إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج: زيارة رئيس الجمهورية إلى الصين ستتمخض عن عدة اتفاقيات منها واحدة مهمة جدا

 

ـ الاستقواء بالأجنبي مرفوض وليس له أي مبرر

ـ من يتحدثون في الخارج عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس.. عليهم أن يشاهدوا أولا عمليات تقتيل النساء والأطفال في فلسطين

ـ السياسة الخارجية التونسية تقوم على الرصانة وبعد النظر

منوبة: الصباح

 أمام العديد من الطلبة والجامعيين وقدماء السلك الدبلوماسي ألقى نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أمس بمدرج قرطاج الحداثة بالمركب الجامعي منوبة محاضرة تحت عنوان:"السياسة الخارجية التونسية: تكريس السيادة الوطنية ومناصرة القضايا العادلة"، وأكد خلالها على التمسك بالسيادة الوطنية، وعلى رفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للبلاد، وعلى دفاع تونس عن القضية الفلسطينية..

كما أجاب الوزير إثر المحاضرة عن سؤال حول الإنتظارات من الزيارة التي يؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الصين، وبين في هذا الصدد أن هذه الزيارة هي زيارة دولة وليس بالإمكان أن لا تكون فيها مخرجات هامة تنعكس ايجابيا على العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي علاقات كانت دائما جيدة ومتميزة ومثمرة، حسب وصفه.

وأضاف أن تونس تستثمر في العلاقات الطيبة والمتميزة مع الشركاء، وذكر أن زيارة رئيس الجمهورية إلى الصين ستتمخض عن عدد من الاتفاقيات منها اتفاقية مهمة جدا سيتم الإعلان عنها في الإبان.

وأوضح الوزير أن زيارة الدولة إلى الصين لا تعني إبدال شريك بآخر، فما تبنيه تونس مع الصين لا يكون على حساب شريك آخر. وقال:"من يحترمنا نتعامل معه ونحن لا نريد أن يفرض علينا أي أحد مع من نتعامل وليس لدينا أي مشكل مع أي شريك ونريد من الجميع معاملتنا بالمثل ولا أحد بإمكانه أن يناقشنا في هذا الخيار".

وكشف الوزير للحاضرين في هذا الملتقى المنتظم ببادرة من المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر وبتنسيق من قبل الأستاذ خالد عبيد ما حصل خلال العشرية التي تلت سنة 2011 حيث كانت هناك حسب تأكيده مصالح ضيقة تتحكم في السياسة الخارجية التونسية، أما اليوم فكل هذا انتهى، وعلى التونسيين أن يطمئنوا أنه لا مجال للمصالح الضيقة وأن مصلحة تونس والتونسيين فوق كل اعتبار وأن تونس لكل التونسيين.  وبين أن من يتحدثون عن حقوق الإنسان والمبادئ الكونية لماذا لا يشاهدون ما يجري في فلسطين.

وأشار عمار إلى أن الدبلوماسية التونسية هي دبلوماسية مناضلة لأنها لعبت دورا كبيرا في استقلال تونس وتمتعها بالسيادة الوطنية والاعتراف بها دوليا، وذكر أن هناك من يريدون الحديث عن السياسة الخارجية التونسية ولكن عليهم الحذر حتى لا يقع المساس بتونس، لأن انتقاد السياسة الخارجية خاصة عندما يكون بالتعاون مع الخارج لا يمكن إلا أن يضر بتونس ومصالحها. وفسر أن مادة السياسة الخارجية تعتبر مادة خاصة، وهي لئن تهم جميع التونسيين بمن فيهم من هم في الخارج فهي تهم صورة البلاد قبل كل شيء.

لا للاستقواء بالأجنبي

  وشدد الوزير نبيل عمار على أن الاستقواء بالأجنبي مرفوض وليس له أي مبرر وعبر عن استيائه للجوء البعض للخارج ونبه إلى أن الخارج لديه مصالحه وهو يعمل بكل ما في وسعه من تشويه وتمويه عن طريق طيف من المجتمع المدني متعللا بحقوق الإنسان والديمقراطية والحال أنه عليهم أن يبدؤوا بمحاسبة أنفسهم أولا لأن تونس لم تتسبب في الإضرار بأي شعب ولم تستعمر أي بلد وكل من يزورها يحب العيش فيها.

وأضاف أن من يسأل ماذا فعلنا بالسيادة الوطنية، عليه أن يعرف مفهوم السيادة الوطنية فهي تعني التعامل بندية، والندية لا تعني تساوي الإمكانيات المادية والعسكرية بل تعني الوقوف الند بالند عند اتخاذ القرار، وتعني أن تونس لا تقبل من يتدخل في شؤونها الداخلية حتى وإن كان ذلك عبر بعض التونسيين. وأشار إلى أن من بنى ثروته على استغلال الشعوب وعلى الاستعمار القاتم لا يمكنه الحديث عن القوة وعليه أن يخجل.

وأضاف أن من يتحدثون عن الديمقراطية ويرغبون في التدخل في شؤون تونس الداخلية عليهم أن يجيبوا عن سؤال ماذا فعلوا من أجل فلسطين منذ انطلاق الحرب أو بالأحرى عمليات قصف المدنيين بالطائرات بهدف تقتيل أكبر عدد ممكن منهم خاصة النساء والأطفال، وذكر أنه لا يمكنه التحدث مع هؤلاء عن الديمقراطية.. وشدد على أن الخارج غير مؤهل للتدخل في شؤون تونس السياسية والداخلية لأنه غير مؤهل لذلك.

سياسة رصينة

ووصف نبيل عمار السياسة الخارجية التونسية منذ الاستقلال بالمحترمة جدا لأنها تقوم على الرصانة وبعد نظر ولأن الخيارات التي قامت عليها كانت صائبة، رغم التراجع الذي حصل بعد 2011، حيث كانت هناك علاقات مشبوهة مع أطراف أجنبية، وكانت هناك بعض المصالح الضيقة التي شوشت على السياسة الخارجية. وأضاف أن من قام بإرجاع ثوابت السياسة الخارجية التونسية هو الرئيس قيس سعيد، وذكر أن الدولة عندما تحترم نفسها فإنها تحظى باحترام المجموعة الدولية، وفسر أنه رغم الانقسام الموجود في العالم فإن تونس لديها علاقات طيبة مع الجميع وليس لديها أعداء، وهي مطالبة بمواصلة السير على نفس المنهج وقال إن تونس دافعت وستواصل الدفاع عن القضية الفلسطينية كقضية حق ضد الاستعمار الذي يقتّل الشعب.

وأشار إلى أنه بقدر ما تكون السياسة الداخلية متماسكة بقدر ما تكون السياسة الخارجية قوية ورصينة وتقوم على العقلانية وبعد النظر والدفاع عن حقوق جميع التونسيين، فهي عصارة التلاحم بين الشعب الواحد وتعتبر السياسة الخارجية الخط الأول للدفاع عن تونس.

وقال نبيل عمار في المحاضرة التي ألقاها في إطار إحياء المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر الذكرى 68 لتأسيس وزارة الخارجية:"لقد حرصت تونس في سياستها الخارجية على تجنب المشاكل مع الأجوار وغيرهم وهذا الخيار قائم على تفكير ونضال، إذ ليس من السهل أن تتدخل تونس دائما من أجل الصلح".

دعم الاقتصاد

ولدى حديثه عن الدبلوماسية الاقتصادية أشار نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إلى أن دعم الاقتصاد الوطني يتطلب سياسة خارجية دقيقة تحمي نفسها من كل التدخلات الأجنبية. لأنه عندما تم التدخل في شؤون تونس خلال عشرية ما بعد 2011 كانت لهذا التدخل عواقب يعرفها الجميع.

وذكر أن تونس حققت الاستقلال السياسي وهي تريد اليوم تحقيق الاستقلال الحقيقي لاقتصادها ولكن هناك بعض الشركاء لا يريدون هذا التوجه لأن مصالحهم ستتضرر.. وأضاف قائلا:"إننا نريد أن تكون تونس لكل التونسيين وإذا حصلت مشاكل في تونس فيقع فضها في تونس ولسنا في حاجة إلى تدخل الأجنبي وإلى من يبحثون عن مصالحهم الضيقة"..

وأشار إلى أن الدبلوماسية الخارجية هي أداة للسياسة لذلك لا بد من التنسيق داخل جميع أجهزة الدولة خدمة للسياسة الخارجية والدبلوماسية التونسية. وأضاف أن الدبلوماسية واحدة مثلما أن الدولة واحدة وتحتاج الدبلوماسية التونسية حسب رأيه إلى تنمية الذاكرة والتعريف بتاريخها.

وذكر أن إنجاح السياسة الخارجية يتطلب أن تكون هذه السياسة مبنية على أساس مصالح تونس وتأخذ بعين الاعتبار الوضع الدولي مع التمسك بالمبادئ وعدم تغيير هذه المبادئ وفق المصالح الضيقة.. وبين أن تونس ظلت دائما مع الحق الفلسطيني ولم تساوم أبدا وستواصل السير على نفس المنهج ولن تصطف مع من تاريخهم مظلم.

وذكر أن قدماء الدبلوماسية قاموا بمعجزات رغم الإمكانيات الضئيلة جدا، لأن الدبلوماسية كانت مناضلة واليوم لابد من العمل على تحسينها انطلاقا من المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم مع التأكيد على ضرورة التمسك بمبادئ السياسة الخارجية التونسية فتونس تعبر عن مواقفها.

 وقال إن وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج تعمل على بناء علاقات ثقة بين الدبلوماسيين مع تحميلهم المسؤولية، وذكر أن الوزارة في السابق كانت تقريبا مشلولة وكانت هناك علاقات غير عادية بين الوزارة والسفارات وقد عمل بعد توليه المسؤولية على رأس هذه الوزارة على وضع حد لكل هذا الأمر وأصبح الجميع يعملون من أجل مصلحة البلاد.

وأضاف أن الدبلوماسية تقوم على النضال والمبادرة وقوة الحضور والإقناع وهي ليس فقط معرفة تقنية، وإضافة إلى الكفاءة يجب أن يتمتع الدبلوماسي بحسن السلوك وذكر أن المطلوب اليوم هو تحديث أساليب العمل واعتماد الرقمنة وبين أن ما يبعث على الارتياح هو قيام الدبلوماسيين التونسيين بواجبهم رغم الظروف الصعبة لأنهم من أقل الدبلوماسيين في العالم امتيازات مادية.

اهتمام بالتونسيين بالخارج

وبخصوص التونسيين بالخارج أشار الوزير نبيل عمار إلى اهتمام الوزارة بهم، ولاحظ أن المشكل يكمن في عدم تنسيق الكفاءات التونسية بالخارج بين بعضها البعض وذكر أن المطلوب منهم التعرف على بعضهم لذلك طلب من السفارات تنظيم لقاءات معهم حتى يتعرفوا على بعضهم ويبحثوا كيفية تثمين خبراتهم. ولدى حديثه عن مشاكل جوازات السفر فسر أن الخارجية ليست مسؤولة عنها، ولتسهيل عملية حصول التونسيين على جوازات السفر تم التوجه حسب قوله إلى الرقمنة.

وخلص الوزير قائلا إن السياسة الخارجية بالنسبة لتونس مسألة محورية وأساسية بالنظر إلى حجمها وتاريخها وموقعها وفي خط الدفاع الأول عن تونس وعن كل التونسيين.

وفي مداخلته أشار الأستاذ خالد عبيد منسق الندوة إلى أن المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر يتطلع إلى تجديد التعاون مع وزارة الخارجية بكل هياكلها من أجل جلب الأرشيفات التونسية الموجودة وراء البحار وعبر عن أمله في أن تعمل الوزارة على دعم توجه المعهد حتى يتمكن من جلب مئات الآلاف من الوثائق الأرشيفية الموجودة في فرنسا وايطاليا وألمانيا ومصر والتي تهم تاريخ تونس وذاكرتها بهدف وضعها على ذمة الجيل الحالي والأجيال القادمة. وبين أن المعهد وفي تجسيم بمفهوم السيادة يعمل على تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في جلب الأرشيف.

وأثنى الجامعي عن الحرص الاستثنائي من قبل الدولة التونسية على استرداد السيادة الداخلية والخارجية والمحافظة عليها إلى درجة وصلت حد انتزاعها فعليا منذ اللحظات الأولى لإعلان الاستقلال من خلال فرض سياسة الأمر الواقع وحبر بروتوكول الاستقلال لم يجف بعد، وذكر أن إصرار أول رئيس حكومة تونس المستقلة وهو الزعيم الحبيب بورقيبة على احتكار حقيبة الدفاع والخارجية كان من أجل أن يتمكن من إرساء دعائم السيادة الخارجية في 3 ماي 1956 بتأسيس وزارة الخارجية كما عمل على توطيد السيادة الداخلية من خلال تكوين الجيش التونسي الوطني في جوان 1956 وقبلها الأمن التونسي في أفريل 1956.

وأشار عبيد إلى أنه لا يمكن فهم كل هذا إلا إذا أدركنا أنه لم يكن من باب الصدفة أن يتزامن دخول تونس في ليل استعماري طويل وبغيض منذ 12 ماي 1881 مع فقدانها لسيادتها الخارجية والداخلية في مجال الأمن والدفاع ومنعها من ممارستها بمقتضى بنود معاهدة باردو، فالاختراق الاستعماري حسب تعبيره يكون من خلال إلغاء كل ما يمت بصلة إلى سيادة الدولة والوطن ومحوه ولعل المظهر السيادي الخارجي هو الأبرز لأنه يشكل ذاتية الدولة على المستوى الدولي وضمان وجودها فعلا ككيان قائم الذات ومن هنا تأتي الأهمية الاستثنائية لتأسيس وزارة الخارجية واجهة للسيادة الخارجية التي تم استردادها في 3 ماي 1956.

وتطرقت رئيسة جامعة منوبة جهينة غريب بدورها إلى أهمية إحياء الذكرى 68 لاستعادة تونس لسيادتها الخارجية وتحدثت عن الدور الذي يلعبه كل من المعهد العالي للتوثيق والمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر في بناء الذاكرة والحفاظ عليها.

وخلال النقاش أشار الجامعي توفيق بوعشبة إلى أن السياسة الخارجية التونسية منذ الاستقلال متفقة مع القانون الدولي وقال إنه عليها أن تبقى دائما مدافعة عن القانون الدولي مهما كانت الغطرسة التي تسعى إلى إفراغ القانون الدولي من مضامينه، وتعقيبا على بوعشبة أشار الوزير إلى أنه يوافقه في قوله لكن هناك شرط وهو أنه يجب على الجميع احترام القانون الدولي.

معرض وثائقي

وإضافة إلى المحاضرة التي قدمها وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج اطلع المشاركون في الندوة على معرض وثائقي تضمن العديد من الصور والمعاهدات والاتفاقيات منها ما تعلق بانضمام تونس إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1956 وقائمة الدول التي اعترفت باستقلال تونس وصورة الملك محمد الأمين باي، ورئيس الوزراء الحبيب بورقيبة وولي العهد فيصل آل سعود وريتشارد نيكسون خلال غرض عسكري بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لعيد الاستقلال يوم 20 مارس 1957، إلى جانب صور لزيارة الرئيس بورقيبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان برفقة الرئيس كيندي، وزيارته إلى مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك في ماس 1961، وصور لزيارة  الرئيس الأمريكي إيزنهاور إلى تونس سنة 1959، ووثيقة اعتراف تونس بالحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1958، كما تضمن المعرض وثائق حول معاهدات الأخوة المبرمة بين تونس والمغرب في 30 مارس 1957 وبين المملكة التونسية والمملكة الليبية في 6 جوان 1957 وبين الجمهورية التونسية والجمهورية الجزائرية في 6 جانفي 1970،  ومراسلة بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وأثيوبيا سنة 1957 وصور لمغادرة وحدة عسكرية تونسية لأرض الوطن للمساهمة في عملية حفظ السلام في الكنغو سنة 1960، وهناك صور أخرى لسفراء تونسيين وهم يقدمون أوراق اعتمادهم ومنهم حسان بلخوجة والمنذر بن عمار والمنجي سليم والطيب السحباني، إلى جانب صور الزعيم بورقيبة لما قام بخطاب في معسكر اللاجئين الفلسطينيين في أريحا في 3 مارس 1965 وبعض الوثائق المتعلقة باستضافة تونس لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1982 ورسالة الزعيم ياسر عرفات إلى الرئيس بورقيبة يطلب فيها الدعم والمساندة ضد العدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، ورسالة رئيس الحكومة التونسية الحبيب بورقيبة وزير خارجيتها بتاريخ غرة نوفمبر 1956 وهي موجهة إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن العدوان على مصر، وصور تتعلق بتقديم أوراق اعتماد أسعد محفل سفير الجمهورية السورية لدى الجمهورية التونسية للرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1957. وتضمن المعرض وثائق أخرى على غاية من الأهمية ومنها الدساتير التي عرفتها تونس وإمضاء وثيقة الاستقلال وغيرها.  

سعيدة بوهلال

وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج:  زيارة رئيس الجمهورية إلى الصين ستتمخض عن عدة اتفاقيات منها واحدة مهمة جدا

 

ـ الاستقواء بالأجنبي مرفوض وليس له أي مبرر

ـ من يتحدثون في الخارج عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس.. عليهم أن يشاهدوا أولا عمليات تقتيل النساء والأطفال في فلسطين

ـ السياسة الخارجية التونسية تقوم على الرصانة وبعد النظر

منوبة: الصباح

 أمام العديد من الطلبة والجامعيين وقدماء السلك الدبلوماسي ألقى نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أمس بمدرج قرطاج الحداثة بالمركب الجامعي منوبة محاضرة تحت عنوان:"السياسة الخارجية التونسية: تكريس السيادة الوطنية ومناصرة القضايا العادلة"، وأكد خلالها على التمسك بالسيادة الوطنية، وعلى رفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للبلاد، وعلى دفاع تونس عن القضية الفلسطينية..

كما أجاب الوزير إثر المحاضرة عن سؤال حول الإنتظارات من الزيارة التي يؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الصين، وبين في هذا الصدد أن هذه الزيارة هي زيارة دولة وليس بالإمكان أن لا تكون فيها مخرجات هامة تنعكس ايجابيا على العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي علاقات كانت دائما جيدة ومتميزة ومثمرة، حسب وصفه.

وأضاف أن تونس تستثمر في العلاقات الطيبة والمتميزة مع الشركاء، وذكر أن زيارة رئيس الجمهورية إلى الصين ستتمخض عن عدد من الاتفاقيات منها اتفاقية مهمة جدا سيتم الإعلان عنها في الإبان.

وأوضح الوزير أن زيارة الدولة إلى الصين لا تعني إبدال شريك بآخر، فما تبنيه تونس مع الصين لا يكون على حساب شريك آخر. وقال:"من يحترمنا نتعامل معه ونحن لا نريد أن يفرض علينا أي أحد مع من نتعامل وليس لدينا أي مشكل مع أي شريك ونريد من الجميع معاملتنا بالمثل ولا أحد بإمكانه أن يناقشنا في هذا الخيار".

وكشف الوزير للحاضرين في هذا الملتقى المنتظم ببادرة من المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر وبتنسيق من قبل الأستاذ خالد عبيد ما حصل خلال العشرية التي تلت سنة 2011 حيث كانت هناك حسب تأكيده مصالح ضيقة تتحكم في السياسة الخارجية التونسية، أما اليوم فكل هذا انتهى، وعلى التونسيين أن يطمئنوا أنه لا مجال للمصالح الضيقة وأن مصلحة تونس والتونسيين فوق كل اعتبار وأن تونس لكل التونسيين.  وبين أن من يتحدثون عن حقوق الإنسان والمبادئ الكونية لماذا لا يشاهدون ما يجري في فلسطين.

وأشار عمار إلى أن الدبلوماسية التونسية هي دبلوماسية مناضلة لأنها لعبت دورا كبيرا في استقلال تونس وتمتعها بالسيادة الوطنية والاعتراف بها دوليا، وذكر أن هناك من يريدون الحديث عن السياسة الخارجية التونسية ولكن عليهم الحذر حتى لا يقع المساس بتونس، لأن انتقاد السياسة الخارجية خاصة عندما يكون بالتعاون مع الخارج لا يمكن إلا أن يضر بتونس ومصالحها. وفسر أن مادة السياسة الخارجية تعتبر مادة خاصة، وهي لئن تهم جميع التونسيين بمن فيهم من هم في الخارج فهي تهم صورة البلاد قبل كل شيء.

لا للاستقواء بالأجنبي

  وشدد الوزير نبيل عمار على أن الاستقواء بالأجنبي مرفوض وليس له أي مبرر وعبر عن استيائه للجوء البعض للخارج ونبه إلى أن الخارج لديه مصالحه وهو يعمل بكل ما في وسعه من تشويه وتمويه عن طريق طيف من المجتمع المدني متعللا بحقوق الإنسان والديمقراطية والحال أنه عليهم أن يبدؤوا بمحاسبة أنفسهم أولا لأن تونس لم تتسبب في الإضرار بأي شعب ولم تستعمر أي بلد وكل من يزورها يحب العيش فيها.

وأضاف أن من يسأل ماذا فعلنا بالسيادة الوطنية، عليه أن يعرف مفهوم السيادة الوطنية فهي تعني التعامل بندية، والندية لا تعني تساوي الإمكانيات المادية والعسكرية بل تعني الوقوف الند بالند عند اتخاذ القرار، وتعني أن تونس لا تقبل من يتدخل في شؤونها الداخلية حتى وإن كان ذلك عبر بعض التونسيين. وأشار إلى أن من بنى ثروته على استغلال الشعوب وعلى الاستعمار القاتم لا يمكنه الحديث عن القوة وعليه أن يخجل.

وأضاف أن من يتحدثون عن الديمقراطية ويرغبون في التدخل في شؤون تونس الداخلية عليهم أن يجيبوا عن سؤال ماذا فعلوا من أجل فلسطين منذ انطلاق الحرب أو بالأحرى عمليات قصف المدنيين بالطائرات بهدف تقتيل أكبر عدد ممكن منهم خاصة النساء والأطفال، وذكر أنه لا يمكنه التحدث مع هؤلاء عن الديمقراطية.. وشدد على أن الخارج غير مؤهل للتدخل في شؤون تونس السياسية والداخلية لأنه غير مؤهل لذلك.

سياسة رصينة

ووصف نبيل عمار السياسة الخارجية التونسية منذ الاستقلال بالمحترمة جدا لأنها تقوم على الرصانة وبعد نظر ولأن الخيارات التي قامت عليها كانت صائبة، رغم التراجع الذي حصل بعد 2011، حيث كانت هناك علاقات مشبوهة مع أطراف أجنبية، وكانت هناك بعض المصالح الضيقة التي شوشت على السياسة الخارجية. وأضاف أن من قام بإرجاع ثوابت السياسة الخارجية التونسية هو الرئيس قيس سعيد، وذكر أن الدولة عندما تحترم نفسها فإنها تحظى باحترام المجموعة الدولية، وفسر أنه رغم الانقسام الموجود في العالم فإن تونس لديها علاقات طيبة مع الجميع وليس لديها أعداء، وهي مطالبة بمواصلة السير على نفس المنهج وقال إن تونس دافعت وستواصل الدفاع عن القضية الفلسطينية كقضية حق ضد الاستعمار الذي يقتّل الشعب.

وأشار إلى أنه بقدر ما تكون السياسة الداخلية متماسكة بقدر ما تكون السياسة الخارجية قوية ورصينة وتقوم على العقلانية وبعد النظر والدفاع عن حقوق جميع التونسيين، فهي عصارة التلاحم بين الشعب الواحد وتعتبر السياسة الخارجية الخط الأول للدفاع عن تونس.

وقال نبيل عمار في المحاضرة التي ألقاها في إطار إحياء المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر الذكرى 68 لتأسيس وزارة الخارجية:"لقد حرصت تونس في سياستها الخارجية على تجنب المشاكل مع الأجوار وغيرهم وهذا الخيار قائم على تفكير ونضال، إذ ليس من السهل أن تتدخل تونس دائما من أجل الصلح".

دعم الاقتصاد

ولدى حديثه عن الدبلوماسية الاقتصادية أشار نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إلى أن دعم الاقتصاد الوطني يتطلب سياسة خارجية دقيقة تحمي نفسها من كل التدخلات الأجنبية. لأنه عندما تم التدخل في شؤون تونس خلال عشرية ما بعد 2011 كانت لهذا التدخل عواقب يعرفها الجميع.

وذكر أن تونس حققت الاستقلال السياسي وهي تريد اليوم تحقيق الاستقلال الحقيقي لاقتصادها ولكن هناك بعض الشركاء لا يريدون هذا التوجه لأن مصالحهم ستتضرر.. وأضاف قائلا:"إننا نريد أن تكون تونس لكل التونسيين وإذا حصلت مشاكل في تونس فيقع فضها في تونس ولسنا في حاجة إلى تدخل الأجنبي وإلى من يبحثون عن مصالحهم الضيقة"..

وأشار إلى أن الدبلوماسية الخارجية هي أداة للسياسة لذلك لا بد من التنسيق داخل جميع أجهزة الدولة خدمة للسياسة الخارجية والدبلوماسية التونسية. وأضاف أن الدبلوماسية واحدة مثلما أن الدولة واحدة وتحتاج الدبلوماسية التونسية حسب رأيه إلى تنمية الذاكرة والتعريف بتاريخها.

وذكر أن إنجاح السياسة الخارجية يتطلب أن تكون هذه السياسة مبنية على أساس مصالح تونس وتأخذ بعين الاعتبار الوضع الدولي مع التمسك بالمبادئ وعدم تغيير هذه المبادئ وفق المصالح الضيقة.. وبين أن تونس ظلت دائما مع الحق الفلسطيني ولم تساوم أبدا وستواصل السير على نفس المنهج ولن تصطف مع من تاريخهم مظلم.

وذكر أن قدماء الدبلوماسية قاموا بمعجزات رغم الإمكانيات الضئيلة جدا، لأن الدبلوماسية كانت مناضلة واليوم لابد من العمل على تحسينها انطلاقا من المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم مع التأكيد على ضرورة التمسك بمبادئ السياسة الخارجية التونسية فتونس تعبر عن مواقفها.

 وقال إن وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج تعمل على بناء علاقات ثقة بين الدبلوماسيين مع تحميلهم المسؤولية، وذكر أن الوزارة في السابق كانت تقريبا مشلولة وكانت هناك علاقات غير عادية بين الوزارة والسفارات وقد عمل بعد توليه المسؤولية على رأس هذه الوزارة على وضع حد لكل هذا الأمر وأصبح الجميع يعملون من أجل مصلحة البلاد.

وأضاف أن الدبلوماسية تقوم على النضال والمبادرة وقوة الحضور والإقناع وهي ليس فقط معرفة تقنية، وإضافة إلى الكفاءة يجب أن يتمتع الدبلوماسي بحسن السلوك وذكر أن المطلوب اليوم هو تحديث أساليب العمل واعتماد الرقمنة وبين أن ما يبعث على الارتياح هو قيام الدبلوماسيين التونسيين بواجبهم رغم الظروف الصعبة لأنهم من أقل الدبلوماسيين في العالم امتيازات مادية.

اهتمام بالتونسيين بالخارج

وبخصوص التونسيين بالخارج أشار الوزير نبيل عمار إلى اهتمام الوزارة بهم، ولاحظ أن المشكل يكمن في عدم تنسيق الكفاءات التونسية بالخارج بين بعضها البعض وذكر أن المطلوب منهم التعرف على بعضهم لذلك طلب من السفارات تنظيم لقاءات معهم حتى يتعرفوا على بعضهم ويبحثوا كيفية تثمين خبراتهم. ولدى حديثه عن مشاكل جوازات السفر فسر أن الخارجية ليست مسؤولة عنها، ولتسهيل عملية حصول التونسيين على جوازات السفر تم التوجه حسب قوله إلى الرقمنة.

وخلص الوزير قائلا إن السياسة الخارجية بالنسبة لتونس مسألة محورية وأساسية بالنظر إلى حجمها وتاريخها وموقعها وفي خط الدفاع الأول عن تونس وعن كل التونسيين.

وفي مداخلته أشار الأستاذ خالد عبيد منسق الندوة إلى أن المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر يتطلع إلى تجديد التعاون مع وزارة الخارجية بكل هياكلها من أجل جلب الأرشيفات التونسية الموجودة وراء البحار وعبر عن أمله في أن تعمل الوزارة على دعم توجه المعهد حتى يتمكن من جلب مئات الآلاف من الوثائق الأرشيفية الموجودة في فرنسا وايطاليا وألمانيا ومصر والتي تهم تاريخ تونس وذاكرتها بهدف وضعها على ذمة الجيل الحالي والأجيال القادمة. وبين أن المعهد وفي تجسيم بمفهوم السيادة يعمل على تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في جلب الأرشيف.

وأثنى الجامعي عن الحرص الاستثنائي من قبل الدولة التونسية على استرداد السيادة الداخلية والخارجية والمحافظة عليها إلى درجة وصلت حد انتزاعها فعليا منذ اللحظات الأولى لإعلان الاستقلال من خلال فرض سياسة الأمر الواقع وحبر بروتوكول الاستقلال لم يجف بعد، وذكر أن إصرار أول رئيس حكومة تونس المستقلة وهو الزعيم الحبيب بورقيبة على احتكار حقيبة الدفاع والخارجية كان من أجل أن يتمكن من إرساء دعائم السيادة الخارجية في 3 ماي 1956 بتأسيس وزارة الخارجية كما عمل على توطيد السيادة الداخلية من خلال تكوين الجيش التونسي الوطني في جوان 1956 وقبلها الأمن التونسي في أفريل 1956.

وأشار عبيد إلى أنه لا يمكن فهم كل هذا إلا إذا أدركنا أنه لم يكن من باب الصدفة أن يتزامن دخول تونس في ليل استعماري طويل وبغيض منذ 12 ماي 1881 مع فقدانها لسيادتها الخارجية والداخلية في مجال الأمن والدفاع ومنعها من ممارستها بمقتضى بنود معاهدة باردو، فالاختراق الاستعماري حسب تعبيره يكون من خلال إلغاء كل ما يمت بصلة إلى سيادة الدولة والوطن ومحوه ولعل المظهر السيادي الخارجي هو الأبرز لأنه يشكل ذاتية الدولة على المستوى الدولي وضمان وجودها فعلا ككيان قائم الذات ومن هنا تأتي الأهمية الاستثنائية لتأسيس وزارة الخارجية واجهة للسيادة الخارجية التي تم استردادها في 3 ماي 1956.

وتطرقت رئيسة جامعة منوبة جهينة غريب بدورها إلى أهمية إحياء الذكرى 68 لاستعادة تونس لسيادتها الخارجية وتحدثت عن الدور الذي يلعبه كل من المعهد العالي للتوثيق والمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر في بناء الذاكرة والحفاظ عليها.

وخلال النقاش أشار الجامعي توفيق بوعشبة إلى أن السياسة الخارجية التونسية منذ الاستقلال متفقة مع القانون الدولي وقال إنه عليها أن تبقى دائما مدافعة عن القانون الدولي مهما كانت الغطرسة التي تسعى إلى إفراغ القانون الدولي من مضامينه، وتعقيبا على بوعشبة أشار الوزير إلى أنه يوافقه في قوله لكن هناك شرط وهو أنه يجب على الجميع احترام القانون الدولي.

معرض وثائقي

وإضافة إلى المحاضرة التي قدمها وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج اطلع المشاركون في الندوة على معرض وثائقي تضمن العديد من الصور والمعاهدات والاتفاقيات منها ما تعلق بانضمام تونس إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1956 وقائمة الدول التي اعترفت باستقلال تونس وصورة الملك محمد الأمين باي، ورئيس الوزراء الحبيب بورقيبة وولي العهد فيصل آل سعود وريتشارد نيكسون خلال غرض عسكري بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لعيد الاستقلال يوم 20 مارس 1957، إلى جانب صور لزيارة الرئيس بورقيبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان برفقة الرئيس كيندي، وزيارته إلى مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك في ماس 1961، وصور لزيارة  الرئيس الأمريكي إيزنهاور إلى تونس سنة 1959، ووثيقة اعتراف تونس بالحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1958، كما تضمن المعرض وثائق حول معاهدات الأخوة المبرمة بين تونس والمغرب في 30 مارس 1957 وبين المملكة التونسية والمملكة الليبية في 6 جوان 1957 وبين الجمهورية التونسية والجمهورية الجزائرية في 6 جانفي 1970،  ومراسلة بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وأثيوبيا سنة 1957 وصور لمغادرة وحدة عسكرية تونسية لأرض الوطن للمساهمة في عملية حفظ السلام في الكنغو سنة 1960، وهناك صور أخرى لسفراء تونسيين وهم يقدمون أوراق اعتمادهم ومنهم حسان بلخوجة والمنذر بن عمار والمنجي سليم والطيب السحباني، إلى جانب صور الزعيم بورقيبة لما قام بخطاب في معسكر اللاجئين الفلسطينيين في أريحا في 3 مارس 1965 وبعض الوثائق المتعلقة باستضافة تونس لمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1982 ورسالة الزعيم ياسر عرفات إلى الرئيس بورقيبة يطلب فيها الدعم والمساندة ضد العدوان الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، ورسالة رئيس الحكومة التونسية الحبيب بورقيبة وزير خارجيتها بتاريخ غرة نوفمبر 1956 وهي موجهة إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن العدوان على مصر، وصور تتعلق بتقديم أوراق اعتماد أسعد محفل سفير الجمهورية السورية لدى الجمهورية التونسية للرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1957. وتضمن المعرض وثائق أخرى على غاية من الأهمية ومنها الدساتير التي عرفتها تونس وإمضاء وثيقة الاستقلال وغيرها.  

سعيدة بوهلال