الفكرية التي بدأت من الجامعات.
اليوم القضية الفلسطينية أعادت النخب، لأنها قضية لا تقبل الاستهانة المعرفية، بل هي شرط من شروطها الحقيقية مثلما أثبت المؤرخون الإسرائيليون الجدد، وشرط من شروط الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية هو شرط علمي دقيق، ولهذا السبب القضية الفلسطينية أعادت النخب.
*في هذا كله أين دور النخب العربية؟
-هناك سببان يتضافران ليضعاننا في حالة سبات مقارنة بديناميكية الأكاديمية والطلابية الموجودة في الغرب.
العالم الأول يتعلق بالدول التي طبعت وانخرطت في مسار التطبيع، مثل مصر التي كانت تاريخيا جامعتها وحتى في تونس، كانتا ميزتين تاريخيتين في العالم العربي، كانت أهم الحركات السياسية التي تشكلت في مصر تشكلت داخل الجامعة، خلافا لكل الدول العربية الأخرى.
اليوم كل ذلك التراث نسف في مصر، وظل في تونس لكنه حتى وإن ظل فقد خرج للشارع وأصبحت الجامعة خاوية، والطالب لم يعد له منبر جامعي، ومن بين المحاسن لما بعد سنة 2011 خروجه للشارع، ولكن من مساوئه الكبرى أن الجامعة فرغت بل وكأنها لم تتأثر بالثورة أصلا.
فلا دور للجامعيين ولأغلب الطلبة، وحتى قليلهم معرفون، ونفس الأسماء هي التي تتحرك، وذلك لا يفي بالغرض ولا يعبئ على مدى متوسط وبعيد، لأننا اليوم بحاجة للنفس الطويل.
والمعطى الثاني في الحالة التونسية، فإن هناك تمازجا وتناغما بشكل استثنائي في علاقة بالقضية الفلسطينية، فتجد الخطاب الرسمي يعبر عن المهجة الشعبية، وهذا انتصار الشارع، وأصبحت التحركات التي تعني في الأخير الضغط على صاحب القرار، ونحن على من سنضغط في الأخير، إلا إذا كنا سنسمع صوتنا للخارج، وهذه مسألة تؤثر كثيرا في القرار الدولي.
ولكن ربما الدينامكية الأفقية والتجالس على مستوى الحركية الطلابية المجالية وتحمله من تلاقح، بين الأمم الطلابية، وهذا هو الذي يضمن تأثيرنا على المستوى الكوني.
تونس-الصباح
قال الدكتور في علم الاجتماع المولدي القسومي أن انتفاضة العقول والجامعات الغربية سيكون لها تأثير على مسار القضية الفلسطينية في المستقبل.
وأكد القسومي، في حوار لـ"الصباح"، حول وجهة نظر علم الاجتماع لانتفاضة الجامعات في العالم، وتأثيرها على القضية الفلسطينية بعد حرب غزة، أن ما يحدث في العالم اليوم يشكل "صدمة المستقبل".
كما فسر القسومي، أسباب انتفاضة الجامعات في العالم وخمول الجامعات في العالم العربي، مشيرا إلى أن استمرارية انتفاضة العقول ستستمر على المدى المتوسط، وستأتي بثمارها مع الضغط المسلط على الكيان الصهيوني من الداخل والتي سترجح في الأخير كفة الفلسطينيين.
حاوره: نزار مقني
*من وجهة نظر علم الاجتماع هل هناك تأثير لما يحدث من انتفاضات طلابية و"ثورة عقول" في الجامعات الدولية على مسار القضية الفلسطينية؟
-ما يحدث اليوم في العالم هو "صدمة المستقبل" وإن كان ذلك عنوانا لكتاب لـ"آلفان توفلير كابه" سنة 1975، وتحدث فيه عن الصدمة التي ستحدثها "الميديا" الجديدة وهو من أول من تحدث عماّ سيحدثه الذكاء الاصطناعي وفضاءات الميديا الجديدة.
اليوم نجد أن صدمة المستقبل تأخذ شكلا جديدا وتأتي من نصاب مختلف تماما عما تحدث عنه توفلير سنة 1975، تلك الصدمة القادمة من غزة لترتد في أفق زمني ومستقبلي واضح المعالم بناء على النقطة الجدلية، لأنه بصدد البناء على تصحيح ما هو غائم في التاريخ.
ما كان سائدا قبل العدوان على غزة، كانت هناك ديناميكية معرفية من داخل الكيان الصهيوني في حد ذاته، ففي سنة 1986 تشكلت مدرسة المؤرخين الجدد داخل الكيان الصهيوني وبتمويل حكومي إسرائيلي، ومن ضمن المؤرخين شلومو ساتند وكيث بنتام وألان بابيه وآخرون غيرهم، وبمنسوب كتابي مختلف، وأشهرهم شلومو ساند وبابيه وخاصة ساند الذي حمل السلاح ضد الفلسطينيين.
بتمويل من مخابر علمية للقيام بحفريات تاريخية وأركيولوجية من أجل تثبيت الأسطورة التاريخية التوراتية، فتم نسفها تماما.
ولما نجد أن مؤرخا كشلومو ساند كتاب من فئة "اختراع اشعيا اليهودي"، واختراع أرض إسرائيل ويكتبه للقراء العرب، وكأنه يخاطب العرب من منطلق الاعتذار.
بدأت العملية في مراجعة التاريخ من هذه النقطة، واليوم ما يحدث في غزة سرع في حركة الوعي بالقضية الفلسطينية على المستوى الكوني.
اليوم عندما نرى الديناميكية الطلابية التي تشكل 254 مليون طالب، ومع عنصر الديناميكية والحركية المجالية لهؤلاء الطلبة بين جامعات العالم، والتي يشكل قوامها 6.4 مليون نسمة.
هؤلاء تحولوا إلى محاليل متنقلة لتصحيح الوعي بالقضية الفلسطينية، وهذا ما يحملنا إلى أفق ونتائج هذه الحركية، والتي تعني ضرورة التفكير أن جامعة مثل جامعة أوكسفورد مثلا، التي تخرج منها 42 رئيسا للوزراء في العالم.
لو طبقنا هذا المبدأ على غيرها من الجامعات مثل جامعة يال وستندفورد وشيكاغو وغيرها، والتي يشكل خريجوها سادة القرار في المستقبل، وهؤلاء يشكلون عادة ما بين 10 و15 في المائة من الطبقة التي تتحكم في القرارات السيادية في العالم.
*هل ستستمر هذه الحركة أم أنها ظرفية حسب رأيك؟
-هذه الحركة ستستمر في المستقبل، هي الآن في عنفوانها، وتتشكل من شباب عمره ما بين 20 إلى 25 سنة، قاموا بتلك الحركة الانتفاضية ومن داخل جامعات عريقة، مثل جامعة يال التي كانت محسوبة أنها موالية للكيان الصهيوني، وهارفارد التي لديها ميزانية للبحث العلمي تقدر بـ 30 مليار دولار، بتمويلات من شركات مرتبطة بالكيان الصهيوني، اليوم تنتفض من الداخل وتفتك تلك القلاع.
وهي قلاع لأناس لم يصححوا علاقتهم بالقضية الفلسطينية، نتيجة ديماغوجيا أو عملية تعبئة أيديولوجية، بل بمخابر علمية استأنست بعملية تصحيح التاريخ التوراتي، ثم جسدت ذلك على مستوى الحراك الطلابي، فظهرت حركة مثل تلك ظهرت في سنة 1968 لكن في صيغة جديدة، ولكن بصيغة أفقها كوني، وذلك لعدة أسباب أهمها أن القضية الفلسطينية هي آخر القضايا ذات العمق الإنساني الكوني، وهي آخر القضايا الاستعمارية الاحتلالية من نوعها.
فالاستعمار الاحتلالي الصهيوني أتى ليستأصل أصحاب الأرض ويحل محلهم، وهو استعمار فريد من نوعه، استعمار يعيدنا إلى القرون الوسطى وهو الأمر الذي لا يمكن استيعابه اليوم حتى من قبل الامبريالية في طور الهيمنة القطبية الشاملة، والتي تعمل على استعمار العالم دون قوة عسكرية. هنا نجد أن العالم يحتضن حالة استعمار احلالي متخلف.
إذن الحركة الطلابية استوعبت هذا الموقف، وهو العمق الوعي بأصل القضية والمبني أساسا على التصحيح.
لذاك نقول أنها ستستمر على مستويين: أولا على دينامكية "المجتمع العالم" وعلاقته بالقضية الفلسطينية وعلاقته بالصهيونية أساسا، والتي لم تعد مسألة مقبولة وتستصاغ بشكل عادي، رغم أننا هنا يجب مراعاة أنه من باب سذاجة وحدود معرفتهم بالتاريخ الإنساني، فبعضها يعتبر أن "معاداة السامية تعني معاداة الصهيونية"، وهذه سذاجة معرفية، واليوم أتت الفرصة أن تصحح هذه المعلومات، ولم يتم تصحيحها من قلاع المخابر العلمية وقلاع صناعة العلم، إذن ضمانات استمراريتها في المستقبل.
وثانيا في مستوى النخب التي ستصبح سادة القرار في العالم في المستقبل.
اليوم أغلب جامعات العالم تنادت لتصحيح وعيها بهذه القضية، وغدا سادة قرار العالم سيرثون المعطيات العلمية والمعرفية الجديدة التي رسختها ديناميكية المجتمع المعرفي.
*ولكن هذه الاستمرارية ستستمر على أي مدى زمني؟
-كنا ننتظر المدى البعيد الذي ستتحرر فيه فلسطين، والمدى البعيد الذي سيتم خلال تصحيح الوعي في أصل القضية، واليوم يبدو لي أنه من باب التهور أن نقول أنه في المدى القريب.
ولكن ما حصل اليوم في مستوى "المجتمع العالم" سيظل في المدى المتوسط، الذي سيحدث فيه أمرين: يهود العالم غير الإسرائيليين وغير المتصهينين سيقفون على حقيقة أنهم متضررين من الحركة الصهيونية، وهذه أول نكسة بالنسبة لها، وسيتحولون إلى حركة ضغط، وقبل ما يحدث في غزة، وعيهم بذلك كان يقف عند حدود لا يشكلون حركة ضغط على الكيان الصهيوني، وهم فقط يعيشون في مجتمعاتهم الطبيعية ولكن اليوم عندما تحولوا إلى حركة ضغط، إضافة إلى الحركة التي يشكلها المؤرخون الجدد والتي بدورها ستشكل وطيدة علمية ناتئة التي سيرتكز عليها يهود غير الصهاينة، لتشكيل حركة الضغط من داخل فلسطين المحتلة وخارجها لتصحيح هذا المسار.
وهذا التصحيح معطى مهم، وهو لو بقي اليهود في مجتمعاتهم الطبيعية على ما يملكونه من قوة إعلام، واقتصاد وقوة مالية، لكانوا يحكمون العالم دون أن يحتلوه، وهذا ما يشتغلون عليه لعودة اليهود إلى مجتمعاتهم الطبيعية ممن صححوا وعيهم بالمسألة الفلسطينية، أو استبطان فكرة الدولة العلمانية، والتي يمكن أن تصبح في المستقبل مع حق عودة كل الفلسطينيين، والتي سترجح كفة النمو الديمغرافي لصالحهم، والتي من الأفكار التي يطرحها شلومو ساند، لأنها فكرة فيها الكثير من الذكاء.
وهذا المعطى الفلسطيني، وعلى المدى المتوسط، خلال جيل أو جيلين، بين 20 و30 سنة، والتي تعني أن الكفة الديمغرافية ستعيد فلسطين إلى الفلسطينيين، مع ضمان تعايش كل الملل والنحل بأديانها المختلفة.
*التحول على المستوى الاجتماعي هل يمكن أن يشكل تأثيرا على مستوى الصراع الجيوسياسي في العالم؟
-على المستوى الجيوسياسي، ذلك يعني عودة طور النخب اليوم في العالم، أنت رأيت تلك الشعبويات التي نتحدث عنها في كل المجالات، القضية الفلسطينية هي أكبر اختبار لنهاية الشعبوية.
فهذه القضية لم تبدأ طور الانتصار فيها إلا بعودة النخب للعب دورها، لأننا حتى ننتصر في هذه القضية لا يكفي المقاومة فقط وهي التي بدأت المعركة ولكن مقاومة المقاومة باعتبارها جزءا من معركة العضلات القتالية يلزمها عقل.
وثانيا، نحن نعيش في إقليم يقع تحت وطأة أسلحة الردع النووي، وهنا أتساءل أين دور مصر أو دول الطوق الفلسطيني، لا يوجد لها أي دور، وهذا ما حفز الفلسطينيين أن يعولوا على أنفسهم، ضرورة العودة للمقاومة، وهي بوابة الانفتاح على المعارك الأخرى، وأبرزها معركة العضلات الفكرية التي بدأت من الجامعات.
اليوم القضية الفلسطينية أعادت النخب، لأنها قضية لا تقبل الاستهانة المعرفية، بل هي شرط من شروطها الحقيقية مثلما أثبت المؤرخون الإسرائيليون الجدد، وشرط من شروط الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية هو شرط علمي دقيق، ولهذا السبب القضية الفلسطينية أعادت النخب.
*في هذا كله أين دور النخب العربية؟
-هناك سببان يتضافران ليضعاننا في حالة سبات مقارنة بديناميكية الأكاديمية والطلابية الموجودة في الغرب.
العالم الأول يتعلق بالدول التي طبعت وانخرطت في مسار التطبيع، مثل مصر التي كانت تاريخيا جامعتها وحتى في تونس، كانتا ميزتين تاريخيتين في العالم العربي، كانت أهم الحركات السياسية التي تشكلت في مصر تشكلت داخل الجامعة، خلافا لكل الدول العربية الأخرى.
اليوم كل ذلك التراث نسف في مصر، وظل في تونس لكنه حتى وإن ظل فقد خرج للشارع وأصبحت الجامعة خاوية، والطالب لم يعد له منبر جامعي، ومن بين المحاسن لما بعد سنة 2011 خروجه للشارع، ولكن من مساوئه الكبرى أن الجامعة فرغت بل وكأنها لم تتأثر بالثورة أصلا.
فلا دور للجامعيين ولأغلب الطلبة، وحتى قليلهم معرفون، ونفس الأسماء هي التي تتحرك، وذلك لا يفي بالغرض ولا يعبئ على مدى متوسط وبعيد، لأننا اليوم بحاجة للنفس الطويل.
والمعطى الثاني في الحالة التونسية، فإن هناك تمازجا وتناغما بشكل استثنائي في علاقة بالقضية الفلسطينية، فتجد الخطاب الرسمي يعبر عن المهجة الشعبية، وهذا انتصار الشارع، وأصبحت التحركات التي تعني في الأخير الضغط على صاحب القرار، ونحن على من سنضغط في الأخير، إلا إذا كنا سنسمع صوتنا للخارج، وهذه مسألة تؤثر كثيرا في القرار الدولي.
ولكن ربما الدينامكية الأفقية والتجالس على مستوى الحركية الطلابية المجالية وتحمله من تلاقح، بين الأمم الطلابية، وهذا هو الذي يضمن تأثيرنا على المستوى الكوني.