إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

جميلة الماجري .. مبدعة نقشت اسمها بأحرف من ذهب !..

بقلم : رشيـــــــد الذوادي

قصة حرف الضاد :

(قصة حرف الضّاد) ، هي قصة طويلة وشائقة، وفيها كنا تعرفنا على الأصوات القصصية والشعرية، وعلى أنماط الأدب العربي الهادف في ضوء دوائر الدلالة عن الذات، والأصدقاء، والمثل، والوطن.. وحتى عن العروبة والهوية الواسعة.

وعن هذه القصة، التي استبطنها (حرف خفي) وعجيب في ذاكرتنا كانت هناك ألوان من الحكايات عن دور الكلمة الصادقة وأنماط الإبداع عامة في (معاجم اللغة والشعر) وطروحات في أسئلة الرؤيا، التي تضع الكتابة نفسها موضع تساؤل مستمر.

وفي (حرف الضاد)، كنا عرفنا في سردياته أخبار الذات المبدعة وتوجهاتها، وما امتزجت به النفس من عزة ومشاعر في تفاصيل دورات الحياة الموحية والمثيرة، وما عبّر أيضا عن الضمير الواعي ،وأنماط التجريب في الكتابة، ضمن تأصيل الكيان البشري وسياقات معاني الحرية والجرأة واستكناه الحقائق، واستجلاء الدقائق، وتأويلات الاشتياق والاحتراق.

و(حرف الضاد)،هو حرف أصيل في لغتنا، وتفردت به العربية دون سواها من اللغات، وأعتبر شعارنا نحن العرب، ولسان هويتنا، ورمز فصاحتنا كما يقول الناقد عبد السلام بن سوف.

و(حرف الضاد) العجيب نقل إلينا أخبار الأولين وتراثهم؟ وأمتعنا بالاستمتاع بالفكر الحرّ، وأفادنا بالأفكار المهمة ؛ لنكون دوما صوتا قويا في ملاحم النضال ومحطات الصمود، وثوارا في معارك الكتابة الهادفة ؛ لكي تظل هذه الكتابة حيّة وتهتدي بها الأجيال ! ..

في قصص الكتابة نقائش من ذهب :

وفي قصص الكتابة الهادفة ؛استمتعنا بما حصل في ذلك الحراك الواسع حول تطور اللغة العربية، والطرافة والمحسنات البديعية، وحول مفاهيم الحداثة، وأصول الإيقاع في قصيدة الوزن، والشعر الحر، وقصيدة النثر.. كما توقفنا أيضا في ظلاله عند السجال، الذي أثير حول مسافات التوتر النابعة من (بنية النص) الأدبية، ومن الرؤى والمواقف.. وحتى من الطابع النثري والخصوصية الأسلوبية لقصيدة النثر .. واستفدنا منه أيضا .. مما قيل من أحكام، سواء في القصيد الشعري، أو في الروايات والقصص.. وفي النقد ونظرياته.

وفي هذا الشأن يشير (ميخائيل نعيمة) في (الغربال) موجها وناصحا قائلا : (لا قيمة للغة في ذاتها ونفسها، بل قيمتها فيما ترمز إليه من فكر وعاطفة)، ولذا كنت دوما حريصا على أن يكون (للنصّ) أساسيات وركائز منها :

أولا : أن يعنى بجوهر جمالياته ومضمونه.

وثانيا : أن يعبر عن المشاعر التي تجيش بنفس الكاتب وبخوالجه.

كما آستفدت دوما من إشارات صاحب (العمدة) آبن رشيق القائل : (إن اللفظ جسم وروحه المعنى).

وبما أن الصلة مازالت قائمة بين اتجاهات الشعر ورفاق القصيد ومقومات الموروث فيه ؛ فإني لشديد الفخر بشعرائنا العرب، الذين أحبّوا أوطانهم، ولم ينفصلوا قط عن أمتهم العربية وقضاياها، ولا عن بيئاتهم وعصورهم.. بل وعشت معتزا بتقييم الناقد الدكتور شوقي ضيف في هذه المسألة).. بل واعتبرت هذا التقييم تقييما صادقا وعادلا. وهذا التقييم عدّ إحدى ميزات النقاد المنصفين في الأدب في هذه المرحلة.. وذكرنا بموقف ناقد كبير آخر : هو (جيبو) القائل عن الفن عامة : (إن الفنّ الرفيع ينبع من صميم الحياة نفسها، وإن الجمال في الفن ماهو إلا شعور خصب مملوء بالحياة..)

فتلكم هي بعض الإشارات عن (مناهج النقد)، وعمّا أسموه بأساسيات في (تفسير النصوص)، وعما سيبقى خالدا في أذهان الناس وضمائرهم، وفي أصداء الأدب الرفيع وفهمه وتذوقه.

هذا .. وفي متابعتي لآراء بعض النقاد في العصر الحديث أمثال : شوقي ضيف، وأحمد زكي أبو شادي، وزكي مبارك، وعباس محمود العقاد، ود محمد مندور، والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، والبشير بن سلامة، وتوفيق بكار والتهامي الهاني وعبد القادر بلحاج نصر.. كنت لاحظت أن هناك رؤى متعددة حول وظائف اللغة في الشعر، وفيما ينفرد به البوح في الشعر، وما يتسم به في مسحة الحلم الجميلة ؛ وبخاصة في أفضل نماذجه كنماذج: نزار قباني، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش وفدوى طوقان، وجميلة الماجري، وأن للصورة الشعرية ولمواقف الشعراء في غمرة النضال المتصاعد أكثر من قصيدة وقضية وحكاية منها: حكايات (أثر الصورة في النفس وما يتولد عنها).. وهل هي وليدة الشعور ؟..أم هي وليدة الشعور والعقل معا..؟

وبان لي – ومن خلال المراجعات أن للصورة الشعرية جاذبية خاصة في المرآة إذا ما اكتملت فيها ميزات الانسجام بين الحاجات الحيوية والعواطف الوجدانية والأحاسيس والمشاعر..

وإن في آعتداد الشاعر بشخصيته كصوت قوي ما ينمي فينا روح الاعتزاز به وبأمتنا العربية.. ورأينا نماذج كثيرة في هذا النوع من الشعر منها ذيوع قصائد أحد الشعراء المعاصرين في (المربد) ببغداد في الثمانينات يوم أنشد قصيدا منوها بنفسه وبشعره. وبأمته العربية الخالدة قائلا :

وإذا تألق شاعر من بينهم      فهو الأمير وشعـــــــــره ترتيــل

وإذا أتيت مفاخرا فلأنــي      في المنهلين مع الأميـــــر زميل

لكنّ حظي قد يزيد بأننــي     أدركت عصرا ليس فيه دخيــــل

وعلى خطى هذا الشاعر عاشت مراصد القوى في أمتنا العربية تتطلع في عزة وفخر إلى قصائد الشابي، ومحمد العربي صمادح، ومحمد العروسي المطوي، وعبد الوهاب البياتي، ومصطفى خريف، وأحمد اللغماني، ونور الدين صمود، وكمال نشأت، وعبد العزيز شرف، ومحمود درويش وأضرابهم.

وهنا بانت لي في أشعار هؤلاء الموجات المتعاقبة في الشعر والحافلة بما يضفي عليها طابعا شعريا يرتبط بالمواقف وبتحديد أبعادها في ضوء تعزيز الروابط والإخاء بين الأشقاء العرب.

ومن حسن حظي وجدت فيما قرأته من أشعار هؤلاء قصائد جميلة تتحدث عن أوضاعنا الاجتماعية والسياسية وظروفنا المعاشية الراهنة وفيما هو متاح لنا لنطمح فيه.

والحديث في هذا الشأن قد يطول : ويكفي أن تعود بكم الأيام إلى قصائد الأمس للرافعي، وللعقاد، ولصالح جودت، ومحمود درويش، ومحمد عبد الجواد الغبان، والمنصف الوهايبي، وآدم فتحي.. وإلى قصائد أخرى لشاعرات عربيات شهيرات تألقن في الوطن العربي كـ : نازك الملائكة، وفدوى طوقان، ولميعة عباس عمارة، وزبيدة بشير، وفضيلة الشابي، وحفيظة قارهبيبان وجميلة الماجري وأضرابهن..

فأنت إذا ما قرأت لهؤلاء ؛ فإنك سوف تجد في تلك القصائد ما تسمو به الروح، وما يشدك إلى العذوبة والرقة وإلى هذا النمير الصافي من الشعر الراقي.

فتلك هي إشارات في قضايا الشعر وميزاته وما يجليه من الواقع ومن متعة الفكر ومجالات التأمل.

وفي مجريات الحديث عن الشعر وسياقاته الشائقة تتعرفون على أسرارالأفئدة، وهموم الأوطان، ومطامح الأجيال، وعن ألوان من النضج العاطفي والعقلي، وصور من التلازم بين الفن وصاحبه.. وحتى البذار الكامنة وما أنعكس لدينا في أشعار كل من المنصف الوهايبي والبشير المشرقي، وشاعرات كبيرات كـ جميلة الماجري ..وأضرابهم..

وفي نماذج أخرى لشاعرات شهيرات كـ : نازك الملائكة وفدوى طوقان، ولميعة عباس عمارة، وفضيلة الشابي، وزبيدة بشير، وجميلة الماجري وأضرابهم.

ومن الثوابت لدينا أن (المدونة الشعرية لدى العرب) تحفل اليوم كثيرا بقصائد المرأة في الشعر وبكتاباتها ؛ لأن في نتاجات المرأة العربية مضامين هامة وهذه المضامين لم تكتب بضمير الغير ولا بوحي الغير، وإنما كانت نابعة من الذات، أو طروحات محددة في نضوج التداخل الكلي بين الفكر والحدس.. وهي ماثلة أمامنا اليوم في رقة اللفظ ورقة العاطفة وقوة السبك، وبالخصوص في كتابات وأشعار جميلة الماجري.

جميلة الماجري المبدعة والشاعرة :

وعن جميلة المبدعة أقول : هي أديبة كبيرة، وتطلعت في عزة مع كتاباتها وأشعارها؛ فهي مبدعة بحق، وجادة في مشروعها الثقافي، ومؤمنة بدور الكلمة الصادقة، وبدور الكاتب ومسؤولياته ؛ ولذلك حددت رسالة في حياتها.. وتلك الرسالة جلبت لها الاحترام والتقدير.. وفعلا.. عاشت (جميلة) الشاعرة والمبدعة بعيدة عن الضجيج واللغو.. وطيلة حياتها عاشت تكتب في هدوء، وتسعى لتترك للأجيال بصمة في الأدب تستفيد منها الأجيال وتكون شهادة على عطاءات المرأة وعن أدوارها الريادية في تشجيع المواهب الشابة في وطنها وبالخصوص في (مدينة القيروان) مسقط رأسها وسكنها الحالي.

و(جميلة الماجري المبدعة) ؛هي دوما شغوفة بالقراءة والكتابة، وتميزت كتاباتها بصفاء الروح وبالصدق والسمو النفسي، وأعلنت لنا في أكثر من مرة أن الشعر هو أسس الفنون وأرقاها قاطبة، وأن الشعراء الذين يعبرون عن عصورهم هم أعظم الشعراء، وأن الشعر يحتضن الموسيقى كما يحتضن الفنون جميعا، وأن جرس الموسيقى فيه يكمن في اللفظ الأنيق الرشيق.. وخطى هذه المبدعة أراها شخصيا فيما أكّد عليه أحمد أمين القائل عن الإبداع : ( إن العمل الفني لا قيمة له إذا لم يكن مستمدا من الحياة، ولم تكن غايته خدمتها) وفي اعتقادي أنه رأي حصيف ومستمد من تجربة الامتدادات المرتبطة بالدلالات والوجود، وفيه نرى انتقال الرؤية على فضائيات الالتزام بالقضايا العادلة.

وهذه المبدعة ؛ هي صاحبة رؤيا في نشدان الخير لأبناء وطنها وجيلها، وصاحبة موقف ضد من يحجب الخير على الناس، ومؤمنة بما تمارسه من توازن بين الواقع وما هو مطلوب من الفنان المكافح الحالم ؛ لكي تكون للكلمة الصادقة صحوة في الميلاد الجديد !

وتلك الشاعرة وجدناها أيضا موضوعية فيما تنشده، وتدعو إليه لبناء عالم شعري جديد على أسس ثابتة.. ومسعاها في هذا الشأن يقوم على :

أولا : على الحفاظ على اللغة الفصيحة، وعلى دقة البيان والتذكير بنبغاء أعلام النهضة الفكرية من كتاب وشعراء ونقاد.

ثانيا : في العمل الجاد الذي نحقق به تنمية المواهب فهو السلاح الأمثل في كل مجالات الحياة.

ثالثا : في الحرص على تغيير أدوات العمل.. فالكاتب أو الشاعر دوما إبن جيله وينبغي أن يكون متابعا للتجارب في أنماط الكتابة.. وعليه أيضا أن يغير أدوات عمله كأي فنان لينأى بنفسه عن التكرار والاجترار.

رابعا : وفي الحرص على التخلق بالقيم وبالابتعاد عن المتاهات التي تنزاح بنا عن المتن إلى الهوامش.

والمبدعة جميلة الماجري تحدثت إلينا ذات يوم قائلة :وفي أحد حواراتها : "إن حقول الكتابة كثيرة .. و(الكتابة الخالدة) ؛ هي نصوص ذات رسالة.. والشعر بالخصوص (حمال قيم، وله رسائل، ويمكنه أن يلعب أدوارا إنسانية).. وآقترحت في هذا الشأن أن تكون نصوصنا في حقول الشعر (قيمية)، وتعبر عن (قضايا الوطن.. وقضايا العروبة والمرأة) وغيرها..

وفي هذه المسارات كان قلم جميلة الماجري سيالا وزاخرا بالعواطف وبالأحاسيس، فخلدت مشاعر حية لمبدعة عربية ؛ تميزت بالأصالة والإبتكار، وبالإحتفاء بـ (المكان) وبالخصوص بـ (مدينة القيروان) وبتراثها الخالد.. قالت عنها جميلة ذات يوم وفي حوار أدبي مع الناقد : رحيم جماعي : (إن القيروان سيدة مكسوة بالجلال والمهابة، ولا يمكن التعامل معها مثل تعامل نزار مع المرأة، (فامرأة نزار) سهلة سرعان ما يصل إلى أسرارها.. و(القيروان) مغالق يصعب فكها، وأسرار منيعة خلف الأسوار، والقلاع تغري بالمغامرة في غابة الشعر الكثيفة.

وصعب أن نستغرف (القيروان) من معانيها ؛ لأنها دفق عميق الأغوار من المعاني.

ورغم ما قلت لها .. وفيها .. أحسّ أنني مازلت على أعتاب القول، وكلما جفت ينابيع القول جميعا واستعصت أحوال الشعر.. أعود إليها أستلهمها فيغمرني الشعر ويتدفق...)

وفعلا.. عاشت "جميلة" عاشقة للقيروان : مدينة الذكريات الجميلة الحلوة، وموطن الصبا والتعلم الأول، وكتبت عنها يوما تقول : (لولا القيروان ما كنت وما كان الشعر) فمحبتها للقيروان هي محبة متأصلة في كيانها وفي قصائدها.

كما أن محبتها لوطنها تونس هي محبة صادقة، وتلمس من هذه المحبة الوفاء النادر؛ فهي القائلة في كتاباتها عن : (تونس التاريخ) : (لطالما كان التاريخ شاهدا عدلا وحارسا أمينا للذاكرة، ومرآة للعصور، ومتعة وموعظة للمتطلع.. وفي تاريخ تونس شواهد على أنها كانت في مختلف عصورها قطب إشعاع مثلما أشعت على مناطق عديدة جلب إشعاعها إليها الأدباء والعلماء...)

 كما كتبت أيضا عن (القيروان الشعر) قائلة : (..كأنني بالقيروان في عهدها التونسي الزاهر.. فهذا تستعيد به مجدها الأدبي الزاهر، وكأنها موعودة بقدر الشعر، وكأنها حسناء لا تتحلى ولا تزدهي ولا تتجلى، ولا تكون في أحسن أحوالها إلا في إيهاب الشعر.. لذلك رأيتها رافلة شامخة ساحرة مساء افتتاح (الملتقى الوطني للإبداع الأدبي) في دورته الثالثة بدار الثقافة أسد بن الفرات في جوّ حميمي، يعبق بسحر (مجالس الشعر) في العصور الأغلبية والفاطمية والصنهاجية...).

كما تحدثت عن أعراس الشعر، وأوجاع الشاعر ومناه في قصيد بليغ وساحر قالت فيه:

وجع القصيدة في الوريــد    

وإذا القصيدة ما استمدت

وطيفها سيف على ورقـــــي     

أمطرت جمرا على جسدي

وسدرة منتهاي..هي القصيدة     

وناداني النذير

نخلة في القلب منيتها                                  

أن أسترجعي فرسا أصيلا

وإن ظمأت                                       

لا مناص من الرحيل

من الأحداق موردها                                  

على ضفاف العشق موعدنا

وفي مدن الخرافة نستحم...الخ

فتلك .. هي جميلة أيقونة القيروان، والأمينة على الكلمة الصادقة فيها.. والقائلة: عن (حصاد الإبداع) :(إن حصاد الشعوب مثل الأفراد، تحصد ما زرعت، وإن لم تزرع لا تحصد، ولا يكون حصاد الشعوب خيرا إلا إذا كان حصادا طيبا يخلده التاريخ ويرفع من شأنها، وتعتز به على مرّ الأجيال .. ذلك هو حصاد من يزرع العلم والثقافة والفن والأدب والإبداع )

فتلك هي (جميلة)الصامدة ومنارة القيروان حقا والقائلة يوما : (إن القيروان عشقي الأكبر، وتجربتي الأعمق، ومعيني الذي لا ينضب، ونبع الشعر الذي لا يجف) ..  هي شاعرة ولها إضافة في (المدونة الشعرية)، وفي الكلمة الهادفة، ومادة البناء الأساسية في الشعر.. والصوت الندي الحالم الذي قيل في شأنه : (لولا صوت جميلة لما كان لنا شعر نسائي تونسي..)..ولهذه الشاعرة الأبية عدة دواوين منها : (ديوان النساء)، و(ديوان الوجد)، و(ديوان الطير) ونكتشف في هذه الدواوين انحيازها للغة العربية وللشعر الذي يتناغم مع البيئة العربية ؛ لأنه يتكلم لغتها، ويحمل موروثها وهمومها.. أما مسارها الأول ؛فكان على خطى الأولين ولها مبرراتها في هذا الشأن .. لكن فيما بعد تطور شعرها ودون أن يخرج عن مقوماته الأساسية الماثلة في الرقة، وفي الإيقاع والموسيقى،وموقفها في هذا المسعى.

كان له مبرراته إذ تقول عنه : آمنت منذ الصغر بمقولة الجاحظ القائل : (الصناعة طويلة والعمر قصير)، والمهم هو النجاح فيما يتدفق من الشفاه ليتأثر به الآخرون.. ولعلها بهذا الموقف ما جعلها معتزة بنفسها وبشخصيتها الشعرية فكتبت تقول :

كبير عليك الهوى

وأكبر منك القصيدة

وأبعد عنك التماس النجوم

من الأمسيات البعيدة

فجل النساء شبيهات ببعض

وواحدة بين عصر وعصر تجيء

 كلؤلؤة في الكنوز فريدة

جميلة الماجري .. مبدعة نقشت اسمها بأحرف من ذهب !..

بقلم : رشيـــــــد الذوادي

قصة حرف الضاد :

(قصة حرف الضّاد) ، هي قصة طويلة وشائقة، وفيها كنا تعرفنا على الأصوات القصصية والشعرية، وعلى أنماط الأدب العربي الهادف في ضوء دوائر الدلالة عن الذات، والأصدقاء، والمثل، والوطن.. وحتى عن العروبة والهوية الواسعة.

وعن هذه القصة، التي استبطنها (حرف خفي) وعجيب في ذاكرتنا كانت هناك ألوان من الحكايات عن دور الكلمة الصادقة وأنماط الإبداع عامة في (معاجم اللغة والشعر) وطروحات في أسئلة الرؤيا، التي تضع الكتابة نفسها موضع تساؤل مستمر.

وفي (حرف الضاد)، كنا عرفنا في سردياته أخبار الذات المبدعة وتوجهاتها، وما امتزجت به النفس من عزة ومشاعر في تفاصيل دورات الحياة الموحية والمثيرة، وما عبّر أيضا عن الضمير الواعي ،وأنماط التجريب في الكتابة، ضمن تأصيل الكيان البشري وسياقات معاني الحرية والجرأة واستكناه الحقائق، واستجلاء الدقائق، وتأويلات الاشتياق والاحتراق.

و(حرف الضاد)،هو حرف أصيل في لغتنا، وتفردت به العربية دون سواها من اللغات، وأعتبر شعارنا نحن العرب، ولسان هويتنا، ورمز فصاحتنا كما يقول الناقد عبد السلام بن سوف.

و(حرف الضاد) العجيب نقل إلينا أخبار الأولين وتراثهم؟ وأمتعنا بالاستمتاع بالفكر الحرّ، وأفادنا بالأفكار المهمة ؛ لنكون دوما صوتا قويا في ملاحم النضال ومحطات الصمود، وثوارا في معارك الكتابة الهادفة ؛ لكي تظل هذه الكتابة حيّة وتهتدي بها الأجيال ! ..

في قصص الكتابة نقائش من ذهب :

وفي قصص الكتابة الهادفة ؛استمتعنا بما حصل في ذلك الحراك الواسع حول تطور اللغة العربية، والطرافة والمحسنات البديعية، وحول مفاهيم الحداثة، وأصول الإيقاع في قصيدة الوزن، والشعر الحر، وقصيدة النثر.. كما توقفنا أيضا في ظلاله عند السجال، الذي أثير حول مسافات التوتر النابعة من (بنية النص) الأدبية، ومن الرؤى والمواقف.. وحتى من الطابع النثري والخصوصية الأسلوبية لقصيدة النثر .. واستفدنا منه أيضا .. مما قيل من أحكام، سواء في القصيد الشعري، أو في الروايات والقصص.. وفي النقد ونظرياته.

وفي هذا الشأن يشير (ميخائيل نعيمة) في (الغربال) موجها وناصحا قائلا : (لا قيمة للغة في ذاتها ونفسها، بل قيمتها فيما ترمز إليه من فكر وعاطفة)، ولذا كنت دوما حريصا على أن يكون (للنصّ) أساسيات وركائز منها :

أولا : أن يعنى بجوهر جمالياته ومضمونه.

وثانيا : أن يعبر عن المشاعر التي تجيش بنفس الكاتب وبخوالجه.

كما آستفدت دوما من إشارات صاحب (العمدة) آبن رشيق القائل : (إن اللفظ جسم وروحه المعنى).

وبما أن الصلة مازالت قائمة بين اتجاهات الشعر ورفاق القصيد ومقومات الموروث فيه ؛ فإني لشديد الفخر بشعرائنا العرب، الذين أحبّوا أوطانهم، ولم ينفصلوا قط عن أمتهم العربية وقضاياها، ولا عن بيئاتهم وعصورهم.. بل وعشت معتزا بتقييم الناقد الدكتور شوقي ضيف في هذه المسألة).. بل واعتبرت هذا التقييم تقييما صادقا وعادلا. وهذا التقييم عدّ إحدى ميزات النقاد المنصفين في الأدب في هذه المرحلة.. وذكرنا بموقف ناقد كبير آخر : هو (جيبو) القائل عن الفن عامة : (إن الفنّ الرفيع ينبع من صميم الحياة نفسها، وإن الجمال في الفن ماهو إلا شعور خصب مملوء بالحياة..)

فتلكم هي بعض الإشارات عن (مناهج النقد)، وعمّا أسموه بأساسيات في (تفسير النصوص)، وعما سيبقى خالدا في أذهان الناس وضمائرهم، وفي أصداء الأدب الرفيع وفهمه وتذوقه.

هذا .. وفي متابعتي لآراء بعض النقاد في العصر الحديث أمثال : شوقي ضيف، وأحمد زكي أبو شادي، وزكي مبارك، وعباس محمود العقاد، ود محمد مندور، والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، والبشير بن سلامة، وتوفيق بكار والتهامي الهاني وعبد القادر بلحاج نصر.. كنت لاحظت أن هناك رؤى متعددة حول وظائف اللغة في الشعر، وفيما ينفرد به البوح في الشعر، وما يتسم به في مسحة الحلم الجميلة ؛ وبخاصة في أفضل نماذجه كنماذج: نزار قباني، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش وفدوى طوقان، وجميلة الماجري، وأن للصورة الشعرية ولمواقف الشعراء في غمرة النضال المتصاعد أكثر من قصيدة وقضية وحكاية منها: حكايات (أثر الصورة في النفس وما يتولد عنها).. وهل هي وليدة الشعور ؟..أم هي وليدة الشعور والعقل معا..؟

وبان لي – ومن خلال المراجعات أن للصورة الشعرية جاذبية خاصة في المرآة إذا ما اكتملت فيها ميزات الانسجام بين الحاجات الحيوية والعواطف الوجدانية والأحاسيس والمشاعر..

وإن في آعتداد الشاعر بشخصيته كصوت قوي ما ينمي فينا روح الاعتزاز به وبأمتنا العربية.. ورأينا نماذج كثيرة في هذا النوع من الشعر منها ذيوع قصائد أحد الشعراء المعاصرين في (المربد) ببغداد في الثمانينات يوم أنشد قصيدا منوها بنفسه وبشعره. وبأمته العربية الخالدة قائلا :

وإذا تألق شاعر من بينهم      فهو الأمير وشعـــــــــره ترتيــل

وإذا أتيت مفاخرا فلأنــي      في المنهلين مع الأميـــــر زميل

لكنّ حظي قد يزيد بأننــي     أدركت عصرا ليس فيه دخيــــل

وعلى خطى هذا الشاعر عاشت مراصد القوى في أمتنا العربية تتطلع في عزة وفخر إلى قصائد الشابي، ومحمد العربي صمادح، ومحمد العروسي المطوي، وعبد الوهاب البياتي، ومصطفى خريف، وأحمد اللغماني، ونور الدين صمود، وكمال نشأت، وعبد العزيز شرف، ومحمود درويش وأضرابهم.

وهنا بانت لي في أشعار هؤلاء الموجات المتعاقبة في الشعر والحافلة بما يضفي عليها طابعا شعريا يرتبط بالمواقف وبتحديد أبعادها في ضوء تعزيز الروابط والإخاء بين الأشقاء العرب.

ومن حسن حظي وجدت فيما قرأته من أشعار هؤلاء قصائد جميلة تتحدث عن أوضاعنا الاجتماعية والسياسية وظروفنا المعاشية الراهنة وفيما هو متاح لنا لنطمح فيه.

والحديث في هذا الشأن قد يطول : ويكفي أن تعود بكم الأيام إلى قصائد الأمس للرافعي، وللعقاد، ولصالح جودت، ومحمود درويش، ومحمد عبد الجواد الغبان، والمنصف الوهايبي، وآدم فتحي.. وإلى قصائد أخرى لشاعرات عربيات شهيرات تألقن في الوطن العربي كـ : نازك الملائكة، وفدوى طوقان، ولميعة عباس عمارة، وزبيدة بشير، وفضيلة الشابي، وحفيظة قارهبيبان وجميلة الماجري وأضرابهن..

فأنت إذا ما قرأت لهؤلاء ؛ فإنك سوف تجد في تلك القصائد ما تسمو به الروح، وما يشدك إلى العذوبة والرقة وإلى هذا النمير الصافي من الشعر الراقي.

فتلك هي إشارات في قضايا الشعر وميزاته وما يجليه من الواقع ومن متعة الفكر ومجالات التأمل.

وفي مجريات الحديث عن الشعر وسياقاته الشائقة تتعرفون على أسرارالأفئدة، وهموم الأوطان، ومطامح الأجيال، وعن ألوان من النضج العاطفي والعقلي، وصور من التلازم بين الفن وصاحبه.. وحتى البذار الكامنة وما أنعكس لدينا في أشعار كل من المنصف الوهايبي والبشير المشرقي، وشاعرات كبيرات كـ جميلة الماجري ..وأضرابهم..

وفي نماذج أخرى لشاعرات شهيرات كـ : نازك الملائكة وفدوى طوقان، ولميعة عباس عمارة، وفضيلة الشابي، وزبيدة بشير، وجميلة الماجري وأضرابهم.

ومن الثوابت لدينا أن (المدونة الشعرية لدى العرب) تحفل اليوم كثيرا بقصائد المرأة في الشعر وبكتاباتها ؛ لأن في نتاجات المرأة العربية مضامين هامة وهذه المضامين لم تكتب بضمير الغير ولا بوحي الغير، وإنما كانت نابعة من الذات، أو طروحات محددة في نضوج التداخل الكلي بين الفكر والحدس.. وهي ماثلة أمامنا اليوم في رقة اللفظ ورقة العاطفة وقوة السبك، وبالخصوص في كتابات وأشعار جميلة الماجري.

جميلة الماجري المبدعة والشاعرة :

وعن جميلة المبدعة أقول : هي أديبة كبيرة، وتطلعت في عزة مع كتاباتها وأشعارها؛ فهي مبدعة بحق، وجادة في مشروعها الثقافي، ومؤمنة بدور الكلمة الصادقة، وبدور الكاتب ومسؤولياته ؛ ولذلك حددت رسالة في حياتها.. وتلك الرسالة جلبت لها الاحترام والتقدير.. وفعلا.. عاشت (جميلة) الشاعرة والمبدعة بعيدة عن الضجيج واللغو.. وطيلة حياتها عاشت تكتب في هدوء، وتسعى لتترك للأجيال بصمة في الأدب تستفيد منها الأجيال وتكون شهادة على عطاءات المرأة وعن أدوارها الريادية في تشجيع المواهب الشابة في وطنها وبالخصوص في (مدينة القيروان) مسقط رأسها وسكنها الحالي.

و(جميلة الماجري المبدعة) ؛هي دوما شغوفة بالقراءة والكتابة، وتميزت كتاباتها بصفاء الروح وبالصدق والسمو النفسي، وأعلنت لنا في أكثر من مرة أن الشعر هو أسس الفنون وأرقاها قاطبة، وأن الشعراء الذين يعبرون عن عصورهم هم أعظم الشعراء، وأن الشعر يحتضن الموسيقى كما يحتضن الفنون جميعا، وأن جرس الموسيقى فيه يكمن في اللفظ الأنيق الرشيق.. وخطى هذه المبدعة أراها شخصيا فيما أكّد عليه أحمد أمين القائل عن الإبداع : ( إن العمل الفني لا قيمة له إذا لم يكن مستمدا من الحياة، ولم تكن غايته خدمتها) وفي اعتقادي أنه رأي حصيف ومستمد من تجربة الامتدادات المرتبطة بالدلالات والوجود، وفيه نرى انتقال الرؤية على فضائيات الالتزام بالقضايا العادلة.

وهذه المبدعة ؛ هي صاحبة رؤيا في نشدان الخير لأبناء وطنها وجيلها، وصاحبة موقف ضد من يحجب الخير على الناس، ومؤمنة بما تمارسه من توازن بين الواقع وما هو مطلوب من الفنان المكافح الحالم ؛ لكي تكون للكلمة الصادقة صحوة في الميلاد الجديد !

وتلك الشاعرة وجدناها أيضا موضوعية فيما تنشده، وتدعو إليه لبناء عالم شعري جديد على أسس ثابتة.. ومسعاها في هذا الشأن يقوم على :

أولا : على الحفاظ على اللغة الفصيحة، وعلى دقة البيان والتذكير بنبغاء أعلام النهضة الفكرية من كتاب وشعراء ونقاد.

ثانيا : في العمل الجاد الذي نحقق به تنمية المواهب فهو السلاح الأمثل في كل مجالات الحياة.

ثالثا : في الحرص على تغيير أدوات العمل.. فالكاتب أو الشاعر دوما إبن جيله وينبغي أن يكون متابعا للتجارب في أنماط الكتابة.. وعليه أيضا أن يغير أدوات عمله كأي فنان لينأى بنفسه عن التكرار والاجترار.

رابعا : وفي الحرص على التخلق بالقيم وبالابتعاد عن المتاهات التي تنزاح بنا عن المتن إلى الهوامش.

والمبدعة جميلة الماجري تحدثت إلينا ذات يوم قائلة :وفي أحد حواراتها : "إن حقول الكتابة كثيرة .. و(الكتابة الخالدة) ؛ هي نصوص ذات رسالة.. والشعر بالخصوص (حمال قيم، وله رسائل، ويمكنه أن يلعب أدوارا إنسانية).. وآقترحت في هذا الشأن أن تكون نصوصنا في حقول الشعر (قيمية)، وتعبر عن (قضايا الوطن.. وقضايا العروبة والمرأة) وغيرها..

وفي هذه المسارات كان قلم جميلة الماجري سيالا وزاخرا بالعواطف وبالأحاسيس، فخلدت مشاعر حية لمبدعة عربية ؛ تميزت بالأصالة والإبتكار، وبالإحتفاء بـ (المكان) وبالخصوص بـ (مدينة القيروان) وبتراثها الخالد.. قالت عنها جميلة ذات يوم وفي حوار أدبي مع الناقد : رحيم جماعي : (إن القيروان سيدة مكسوة بالجلال والمهابة، ولا يمكن التعامل معها مثل تعامل نزار مع المرأة، (فامرأة نزار) سهلة سرعان ما يصل إلى أسرارها.. و(القيروان) مغالق يصعب فكها، وأسرار منيعة خلف الأسوار، والقلاع تغري بالمغامرة في غابة الشعر الكثيفة.

وصعب أن نستغرف (القيروان) من معانيها ؛ لأنها دفق عميق الأغوار من المعاني.

ورغم ما قلت لها .. وفيها .. أحسّ أنني مازلت على أعتاب القول، وكلما جفت ينابيع القول جميعا واستعصت أحوال الشعر.. أعود إليها أستلهمها فيغمرني الشعر ويتدفق...)

وفعلا.. عاشت "جميلة" عاشقة للقيروان : مدينة الذكريات الجميلة الحلوة، وموطن الصبا والتعلم الأول، وكتبت عنها يوما تقول : (لولا القيروان ما كنت وما كان الشعر) فمحبتها للقيروان هي محبة متأصلة في كيانها وفي قصائدها.

كما أن محبتها لوطنها تونس هي محبة صادقة، وتلمس من هذه المحبة الوفاء النادر؛ فهي القائلة في كتاباتها عن : (تونس التاريخ) : (لطالما كان التاريخ شاهدا عدلا وحارسا أمينا للذاكرة، ومرآة للعصور، ومتعة وموعظة للمتطلع.. وفي تاريخ تونس شواهد على أنها كانت في مختلف عصورها قطب إشعاع مثلما أشعت على مناطق عديدة جلب إشعاعها إليها الأدباء والعلماء...)

 كما كتبت أيضا عن (القيروان الشعر) قائلة : (..كأنني بالقيروان في عهدها التونسي الزاهر.. فهذا تستعيد به مجدها الأدبي الزاهر، وكأنها موعودة بقدر الشعر، وكأنها حسناء لا تتحلى ولا تزدهي ولا تتجلى، ولا تكون في أحسن أحوالها إلا في إيهاب الشعر.. لذلك رأيتها رافلة شامخة ساحرة مساء افتتاح (الملتقى الوطني للإبداع الأدبي) في دورته الثالثة بدار الثقافة أسد بن الفرات في جوّ حميمي، يعبق بسحر (مجالس الشعر) في العصور الأغلبية والفاطمية والصنهاجية...).

كما تحدثت عن أعراس الشعر، وأوجاع الشاعر ومناه في قصيد بليغ وساحر قالت فيه:

وجع القصيدة في الوريــد    

وإذا القصيدة ما استمدت

وطيفها سيف على ورقـــــي     

أمطرت جمرا على جسدي

وسدرة منتهاي..هي القصيدة     

وناداني النذير

نخلة في القلب منيتها                                  

أن أسترجعي فرسا أصيلا

وإن ظمأت                                       

لا مناص من الرحيل

من الأحداق موردها                                  

على ضفاف العشق موعدنا

وفي مدن الخرافة نستحم...الخ

فتلك .. هي جميلة أيقونة القيروان، والأمينة على الكلمة الصادقة فيها.. والقائلة: عن (حصاد الإبداع) :(إن حصاد الشعوب مثل الأفراد، تحصد ما زرعت، وإن لم تزرع لا تحصد، ولا يكون حصاد الشعوب خيرا إلا إذا كان حصادا طيبا يخلده التاريخ ويرفع من شأنها، وتعتز به على مرّ الأجيال .. ذلك هو حصاد من يزرع العلم والثقافة والفن والأدب والإبداع )

فتلك هي (جميلة)الصامدة ومنارة القيروان حقا والقائلة يوما : (إن القيروان عشقي الأكبر، وتجربتي الأعمق، ومعيني الذي لا ينضب، ونبع الشعر الذي لا يجف) ..  هي شاعرة ولها إضافة في (المدونة الشعرية)، وفي الكلمة الهادفة، ومادة البناء الأساسية في الشعر.. والصوت الندي الحالم الذي قيل في شأنه : (لولا صوت جميلة لما كان لنا شعر نسائي تونسي..)..ولهذه الشاعرة الأبية عدة دواوين منها : (ديوان النساء)، و(ديوان الوجد)، و(ديوان الطير) ونكتشف في هذه الدواوين انحيازها للغة العربية وللشعر الذي يتناغم مع البيئة العربية ؛ لأنه يتكلم لغتها، ويحمل موروثها وهمومها.. أما مسارها الأول ؛فكان على خطى الأولين ولها مبرراتها في هذا الشأن .. لكن فيما بعد تطور شعرها ودون أن يخرج عن مقوماته الأساسية الماثلة في الرقة، وفي الإيقاع والموسيقى،وموقفها في هذا المسعى.

كان له مبرراته إذ تقول عنه : آمنت منذ الصغر بمقولة الجاحظ القائل : (الصناعة طويلة والعمر قصير)، والمهم هو النجاح فيما يتدفق من الشفاه ليتأثر به الآخرون.. ولعلها بهذا الموقف ما جعلها معتزة بنفسها وبشخصيتها الشعرية فكتبت تقول :

كبير عليك الهوى

وأكبر منك القصيدة

وأبعد عنك التماس النجوم

من الأمسيات البعيدة

فجل النساء شبيهات ببعض

وواحدة بين عصر وعصر تجيء

 كلؤلؤة في الكنوز فريدة