إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التهامي الهاني .. والهوية المتجـذرة !(1/2)

بقلم : رشيـــــد الـــــــذوادي

  • في حضور الذاكـــــــــــرة :

وحضور الذاكرة ؛ كان لدينا إدراكا واسعا لفهم البعد المعرفي ولطبيعة المجتمعات الإنسانية.. ولكل ما ناضل من أجله الإنسان في سبيل تحقيق رغائبه.. وهنا قد تتعدد الآراء والمقولات في حبّ الأوطان ووعي المواطنة، وفي الرغبة لتغيير الواقع للأصلح والأفضل.

وهنا.. رأينا المفكر الفرنسي الكبير عالم الاجتماع والأنثوبولوجيا  (كلود ليفي شتراوس) يقول : "إن للثقافة وللفكر الإنساني إنجازات في الارتقاء بالعقل البشري.. والعقل هو الذي قاد الإنسان لصيرورة مستمرة، ولتجارب فكرية وعقلانية ذات جدوى في بناء الحضارة وتواجد قوى الخير في سبيل إسعاد الغير".

وفي ضوء هذه المرجعيات ؛يكون الحديث ممتعا عن القيم ؛ بوصفها حضورا مشعا في مسارات الإنسان، وفي مرجعيات القضايا الكبرى.. وأسئلة الذات من عوادي الأيام وتقلبات الأحوال.

وفي ضوء إشارات الذاكرة ؛ كنا قرأنا تباين الآراء، وصور الإخلاص، وأسئلة الذات.. وحتى اقتباسات مشاهد الوفاء للتاريخ العريق، ومدى تفاعل النخب معه ومع القضايا العادلة،ومع تخليق الحياة وكل ما أستوفى مهارات في القول وفي التعبير، عن اللغة والدين ووحدة المصير الواحد.. وجميع هذا مثل لي إحدى الرافعات ؛ التي قام عليها بناء الإنسان العربي كقامة شامخة وثائرة وطموحة للعزّة.

ومما توافر لدينا أيضا عن عشق الشعراء العرب لأوطانهم ما جاءنا على لسان محمود درويش شاعر فلسطين القائل :

وطني يعلمني حديد سلاسلـــــــي *** عنق النسور ورقة المتفائـــــــــــــــل

ما كنت أعرف أن تحت جلودنا *** ميلاد عاصفة وعرس جـــــــــــــــداول

سدّوا عليّ النور في زنزانـــــــــــــــة *** فتوهجت في القلب شمس مشاعل

فتلك هي أمثلة من فصول التحدي في بلاد العرب.. وقد عشنا في هذه الفصول نحلم كثيرا ونتطلع إلى تحقيق الأحلام والأماني.. وإلى التعايش مع الآخر حتى وإن اختلفت رؤانا ورؤاه !..

هذا، ولطالما عشت في بلادي العربية كحقيقة عبر الوجود ؛ الذي يصوره الفنان.. ولطالما كتبت عنها وعن تاريخها الحافل، وأشدت بالتجارب الكبرى ؛ التي مرت بنا في حياتنا.. فأرض العرب أراها دوما عظيمة في نظري، وسجلا حافلا بمآثر العرب، وخزانة ثابتة لحكمتهم، ومستنبط آدابهم وفكرهم... وكم جذبتني الأيام أكثر من مرة لأتحدث عنها، وعن ميراثها الخالد في موازين المعرفة وتصفح الكلام، وفي تدبر الشعر، ومدارات الملكات الفنية الخالصة.. (هي أرض الشهيد والمبدع.. وصاحب الرأي الرشيد..). وحتى تبقى خالدة في كل عمر ؛أستوجب أن أقول عنها من جديد : هي وطن عجيب، وله إسهامات في الارتقاء بالإنسان، وأبناؤها اتصفوا بالحكمة، وخاضوا المعارك من أجل إرساء التجارب الأدبية من إيحاءات وفن رفيع وإثارة وتأثير.. وهي موطن الجدود.. وأحرفه صيغت من كلمات.. وهي ليست بالغريبة عنّا ؛ لكنها ذات معنى ومقاصد ودلالات في موازين النقد حيال القضايا الكبرى، وحيال القصيدة الشعرية،  والنص الأدبي الجيد، وقيود المضمون في المعاني، وفي ما اقتضاه العقل والمنطق ومحددات المشاعر.

وفي حكايات أرض العرب ؛ ترى التاريخ، والحاضر، والمتغير والواعد بـ (معمارية جديدة) تسمح للجميع بأن يرونها دوما أرضا وبلدا ناضج الإحساس، ومتزن التفكير، تفيض منه روح المرح والفرحة، ونكتشف فيه أنماطا من صبر الإنسان، ومن وجهات نظره الواسعة في منسوب قيم العدل ومطالب الحريات.

هذا.. وفي مجال الإشادة بدور رجال الفكر في هذه الديار أقول : هم صفوة من الخيّرين في هذه الصورة ؛ حتى وإن تباينت لنا آراؤهم في بعض القضايا ؛ فهم شخصيات ذكية آمنت بالمبادئ.. ولهم توليفة خاصة تعتمد على الحكمة وبعد النظر، وهم شجعان في إبداء آرائهم ومواقفهم.

وتمضي الأيام.. ويحدث (وفاق بين الماضي والزمن)، ويحصل من هذا الوفاق ما استفدنا منه من معايير وتجارب ؛ كنا في حاجة ماسة إليهما.. وهنا تأكد لدينا أن (الماضي والزمن) كلاهما تجذر في نفوسنا .. وكلاهما تحوّل فينا إلى (رمز..) نفاخر به،ويتم هذا بفضل الرواد من الأدباء ؛ الذين أحببناهم وعايشناهم، وتعلمنا منهم النصح والتوجيه الصائب.

وللعلم ؛ فإن الرواد والكتاب، لم يبقوا قط بعيدين عن انشغالاتنا، أو بمعزل عن قضايانا الفكرية والوجودية والمجتمعية.. بل وعاشوا معنا دعاة خير، وتواقين إلى العدل والإنصاف وإلى ما يعكس طبيعة (الرؤية) التواقة إلى الطيبة الحقيقية المتمثلة في (القلب المفتوح) للجميع حسب تعاليم الأديان السماوية ... ووصايا الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن (اللغة العربية) استمدت صيتها من خلال (القرآن الكريم)، ومن لهجات العرب الثرية ؛ وبالخصوص من (لهجة قريش) الذائعة الصيت .. إذ أسهمت هذه اللهجة في تهذيب (لغة العرب)، وفي تليين أساليبها، كما وسعت المادة اللغوية بإدخال ألفاظ فقهية ودينية وتغييرات جديدة في فقه اللغة وفي تطويع أساليبها .

ولذا.. يستوجب أن أقول : إن أقلام العرب لها تاريخ حافل، في خارطة الواقع وفي إسهامات حركة التطور السريع في المجتمعات العربية، وقد أبقت لنا صنوفا من الكتابات ؛ جسدت العاطفة والمشاعر، وكل ما كان له قيمة أخلاقية ووطنية.

ومن هذه الكتابات كتابات : محمد الفاضل بن عاشور، وعبد العزيز الثعالبي، والطاهر الحداد، ويحي حقي ؛الأديب الحريص على العدل الإجتماعي، وطه حسين، ومحمد مزالي ؛ الذي استمات في الدفاع عن التعريب وعن الهوية في بلاده، وتوفيق الحكيم ؛ الذي توفق في مسرحيته: (يا طالع الشجرة) في تجسيد الصراع القائم بين الفنان كـ :(رمز للفن.. والمرأة كرمز للحياة)

لذا.. فيتضح لكم ومن كل هذا – أن أقلام الأدباء العرب لم تصمت ؛ بل وخاضت معارك كبرى لتخلد المآثر والمواقف الحرة في التعبير عن الذات والهوية والقضايا العادلة.. وفي (فن الكتابة الراقي).. وحتى في الخواطر والمشاعر النفسية.. ولمسنا نماذج من هذه الألوان في كتابات الدكتور طه حسين ؛ الذي ألح في عصره على التأكيد على الحوار مع الشباب والنخب عامة، ودعا أيضا إلى الاهتمام بقضايا العصر، وحدّد رسالة الكاتب بقوله :

(الأديب لا يعيش إلا بالناس ** ولا يعيش إلا للناس..)

فتلك هي نصيحة طه حسين في متعة الكلمة الصادقة وفي سرديات الحياة، ومعايشة الواقع واختياراته.. وفي فصول الالتقاء بالفكر المستنير، وفي فيض مسارات الأشواق.. وعما نريده ونطمح إليه، وعما لا نريده ونرفضه.

 

التهامي الهاني .. والهوية المتجـذرة !(1/2)

بقلم : رشيـــــد الـــــــذوادي

  • في حضور الذاكـــــــــــرة :

وحضور الذاكرة ؛ كان لدينا إدراكا واسعا لفهم البعد المعرفي ولطبيعة المجتمعات الإنسانية.. ولكل ما ناضل من أجله الإنسان في سبيل تحقيق رغائبه.. وهنا قد تتعدد الآراء والمقولات في حبّ الأوطان ووعي المواطنة، وفي الرغبة لتغيير الواقع للأصلح والأفضل.

وهنا.. رأينا المفكر الفرنسي الكبير عالم الاجتماع والأنثوبولوجيا  (كلود ليفي شتراوس) يقول : "إن للثقافة وللفكر الإنساني إنجازات في الارتقاء بالعقل البشري.. والعقل هو الذي قاد الإنسان لصيرورة مستمرة، ولتجارب فكرية وعقلانية ذات جدوى في بناء الحضارة وتواجد قوى الخير في سبيل إسعاد الغير".

وفي ضوء هذه المرجعيات ؛يكون الحديث ممتعا عن القيم ؛ بوصفها حضورا مشعا في مسارات الإنسان، وفي مرجعيات القضايا الكبرى.. وأسئلة الذات من عوادي الأيام وتقلبات الأحوال.

وفي ضوء إشارات الذاكرة ؛ كنا قرأنا تباين الآراء، وصور الإخلاص، وأسئلة الذات.. وحتى اقتباسات مشاهد الوفاء للتاريخ العريق، ومدى تفاعل النخب معه ومع القضايا العادلة،ومع تخليق الحياة وكل ما أستوفى مهارات في القول وفي التعبير، عن اللغة والدين ووحدة المصير الواحد.. وجميع هذا مثل لي إحدى الرافعات ؛ التي قام عليها بناء الإنسان العربي كقامة شامخة وثائرة وطموحة للعزّة.

ومما توافر لدينا أيضا عن عشق الشعراء العرب لأوطانهم ما جاءنا على لسان محمود درويش شاعر فلسطين القائل :

وطني يعلمني حديد سلاسلـــــــي *** عنق النسور ورقة المتفائـــــــــــــــل

ما كنت أعرف أن تحت جلودنا *** ميلاد عاصفة وعرس جـــــــــــــــداول

سدّوا عليّ النور في زنزانـــــــــــــــة *** فتوهجت في القلب شمس مشاعل

فتلك هي أمثلة من فصول التحدي في بلاد العرب.. وقد عشنا في هذه الفصول نحلم كثيرا ونتطلع إلى تحقيق الأحلام والأماني.. وإلى التعايش مع الآخر حتى وإن اختلفت رؤانا ورؤاه !..

هذا، ولطالما عشت في بلادي العربية كحقيقة عبر الوجود ؛ الذي يصوره الفنان.. ولطالما كتبت عنها وعن تاريخها الحافل، وأشدت بالتجارب الكبرى ؛ التي مرت بنا في حياتنا.. فأرض العرب أراها دوما عظيمة في نظري، وسجلا حافلا بمآثر العرب، وخزانة ثابتة لحكمتهم، ومستنبط آدابهم وفكرهم... وكم جذبتني الأيام أكثر من مرة لأتحدث عنها، وعن ميراثها الخالد في موازين المعرفة وتصفح الكلام، وفي تدبر الشعر، ومدارات الملكات الفنية الخالصة.. (هي أرض الشهيد والمبدع.. وصاحب الرأي الرشيد..). وحتى تبقى خالدة في كل عمر ؛أستوجب أن أقول عنها من جديد : هي وطن عجيب، وله إسهامات في الارتقاء بالإنسان، وأبناؤها اتصفوا بالحكمة، وخاضوا المعارك من أجل إرساء التجارب الأدبية من إيحاءات وفن رفيع وإثارة وتأثير.. وهي موطن الجدود.. وأحرفه صيغت من كلمات.. وهي ليست بالغريبة عنّا ؛ لكنها ذات معنى ومقاصد ودلالات في موازين النقد حيال القضايا الكبرى، وحيال القصيدة الشعرية،  والنص الأدبي الجيد، وقيود المضمون في المعاني، وفي ما اقتضاه العقل والمنطق ومحددات المشاعر.

وفي حكايات أرض العرب ؛ ترى التاريخ، والحاضر، والمتغير والواعد بـ (معمارية جديدة) تسمح للجميع بأن يرونها دوما أرضا وبلدا ناضج الإحساس، ومتزن التفكير، تفيض منه روح المرح والفرحة، ونكتشف فيه أنماطا من صبر الإنسان، ومن وجهات نظره الواسعة في منسوب قيم العدل ومطالب الحريات.

هذا.. وفي مجال الإشادة بدور رجال الفكر في هذه الديار أقول : هم صفوة من الخيّرين في هذه الصورة ؛ حتى وإن تباينت لنا آراؤهم في بعض القضايا ؛ فهم شخصيات ذكية آمنت بالمبادئ.. ولهم توليفة خاصة تعتمد على الحكمة وبعد النظر، وهم شجعان في إبداء آرائهم ومواقفهم.

وتمضي الأيام.. ويحدث (وفاق بين الماضي والزمن)، ويحصل من هذا الوفاق ما استفدنا منه من معايير وتجارب ؛ كنا في حاجة ماسة إليهما.. وهنا تأكد لدينا أن (الماضي والزمن) كلاهما تجذر في نفوسنا .. وكلاهما تحوّل فينا إلى (رمز..) نفاخر به،ويتم هذا بفضل الرواد من الأدباء ؛ الذين أحببناهم وعايشناهم، وتعلمنا منهم النصح والتوجيه الصائب.

وللعلم ؛ فإن الرواد والكتاب، لم يبقوا قط بعيدين عن انشغالاتنا، أو بمعزل عن قضايانا الفكرية والوجودية والمجتمعية.. بل وعاشوا معنا دعاة خير، وتواقين إلى العدل والإنصاف وإلى ما يعكس طبيعة (الرؤية) التواقة إلى الطيبة الحقيقية المتمثلة في (القلب المفتوح) للجميع حسب تعاليم الأديان السماوية ... ووصايا الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وإن (اللغة العربية) استمدت صيتها من خلال (القرآن الكريم)، ومن لهجات العرب الثرية ؛ وبالخصوص من (لهجة قريش) الذائعة الصيت .. إذ أسهمت هذه اللهجة في تهذيب (لغة العرب)، وفي تليين أساليبها، كما وسعت المادة اللغوية بإدخال ألفاظ فقهية ودينية وتغييرات جديدة في فقه اللغة وفي تطويع أساليبها .

ولذا.. يستوجب أن أقول : إن أقلام العرب لها تاريخ حافل، في خارطة الواقع وفي إسهامات حركة التطور السريع في المجتمعات العربية، وقد أبقت لنا صنوفا من الكتابات ؛ جسدت العاطفة والمشاعر، وكل ما كان له قيمة أخلاقية ووطنية.

ومن هذه الكتابات كتابات : محمد الفاضل بن عاشور، وعبد العزيز الثعالبي، والطاهر الحداد، ويحي حقي ؛الأديب الحريص على العدل الإجتماعي، وطه حسين، ومحمد مزالي ؛ الذي استمات في الدفاع عن التعريب وعن الهوية في بلاده، وتوفيق الحكيم ؛ الذي توفق في مسرحيته: (يا طالع الشجرة) في تجسيد الصراع القائم بين الفنان كـ :(رمز للفن.. والمرأة كرمز للحياة)

لذا.. فيتضح لكم ومن كل هذا – أن أقلام الأدباء العرب لم تصمت ؛ بل وخاضت معارك كبرى لتخلد المآثر والمواقف الحرة في التعبير عن الذات والهوية والقضايا العادلة.. وفي (فن الكتابة الراقي).. وحتى في الخواطر والمشاعر النفسية.. ولمسنا نماذج من هذه الألوان في كتابات الدكتور طه حسين ؛ الذي ألح في عصره على التأكيد على الحوار مع الشباب والنخب عامة، ودعا أيضا إلى الاهتمام بقضايا العصر، وحدّد رسالة الكاتب بقوله :

(الأديب لا يعيش إلا بالناس ** ولا يعيش إلا للناس..)

فتلك هي نصيحة طه حسين في متعة الكلمة الصادقة وفي سرديات الحياة، ومعايشة الواقع واختياراته.. وفي فصول الالتقاء بالفكر المستنير، وفي فيض مسارات الأشواق.. وعما نريده ونطمح إليه، وعما لا نريده ونرفضه.