إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالمناسبة.. السؤال الأصح

 

 طرح سؤال بإلحاح منذ حصول الباحث منجي الباوندي على جائزة نوبل للكيمياء في دورتها لهذا العام وهو هل كان بإمكانه أن يتوج بهذه الجائزة الكبرى لو بقي هو وعائلته في تونس؟ وطبعا تتفرع عن هذا السؤال الرئيسي العديد من الاستفسارات على غرار هل كانت تونس ستمنحه فرصة منافسة كبار العلماء في العالم بندية وهل كان سيجد من يرشحه ومن يزكيه باسم تونس لو ان اسرته اختارت البقاء في موطنها ولم تهاجر الى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وهل كان سيكون محل حفاوة في كل بلد يزوره واولها تونس التي استقبلته مؤخرا بتبجيل كبير. فقد قلده رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الصنف الأول من وسام الجمهورية بعد استقباله له في قصر الجمهورية بقرطاج (الثلاثاء21 ماي) وكان ضيفا مبجلا على طلبة المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس التي قدم بها محاضرة حظيت بإقبال كبير من الطلبة ومن الضيوف.

وإذ تبدو الإجابة عن هذه الاستفسارات بديهية لأننا والى حد علمنا واذا ما تركنا جانبا جائزة نوبل للسلام بعنوان 2015 التي حازت عليها بلادنا، ممثلة في الرباعي الراعي للسلام والتي جاءت في سياق سياسي معين، لم يتحصل أي تونسي مقيم في بلاده على أي جائزة من جوائز نوبل، حتى ان هيئة جائزة نوبل للآداب لم تمنح العرب مجتمعين جائزتها إلا في مناسبة وحيدة في تاريخها وفاز بها الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ في 1988. وللتذكير فقد جاءت جائزة نوبل للسلام التي كانت قد منحت للاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين، في فترة كان العالم يدفع نحو إنجاح ثورات ما يسمى بالربيع العربي وخاصة في مهدها التونسي. الغرب صفق أصلا بحرارة للربيع العربي الذي انطلقت شرارته الأولى من تونس مع أحداث 14 جانفي2011 ثم امتد الى العديد من الدول العربية ومن بينها ليبيا ومصر واليمن وسوريا قبل أن تحيد الثورات عن مسارها الطبيعي ويحدث ما حدث من التفاف على مطالب الشعوب في اغلب البلدان العربية التي وصلها المد الثوري. وفي ذلك السياق الذي كان يتسم بالتوتر الشديد، برزت التجربة التونسية كنموذج قابل للنجاح في باب الانتقال الديمقراطي وقد تم منح جائزة نوبل للسلام للرباعي المذكور اعترافا بدوره في تهدئة الوضع في البلاد بعد الاضطرابات التي شهدتها نتيجة فشل منظومة الحكم التي تسملت مقود البلاد بعد سقوط الديكتاتورية في تحقيق انتظارات المواطنين، بل وجدت البلاد نفسها غارقة في اوحال التجاذبات السياسية التي كانت تهدد استقرارها.

إذن وباستثناء الجائزة اليتيمة المذكورة، لم تحصل تونس على أي من جوائز نوبل العلمية والأدبية. وهذا مفهوم وان كان الإقرار بذلك موجعا، لأن النبوغ والتفوق لا يكون صدفة وإنما لابد من وجود إمكانيات وتشجيعات وحوافز وقبل هذا وذاك، لا بد من ثقافة تحث على الاجتهاد لأنه لا شيء يأتي دون عمل. وطبيعي ان نطرح دائما السؤال حول الى أي مدى تشجع البيئة في تونس وفي العالم النامي عموما على ميلاد علماء ومبدعين قادرين على تتويج مسيرتهم بالحصول على جائزة نوبل في الطب، والكيماء، والفيزياء، والآداب.

لكن الا يكون من الأفضل ولو كان من باب التفاؤل، تغيير صيغة السؤال ليكون على النحو التالي: اليس لدينا من بين الطلبة التي تعج بهم كليات الهندسة والطب والعلوم والآداب من هو قادر في يوم من الأيام على رفع التحدي والتقدم لجوائز نوبل تحت راية تونس؟ فنحن نعلم مثلما يعلم الجميع أن جامعاتنا تضم الكثير من الكفاءات القادرة على الوصول لأعلى المراتب دون الحاجة للتدثر بعلم بلد أجنبي يسعى دائما لنسب كل مآثر الآخرين لنفسه. يكفي ان تؤمن هذه الكفاءات بنفسها وأن تؤمن بالوطن.

ربما لا تجوز المقارنة كثيرا لكن انس جابر فعلت ذلك في مستوى المنافسة الرياضية وهي اول امرأة تونسية وعربية تسعى بقوة للحصول على بطولة في التنس من نوع "الغراند شلام" باسم بلادها. وهي قادرة على ذلك بعد المآثر التي حققتها الى حد اليوم في ملاعب كرة المضرب في العالم. لم يكن الامر سهلا بالمرة وكل من تابع مسيرة اللاعبة التونسية يعرف أنها تحدت المستحيل. وهي من هذا المنطلق يمكن ان تعتبر نموذجا وقدوة باستحقاق كبير.

 حياة السايب

 

 

 

بالمناسبة..   السؤال الأصح

 

 طرح سؤال بإلحاح منذ حصول الباحث منجي الباوندي على جائزة نوبل للكيمياء في دورتها لهذا العام وهو هل كان بإمكانه أن يتوج بهذه الجائزة الكبرى لو بقي هو وعائلته في تونس؟ وطبعا تتفرع عن هذا السؤال الرئيسي العديد من الاستفسارات على غرار هل كانت تونس ستمنحه فرصة منافسة كبار العلماء في العالم بندية وهل كان سيجد من يرشحه ومن يزكيه باسم تونس لو ان اسرته اختارت البقاء في موطنها ولم تهاجر الى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وهل كان سيكون محل حفاوة في كل بلد يزوره واولها تونس التي استقبلته مؤخرا بتبجيل كبير. فقد قلده رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الصنف الأول من وسام الجمهورية بعد استقباله له في قصر الجمهورية بقرطاج (الثلاثاء21 ماي) وكان ضيفا مبجلا على طلبة المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس التي قدم بها محاضرة حظيت بإقبال كبير من الطلبة ومن الضيوف.

وإذ تبدو الإجابة عن هذه الاستفسارات بديهية لأننا والى حد علمنا واذا ما تركنا جانبا جائزة نوبل للسلام بعنوان 2015 التي حازت عليها بلادنا، ممثلة في الرباعي الراعي للسلام والتي جاءت في سياق سياسي معين، لم يتحصل أي تونسي مقيم في بلاده على أي جائزة من جوائز نوبل، حتى ان هيئة جائزة نوبل للآداب لم تمنح العرب مجتمعين جائزتها إلا في مناسبة وحيدة في تاريخها وفاز بها الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ في 1988. وللتذكير فقد جاءت جائزة نوبل للسلام التي كانت قد منحت للاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين، في فترة كان العالم يدفع نحو إنجاح ثورات ما يسمى بالربيع العربي وخاصة في مهدها التونسي. الغرب صفق أصلا بحرارة للربيع العربي الذي انطلقت شرارته الأولى من تونس مع أحداث 14 جانفي2011 ثم امتد الى العديد من الدول العربية ومن بينها ليبيا ومصر واليمن وسوريا قبل أن تحيد الثورات عن مسارها الطبيعي ويحدث ما حدث من التفاف على مطالب الشعوب في اغلب البلدان العربية التي وصلها المد الثوري. وفي ذلك السياق الذي كان يتسم بالتوتر الشديد، برزت التجربة التونسية كنموذج قابل للنجاح في باب الانتقال الديمقراطي وقد تم منح جائزة نوبل للسلام للرباعي المذكور اعترافا بدوره في تهدئة الوضع في البلاد بعد الاضطرابات التي شهدتها نتيجة فشل منظومة الحكم التي تسملت مقود البلاد بعد سقوط الديكتاتورية في تحقيق انتظارات المواطنين، بل وجدت البلاد نفسها غارقة في اوحال التجاذبات السياسية التي كانت تهدد استقرارها.

إذن وباستثناء الجائزة اليتيمة المذكورة، لم تحصل تونس على أي من جوائز نوبل العلمية والأدبية. وهذا مفهوم وان كان الإقرار بذلك موجعا، لأن النبوغ والتفوق لا يكون صدفة وإنما لابد من وجود إمكانيات وتشجيعات وحوافز وقبل هذا وذاك، لا بد من ثقافة تحث على الاجتهاد لأنه لا شيء يأتي دون عمل. وطبيعي ان نطرح دائما السؤال حول الى أي مدى تشجع البيئة في تونس وفي العالم النامي عموما على ميلاد علماء ومبدعين قادرين على تتويج مسيرتهم بالحصول على جائزة نوبل في الطب، والكيماء، والفيزياء، والآداب.

لكن الا يكون من الأفضل ولو كان من باب التفاؤل، تغيير صيغة السؤال ليكون على النحو التالي: اليس لدينا من بين الطلبة التي تعج بهم كليات الهندسة والطب والعلوم والآداب من هو قادر في يوم من الأيام على رفع التحدي والتقدم لجوائز نوبل تحت راية تونس؟ فنحن نعلم مثلما يعلم الجميع أن جامعاتنا تضم الكثير من الكفاءات القادرة على الوصول لأعلى المراتب دون الحاجة للتدثر بعلم بلد أجنبي يسعى دائما لنسب كل مآثر الآخرين لنفسه. يكفي ان تؤمن هذه الكفاءات بنفسها وأن تؤمن بالوطن.

ربما لا تجوز المقارنة كثيرا لكن انس جابر فعلت ذلك في مستوى المنافسة الرياضية وهي اول امرأة تونسية وعربية تسعى بقوة للحصول على بطولة في التنس من نوع "الغراند شلام" باسم بلادها. وهي قادرة على ذلك بعد المآثر التي حققتها الى حد اليوم في ملاعب كرة المضرب في العالم. لم يكن الامر سهلا بالمرة وكل من تابع مسيرة اللاعبة التونسية يعرف أنها تحدت المستحيل. وهي من هذا المنطلق يمكن ان تعتبر نموذجا وقدوة باستحقاق كبير.

 حياة السايب