قال أستاذ الجيوبولتيك والعلاقات الدولية بالجامعة التونسية، الفلسطيني هاني مبارك، أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قضى أمس، رفقة وزير الخارجية، وبعض من المسؤولين الآخرين، يعتبر رئيسا فريدا ومختلفا عن كل الرؤساء الذين سبقوه.
وأَضاف مبارك، في حوار لـ"الصباح" أن الرئيس المتوفى أدار السياسة الخارجية الإيرانية، وفق طريقين مختلفين، استطاع من خلالهما أن يضع إيران مباشرة على طاولة المفاوضات مع واشنطن.
وأكد مبارك، أن واشنطن بدأت بتحريك "ماكينة" الإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصا وأن الحرب على غزة وصلت لـ"النهايات المطلوبة" بالنسبة إليها.
أجرى الحوار: نزار مقني
*كيف تقرؤون حادثة مقتل الرئيس اﻹيراني إبراهيم رئيسي والوفد المصاحب له في تحطم مروحية؟
-من الناحية الإنسانية لابد من التعبير عن الشعور باﻷسى والتعزية للشعب والقيادة الإيرانية، حول هذا المصاب الجلل، في فقدان رئيس مميز إلى حد كبير، ووزير خارجية مميز أيضا.
من الناحية السياسية، يجب النظر للأمر من عدة زوايا، الزاوية اﻷولى من منظور دستوري.
من المنظور الدستوري أعتقد أن النظام السياسي في إيران، يتصف بنوع من المتانة والثبات، بحيث أن أي فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية أو أي منصب آخر، هناك دستور يضبط عملية الانتقال بهدوء ومرونة.
الدستور الإيراني بالذات، له مجموعة كبيرة من المؤسسات الثابتة، والمرنة تؤمن إمكانية الانتقال بسلاسة وتجاوز هذه المرحلة وسد الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، حيث سارعت خلال ساعات قليلة في ملء هذا الفراغ، وفقا للقواعد الدستورية المتبعة.
لكن نعود بالضبط لنقطة معينة: ما الذي حدث بالضبط؟ وهل هي عملية مقصودة، أم عملية اغتيال ناتجة عن خلل بالطائرة أو جراء الظروف الجوية؟
نتوقف عند السؤال اﻷول هل هي فعلا عملية اغتيال؟ وهل من قام بها له رؤية تتعلق بما بعد عملية الاغتيال؟
إذا ما كنا نتحدث في هذه الحالة عن عملية اغتيال، فعلينا أن ننتظر تداعيات ذلك داخل الشارع، ورغم أنه يمكن للنظام أن يستوعب كل ذلك، ننتظر أيضا نوعا من التفعيل من الطرف الذي قام بالاغتيال، على مستوى الشارع وعلى مستوى المؤسسات.
وإذا كانت الوفاة بطبيعة الحال طبيعية وعادية، يجب النظر إلى منصب رئاسة الجمهورية من الناحية الدستورية ومن الناحية السياسية كذلك، من الناحية الدستورية، الرئيس يكاد يكون شكليا إلى حد ما.
وأهمية هذا المنصب تعتمد بصورة كبيرة جدا على طبيعة شخصية الرئيس، إذا كان على توافق مع مؤسسات صنع القرار، فسيكون رئيسا قويا، وإذا كان على تناقض مع هذه المؤسسات، فإن الرئيس يكون ضعيفا.
*هنا تقصد من خلال كلمة مؤسسات، المرشد اﻷعلى للثورة الايرانية؟
نعم المرشد ومجلس اﻷمن القومي، والحرس الثوري، والمؤسستين التشريعية والقضائية، وكلها تلعب دورا في صنع القرار على المستويين السياسي والخارجي.
ميزة رئيسي، أن علاقته تكاد تكون مميزة مع المرشد اﻷعلى، وبالعودة لتاريخ العلاقة بين الرجلين، فتدرج إبراهيم رئيسي في معظم مناصبه كان برعاية من مرشد الجمهورية الإيرانية، ويقال أنه كان مرشحا أن يكون خليفة له، وهو احتمال وارد، ويأتي في سياق العلاقة بين الرجلين.
ثانيا، له علاقات جيدة مع الحرس الثوري.
وثالثا، وله علاقة جيدة مع التيار اﻷصولي بمختلف تفرعاته، إضافة إلى ذلك فإنه ليس على عداء كبير جدا، مع التيارات الإصلاحية.
هذه الميزة أعطت لرئيسي نوعا من القوة الخاصة، وبالتالي مكنته من صياغة نوع من الإستراتيجية، على المستوى الداخلي والخارجي، تختلف إلى حد ما عن الرؤساء الذين سبقوه.
*ما الذي ميزه على المستوى الخارجي؟
على المستوى الخارجي، له إستراتيجية تتميز بطريقين، كانت السياسة الخارجية، بالنسبة لإبراهيم رئيسي، تقوم على محاولة تبريد كل خطوط التماس، وخاصة خطوط التماس مع الخليج العربي، وقد نجح إلى حد كبير في ذلك من خلال مساعدة بعض اﻷطراف الصديقة مثل الصين، التي أوصلت الطرفين السعودي والإيراني، إلى نوع من العلاقة الخاصة، حيث تم تبريد الخلاف الموجود بين الطرفين.
ثانيا، إبراهيم رئيسي شئنا أم أبينا، كانت له ميول أكثر راديكالية، بما يسمى دول محور المقاومة، يكاد هو ووزير الخارجية أن يكونا محسوبين على هذا المحور.
وهذه الميزة لها تداعيات ونتائج، رأيناها خلال الفترة الماضية، ووضعت إيران كلاعب أساسي داخل اﻹقليم، حرب على غزة، أبرزت هذا الجانب، كدولة إقليمية لها دور، على هذا المستوى.
الطريق الثاني، أن رئيسي يكاد يكون قد قطع اﻷمل بإمكانية اصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة اﻷمريكية، واتخذ قرارا بالتوجه نحو الشرق، أي نحو روسيا والصين.
وهذا طبعا، بالنسبة لي نوع من القراءة الحصيفة، لما يسمى الصراع بين قوى النظام الدولي الرئيسية، حيث انحاز إلى محور من المحاور، وبالتالي أصبح جزءا منه، وهذا الانحياز سيترك نوعا من عدم الرضا اﻷمريكي، ﻷن إيران أصبحت البوابة لمحاولة مركزة النفوذ الصيني والروسي في منطقة الشرق اﻷوسط.
*اتضح ذلك جيدا بعد المحاولة الصينية للتقارب بين إيران والسعودية، وعودة العلاقات الديبلوماسية؟
-إذا ما عدنا إلى العلاقة السعودية اﻷمريكية، وقارنا مع ما كانت عليه اليوم، وما كانت عليه يوم 7 أكتوبر، نجد بأن العلاقة كان فيها نوع من التوتر وعدم الانسجام، وخاصة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس بايدن، وأن كل الشروط حول المطالب السعودية، وإقامة نوع من العلاقات المميزة مع إسرائيل كانت مرفوضة من قبل واشنطن.
اليوم، وصل الحد إلى قبول الفصل بين مسار التطبيع، ومسار العلاقات بين الجانبين، وهذا يدلل على شعور الولايات المتحدة اﻷمريكية بخطر التوجه الإيراني الحالي.
فإيران اليوم، وبرعاية روسية وصينية، تقوم بتبريد جبهة الاحتكاك مع السعودية، إذن هناك نوع من محاولة احتواء للسعودية.
وهذا الاحتواء، وإذا ما ذهبت السعودية أو دول الخليج ضمن محور روسيا والصين، معنى ذلك أن الشرق اﻷوسط، سينتقل من منطقة نفوذ خالصة أمريكيا، إلى منطقة تقاسم نفوذ مع هذه القوى الصاعدة.
وهذا له تأثير قوي، على ما يتعلق بقيادة النظام الدولي بالنسبة لواشنطن، ومحاولة إبقاء السيطرة على أوروبا من خلال ربطها طاقيا بمنطقة الشرق اﻷوسط.
هذا كله أعطى نوعا من الأهمية الكبرى للسياسة اﻹيرانية، في الوقت الحاضر، وبالتالي أصبحت سياسة محورية، وتقوم على البدائل، باﻹضافة إلى أن إيران، اتبعت نوعا من الإستراتيجية في الانتشار الإقليمي، إستراتيجية بأقل التكلفة ولكن بأكثر تأثير.
فإيران اعتمدت حسب وجهة نظري وتسميتي، بـ"إستراتيجية الانتشار البؤري" في المنطقة، بمعنى أنها تخلت عن إقامة علاقات مع الدول واعتمدت اقامة علاقات مع بعض الحركات النشيطة داخل المنطقة وإقامة علاقة خاصة معها وبالبناء على أساسها، وبالتالي جعلت لها بؤرا في اليمن ولبنان وسوريا والعراق ويقال حتى باﻷردن، وتحركت هذه البؤر بصورة فاعلة، تظهر اﻵن في المواجهة الحالية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
ولهذا السبب أصبحت إيران لاعبا رئيسيا، ويجب أن نعترف أن المفاوضات التي تجري تحت الطاولة، فيما يتعلق بالإقليم لا تجري مع الدول العربية، بل تجري مع إيران التي تحولت إلى مركز ثقل رئيسي داخل المنطقة.
*كثير من المتابعين يقولون أن هذه الحادثة هي حادثة اغتيال، خصوصا من جانب الإسرائيلي، خصوصا إذا ما ربطنا العلاقات المتطورة التي تجمع أذربيدجان التي زارها رئيسي قبل وفاته، بتل أبيب ودور هذه اﻷخيرة العسكري في حسم الحرب في إقليم ناغورني كاراباخ لصالح باكو، فهل أن هذا السيناريو محتمل، وإذا ما حصل هل من مصلحة طهران إعلان ذلك، وهل هناك تداعيات مباشرة لوفاة رئيسي على منطقة الشرق اﻷوسط؟
فيما يتعلق بالجانب اﻷول، لا أستطيع الإجابة حول ضلوع إسرائيل من عدمه في عملية اغتيال رئيسي، أكثر من أن يكون ذلك نوعا من الاحتمال.
*نعم، نتحدث عن احتمال؟
-احتمال قد تكون إسرائيل أو الولايات المتحدة وراء عملية الاغتيال، وقد لا يكون كل ذلك، المهم أن ما الذي حدث وبغض النظر عن الاغتيال أو عن طبيعة هذا الاغتيال، الشرق اﻷوسط مرشح لتطورات معينة أم لا؟ أعتقد أن ذلك ما يقلق الولايات المتحدة اﻷمريكية، وكتبت أكثر من مقال أن الولايات المتحدة، ستجبر إسرائيل على وقف ﻹطلاق النار في غزة بطريقة أو بأخرى، واليوم ما يحدث داخل إسرائيل منذ أمس اﻷول، أعتقد أن واشنطن حركت ماكينة إسقاط نتنياهو.
* تقصد داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟
-نعم داخل مجلس الحرب وداخل الحكومة كذلك، لسبب بسيط جدا وبوجهة نظري أيضا، هي أن الحرب بالنسبة للولايات المتحدة اﻷمريكية، قد وصلت إلى النهايات المطلوبة.
*ما الذي تعنيه بالنهايات المطلوبة أمريكيا للحرب في غزة؟
-ما يهم واشنطن هو إعادة استيعاب واحتواء الشرق اﻷوسط، وقد نجحت إلى حد ما في احتواء السعودية، وعملت على إنجاح الخط البري الذي يربط بين الهند عبر دول الخليج العربي ثم حيفا ومن ثم أوروبا، وهذا ما يعتبر خطا للالتفاف على طريق الحرير الصيني، الذي تعتزم إتمامه أو إقامته.
والنقطة اﻷهم أن الولايات المتحدة تدرك أنه إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، بتأييد اﻷمريكي فمن شأن ذلك أن يغير معادلة الصمت داخل المنطقة العربية، وبالتالي فإذا تغيرت معادلة الصمت وخرجت الدول عن هذا الصمت وقامت بردود فعل عنيفة، فمن شأن ذلك أن يسقط كل المشروع اﻷمريكي، وبالتالي يدفع إلى نوع من التمرد على السياسة اﻷمريكية.
وفي اعتقادي أن ما وصلت إليه الولايات المتحدة اﻷمريكية، فإنه يكفي لاحتواء الشرق اﻷوسط مجددا وجعله منطقة نفوذ هامة جدا، بحيث أن مصادر الطاقة التي تهم واشنطن كسلاح للسيطرة على أوروبا، أعتقد أنه وصلت إلى هذه النتيجة المرضية أمريكيا.
وإذا ما تجاوزنا كل ذلك وهذا ما تسعى إليه، ليست إسرائيل العميقة، بقدر ما يسعى إليه نتنياهو، وهذا سيضر بمصالح تل أبيب بوجهة نظر أمريكا.
كذلك، واشنطن اقتنعت أنه بعد حرب غزة أن الدور الموكل لتل أبيب أكبر من حجمها، وأنها لا تستطيع القيام بالدور الإقليمي الذي كان ملقى على عاتقها بحسب تصور اﻹدارة اﻷمريكية وغيرها من القوى اﻷوروبية، وبالتالي هناك نوع من المراجعة.
اليوم الإصرار اﻷمريكي على استيعاب السعودية يأتي لمحاولة بناء نظام أمني متعدد، يكون ﻹسرائيل بلا شك دور هام جدا، ولكنه ليس الدور الحاسم، وذلك من أجل أن تتم المحافظة على المصالح اﻷمريكية، من حيث إبقائها تحت السيطرة اﻷمريكية، فواشنطن ترى بالسيطرة على منطقة الشرق اﻷوسط وربط أوروبا بها طاقويا، أنها حققت جزءا من الهدف الاستراتيجي الذي من ورائه افتعلت نشوب الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
لأن التقسيم الجيوسياسي للعالم من قبل علماء الجيوسياسة، يعرّف روسيا بأنها تشكل منطقة "قلب العالم"، وبالتالي السيطرة على العالم ككل، يتطلب بدرجة أساسية السيطرة على أوروبا.
تونس- الصباح
قال أستاذ الجيوبولتيك والعلاقات الدولية بالجامعة التونسية، الفلسطيني هاني مبارك، أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قضى أمس، رفقة وزير الخارجية، وبعض من المسؤولين الآخرين، يعتبر رئيسا فريدا ومختلفا عن كل الرؤساء الذين سبقوه.
وأَضاف مبارك، في حوار لـ"الصباح" أن الرئيس المتوفى أدار السياسة الخارجية الإيرانية، وفق طريقين مختلفين، استطاع من خلالهما أن يضع إيران مباشرة على طاولة المفاوضات مع واشنطن.
وأكد مبارك، أن واشنطن بدأت بتحريك "ماكينة" الإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصا وأن الحرب على غزة وصلت لـ"النهايات المطلوبة" بالنسبة إليها.
أجرى الحوار: نزار مقني
*كيف تقرؤون حادثة مقتل الرئيس اﻹيراني إبراهيم رئيسي والوفد المصاحب له في تحطم مروحية؟
-من الناحية الإنسانية لابد من التعبير عن الشعور باﻷسى والتعزية للشعب والقيادة الإيرانية، حول هذا المصاب الجلل، في فقدان رئيس مميز إلى حد كبير، ووزير خارجية مميز أيضا.
من الناحية السياسية، يجب النظر للأمر من عدة زوايا، الزاوية اﻷولى من منظور دستوري.
من المنظور الدستوري أعتقد أن النظام السياسي في إيران، يتصف بنوع من المتانة والثبات، بحيث أن أي فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية أو أي منصب آخر، هناك دستور يضبط عملية الانتقال بهدوء ومرونة.
الدستور الإيراني بالذات، له مجموعة كبيرة من المؤسسات الثابتة، والمرنة تؤمن إمكانية الانتقال بسلاسة وتجاوز هذه المرحلة وسد الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، حيث سارعت خلال ساعات قليلة في ملء هذا الفراغ، وفقا للقواعد الدستورية المتبعة.
لكن نعود بالضبط لنقطة معينة: ما الذي حدث بالضبط؟ وهل هي عملية مقصودة، أم عملية اغتيال ناتجة عن خلل بالطائرة أو جراء الظروف الجوية؟
نتوقف عند السؤال اﻷول هل هي فعلا عملية اغتيال؟ وهل من قام بها له رؤية تتعلق بما بعد عملية الاغتيال؟
إذا ما كنا نتحدث في هذه الحالة عن عملية اغتيال، فعلينا أن ننتظر تداعيات ذلك داخل الشارع، ورغم أنه يمكن للنظام أن يستوعب كل ذلك، ننتظر أيضا نوعا من التفعيل من الطرف الذي قام بالاغتيال، على مستوى الشارع وعلى مستوى المؤسسات.
وإذا كانت الوفاة بطبيعة الحال طبيعية وعادية، يجب النظر إلى منصب رئاسة الجمهورية من الناحية الدستورية ومن الناحية السياسية كذلك، من الناحية الدستورية، الرئيس يكاد يكون شكليا إلى حد ما.
وأهمية هذا المنصب تعتمد بصورة كبيرة جدا على طبيعة شخصية الرئيس، إذا كان على توافق مع مؤسسات صنع القرار، فسيكون رئيسا قويا، وإذا كان على تناقض مع هذه المؤسسات، فإن الرئيس يكون ضعيفا.
*هنا تقصد من خلال كلمة مؤسسات، المرشد اﻷعلى للثورة الايرانية؟
نعم المرشد ومجلس اﻷمن القومي، والحرس الثوري، والمؤسستين التشريعية والقضائية، وكلها تلعب دورا في صنع القرار على المستويين السياسي والخارجي.
ميزة رئيسي، أن علاقته تكاد تكون مميزة مع المرشد اﻷعلى، وبالعودة لتاريخ العلاقة بين الرجلين، فتدرج إبراهيم رئيسي في معظم مناصبه كان برعاية من مرشد الجمهورية الإيرانية، ويقال أنه كان مرشحا أن يكون خليفة له، وهو احتمال وارد، ويأتي في سياق العلاقة بين الرجلين.
ثانيا، له علاقات جيدة مع الحرس الثوري.
وثالثا، وله علاقة جيدة مع التيار اﻷصولي بمختلف تفرعاته، إضافة إلى ذلك فإنه ليس على عداء كبير جدا، مع التيارات الإصلاحية.
هذه الميزة أعطت لرئيسي نوعا من القوة الخاصة، وبالتالي مكنته من صياغة نوع من الإستراتيجية، على المستوى الداخلي والخارجي، تختلف إلى حد ما عن الرؤساء الذين سبقوه.
*ما الذي ميزه على المستوى الخارجي؟
على المستوى الخارجي، له إستراتيجية تتميز بطريقين، كانت السياسة الخارجية، بالنسبة لإبراهيم رئيسي، تقوم على محاولة تبريد كل خطوط التماس، وخاصة خطوط التماس مع الخليج العربي، وقد نجح إلى حد كبير في ذلك من خلال مساعدة بعض اﻷطراف الصديقة مثل الصين، التي أوصلت الطرفين السعودي والإيراني، إلى نوع من العلاقة الخاصة، حيث تم تبريد الخلاف الموجود بين الطرفين.
ثانيا، إبراهيم رئيسي شئنا أم أبينا، كانت له ميول أكثر راديكالية، بما يسمى دول محور المقاومة، يكاد هو ووزير الخارجية أن يكونا محسوبين على هذا المحور.
وهذه الميزة لها تداعيات ونتائج، رأيناها خلال الفترة الماضية، ووضعت إيران كلاعب أساسي داخل اﻹقليم، حرب على غزة، أبرزت هذا الجانب، كدولة إقليمية لها دور، على هذا المستوى.
الطريق الثاني، أن رئيسي يكاد يكون قد قطع اﻷمل بإمكانية اصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة اﻷمريكية، واتخذ قرارا بالتوجه نحو الشرق، أي نحو روسيا والصين.
وهذا طبعا، بالنسبة لي نوع من القراءة الحصيفة، لما يسمى الصراع بين قوى النظام الدولي الرئيسية، حيث انحاز إلى محور من المحاور، وبالتالي أصبح جزءا منه، وهذا الانحياز سيترك نوعا من عدم الرضا اﻷمريكي، ﻷن إيران أصبحت البوابة لمحاولة مركزة النفوذ الصيني والروسي في منطقة الشرق اﻷوسط.
*اتضح ذلك جيدا بعد المحاولة الصينية للتقارب بين إيران والسعودية، وعودة العلاقات الديبلوماسية؟
-إذا ما عدنا إلى العلاقة السعودية اﻷمريكية، وقارنا مع ما كانت عليه اليوم، وما كانت عليه يوم 7 أكتوبر، نجد بأن العلاقة كان فيها نوع من التوتر وعدم الانسجام، وخاصة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس بايدن، وأن كل الشروط حول المطالب السعودية، وإقامة نوع من العلاقات المميزة مع إسرائيل كانت مرفوضة من قبل واشنطن.
اليوم، وصل الحد إلى قبول الفصل بين مسار التطبيع، ومسار العلاقات بين الجانبين، وهذا يدلل على شعور الولايات المتحدة اﻷمريكية بخطر التوجه الإيراني الحالي.
فإيران اليوم، وبرعاية روسية وصينية، تقوم بتبريد جبهة الاحتكاك مع السعودية، إذن هناك نوع من محاولة احتواء للسعودية.
وهذا الاحتواء، وإذا ما ذهبت السعودية أو دول الخليج ضمن محور روسيا والصين، معنى ذلك أن الشرق اﻷوسط، سينتقل من منطقة نفوذ خالصة أمريكيا، إلى منطقة تقاسم نفوذ مع هذه القوى الصاعدة.
وهذا له تأثير قوي، على ما يتعلق بقيادة النظام الدولي بالنسبة لواشنطن، ومحاولة إبقاء السيطرة على أوروبا من خلال ربطها طاقيا بمنطقة الشرق اﻷوسط.
هذا كله أعطى نوعا من الأهمية الكبرى للسياسة اﻹيرانية، في الوقت الحاضر، وبالتالي أصبحت سياسة محورية، وتقوم على البدائل، باﻹضافة إلى أن إيران، اتبعت نوعا من الإستراتيجية في الانتشار الإقليمي، إستراتيجية بأقل التكلفة ولكن بأكثر تأثير.
فإيران اعتمدت حسب وجهة نظري وتسميتي، بـ"إستراتيجية الانتشار البؤري" في المنطقة، بمعنى أنها تخلت عن إقامة علاقات مع الدول واعتمدت اقامة علاقات مع بعض الحركات النشيطة داخل المنطقة وإقامة علاقة خاصة معها وبالبناء على أساسها، وبالتالي جعلت لها بؤرا في اليمن ولبنان وسوريا والعراق ويقال حتى باﻷردن، وتحركت هذه البؤر بصورة فاعلة، تظهر اﻵن في المواجهة الحالية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
ولهذا السبب أصبحت إيران لاعبا رئيسيا، ويجب أن نعترف أن المفاوضات التي تجري تحت الطاولة، فيما يتعلق بالإقليم لا تجري مع الدول العربية، بل تجري مع إيران التي تحولت إلى مركز ثقل رئيسي داخل المنطقة.
*كثير من المتابعين يقولون أن هذه الحادثة هي حادثة اغتيال، خصوصا من جانب الإسرائيلي، خصوصا إذا ما ربطنا العلاقات المتطورة التي تجمع أذربيدجان التي زارها رئيسي قبل وفاته، بتل أبيب ودور هذه اﻷخيرة العسكري في حسم الحرب في إقليم ناغورني كاراباخ لصالح باكو، فهل أن هذا السيناريو محتمل، وإذا ما حصل هل من مصلحة طهران إعلان ذلك، وهل هناك تداعيات مباشرة لوفاة رئيسي على منطقة الشرق اﻷوسط؟
فيما يتعلق بالجانب اﻷول، لا أستطيع الإجابة حول ضلوع إسرائيل من عدمه في عملية اغتيال رئيسي، أكثر من أن يكون ذلك نوعا من الاحتمال.
*نعم، نتحدث عن احتمال؟
-احتمال قد تكون إسرائيل أو الولايات المتحدة وراء عملية الاغتيال، وقد لا يكون كل ذلك، المهم أن ما الذي حدث وبغض النظر عن الاغتيال أو عن طبيعة هذا الاغتيال، الشرق اﻷوسط مرشح لتطورات معينة أم لا؟ أعتقد أن ذلك ما يقلق الولايات المتحدة اﻷمريكية، وكتبت أكثر من مقال أن الولايات المتحدة، ستجبر إسرائيل على وقف ﻹطلاق النار في غزة بطريقة أو بأخرى، واليوم ما يحدث داخل إسرائيل منذ أمس اﻷول، أعتقد أن واشنطن حركت ماكينة إسقاط نتنياهو.
* تقصد داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟
-نعم داخل مجلس الحرب وداخل الحكومة كذلك، لسبب بسيط جدا وبوجهة نظري أيضا، هي أن الحرب بالنسبة للولايات المتحدة اﻷمريكية، قد وصلت إلى النهايات المطلوبة.
*ما الذي تعنيه بالنهايات المطلوبة أمريكيا للحرب في غزة؟
-ما يهم واشنطن هو إعادة استيعاب واحتواء الشرق اﻷوسط، وقد نجحت إلى حد ما في احتواء السعودية، وعملت على إنجاح الخط البري الذي يربط بين الهند عبر دول الخليج العربي ثم حيفا ومن ثم أوروبا، وهذا ما يعتبر خطا للالتفاف على طريق الحرير الصيني، الذي تعتزم إتمامه أو إقامته.
والنقطة اﻷهم أن الولايات المتحدة تدرك أنه إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء، بتأييد اﻷمريكي فمن شأن ذلك أن يغير معادلة الصمت داخل المنطقة العربية، وبالتالي فإذا تغيرت معادلة الصمت وخرجت الدول عن هذا الصمت وقامت بردود فعل عنيفة، فمن شأن ذلك أن يسقط كل المشروع اﻷمريكي، وبالتالي يدفع إلى نوع من التمرد على السياسة اﻷمريكية.
وفي اعتقادي أن ما وصلت إليه الولايات المتحدة اﻷمريكية، فإنه يكفي لاحتواء الشرق اﻷوسط مجددا وجعله منطقة نفوذ هامة جدا، بحيث أن مصادر الطاقة التي تهم واشنطن كسلاح للسيطرة على أوروبا، أعتقد أنه وصلت إلى هذه النتيجة المرضية أمريكيا.
وإذا ما تجاوزنا كل ذلك وهذا ما تسعى إليه، ليست إسرائيل العميقة، بقدر ما يسعى إليه نتنياهو، وهذا سيضر بمصالح تل أبيب بوجهة نظر أمريكا.
كذلك، واشنطن اقتنعت أنه بعد حرب غزة أن الدور الموكل لتل أبيب أكبر من حجمها، وأنها لا تستطيع القيام بالدور الإقليمي الذي كان ملقى على عاتقها بحسب تصور اﻹدارة اﻷمريكية وغيرها من القوى اﻷوروبية، وبالتالي هناك نوع من المراجعة.
اليوم الإصرار اﻷمريكي على استيعاب السعودية يأتي لمحاولة بناء نظام أمني متعدد، يكون ﻹسرائيل بلا شك دور هام جدا، ولكنه ليس الدور الحاسم، وذلك من أجل أن تتم المحافظة على المصالح اﻷمريكية، من حيث إبقائها تحت السيطرة اﻷمريكية، فواشنطن ترى بالسيطرة على منطقة الشرق اﻷوسط وربط أوروبا بها طاقويا، أنها حققت جزءا من الهدف الاستراتيجي الذي من ورائه افتعلت نشوب الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
لأن التقسيم الجيوسياسي للعالم من قبل علماء الجيوسياسة، يعرّف روسيا بأنها تشكل منطقة "قلب العالم"، وبالتالي السيطرة على العالم ككل، يتطلب بدرجة أساسية السيطرة على أوروبا.