أيام قليلة تفصلنا عن القمة الكورية -الإفريقية الاقتصادية المنتظر انعقادها يومي 4 و5 جوان المقبل شمال العاصمة الكورية سيول.. قمة وصفتها السلطات الكورية بأنها "قمة تاريخية" وعلامة فارقة في مسار علاقتها مع القارة الإفريقية، وجهت الدعوة لرؤساء الدول الأفريقية ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى وقادة مجتمع الأعمال وخبراء اقتصاد ومسؤولي شركات اقتصادية كبرى لحضورها، مؤكدة أنها ستساهم في رسم مسار جديد في علاقتها بالقارة الإفريقية.
حول هذه القمة وآفاقها وعلاقات كوريا الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية وكذلك العلاقات الكورية التونسية وأفق التعاون كان لـ"الصباح" هذا اللقاء مع سعادة سفير كوريا الجنوبية بتونس سان ناهمكوك.
حاوره: سفيان رجب
*تحتضن كوريا الجنوبية الأسبوع القادم قمة تجمعها بدول إفريقيا وهي قمة اقتصادية بالأساس.. فماذا عن آخر الاستعدادات لهذه القمة.. مستوى الحضور والمخرجات المنتظرة في ظل توجه أنظار العالم وأقطابه إلى القارة السمراء؟
بالفعل لقد أنهت كوريا الجنوبية تقريبا جميع استعداداتها لقمتها مع الدول الإفريقية بداية الشهر المقبل والتي ستعقد في كينتكس في إلسان، شمال سيول لمناقشة سبل توسيع التعاون في الاقتصاد والطاقة والرقمية وغيرها من المجالات. القمة ستكون تحت شعار: "المستقبل الذي نبنيه معا: نمو مشترك، استدامة وتضامن".
ومن المتوقع أن يستقطب المؤتمر وفودا من أكثر من 50 دولة، مما يجعله أكبر قمة متعددة الأطراف منذ تولي إدارة يون سيوك-يول مهامها في ماي 2022.
ستعمل هذه القمة على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الدول الإفريقية، وستوفر فرص إقامة تعاون شامل وعملي في مختلف المجالات، مثل المعادن الحيوية والبنية التحتية والطاقة المتجددة والرقمية والزراعة والرعاية الصحية والسياحة..
كما ستمثل هذه القمة جسرا للتعاون الاقتصادي بين المنطقتين لكي تتمكن الشركات الكورية من التقدم إلى الأسواق الإفريقية، وتعزيز التعاون مع نظيراتها الإفريقية. كذلك ستعقد على هامش القمة، قمة الأعمال التي ستجمع مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وخبراء اقتصاديين لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل التنمية الصناعية، وزيادة التبادلات التجارية، وسبل تحسين البنية الأساسية والإنتاجية الزراعية، والاستجابة لتغير المناخ.
ومن المنتظر حضور 50 شركة إفريقية المشاورات التجارية التي ستنعقد على هامش القمة الكورية الإفريقية، للبحث عن فرص جديدة للتعاون في المجالات الواعدة، بما في ذلك المعادن الأساسية والطاقة والبنية التحتية. فإفريقيا هي المستقبل وسنكتب معها تاريخا جديدا من التعاون البناء.
*العلاقات الاقتصادية بين كوريا والدول الإفريقية تبدو منعدمة بحكم البعد الجغرافي وكذلك بحكم العلاقات الجيواستراتيجية التي تسيطر عليها دول أخرى.. فهل يمكن القول إن كوريا الجنوبية تحاول اليوم افتكاك مكانة لها في القارة السمراء؟
خلال الثلاثين سنة الأخيرة، تضاعفت المبادلات التجارية بين الطرفين 30 مرة واليوم تتواجد أكثر من 300 شركة كورية في القارة الإفريقية. وما نستطيع قوله هو أن العلاقات الكورية الإفريقية شهدت انطلاقاً من العقد الأول من الألفية الحالية تطوراً ملحوظاً اتسم بارتفاع مهم في مستوى المبادلات التجارية بين الجانبين وتكثيف وتيرة المشاورات السياسية بالإضافة إلى توقيع عديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وهي الديناميكية التي تجلت على سبيل المثال في تنظيم كوريا الجنوبية سنة 2022 لأشغال القمة الإفريقية الكورية الخامسة بحضور ومشاركة عدد من مسؤولي الدول الإفريقية وممثلين عن الهياكل والمؤسسات الاقتصادية الإقليمية.
*من العام إلى الخاص، ماذا عن المشاركة التونسية في القمة وهل من آفاق تعاون أكبر بين البلدين على هامش القمة الكورية الإفريقية؟
لقد زار رئيس الفريق المنظم للقمة تونس في شهر مارس الماضي كما حل مبعوث خاص من وزارة الخارجية الكورية الى تونس هذا الشهر حيث التقى الديبلوماسيين المعنيين بالموضوع وخاصة منهم رياض الصيد المستشار الديبلوماسي لرئيس الحكومة وكذلك نبيل عمار وزير الخارجية. وعلى ضوء هذه اللقاءات ننتظر أن تكون تونس ممثلة على أعلى مستوى في القمة الكورية الإفريقية ومبدئيا نعتقد أن يكون رئيس الحكومة السيد أحمد حشاني على رأس الوفد ليرافقه كل من وزيري الخارجية والاقتصاد والتخطيط.
وبالتأكيد ستكون هناك عديد اللقاءات بين المسؤولين الكوريين ونظرائهم من تونس وسيمثل ذلك فرصة هامة لتوسيع العلاقات بين البلدين.
*وماذا عن العلاقات التونسية-الكورية التي تبدو ضعيفة لحد اليوم؟
يجمع كوريا وتونس تعاون مشترك منذ إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين سنة 1969.. وهذه العلاقات تعتبر اليوم مستقرة ومتينة. وقد عملت السفارة الكورية في تونس طيلة السنوات الثلاث الأخيرة على تمتين هذه العلاقات عبر تكثيف التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين. كما تم دعم وتطوير تبادل الأنشطة في عديد المجالات منها التبادل الثقافي والتعاون التربوي.. ولا بد من التذكير بزيارة رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) الكوري في شهر جانفي الماضي الى تونس لأول مرة منذ 14 عاما والتقى الرئيس قيس سعيد الذي أكد وقتها أن هذه الزيارة تعكس الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات بين البلدين والإدراك المشترك بتوفر آفاق واعدة ومتنوعة لتعميق فرص الشراكة لا فقط على المستويين الاقتصادي والاستثماري، بل أيضا على مستوى تعزيز التشاور السياسي والبرلماني، وتشجيع التعاون الفني والبحث العلمي وتبادل الخبرات والطلاب والباحثين ونقل التكنولوجيا وتحفيز الاستثمارات الكورية في تونس.
*لكن هل يمكن اعتبار البعد الجغرافي بين البلدين عائقا لمثل هذا التعاون؟
تونس تتمتع بموقع جغرافي هام فهي التي تربط بين أوروبا وإفريقيا كما تتوفر على موارد بشرية مميزة تفسح المجال نحو استكشاف آفاق أرحب للتعاون في عدة قطاعات واعدة في إطار ثنائي أو في إطار التعاون مع الدول الإفريقية. وهناك عدد من المشاريع الكورية الناجحة في تونس في عدة مجالات بالرغم من أن عديد الشركات الكورية الكبرى كانت تأمل في الدخول لتونس لكن واجهتها عديد العراقيل التشريعية والإدارية خاصة في ظل غياب اتفاقية جمركية تفاضلية بين البلدين.
من جهتنا نطمح الى تعاون ثلاثي الأبعاد بمقتضاه يكون للشركات الكورية موطئ قدم في أوروبا وإفريقيا عبر تونس وهذا ممكن عبر تنظيم منتدى الأعمال الكوري-التونسي الإفريقي.
ولنا في ذلك تجربة ناجحة عبر الشركة الكورية "يورا" التي أسست فرعا لها في تونس منذ سنة 2007 وتشغل اليوم 3 مصانع في القيروان تصنّع الكابلات الكهربائية الخاصة بسيارات "هيونداي" و"كيا" لفائدة مصانعهما في أوروبا. وتشغل "يورا" حوالي 2500 عامل تونسي وهي تتفاوض اليوم مع الحكومة التونسية لتوسيع استثماراتها عبر إنشاء مصنع جديد سيشغل 1600 عون إضافي. إن تونس معروفة جيدا بمواردها البشرية وكفاءاتها العالية في مجال العلوم والتكنولوجيات. ومن جهتنا كسفارة فإننا نعمل على دعم تكوين شبكة منشآت ناشئة بين البلدين لدفع التعاون المشترك بين البلدين.
*وماذا عن منتدى الأعمال الكوري-التونسي الإفريقي المزمع انعقاده بعد أيام؟
لقد نظمت السفارة مائدة أعمال مستديرة كورية-تونسية-إفريقية في جوان 2022 وكذلك منتدى الأعمال الكوري التونسي الإفريقي في ماي 2023 بهدف تسهيل ربط العلاقات المهنية بين المؤسسات المهتمة في إطار العلاقات الثلاثية. وخلال سنة 2024، سيكون منتدى الأعمال التونسي الكوري الإفريقي بين 11 و14 جوان ووجهت السفارة دعوات لعديد المؤسسات الكورية للمشاركة. وسيركز المنتدى هذه المرة على قطاع الصحة والعلاج الطبي. وبعد نجاح منتدى الأعمال 2022 و2023، فان سفارة كوريا بتونس تعتقد ان الشركات الكورية بإمكانها الاستثمار في قطاع التجهيزات الطبية والعناية الصحية وهو قطاع واعد سيكون له مكانة هامة في منتدى الأعمال المقبل.
*يبدو أن هناك تركيزا كبيرا على المنشآت والشركات الناشئة الكورية والتونسية؟
لقد نظمنا كسفارة ملتقيين للشركات الناشئة الكورية والتونسية والإفريقية وذلك في نوفمبر 2022 وسبتمبر 2023 بهدف خلق شبكة تجمعهم وخلال هاتين الدورتين تمت دعوة المساهمين الى تقديم مشاريعهم وأفكارهم لإطلاق شركاتهم ومؤسساتهم الناشئة. وفي سنة 2023 قمنا بتبني ودعم 3 شركات تونسية ناشئة وصلت لنهائي مسابقة pitching du startup Boostup camp وساعدناها للمشاركة في معرض آسيا للشركات الناشئة من 5 الى 8 أكتوبر في بوسان بجمهورية كوريا. كذلك ستقوم السفارة بتنظيم تظاهرة تشبيك الشركات الناشئة ومسابقة تجمع الشركات التونسية والكورية وذلك بين 22 و24 أكتوبر 2024 وذلك بغرض دفعها ومساعدتها على الدخول للأسواق الأوروبية والإفريقية.
*لقد تم تأسيس الغرفة التجارية التونسية الكورية منذ سنة 2019.. واليوم وبعد 5 سنوات عن التأسيس هل يمكن أن نعرف الدور الذي لعبته الغرفة في دفع وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين؟
منذ إطلاقها في سنة 2019، تعمل الغرفة التجارية التونسية الكورية بشكل كبير وواسع مع السفارة قد ساعدت الغرفة بشكل كبير على تنظيم منتدى الأعمال الكوري التونسي الإفريقي وتظاهرة startup Boostup Camp.
وما وجب التذكير به هو انه ستعقد خلال القمة الكورية الإفريقية كذلك قمة الأعمال الكورية الإفريقية وذلك يوم 5 جوان وقد شجعت السفارة غرفة التجارة التونسية الكورية للمشاركة في قمة الأعمال حتى تتمكن من استغلال الفرص لربط علاقات مع المؤسسات الكورية والإفريقية.
*تلعب الوكالة الكورية للتعاون الدولي(KOICA) دورا مهما في تونس من خلال مساعدة في بعث المشاريع والتحول الرقمي والتطور التكنولوجي.. هل من فكرة عما قامت به الوكالة على الأقل في السنوات الأخيرة في بلادنا؟
عديد الأنشطة والمشاريع قامت بها الوكالة الكورية للتعاون الدولي في تونس وكذلك المركز الكوري للإدارة الإلكترونية (DGCC) حيث ساهما في تقديم الدعم والإحاطة لتركيز خدمات الحكومة الإلكترونية في تونس وإنجاز الدراسات الفنية وتأمين التكوين حول الإدارة الرقمية. كذلك مشاريع رقمية تتعلق بالتكوين عن بعد للموظفين ورقمنة حقوق الملكية الصناعية وأيضا وضع منظومة e-people المموّلة من الجانب الكوري بهبة قيمتها 5 مليون دينار وتهم مجالات الحوكمة الرشيدة والتبليغ عن حالات الفساد.. كما عملت الوكالة على تطوير التعاون في مجالي التكوين والتعليم العالي وخصصت ماجستيرا بعنوان سنة 2024-2025 في عدد من الجامعات الكورية وفي اختصاصات متنوعة من بينها الاقتصاد الاجتماعي والابتكار الرقمي سيكون مفتوحا للطلبة التونسيين مع العلم أن اللغة الكورية أصبحت اليوم تدرس في معهد بورقيبة للغات وكذلك في جامعة منوبة وهو ما استفاد منه أكثر من 200 طالب لحد اليوم مع وجوب ذكر توفير الحكومة الكورية لمنح جامعية للدراسة في معاهدها وكلياتها وهو ما استفاد منه 7 طلبة تونسيين خلال الموسم الجامعي الحالي. هذا دون أن ننسى مساهمة الوكالة في مساعدة العض من ذوي الاحتياجات الخصوصية خاصة فيما يتعلق بالعلاج والتداوي الاستعجالي وطب الشيخوخة الذي تدعم في تونس باستقدام فريق شبه طبي للعمل في دار المسنين بالمنستير. هذا دون الحديث عن المجال السياحي والثقافي ودعم الشباب والمجال الرياضي (دورة التايكوندو الدولية المنعقدة في تونس في نوفمبر الماضي) وهي كلها تظاهرات الهدف منها تقريب الشعبين وفهم حضارة وطبيعة كل شعب للآخر..
*نترك لكم كلمة الختام
الأكيد أن رغبة البلدين كبيرة في مزيد تطوير العلاقات خاصة منها الاقتصادية والتجارية وبالنسبة لنا تونس هي فرصة كبيرة للاستثمار والتواجد على بضعة كيلومترات من أوروبا وإفريقيا. لكن ما نطلبه هو الإحاطة أكثر بالمستثمرين الكوريين في تونس وتذليل الصعوبات التي قد تعترضهم خاصة منها الإدارية والتشريعية حتى يواصلوا نشاطهم في أفضل الظروف وحتى يقع استقطاب مؤسسات اقتصادية كورية أخرى وإطلاق مشاريع جديدة مشتركة من شانها أن تخدم البلدين.
تونس-الصباح
أيام قليلة تفصلنا عن القمة الكورية -الإفريقية الاقتصادية المنتظر انعقادها يومي 4 و5 جوان المقبل شمال العاصمة الكورية سيول.. قمة وصفتها السلطات الكورية بأنها "قمة تاريخية" وعلامة فارقة في مسار علاقتها مع القارة الإفريقية، وجهت الدعوة لرؤساء الدول الأفريقية ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى وقادة مجتمع الأعمال وخبراء اقتصاد ومسؤولي شركات اقتصادية كبرى لحضورها، مؤكدة أنها ستساهم في رسم مسار جديد في علاقتها بالقارة الإفريقية.
حول هذه القمة وآفاقها وعلاقات كوريا الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية وكذلك العلاقات الكورية التونسية وأفق التعاون كان لـ"الصباح" هذا اللقاء مع سعادة سفير كوريا الجنوبية بتونس سان ناهمكوك.
حاوره: سفيان رجب
*تحتضن كوريا الجنوبية الأسبوع القادم قمة تجمعها بدول إفريقيا وهي قمة اقتصادية بالأساس.. فماذا عن آخر الاستعدادات لهذه القمة.. مستوى الحضور والمخرجات المنتظرة في ظل توجه أنظار العالم وأقطابه إلى القارة السمراء؟
بالفعل لقد أنهت كوريا الجنوبية تقريبا جميع استعداداتها لقمتها مع الدول الإفريقية بداية الشهر المقبل والتي ستعقد في كينتكس في إلسان، شمال سيول لمناقشة سبل توسيع التعاون في الاقتصاد والطاقة والرقمية وغيرها من المجالات. القمة ستكون تحت شعار: "المستقبل الذي نبنيه معا: نمو مشترك، استدامة وتضامن".
ومن المتوقع أن يستقطب المؤتمر وفودا من أكثر من 50 دولة، مما يجعله أكبر قمة متعددة الأطراف منذ تولي إدارة يون سيوك-يول مهامها في ماي 2022.
ستعمل هذه القمة على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الدول الإفريقية، وستوفر فرص إقامة تعاون شامل وعملي في مختلف المجالات، مثل المعادن الحيوية والبنية التحتية والطاقة المتجددة والرقمية والزراعة والرعاية الصحية والسياحة..
كما ستمثل هذه القمة جسرا للتعاون الاقتصادي بين المنطقتين لكي تتمكن الشركات الكورية من التقدم إلى الأسواق الإفريقية، وتعزيز التعاون مع نظيراتها الإفريقية. كذلك ستعقد على هامش القمة، قمة الأعمال التي ستجمع مسؤولين حكوميين ورجال أعمال وخبراء اقتصاديين لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل التنمية الصناعية، وزيادة التبادلات التجارية، وسبل تحسين البنية الأساسية والإنتاجية الزراعية، والاستجابة لتغير المناخ.
ومن المنتظر حضور 50 شركة إفريقية المشاورات التجارية التي ستنعقد على هامش القمة الكورية الإفريقية، للبحث عن فرص جديدة للتعاون في المجالات الواعدة، بما في ذلك المعادن الأساسية والطاقة والبنية التحتية. فإفريقيا هي المستقبل وسنكتب معها تاريخا جديدا من التعاون البناء.
*العلاقات الاقتصادية بين كوريا والدول الإفريقية تبدو منعدمة بحكم البعد الجغرافي وكذلك بحكم العلاقات الجيواستراتيجية التي تسيطر عليها دول أخرى.. فهل يمكن القول إن كوريا الجنوبية تحاول اليوم افتكاك مكانة لها في القارة السمراء؟
خلال الثلاثين سنة الأخيرة، تضاعفت المبادلات التجارية بين الطرفين 30 مرة واليوم تتواجد أكثر من 300 شركة كورية في القارة الإفريقية. وما نستطيع قوله هو أن العلاقات الكورية الإفريقية شهدت انطلاقاً من العقد الأول من الألفية الحالية تطوراً ملحوظاً اتسم بارتفاع مهم في مستوى المبادلات التجارية بين الجانبين وتكثيف وتيرة المشاورات السياسية بالإضافة إلى توقيع عديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وهي الديناميكية التي تجلت على سبيل المثال في تنظيم كوريا الجنوبية سنة 2022 لأشغال القمة الإفريقية الكورية الخامسة بحضور ومشاركة عدد من مسؤولي الدول الإفريقية وممثلين عن الهياكل والمؤسسات الاقتصادية الإقليمية.
*من العام إلى الخاص، ماذا عن المشاركة التونسية في القمة وهل من آفاق تعاون أكبر بين البلدين على هامش القمة الكورية الإفريقية؟
لقد زار رئيس الفريق المنظم للقمة تونس في شهر مارس الماضي كما حل مبعوث خاص من وزارة الخارجية الكورية الى تونس هذا الشهر حيث التقى الديبلوماسيين المعنيين بالموضوع وخاصة منهم رياض الصيد المستشار الديبلوماسي لرئيس الحكومة وكذلك نبيل عمار وزير الخارجية. وعلى ضوء هذه اللقاءات ننتظر أن تكون تونس ممثلة على أعلى مستوى في القمة الكورية الإفريقية ومبدئيا نعتقد أن يكون رئيس الحكومة السيد أحمد حشاني على رأس الوفد ليرافقه كل من وزيري الخارجية والاقتصاد والتخطيط.
وبالتأكيد ستكون هناك عديد اللقاءات بين المسؤولين الكوريين ونظرائهم من تونس وسيمثل ذلك فرصة هامة لتوسيع العلاقات بين البلدين.
*وماذا عن العلاقات التونسية-الكورية التي تبدو ضعيفة لحد اليوم؟
يجمع كوريا وتونس تعاون مشترك منذ إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين سنة 1969.. وهذه العلاقات تعتبر اليوم مستقرة ومتينة. وقد عملت السفارة الكورية في تونس طيلة السنوات الثلاث الأخيرة على تمتين هذه العلاقات عبر تكثيف التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين. كما تم دعم وتطوير تبادل الأنشطة في عديد المجالات منها التبادل الثقافي والتعاون التربوي.. ولا بد من التذكير بزيارة رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) الكوري في شهر جانفي الماضي الى تونس لأول مرة منذ 14 عاما والتقى الرئيس قيس سعيد الذي أكد وقتها أن هذه الزيارة تعكس الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات بين البلدين والإدراك المشترك بتوفر آفاق واعدة ومتنوعة لتعميق فرص الشراكة لا فقط على المستويين الاقتصادي والاستثماري، بل أيضا على مستوى تعزيز التشاور السياسي والبرلماني، وتشجيع التعاون الفني والبحث العلمي وتبادل الخبرات والطلاب والباحثين ونقل التكنولوجيا وتحفيز الاستثمارات الكورية في تونس.
*لكن هل يمكن اعتبار البعد الجغرافي بين البلدين عائقا لمثل هذا التعاون؟
تونس تتمتع بموقع جغرافي هام فهي التي تربط بين أوروبا وإفريقيا كما تتوفر على موارد بشرية مميزة تفسح المجال نحو استكشاف آفاق أرحب للتعاون في عدة قطاعات واعدة في إطار ثنائي أو في إطار التعاون مع الدول الإفريقية. وهناك عدد من المشاريع الكورية الناجحة في تونس في عدة مجالات بالرغم من أن عديد الشركات الكورية الكبرى كانت تأمل في الدخول لتونس لكن واجهتها عديد العراقيل التشريعية والإدارية خاصة في ظل غياب اتفاقية جمركية تفاضلية بين البلدين.
من جهتنا نطمح الى تعاون ثلاثي الأبعاد بمقتضاه يكون للشركات الكورية موطئ قدم في أوروبا وإفريقيا عبر تونس وهذا ممكن عبر تنظيم منتدى الأعمال الكوري-التونسي الإفريقي.
ولنا في ذلك تجربة ناجحة عبر الشركة الكورية "يورا" التي أسست فرعا لها في تونس منذ سنة 2007 وتشغل اليوم 3 مصانع في القيروان تصنّع الكابلات الكهربائية الخاصة بسيارات "هيونداي" و"كيا" لفائدة مصانعهما في أوروبا. وتشغل "يورا" حوالي 2500 عامل تونسي وهي تتفاوض اليوم مع الحكومة التونسية لتوسيع استثماراتها عبر إنشاء مصنع جديد سيشغل 1600 عون إضافي. إن تونس معروفة جيدا بمواردها البشرية وكفاءاتها العالية في مجال العلوم والتكنولوجيات. ومن جهتنا كسفارة فإننا نعمل على دعم تكوين شبكة منشآت ناشئة بين البلدين لدفع التعاون المشترك بين البلدين.
*وماذا عن منتدى الأعمال الكوري-التونسي الإفريقي المزمع انعقاده بعد أيام؟
لقد نظمت السفارة مائدة أعمال مستديرة كورية-تونسية-إفريقية في جوان 2022 وكذلك منتدى الأعمال الكوري التونسي الإفريقي في ماي 2023 بهدف تسهيل ربط العلاقات المهنية بين المؤسسات المهتمة في إطار العلاقات الثلاثية. وخلال سنة 2024، سيكون منتدى الأعمال التونسي الكوري الإفريقي بين 11 و14 جوان ووجهت السفارة دعوات لعديد المؤسسات الكورية للمشاركة. وسيركز المنتدى هذه المرة على قطاع الصحة والعلاج الطبي. وبعد نجاح منتدى الأعمال 2022 و2023، فان سفارة كوريا بتونس تعتقد ان الشركات الكورية بإمكانها الاستثمار في قطاع التجهيزات الطبية والعناية الصحية وهو قطاع واعد سيكون له مكانة هامة في منتدى الأعمال المقبل.
*يبدو أن هناك تركيزا كبيرا على المنشآت والشركات الناشئة الكورية والتونسية؟
لقد نظمنا كسفارة ملتقيين للشركات الناشئة الكورية والتونسية والإفريقية وذلك في نوفمبر 2022 وسبتمبر 2023 بهدف خلق شبكة تجمعهم وخلال هاتين الدورتين تمت دعوة المساهمين الى تقديم مشاريعهم وأفكارهم لإطلاق شركاتهم ومؤسساتهم الناشئة. وفي سنة 2023 قمنا بتبني ودعم 3 شركات تونسية ناشئة وصلت لنهائي مسابقة pitching du startup Boostup camp وساعدناها للمشاركة في معرض آسيا للشركات الناشئة من 5 الى 8 أكتوبر في بوسان بجمهورية كوريا. كذلك ستقوم السفارة بتنظيم تظاهرة تشبيك الشركات الناشئة ومسابقة تجمع الشركات التونسية والكورية وذلك بين 22 و24 أكتوبر 2024 وذلك بغرض دفعها ومساعدتها على الدخول للأسواق الأوروبية والإفريقية.
*لقد تم تأسيس الغرفة التجارية التونسية الكورية منذ سنة 2019.. واليوم وبعد 5 سنوات عن التأسيس هل يمكن أن نعرف الدور الذي لعبته الغرفة في دفع وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين؟
منذ إطلاقها في سنة 2019، تعمل الغرفة التجارية التونسية الكورية بشكل كبير وواسع مع السفارة قد ساعدت الغرفة بشكل كبير على تنظيم منتدى الأعمال الكوري التونسي الإفريقي وتظاهرة startup Boostup Camp.
وما وجب التذكير به هو انه ستعقد خلال القمة الكورية الإفريقية كذلك قمة الأعمال الكورية الإفريقية وذلك يوم 5 جوان وقد شجعت السفارة غرفة التجارة التونسية الكورية للمشاركة في قمة الأعمال حتى تتمكن من استغلال الفرص لربط علاقات مع المؤسسات الكورية والإفريقية.
*تلعب الوكالة الكورية للتعاون الدولي(KOICA) دورا مهما في تونس من خلال مساعدة في بعث المشاريع والتحول الرقمي والتطور التكنولوجي.. هل من فكرة عما قامت به الوكالة على الأقل في السنوات الأخيرة في بلادنا؟
عديد الأنشطة والمشاريع قامت بها الوكالة الكورية للتعاون الدولي في تونس وكذلك المركز الكوري للإدارة الإلكترونية (DGCC) حيث ساهما في تقديم الدعم والإحاطة لتركيز خدمات الحكومة الإلكترونية في تونس وإنجاز الدراسات الفنية وتأمين التكوين حول الإدارة الرقمية. كذلك مشاريع رقمية تتعلق بالتكوين عن بعد للموظفين ورقمنة حقوق الملكية الصناعية وأيضا وضع منظومة e-people المموّلة من الجانب الكوري بهبة قيمتها 5 مليون دينار وتهم مجالات الحوكمة الرشيدة والتبليغ عن حالات الفساد.. كما عملت الوكالة على تطوير التعاون في مجالي التكوين والتعليم العالي وخصصت ماجستيرا بعنوان سنة 2024-2025 في عدد من الجامعات الكورية وفي اختصاصات متنوعة من بينها الاقتصاد الاجتماعي والابتكار الرقمي سيكون مفتوحا للطلبة التونسيين مع العلم أن اللغة الكورية أصبحت اليوم تدرس في معهد بورقيبة للغات وكذلك في جامعة منوبة وهو ما استفاد منه أكثر من 200 طالب لحد اليوم مع وجوب ذكر توفير الحكومة الكورية لمنح جامعية للدراسة في معاهدها وكلياتها وهو ما استفاد منه 7 طلبة تونسيين خلال الموسم الجامعي الحالي. هذا دون أن ننسى مساهمة الوكالة في مساعدة العض من ذوي الاحتياجات الخصوصية خاصة فيما يتعلق بالعلاج والتداوي الاستعجالي وطب الشيخوخة الذي تدعم في تونس باستقدام فريق شبه طبي للعمل في دار المسنين بالمنستير. هذا دون الحديث عن المجال السياحي والثقافي ودعم الشباب والمجال الرياضي (دورة التايكوندو الدولية المنعقدة في تونس في نوفمبر الماضي) وهي كلها تظاهرات الهدف منها تقريب الشعبين وفهم حضارة وطبيعة كل شعب للآخر..
*نترك لكم كلمة الختام
الأكيد أن رغبة البلدين كبيرة في مزيد تطوير العلاقات خاصة منها الاقتصادية والتجارية وبالنسبة لنا تونس هي فرصة كبيرة للاستثمار والتواجد على بضعة كيلومترات من أوروبا وإفريقيا. لكن ما نطلبه هو الإحاطة أكثر بالمستثمرين الكوريين في تونس وتذليل الصعوبات التي قد تعترضهم خاصة منها الإدارية والتشريعية حتى يواصلوا نشاطهم في أفضل الظروف وحتى يقع استقطاب مؤسسات اقتصادية كورية أخرى وإطلاق مشاريع جديدة مشتركة من شانها أن تخدم البلدين.