إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تخفيض استهلاك الطاقة وتحقيق النجاعة .. التغيرات المناخية قد تفرض مراجعة توقيت العمل الإداري

 

 

تونس-الصباح

منذ ما قبل الثورة يعود مراجعة التوقيت الإداري بما يتناسب مع التوقيت المدرسي إلى واجهة النقاش، واليوم يطرح الموضوع أكثر من ذي قبل في ظل التحولات الراديكالية المخيفة التي تشهدها العلاقات الأسرية من ارتفاع نسبة العنف الأسري من جهة وانحراف الأطفال والشباب من جهة أخرى حتى أن الأسرة باتت مفككة بسبب غياب التواصل بشكل طبيعي بين أفراد العائلة الواحدة وتحمل الأم لعبء ثقيل بين ساعات العمل الطويلة والإحاطة بين الأبناء.

 مراجعة التوقيت الإداري تفرضه أيضا التحولات المناخية وتحديدا في ما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 6 أشهر من السنة وارتفاع تكلفة استهلاك الطاقة في المؤسسات والمنشآت العمومية، ملف يطرح نفسه بقوة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.

مجلس النواب يناقش الملف

وفي هذا الخصوص تطرق مجلس النواب خلال جلسة استماع لممثلي رئاسة الحكومة، عقدتها لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد خلال شهر فيفري 2024، حول مدى التقدم في مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالتطوير الإداري والوظيفة العمومية والصفقات العمومية، إلى منظومة التأجير والمِنح العمومية.

حيث استفسر النواب عن تصور ممثلي رئاسة الحكومة لتطوير التحفيز المادي للموظف العمومي مع التأكيد على اعتماد مقاييس الكفاءة والجدية والمردودية، كما طالب النواب بمراجعة التوقيت الإداري للحدّ من التأثير السلبي على الأسرة وعلى المجتمع في اتجاه إضفاء أكثر مرونة، واقترحوا اعتماد نظام العمل بالحصّة الواحدة، كما أكدوا على ضرورة تحديد سقف زمني للمراحل المتبقية لاستكمال مراجعة قانون الوظيفة العمومية.

وطالب النواب بمراجعة التوقيت الإداري للحد من التأثير السلبي على الأسرة وعلى المجتمع في اتجاه إضفاء أكثر مرونة، واقترحوا اعتماد نظام العمل بالصحة الواحدة.

 توقيت يدافع عنه كثيرون باتجاه مراعاة التغيرات الاجتماعية وحاجيات الأسرة والأبناء وحتى مراعاة المعطيات المناخية بعد أن أصبح موسم الحرارة والصيف يمتد لحوالي 6أشهر في السنة.

وكانت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال موسى قد أعلنت خلال شهر سبتمبر من العام 2022 عن إطلاق تكوين لجنة تفكير وطنية حول الأسرة التونسية وجدوى اعتماد نظام الحصة الواحدة في العمل على أن تكون اللجنة ممثلة من الجنسين الرجل والمرأة.

وأضافت الوزيرة أن هذه اللجنة "قد تشتغل على امتداد عام كامل بمشاركة الهياكل الحكومية والمجتمع المدني وخبراء في مجال علم النفس والاجتماع ومختصين في المجال الاقتصادي للتفكير معا وصياغة المخرجات التي سوف تحدد الخطوات المستقبلية والمشاريع الكبرى حول مدى جدوى فرضية اعتماد نظام عمل بحصة واحدة في تونس للأسرة التونسية".

جدل متواصل

فالجدل حول التوقيت الإداري ونظام الحصة الواحدة لم يتوقف إذ طرح أول مرة بعد الثورة في 2012 بمناسبة الاستشارة الوطنية حول إصلاح الإدارة التونسية وصولا إلى اليوم. وفي حين يدافع كثيرون عن فكرة نظام الحصة الواحدة يعارض آخرون مثل هذا التوجه والتفكير فيه أصلا نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعرفها البلاد والحاجة لمزيد العمل، خاصة بالنظر إلى ما يتطلبه الانتقال من نظام الحصتين إلى الحصة الواحدة من استعدادات تنظيمية وتنسيق بين الوزارات وبين المؤسسات العمومية والهياكل الإدارية المختلفة خاصّة بالنسبة للنقل العمومي ولتنظيم حركة المرور ومواعيد فتح وغلق بعض المؤسسات الحساسة.

ولئن مر التوقيت الإداري بجملة من القرارات بعد أن تم في سبتمبر 2012 إقرار يومي السبت والأحد عطلة في عدد من القطاعات العمومية بمعدل 40 ساعة عمل أسبوعيا، عادت الحكومة لإلغاء اعتماد عطلة يوم السبت والاكتفاء بيوم راحة وحيد في الأسبوع لعدد من القطاعات العمومية وذلك في نوفمبر 2016 .

مراجعة التوقيت المهني أكثر من ضروري

وحول الموضوع اعتبرت المختصة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري لـ"الصباح" أن مراجعة التوقيت الإداري مطلب أساسي للأولياء الذين يطالبون بملاءمة الزمن المدرسي مع الزمن الأسري والهدف منه هو إعداد جيل متماسك ذو شخصية قوية في ظل ارتفاع نسبة انحراف الأطفال والشباب وارتفاع أمراض النساء وخاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية والعصبية للنساء اللاتي بتن يتحملن بمفردهن بالإضافة إلى العمل على امتداد اليوم الأدوار العائلية.

واعتبرت أن الأدوار المتعددة للمرأة تثقل كاهلها ما يؤثر على الأدوار الأسرية ما يجعل الشباب والأطفال يعيشون في وضعيات هشة.

وأبرزت أن عدم التلاؤم بين الزمن المهني والزمن الأسري يجعل الأم غير قادرة على القيام بدورها بأريحية وبجودة عالية وبكثير من الايجابية والرصانة ما يمكن الأطفال من استبطان هذه الأريحية والإيجابية لدى الأم والأب أيضا ما يجعل الطفل سويا.

وأبرزت أن عدم التلاؤم بين الزمن المهني والأسري يجعل المرأة تعيش بالإضافة إلى حالة الضغط حالة من عدم الرضى وجلد الذات لإحساسها بثقل المسؤولية وعدم قدرتها على الإلمام بكل ما يحتاجه أبناءها من رعاية ومتابعة ما يخلق حالة من عدم التوازن داخل الأسرة بالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه الأم وهو دور غير معترف به.

وشددت المختصة في علم الاجتماع أن تلاؤم التوقيت المهني والأسري مهم جدا في تقارب أفراد العائلة بصفة عامة سواء الأم والأب مع الأبناء وحتى مع الجد والجدة بما يمكنهم من التقارب والتواصل أكثر، معتبرة أن التباعد الأسري خلق العديد من المشاكل وحالات عنف وطلاق خلال فترة كورونا، حيث كانت الفرصة لعدد من العائلات للتعرف من جديد على طباع بعضهم البعض والاقتراب أكثر من بعضهم إلا أنها كانت مغايرة لدى عائلات أخرى أين اندلعت الكثير من الخلافات.

وبينت أن التوقيت المهني افقد العائلة التواصل فيما بينها، مشيرة إلى أنه كل ما تلاؤم الزمن المهني مع الزمن الأسري إلا وكانت النتائج إيجابية أكثر على المجتمع وعلى العائلة والأطفال وحتى كبار السن الذين تطورت أمراضهم وعلى رأس هذه الأمراض "الزهايمر" ذلك أن كبار السن باتوا يشعرون بالوحدة وغياب الأبناء وفقدانهم التواصل اليومي والمباشر معهم.

واعتبرت أنه وفي غياب أي مؤسسات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات بديلة وعدم تفعيل الآليات التي يكرسها القانون من قبيل خطة "مندوب الحماية المحروسة" وهو موجود في مجلة حماية الطفولة وهي خطط وضعت كهيكل مرافق للأطفال أو الشباب المهدد بالانحراف، تقوم بالتأهيل والمتابعة والمرافق للأطفال والشباب، خاصة الذين ارتكبوا جنحة، بالإضافة إلى خطة الوساطة الاجتماعية، وكل هذه الهياكل والآليات من شأنها أن تساهم في الإعداد الجيد للأطفال والشباب للحياة في ظل انغماس الأولياء في العمل لفترة طويلة يوميا .

تقلص الانحراف بشكل كبير

وشددت المختصة في علم الاجتماع أن التقليص في الزمن المهني من شأنه أن يقلص من الانحراف بنسب كبيرة جدا، كما من شأنه أن يخلق مواطنا مختلفا وسويا وقادرا على التأقلم مع متطلبات الحياة ومتغيراتها خاصة قدرته على التأقلم مع مؤسسة الزواج بكل ما تتطلبه من استعداد نفسي.

وأشارت إلى أن التوافق بين الزمن المهني والمدرسي والأسري مهم ومهم جدا حتى يسترجع الأب والأم دورهما الحقيقي، وطالبت أنه في ظل غياب الوالدين فإن الدولة مطالبة بتفعيل جملة من الإجراءات وآليات لحماية الناشئة من الانحراف.

وأكدت المختصة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري أن الوقت قد حان كي تتخذ الدولة خطوة حاسمة لمراجعة التوقيت الإداري وملاءمته مع الزمن المدرسي بما ينعكس إيجابيا على تربية الأطفال وإعداد الشباب كما يجب لتحمل المسؤولية مستقبلا.

التقليص بنسبة 30% من استهلاك الطاقة.. ودفع نسبة النمو

وحول الموضوع أفاد حسين الرحيلي المختص في التنمية والتصرف في الموارد لـ"الصباح" أن زمن العمل في كل القطاعات والزمن المدرسي هما زمنان اجتماعيان والدول الناجحة والمتطورة هي التي تمكنت من دمج الزمن المدرسي بزمن العمل وذلك من خلال دمج العمل والدراسة في حصة واحدة مع التلاؤم في أيام الراحة الأسبوعية.

وأشار حسين الرحيلي إلى أن توحيد الزمن الاجتماعي في تونس له فوائد كبيرة وكبيرة جدا من الجانب الاقتصادي والجانب الطاقي والاجتماعي، كما له فوائد كبرى من حيث خلق ديناميكية سوسيولوجية واقتصادية وهو ما كشفت عنه دراسة أنجزت في بداية الثمانينات والتي أكدت على أهمية اعتماد نظام الحصة الواحدة مع مراجعة الزمن المدرسي ما يمكن من خلق ديناميكية اقتصادية مع التقليص بنسبة 30% من استهلاك الطاقة سواء داخل المؤسسات العمومية أو في المصانع، كما يمكن من التخفيض في نسبة التلوث بالنظر إلى تقلص حركة وسائل النقل.

واعتبر أن الزمن الاجتماعي قادر على خلق ديناميكية اقتصادية حيث يمكن للعائلات التوجه إلى المساحات التجارية أو الفضاءات العائلية للتنزه والإنفاق.

وأشار أن هذا التصور من الضروري أن لا يشمل فقط الزمن الإداري فقط بل كل القطاعات وينظر إليه كزمن اجتماعي، على اعتبار أن كل الدراسات أثبتت، بما في ذلك دراسة أجريت في أول التسعينات، أنه لابد من وضع الزمن المدرسي والإداري والمهني في تصور واحد خاصة في ظل التغييرات المناخية .

وبين أنه من غير المعقول أن يقصد تلميذ المدرسة في إحدى مناطق الجنوب في الساعة الواحدة بعد الزوال في درجات حرارة جد مرتفعة لاسيما وان حوالي 8 أشهر من السنة تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة وهي درجات يصعب خلالها تلقي الدروس لتدني قدرة استيعاب التلميذ في ظروف تعلم صعبة، وهذا يفرض التفكير في ملاءمة الزمن الاجتماعي مع ما تفرضه التغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.

وشدد على أن التوجه نحو تكريس زمن اجتماعي مهم لخلق ديناميكية اجتماعية تكون دافعا لخلق ديناميكية اقتصادية تشجع على الاستثمار وخلق الثروة التي تعد أساس خلق نسب النمو.

الحكومة.. لا مراجعة لساعات العمل

وكانت رئاسة الحكومة قد كشفت، خلال الأيام القليلة الماضية، في مراسلة رسمية للبرلمان ردّا على سؤال كتابي وجّهه لها النائب يوسف التونسي حول مراجعة عدد ساعات العمل في الوظيفة العمومية، أن "مشروع تنقيح قانون الوظيفة العمومية لم يتضمن أحكاما تتعلق بمراجعة عدد ساعات العمل".

وبينت أن "عدد ساعات العمل في الوظيفة العمومية التونسية تبقى متقاربة مع نظيراتها في عديد دول العالم"، مؤكدة أن التقليص فيها يبقى "غير وارد حاليا".

وجاء ذلك في إجابتها عن سؤال كتابي حول "توجه الحكومة في تنقيح قانون الوظيفة العمومية في ما يتعلق بعدد ساعات العمل والعمل بنظام الحصة الواحدة"، المنشورة على الموقع الالكتروني لمجلس نواب الشعب. وردا على سؤال هذا النائب بشأن إمكانية توحيد ساعات العمل بالنسبة إلى أعوان الحراسة بالقطاع العام والمنشآت العمومية مع نظرائهم في الوظيفة العمومية، قالت رئاسة الحكومة إن المسألة "غير مطروحة" لعدة اعتبارات.

حنان قيراط

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تخفيض استهلاك الطاقة وتحقيق النجاعة .. التغيرات المناخية قد تفرض مراجعة توقيت العمل الإداري

 

 

تونس-الصباح

منذ ما قبل الثورة يعود مراجعة التوقيت الإداري بما يتناسب مع التوقيت المدرسي إلى واجهة النقاش، واليوم يطرح الموضوع أكثر من ذي قبل في ظل التحولات الراديكالية المخيفة التي تشهدها العلاقات الأسرية من ارتفاع نسبة العنف الأسري من جهة وانحراف الأطفال والشباب من جهة أخرى حتى أن الأسرة باتت مفككة بسبب غياب التواصل بشكل طبيعي بين أفراد العائلة الواحدة وتحمل الأم لعبء ثقيل بين ساعات العمل الطويلة والإحاطة بين الأبناء.

 مراجعة التوقيت الإداري تفرضه أيضا التحولات المناخية وتحديدا في ما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 6 أشهر من السنة وارتفاع تكلفة استهلاك الطاقة في المؤسسات والمنشآت العمومية، ملف يطرح نفسه بقوة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.

مجلس النواب يناقش الملف

وفي هذا الخصوص تطرق مجلس النواب خلال جلسة استماع لممثلي رئاسة الحكومة، عقدتها لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد خلال شهر فيفري 2024، حول مدى التقدم في مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالتطوير الإداري والوظيفة العمومية والصفقات العمومية، إلى منظومة التأجير والمِنح العمومية.

حيث استفسر النواب عن تصور ممثلي رئاسة الحكومة لتطوير التحفيز المادي للموظف العمومي مع التأكيد على اعتماد مقاييس الكفاءة والجدية والمردودية، كما طالب النواب بمراجعة التوقيت الإداري للحدّ من التأثير السلبي على الأسرة وعلى المجتمع في اتجاه إضفاء أكثر مرونة، واقترحوا اعتماد نظام العمل بالحصّة الواحدة، كما أكدوا على ضرورة تحديد سقف زمني للمراحل المتبقية لاستكمال مراجعة قانون الوظيفة العمومية.

وطالب النواب بمراجعة التوقيت الإداري للحد من التأثير السلبي على الأسرة وعلى المجتمع في اتجاه إضفاء أكثر مرونة، واقترحوا اعتماد نظام العمل بالصحة الواحدة.

 توقيت يدافع عنه كثيرون باتجاه مراعاة التغيرات الاجتماعية وحاجيات الأسرة والأبناء وحتى مراعاة المعطيات المناخية بعد أن أصبح موسم الحرارة والصيف يمتد لحوالي 6أشهر في السنة.

وكانت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال موسى قد أعلنت خلال شهر سبتمبر من العام 2022 عن إطلاق تكوين لجنة تفكير وطنية حول الأسرة التونسية وجدوى اعتماد نظام الحصة الواحدة في العمل على أن تكون اللجنة ممثلة من الجنسين الرجل والمرأة.

وأضافت الوزيرة أن هذه اللجنة "قد تشتغل على امتداد عام كامل بمشاركة الهياكل الحكومية والمجتمع المدني وخبراء في مجال علم النفس والاجتماع ومختصين في المجال الاقتصادي للتفكير معا وصياغة المخرجات التي سوف تحدد الخطوات المستقبلية والمشاريع الكبرى حول مدى جدوى فرضية اعتماد نظام عمل بحصة واحدة في تونس للأسرة التونسية".

جدل متواصل

فالجدل حول التوقيت الإداري ونظام الحصة الواحدة لم يتوقف إذ طرح أول مرة بعد الثورة في 2012 بمناسبة الاستشارة الوطنية حول إصلاح الإدارة التونسية وصولا إلى اليوم. وفي حين يدافع كثيرون عن فكرة نظام الحصة الواحدة يعارض آخرون مثل هذا التوجه والتفكير فيه أصلا نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعرفها البلاد والحاجة لمزيد العمل، خاصة بالنظر إلى ما يتطلبه الانتقال من نظام الحصتين إلى الحصة الواحدة من استعدادات تنظيمية وتنسيق بين الوزارات وبين المؤسسات العمومية والهياكل الإدارية المختلفة خاصّة بالنسبة للنقل العمومي ولتنظيم حركة المرور ومواعيد فتح وغلق بعض المؤسسات الحساسة.

ولئن مر التوقيت الإداري بجملة من القرارات بعد أن تم في سبتمبر 2012 إقرار يومي السبت والأحد عطلة في عدد من القطاعات العمومية بمعدل 40 ساعة عمل أسبوعيا، عادت الحكومة لإلغاء اعتماد عطلة يوم السبت والاكتفاء بيوم راحة وحيد في الأسبوع لعدد من القطاعات العمومية وذلك في نوفمبر 2016 .

مراجعة التوقيت المهني أكثر من ضروري

وحول الموضوع اعتبرت المختصة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري لـ"الصباح" أن مراجعة التوقيت الإداري مطلب أساسي للأولياء الذين يطالبون بملاءمة الزمن المدرسي مع الزمن الأسري والهدف منه هو إعداد جيل متماسك ذو شخصية قوية في ظل ارتفاع نسبة انحراف الأطفال والشباب وارتفاع أمراض النساء وخاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية والعصبية للنساء اللاتي بتن يتحملن بمفردهن بالإضافة إلى العمل على امتداد اليوم الأدوار العائلية.

واعتبرت أن الأدوار المتعددة للمرأة تثقل كاهلها ما يؤثر على الأدوار الأسرية ما يجعل الشباب والأطفال يعيشون في وضعيات هشة.

وأبرزت أن عدم التلاؤم بين الزمن المهني والزمن الأسري يجعل الأم غير قادرة على القيام بدورها بأريحية وبجودة عالية وبكثير من الايجابية والرصانة ما يمكن الأطفال من استبطان هذه الأريحية والإيجابية لدى الأم والأب أيضا ما يجعل الطفل سويا.

وأبرزت أن عدم التلاؤم بين الزمن المهني والأسري يجعل المرأة تعيش بالإضافة إلى حالة الضغط حالة من عدم الرضى وجلد الذات لإحساسها بثقل المسؤولية وعدم قدرتها على الإلمام بكل ما يحتاجه أبناءها من رعاية ومتابعة ما يخلق حالة من عدم التوازن داخل الأسرة بالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه الأم وهو دور غير معترف به.

وشددت المختصة في علم الاجتماع أن تلاؤم التوقيت المهني والأسري مهم جدا في تقارب أفراد العائلة بصفة عامة سواء الأم والأب مع الأبناء وحتى مع الجد والجدة بما يمكنهم من التقارب والتواصل أكثر، معتبرة أن التباعد الأسري خلق العديد من المشاكل وحالات عنف وطلاق خلال فترة كورونا، حيث كانت الفرصة لعدد من العائلات للتعرف من جديد على طباع بعضهم البعض والاقتراب أكثر من بعضهم إلا أنها كانت مغايرة لدى عائلات أخرى أين اندلعت الكثير من الخلافات.

وبينت أن التوقيت المهني افقد العائلة التواصل فيما بينها، مشيرة إلى أنه كل ما تلاؤم الزمن المهني مع الزمن الأسري إلا وكانت النتائج إيجابية أكثر على المجتمع وعلى العائلة والأطفال وحتى كبار السن الذين تطورت أمراضهم وعلى رأس هذه الأمراض "الزهايمر" ذلك أن كبار السن باتوا يشعرون بالوحدة وغياب الأبناء وفقدانهم التواصل اليومي والمباشر معهم.

واعتبرت أنه وفي غياب أي مؤسسات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات بديلة وعدم تفعيل الآليات التي يكرسها القانون من قبيل خطة "مندوب الحماية المحروسة" وهو موجود في مجلة حماية الطفولة وهي خطط وضعت كهيكل مرافق للأطفال أو الشباب المهدد بالانحراف، تقوم بالتأهيل والمتابعة والمرافق للأطفال والشباب، خاصة الذين ارتكبوا جنحة، بالإضافة إلى خطة الوساطة الاجتماعية، وكل هذه الهياكل والآليات من شأنها أن تساهم في الإعداد الجيد للأطفال والشباب للحياة في ظل انغماس الأولياء في العمل لفترة طويلة يوميا .

تقلص الانحراف بشكل كبير

وشددت المختصة في علم الاجتماع أن التقليص في الزمن المهني من شأنه أن يقلص من الانحراف بنسب كبيرة جدا، كما من شأنه أن يخلق مواطنا مختلفا وسويا وقادرا على التأقلم مع متطلبات الحياة ومتغيراتها خاصة قدرته على التأقلم مع مؤسسة الزواج بكل ما تتطلبه من استعداد نفسي.

وأشارت إلى أن التوافق بين الزمن المهني والمدرسي والأسري مهم ومهم جدا حتى يسترجع الأب والأم دورهما الحقيقي، وطالبت أنه في ظل غياب الوالدين فإن الدولة مطالبة بتفعيل جملة من الإجراءات وآليات لحماية الناشئة من الانحراف.

وأكدت المختصة في علم الاجتماع لطيفة التاجوري أن الوقت قد حان كي تتخذ الدولة خطوة حاسمة لمراجعة التوقيت الإداري وملاءمته مع الزمن المدرسي بما ينعكس إيجابيا على تربية الأطفال وإعداد الشباب كما يجب لتحمل المسؤولية مستقبلا.

التقليص بنسبة 30% من استهلاك الطاقة.. ودفع نسبة النمو

وحول الموضوع أفاد حسين الرحيلي المختص في التنمية والتصرف في الموارد لـ"الصباح" أن زمن العمل في كل القطاعات والزمن المدرسي هما زمنان اجتماعيان والدول الناجحة والمتطورة هي التي تمكنت من دمج الزمن المدرسي بزمن العمل وذلك من خلال دمج العمل والدراسة في حصة واحدة مع التلاؤم في أيام الراحة الأسبوعية.

وأشار حسين الرحيلي إلى أن توحيد الزمن الاجتماعي في تونس له فوائد كبيرة وكبيرة جدا من الجانب الاقتصادي والجانب الطاقي والاجتماعي، كما له فوائد كبرى من حيث خلق ديناميكية سوسيولوجية واقتصادية وهو ما كشفت عنه دراسة أنجزت في بداية الثمانينات والتي أكدت على أهمية اعتماد نظام الحصة الواحدة مع مراجعة الزمن المدرسي ما يمكن من خلق ديناميكية اقتصادية مع التقليص بنسبة 30% من استهلاك الطاقة سواء داخل المؤسسات العمومية أو في المصانع، كما يمكن من التخفيض في نسبة التلوث بالنظر إلى تقلص حركة وسائل النقل.

واعتبر أن الزمن الاجتماعي قادر على خلق ديناميكية اقتصادية حيث يمكن للعائلات التوجه إلى المساحات التجارية أو الفضاءات العائلية للتنزه والإنفاق.

وأشار أن هذا التصور من الضروري أن لا يشمل فقط الزمن الإداري فقط بل كل القطاعات وينظر إليه كزمن اجتماعي، على اعتبار أن كل الدراسات أثبتت، بما في ذلك دراسة أجريت في أول التسعينات، أنه لابد من وضع الزمن المدرسي والإداري والمهني في تصور واحد خاصة في ظل التغييرات المناخية .

وبين أنه من غير المعقول أن يقصد تلميذ المدرسة في إحدى مناطق الجنوب في الساعة الواحدة بعد الزوال في درجات حرارة جد مرتفعة لاسيما وان حوالي 8 أشهر من السنة تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة وهي درجات يصعب خلالها تلقي الدروس لتدني قدرة استيعاب التلميذ في ظروف تعلم صعبة، وهذا يفرض التفكير في ملاءمة الزمن الاجتماعي مع ما تفرضه التغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.

وشدد على أن التوجه نحو تكريس زمن اجتماعي مهم لخلق ديناميكية اجتماعية تكون دافعا لخلق ديناميكية اقتصادية تشجع على الاستثمار وخلق الثروة التي تعد أساس خلق نسب النمو.

الحكومة.. لا مراجعة لساعات العمل

وكانت رئاسة الحكومة قد كشفت، خلال الأيام القليلة الماضية، في مراسلة رسمية للبرلمان ردّا على سؤال كتابي وجّهه لها النائب يوسف التونسي حول مراجعة عدد ساعات العمل في الوظيفة العمومية، أن "مشروع تنقيح قانون الوظيفة العمومية لم يتضمن أحكاما تتعلق بمراجعة عدد ساعات العمل".

وبينت أن "عدد ساعات العمل في الوظيفة العمومية التونسية تبقى متقاربة مع نظيراتها في عديد دول العالم"، مؤكدة أن التقليص فيها يبقى "غير وارد حاليا".

وجاء ذلك في إجابتها عن سؤال كتابي حول "توجه الحكومة في تنقيح قانون الوظيفة العمومية في ما يتعلق بعدد ساعات العمل والعمل بنظام الحصة الواحدة"، المنشورة على الموقع الالكتروني لمجلس نواب الشعب. وردا على سؤال هذا النائب بشأن إمكانية توحيد ساعات العمل بالنسبة إلى أعوان الحراسة بالقطاع العام والمنشآت العمومية مع نظرائهم في الوظيفة العمومية، قالت رئاسة الحكومة إن المسألة "غير مطروحة" لعدة اعتبارات.

حنان قيراط