ممنوع على المتواجدين على أرخبيل قرقنة المغادرة ما بعد الساعة الرابعة مساء شتاء والسادسة مساء صيفا، فذلك موعد الرحلة الأخيرة للعبارات "اللود"، الرابطة بينها وبين بقية البلاد. كما يفضل عدم تسجيل إصابات خطيرة أو تعكرات صحية أو جلطات يصعب التدخل فيها على مستوى المستشفى الجهوي سليم الحضري، لعدم توفر مروحية لنقل المرضى إلى المستشفيات الجامعية بمدينة صفاقس وهو ما مثل على امتداد السنوات الأخيرة معضلة السكان هناك. وآخر قصصها سجلت مؤخرا أين فقدت فتاة عشرينية جنينها الذي يفصله على القدوم إلى الحياة أيام بعد أن أصيبت بنزيف واستحال نقلها ليلا إلى صفاقس وكادت أن تفقد حياتها في رحلة سيارة الإسعاف الصباحية عبر البحر.
وتعتبر الشهادات التي جمعتها "الصباح" من عدد من متساكني الجزيرة أن مشكل نقل المرضى والحالات الاستعجالية لا يقل أهمية عن بقية الإشكاليات التي يعيشها الأرخبيل، فيكفي أن يعرف البحر هبوب رياح أو تعكر في الأحوال الجوية وهطول أمطار حتى يُقطع الوصل بينه وبين بقية العالم وتمتد هذه الحالات في الكثير من الأحيان إلى أكثر من يوم.. تفقد معه الجزيرة كل تواصل مع الجانب الآخر الذي يبعد عنها نحو الـ 18 ميلا بحريا وما يعادل الـ30 كيلومترا تقريبا.. وتشهد الدكاكين مع تقلبات المناخ شحا في المواد الغذائية.. ويضطر العاملون والطلبة والموظفون الذين ينتقلون بصفة يومية إلى مدينة صفاقس للبقاء في بيوتهم.. ويصل الأمر في بعض المرات مع طول مدة العزل إلى تسجيل المخابز نقصا في الدقيق تتوقف بسببه عن العمل.
ويطالب متساكنو قرقنة، بإعادة المروحية التي توقف العمل بها بطريقة مفاجئة.. فبعد أن تم التخفيض في عدد طلعاتها السنوية منذ سنة 2016 إلى أكثر من النصف تراجع نسق استغلالها إلى 18 طلعة فقط سنة 2020 ليتوقف استغلال المروحية نهائيا مع بداية السنة الموالية 2021.
وإداريا يشكل أرخبيل قرقنة، معتمدية من ولاية صفاقس ويتكون من 10 عمادات وبلدية ويمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي على مسافة 40 كلم ولا يتجاوز عرضه الـ 5 كيلومترات وبمساحة 150 كلمترا مربعا. ويتركز سكان الجزيرة البالغ عددهم 15 ألفا (يتضاعف العدد أكثر من ثلاث مرات خلال الصائفة) أساسا على جزيرتين رئيسيتين وهما الشرقي والغربي أو مليتة، أما بقية الجزر وعددها 12 فهي غير آهلة.
وفي الأصل بدأ العمل بالمروحية في المستشفى الجهوي بقرقنة، منذ التسعينات وكان نتاج سعي السلطة آنذاك لإخماد حالة الاحتقان والغضب الذي عاشته المنطقة بعد وفاة شاب ثلاثيني بصعقة كهربائية واستحالة نقله إلى مستشفيات صفاقس.
ويأتي اعتماد مروحية لنقل المصابين والحالات الاستعجالية من قرقنة، بعد اتفاق بين الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وإحدى شركات الطيران، في إطار ما يمكن تسميته بالمسؤولية الاجتماعية لشركة نفطية معروفة"، أين تم منذ ذلك الوقت تخصيص طلعات جوية للطائرة التي تتسوغها من اجل قضاء حاجياتها لفائدة مستشفى سليم حضري، وتكفل رجل الأعمال الراحل عزيز ميلاد بدفع ثمن الرحلات والذي يبلغ 2000 دينار عن كل رحلة. وتواصل سريان هذا الاتفاق إلى غاية وفاة عزيز ميلاد سنة 2012 أين بدأ عدد الرحلات يتقلص حتى توقف.
ولم تسع لا السلط الجهوية ولا المركزية إلى تجديد أو إنعاش الاتفاق المبرم منذ عشرين عاما ولم تتفاعل مع أيا من المراسلات أو المطالب المقدمة لها في الغرض.
وأمام تمطيط حالة انتظار عودة المروحية، وما سجلته الجزيرة من أحداث متعاقبة صحية واستعجالية، عاد الأهالي إلى المطالبة بسن قانون الجزر واعتبروا انه الوحيد الذي يحمل الحل النهائي لهم.
وقانون الجزر الذي تم إعداده سنة 2018، بعمل مشترك من قبل منظمات المجتمع المدني بكل من جزيرتي قرقنة وجربة، وكان الهدف منه فك عزلة الجزيرة وتوفير الخدمات الأساسية للنقل والتدخل في الحالات الطارئة ومن أبرز ما تضمنه توفير طائرة عمودية وسيارة إسعاف عائمة. وتمكين وسائل النقل السريع من التقليص في زمن التنقل بين الأرخبيل وسواحل صفاقس من الساعة والربع التي يستغرقها اللود إلى 15 دقيقة فقط.
وتم عرض قانون الجزر سابقا على البرلمان السابق، غير انه ووفقا لتصريح الرئيس السابق لجمعية أطفال الجزر سهيل دحمان، لم يحظ إلا بموافقة 102 نائب فقط ولم تقع المصادقة عليه.
ويعكس قانون الجزر ما يشبه العرف المعتمد على المستوى الدولي في علاقة بالجزر، يوظف قاعدة التمييز الايجابي ليمنح سكان الجزر بعض الامتيازات، على مستوى الجباية والضرائب في شكل من أشكال تعويضهم عن ارتفاع تكلفة المعيشة التي تشهدها الجزر وتشجيع سكانها على البقاء والاستقرار فيها.
ولا تعتمد تونس هذا التمييز الايجابي مع جزيرة قرقنة أو جزيرة جربة، ولعل الامتياز الوحيد الذي أقرته كان في سنوات التسعينات أين أقرت السلطة آنذاك مجانية تنقل سكان الجزيرة على متن اللود من والى مدينة صفاقس عبر تمكينهم من بطاقات عبور مع توفير طائرة عمودية للحالات الاستعجالية ( توقفت منذ أربع سنوات).
وللإشارة تفرض اتفاقية الأمم المتحدة للقانون البحري والتي تم إبرامها عام 1982 معاملة الجزر نفس معاملة الإقليم البرّي وهو ما يفرض تمكينها من نفس ظروف الولوج لمختلف الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم وتموين...
ريم سوودي
تونس الصباح
ممنوع على المتواجدين على أرخبيل قرقنة المغادرة ما بعد الساعة الرابعة مساء شتاء والسادسة مساء صيفا، فذلك موعد الرحلة الأخيرة للعبارات "اللود"، الرابطة بينها وبين بقية البلاد. كما يفضل عدم تسجيل إصابات خطيرة أو تعكرات صحية أو جلطات يصعب التدخل فيها على مستوى المستشفى الجهوي سليم الحضري، لعدم توفر مروحية لنقل المرضى إلى المستشفيات الجامعية بمدينة صفاقس وهو ما مثل على امتداد السنوات الأخيرة معضلة السكان هناك. وآخر قصصها سجلت مؤخرا أين فقدت فتاة عشرينية جنينها الذي يفصله على القدوم إلى الحياة أيام بعد أن أصيبت بنزيف واستحال نقلها ليلا إلى صفاقس وكادت أن تفقد حياتها في رحلة سيارة الإسعاف الصباحية عبر البحر.
وتعتبر الشهادات التي جمعتها "الصباح" من عدد من متساكني الجزيرة أن مشكل نقل المرضى والحالات الاستعجالية لا يقل أهمية عن بقية الإشكاليات التي يعيشها الأرخبيل، فيكفي أن يعرف البحر هبوب رياح أو تعكر في الأحوال الجوية وهطول أمطار حتى يُقطع الوصل بينه وبين بقية العالم وتمتد هذه الحالات في الكثير من الأحيان إلى أكثر من يوم.. تفقد معه الجزيرة كل تواصل مع الجانب الآخر الذي يبعد عنها نحو الـ 18 ميلا بحريا وما يعادل الـ30 كيلومترا تقريبا.. وتشهد الدكاكين مع تقلبات المناخ شحا في المواد الغذائية.. ويضطر العاملون والطلبة والموظفون الذين ينتقلون بصفة يومية إلى مدينة صفاقس للبقاء في بيوتهم.. ويصل الأمر في بعض المرات مع طول مدة العزل إلى تسجيل المخابز نقصا في الدقيق تتوقف بسببه عن العمل.
ويطالب متساكنو قرقنة، بإعادة المروحية التي توقف العمل بها بطريقة مفاجئة.. فبعد أن تم التخفيض في عدد طلعاتها السنوية منذ سنة 2016 إلى أكثر من النصف تراجع نسق استغلالها إلى 18 طلعة فقط سنة 2020 ليتوقف استغلال المروحية نهائيا مع بداية السنة الموالية 2021.
وإداريا يشكل أرخبيل قرقنة، معتمدية من ولاية صفاقس ويتكون من 10 عمادات وبلدية ويمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي على مسافة 40 كلم ولا يتجاوز عرضه الـ 5 كيلومترات وبمساحة 150 كلمترا مربعا. ويتركز سكان الجزيرة البالغ عددهم 15 ألفا (يتضاعف العدد أكثر من ثلاث مرات خلال الصائفة) أساسا على جزيرتين رئيسيتين وهما الشرقي والغربي أو مليتة، أما بقية الجزر وعددها 12 فهي غير آهلة.
وفي الأصل بدأ العمل بالمروحية في المستشفى الجهوي بقرقنة، منذ التسعينات وكان نتاج سعي السلطة آنذاك لإخماد حالة الاحتقان والغضب الذي عاشته المنطقة بعد وفاة شاب ثلاثيني بصعقة كهربائية واستحالة نقله إلى مستشفيات صفاقس.
ويأتي اعتماد مروحية لنقل المصابين والحالات الاستعجالية من قرقنة، بعد اتفاق بين الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وإحدى شركات الطيران، في إطار ما يمكن تسميته بالمسؤولية الاجتماعية لشركة نفطية معروفة"، أين تم منذ ذلك الوقت تخصيص طلعات جوية للطائرة التي تتسوغها من اجل قضاء حاجياتها لفائدة مستشفى سليم حضري، وتكفل رجل الأعمال الراحل عزيز ميلاد بدفع ثمن الرحلات والذي يبلغ 2000 دينار عن كل رحلة. وتواصل سريان هذا الاتفاق إلى غاية وفاة عزيز ميلاد سنة 2012 أين بدأ عدد الرحلات يتقلص حتى توقف.
ولم تسع لا السلط الجهوية ولا المركزية إلى تجديد أو إنعاش الاتفاق المبرم منذ عشرين عاما ولم تتفاعل مع أيا من المراسلات أو المطالب المقدمة لها في الغرض.
وأمام تمطيط حالة انتظار عودة المروحية، وما سجلته الجزيرة من أحداث متعاقبة صحية واستعجالية، عاد الأهالي إلى المطالبة بسن قانون الجزر واعتبروا انه الوحيد الذي يحمل الحل النهائي لهم.
وقانون الجزر الذي تم إعداده سنة 2018، بعمل مشترك من قبل منظمات المجتمع المدني بكل من جزيرتي قرقنة وجربة، وكان الهدف منه فك عزلة الجزيرة وتوفير الخدمات الأساسية للنقل والتدخل في الحالات الطارئة ومن أبرز ما تضمنه توفير طائرة عمودية وسيارة إسعاف عائمة. وتمكين وسائل النقل السريع من التقليص في زمن التنقل بين الأرخبيل وسواحل صفاقس من الساعة والربع التي يستغرقها اللود إلى 15 دقيقة فقط.
وتم عرض قانون الجزر سابقا على البرلمان السابق، غير انه ووفقا لتصريح الرئيس السابق لجمعية أطفال الجزر سهيل دحمان، لم يحظ إلا بموافقة 102 نائب فقط ولم تقع المصادقة عليه.
ويعكس قانون الجزر ما يشبه العرف المعتمد على المستوى الدولي في علاقة بالجزر، يوظف قاعدة التمييز الايجابي ليمنح سكان الجزر بعض الامتيازات، على مستوى الجباية والضرائب في شكل من أشكال تعويضهم عن ارتفاع تكلفة المعيشة التي تشهدها الجزر وتشجيع سكانها على البقاء والاستقرار فيها.
ولا تعتمد تونس هذا التمييز الايجابي مع جزيرة قرقنة أو جزيرة جربة، ولعل الامتياز الوحيد الذي أقرته كان في سنوات التسعينات أين أقرت السلطة آنذاك مجانية تنقل سكان الجزيرة على متن اللود من والى مدينة صفاقس عبر تمكينهم من بطاقات عبور مع توفير طائرة عمودية للحالات الاستعجالية ( توقفت منذ أربع سنوات).
وللإشارة تفرض اتفاقية الأمم المتحدة للقانون البحري والتي تم إبرامها عام 1982 معاملة الجزر نفس معاملة الإقليم البرّي وهو ما يفرض تمكينها من نفس ظروف الولوج لمختلف الخدمات العمومية من صحة ونقل وتعليم وتموين...